31-يناير-2023
 نور الدين الطبوبي

هل تسمح التوازنات حاليًا داخل المنظمة الشغيلة المثقلة بالحسابات والعلاقات بالخروج أصلًا عن سقف 25 جويلية أو حتى تصعيد الخلاف مع الرئيس؟ (فتحي بلعيد/أ.ف.ب)

 

بعيدًا عن الانتخابات وما يحيط بها، تعيش تونس على وقع إقالات متتالية لوزراء في حكومة نجلاء بودن. ليل الاثنين 30 جانفي/يناير 2023، تعلن الرئاسة إقالة وزيري التربية والتعليم فتحي السلاوتي والفلاحة والموارد المائية والصيد البحري محمود إلياس حمزة، وتعيين محمد علي البوغديري وزيرًا للتربية وعبد المنعم بلعاتي وزيرًا للفلاحة.

لا تقدم الرئاسة أي توضيحات للعلن إزاء إقالات الوزراء المتتالية، لكنها تٌفهم في إطار تحميل المسؤوليات من الرئيس لهم إزاء أزمات تعرفها البلاد في مجالات ذات صلة بوزاراتهم

 

 

وقبل ذلك، وتحديدًا ليل الجمعة 6 جانفي/يناير 2023، أقال قيس سعيّد وزيرة التجارة وتنمية الصادرات فضيلة الرابحي وعيّن مكانها كلثوم بن رجب قزاح. ولا تقدم الرئاسة التونسية أي توضيحات للعلن إزاء هذه الإقالات، لكنها تٌفهم في إطار تحميل المسؤوليات من الرئيس لهؤلاء الوزراء إزاء أزمات تعرفها البلاد في مجالات ذات صلة بوزاراتهم.

 

 

ومثال ذلك تتالي أشكال الاحتجاج المختلفة من نقابات التعليم وتسجيل نقص في توفر بعض المواد الأساسية وخاصة منها المواد الغذائية أو أزمات في منظومات الإنتاج ومصاعب في قطاع الفلاحة. ورغم تعدد الأسباب خلف ذلك، وفق المختصين الاقتصاديين ومنها أسباب تعود للصعوبات التي تشهدها المالية العمومية في تونس، إلا أن سعيّد يركز في خطاباته على الاحتكار واتهام أشخاص، لا يسميهم، بالتورط في نقص بعض المواد أو فقدانها.

كشف تعيين القيادي السابق في اتحاد الشغل محمد علي البوغديري وزيرًا للتربية، عدة رسائل من سعيّد إلى المنظمة الشغيلةوتحديدًا إلى أمينها العام نور الدين الطبوبي

 

 

لكن اسمًا معروفًا لدى عموم التونسيين وقع تعيينه وزيرًا جديدًا للتربية والتعليم وكشف هذا التعيين ما تبدو رسائل من قيس سعيّد إلى المنظمة الشغيلة الفاعلة في المشهد التونسي، الاتحاد العام التونسي للشغل، وتحديدًا إلى أمينها العام نور الدين الطبوبي.

يتعلق الأمر بتعيين محمد علي البوغديري على رأس هذه الوزارة وهو النقابي البارز في اتحاد الشغل والذي شغل سابقًا منصب الأمين العام المساعد وهو حاليًا عضو مبادرة "لينتصر الشعب"، المبادرة المحدثة مؤخرًا من مجموعة من مناصري الرئيس.

ما يميز البوغديري بشكل خاص هو خلافه مع قيادة اتحاد الشغل مؤخرًا وعلى رأسها الأمين العام للمنظمة نور الدين الطبوبي، إذ كان من معارضي عقد المؤتمر الأخير للاتحاد ومن داعمي القضية التي رُفعت لإبطال هذا المؤتمر. تدريجيًا، تطورت تصريحات البوغديري لينخرط ضمن مبادرة "لينتصر الشعب" ويعلن دعمه بوضوح لتوجهات قيس سعيّد.

ما يميز البوغديري بشكل خاص هو خلافه مع قيادة اتحاد الشغل وعلى رأسها الأمين العام للمنظمة إذ كان من معارضي عقد المؤتمر الأخير للاتحاد ومن داعمي القضية التي رُفعت لإبطاله

يمكن هنا قراءة التعيين كرسالة من سعيّد للطبوبي، من خلال تعيينه "غريمًا له" على رأس وزارة مهمة تعرف خلافات واسعة مع النقابيين ويعوّل الطبوبي على ثقلها، من حيث عدد المنخرطين ونشاطهم وتحركاتهم، خلال مفاوضاته الاجتماعية مع الحكومة دائمًا، فيما يعوّل سعيّد من خلال هذا التعيين على الاستفادة من علاقات البوغديري في هذا القطاع وإمكانية نجاحه في ضبط الخلافات مع نقابيي التربية والتعليم.

 

 

يُطرح السؤال هنا حول موقف الطبوبي وهو الذي يتزعم مبادرة أطلق عليها "مبادرة الإنقاذ" الموجهة أساساً لسعيّد كمقترح لحل الأزمات الراهنة في البلاد، وذلك رفقة زعماء منظمات أخرى، هي الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان وعمادة المحامين والمنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية.

يجد الطبوبي نفسه في موقف محرج لا ريب، إما مواصلة نفس النهج في "مبادرة الإنقاذ" وهو يتأكد كل يوم بشكل أوضح أن الرئيس لن يتفاعل معها، أو يتجه نحو تغيير وجهتها والخروج مما طالما أكده وهو "العمل والإصلاح تحت سقف 25 جويلية"؟

يجد الأخير نفسه في موقف محرج لا ريب، إما مواصلة نفس النهج في المبادرة وهو يتأكد كل يوم بشكل أوضح أن الرئيس لا يهتم بها ولن يكون تفاعله إيجابيًا معها، أو يتجه نحو التصعيد أو تغيير وجهة المبادرة والخروج مما طالما أكده وهو "العمل والإصلاح تحت سقف 25 جويلية"؟

 

 

تتعدد الأسئلة هنا: هل تسمح التوازنات حاليًا داخل المنظمة الشغيلة المثقلة بالحسابات والعلاقات بالخروج أصلًا عن سقف 25 جويلية أو حتى تصعيد الخلاف مع الرئيس؟ هل يخدم ذلك المطالب الاجتماعية للشغالين/لمنظوريها؟..

تحمل كل الطرق للطبوبي مصاعب عدة وقد تخفي عثرات قاصمة ينتظرها متربصون داخل الاتحاد وخارجه، أملًا في تغيير قيادته ومن ثم إلحاقه بركب "جزء من المجتمع المدني" الداعم/الصامت إزاء توجهات سعيّد

يبدو أمين عام المنظمة الشغيلة نور الدين الطبوبي في مرحلة دقيقة من تاريخ البلاد والمنظمة العريقة والفاعلة في تاريخ تونس، وتحمل كل الطرق، على قلتها، مصاعب له وقد تخفي عثرات قاصمة ينتظرها متربصون داخل المنظمة وخارجها، أملًا في تغيير قيادتها ومن ثم التحاقها بركب "جزء من المجتمع المدني" الداعم/الصامت إزاء توجهات الرئيس سعيّد.