25-ديسمبر-2019

تطالب الهياكل القضائية رئيس الجمهورية بإمضاء الحركة القضائية ونشرها في الرائد الرسمي (صورة أرشيفية/فتحي بلعيد/أ.ف.ب)

 

لازال الجدل محتدمًا بسبب عدم إمضاء رئيس الجمهورية قيس سعيّد للحركة القضائية التي أعدها المجلس الأعلى للقضاء وعدم نشرها في الرائد الرّسمي، وهو ما أثار رفض الهياكل القضائية التي تؤكد أنّ تعطّل الحركة القضائية من شأنه التأثير على المسار المهني للقضاة والسير العادي للمحاكم في البلاد.

تأتي هذه الأزمة بين السلطتين التنفيذية والقضائية، الأولى من نوعها، بعد إحداث مجلس القضاء العدلي، أحد هياكل المجلس الأعلى للقضاء، خططًا قضائية بمقتضى قرار ترتيبي وهو ما ترفضه السلطة التنفيذية

وتأتي هذه الأزمة بين السلطتين التنفيذية والقضائية، الأولى من نوعها، بعد إحداث مجلس القضاء العدلي، أحد هياكل المجلس الأعلى للقضاء، خططًا قضائية بمقتضى قرار ترتيبي وهو ما ترفضه السلطة التنفيذية، رئاسة جمهورية ورئاسة حكومة، بالتأكيد أن السلطة الترتيبية من صلاحياتها دون غيرها.

وكان قد نشر مجلس القضاء العدلي في أوت/أغسطس الماضي الحركة القضائية التي شملت بالأساس 720 مطلبًا مع نقلة 72 قاضيًا لمصلحة العمل. وأثرت أخر الإمضاء على الحركة القضائية على القضاة الذين تمت ترقيتهم إضافة للقضاة الجدد المتخرجين من المعهد الأعلى للقضاء بعدم صرف أجورهم منذ أربعة أشهر.

اقرأ/ي أيضًا: حوار| يوسف بوزاخر: المجلس الأعلى للقضاء متمسك بصلاحياته أمام السلطة التنفيذية

أنس الحمايدي (رئيس جمعية القضاة): الوضع غير مسبوق وغير مقبول

ودعت جمعية القضاة التونسيين، أكبر هياكل القضاة، إلى الإسراع في إمضاء الحركة القضائية ونشرها في الرائد الرسمي حتى يتسنى للمجلس الأعلى للقضاء البت في الاعتراضات في الآجال القانونية ضمانًا للاستقرار المهني والعائلي للقضاة داعية وزارة العدل إلى حلّ إشكال الأجور دون انتظار نشر الحركة في الرائد الرسمي.

أنس الحمايدي لـ"ألترا تونس": يجب  الإسراع في إمضاء الحركة القضائية ونشرها في الرائد الرسمي حتى يتسنى للمجلس الأعلى للقضاء البت في الاعتراضات ضمانًا للاستقرار المهني والعائلي للقضاة

واستنكر رئيس جمعية القضاة أنس الحمايدي في تصريح لـ"ألترا تونس" ما وصفه بالتأخير غير المسبوق في نشر الحركة القضائية في الرائد الرسمي بسبب عدم امضائها من قبل رئيس الجمهورية، مؤكدًا تأثير ذلك على عمل القضاة وسير المحاكم بالخصوص فيما تعلّق بسد الشغورات.

ودعا محدثنا بالخصوص للتعجيل بحلّ مشكل أجور القضاة خاصة المتمتّعين بالترقية وبقائهم دون رواتب لأكثر من ثلاثة أشهر، وهي وضعيات غير مسبوقة ولا مقبولة لأنّها تمس من الأمور المعيشية للقضاة وعائلاتهم، وفق تعبيره.

رابح الخرايفي (أستاذ القانون العام): رئيس الجمهورية لا يتمتع بسلطة تقديرية

بخصوص هذه الأزمة، يقدر أستاذ القانون العام رابح الخرايفي، في تصريح لـ"ألترا تونس"، أن المسؤولية تعود أولّا على رئيس الجمهورية لأنه "ملزم قانونًا بالإمضاء على الحركة القضائية لنشرها بالرائد الرسمي وتصبح الحركة قانونية" مؤكدًا أن سلطة رئيس الجمهورية في الإمضاء أو عدمه ليست تقديرية مضيفًا "ليست له حرية الاختيار أو الامتناع".

وأكد، في هذا الجانب، أن رئيس الجمهورية ووفق لمبدأ استقلالية السلطة القضائية على السلطة التنفيذية ملزم بالدستور بإمضاء الحركة القضائية طالما أنّها صادرة عن سلطة هي المجلس الأعلى للقضاء.

رابح الخرايفي (أستاذ قانون عام): الأحكام القضائية مهددة بالبطلان بسبب عدم نشر الحركة القضائية 

اقرأ/ي أيضًا: معضلة طول آجال التقاضي في المحاكم التونسية (حوار مع القاضي عمر الوسلاتي)

وحذر محدثنا مما وصفها المخاطر الكبيرة لعدم إمضاء الحركة القضائية على اعتبار وجود قضاة يشاركون اليوم إصدار أحكام قد تصبح باطلة وهي "كارثة" وفق تعبيره. وقال إنه يوجد على سبيل المثال اليوم قاضي ورد اسمه في الرائد الرسمي في محكمة جندوبة سنة 2018 وتمت نقلته إلى محكمة زغوان سنة 2019 غير أنه يظل على ذمة المحكمة الأولى مع عدم نشر النقلة في الرائد الرسمي ما يعني أن كل أحكامه مهددة بالبطلان.

وفيما تعلّق بموقف جمعية القضاة، قال أستاذ القانون العام إنها تتحدث فقط على الضرر اللاحق بحق التظلّم، معتبرًا أنها "غفلت أو تغافلت عن أهم وأخطر المشاكل المتعلّقة بإمكانية إبطال وبطلان جميع الأحكام الصادرة من القضاة الذين شملتهم النقلة لضرورة العمل أو الذين تمت نقلتهم بطلب منهم".

واستغرب الخرايفي، في ختام حديثه معنا، عدم إمضاء رئيس الجمهورية قيس سعيّد على الحركة القضائية خاصة أنّه مختص في القانون الدستوري والعام إضافة لوجود مستشارين في رئاسة الجمهورية خاصة من القانونيين متسائلًا "كيف يعرّضون مصالح الناس للخطر؟".

المجلس الأعلى للقضاء متشبث بالحركة القضائية

وكان قد انعقد بتاريخ 16 ديسمبر/كانون الأول 2019 اجتماعًا بين رئيس الجمهورية قيس سعيّد ورئيس حكومة تصريف الأعمال يوسف الشاهد ووزير العدل محمد كريم الجموسي ورؤساء الهياكل القضائية لتباحث أزمة الحركة القضائية، غير أنه لم يفض إلى التوصل لاتفاق.

اعتبر مجلس القضاء العدلي أن موقف السلطة التنفيذية يمثل "محاولة للاستيلاء على صلاحيات السلطة القضائية مجسمة في المجلس الأعلى للقضاء بما يمس من استقلاليته ومن مبدأ الفصل بين السلطات"

وأكد مجلس القضاء العدلي، لاحقًا في جلسة عامة طارئة، بتاريخ 20 من الشهر الجاري، تمسكه بقراره الترتيبي حول الخطط القضائية في القضاء العدلي. وأضاف، في بيانه، أنّ المجلس الأعلى للقضاء طبقًا لما ورد في الفصل 114 من الدستور هو الممثل للسلطة القضائية وهو الضامن الوحيد لحسن سير القضاء واحترام استقلاليته.

واعتبر مجلس القضاء العدلي أن موقف السلطة التنفيذية يمثل "محاولة للاستيلاء على صلاحيات السلطة القضائية مجسمة في المجلس الأعلى للقضاء بما يمس من استقلاليته ومن مبدأ الفصل بين السلطات".

كما طالب المجلس الأعلى للقضاء، بتاريخ 24 من الشهر الجاري أيضًا، رئاسة الجمهورية بإصدار الأمر الرئاسي المتعلق بالحركة السنوية للقضاء العدلي مؤكدًا تمسكه بسلطته الترتيبية في مجال اختصاصه باعتباره الضامن لحسن سير القضاء وفق مقتضيات الدستور.

انتظار نشر الحركة القضائية والبت في الاعتراضات

يُذكر أن جمعية القضاة أشادت، في لائحتها بتاريخ 8 سبتمبر/أيلول الماضي، بما وصفته "تطوّر طريقة عمل مجلس القضاء العدلي خاصة فيما تعلّق بأعمال آليات التشاور المسبق مع ممثلي القضاة وإقرار بعض التسميات في الخطط القضائية خاصة في الرتبة الثالثة بالاعتماد على معايير الكفاءة والنزاهة والحياد في قطع نسبي مع الحركات القضائية السابقة".

وقد سجلت جمعية القضاة، في المقابل، نقدها لتأخير إعلان الحركة القضائية بصدورها بتاريخ 29 أوت/أغسطس في "خرق متكرّر للآجال القانونية" عدا عن تسجيل "إخلالات ونقائص على مستوى اجراءات إعدادها ومضامينها" مشيرة بالخصوص إلى عدم نشر نتائج أعمال التقييم التي تولتها لجان مجلس القضاء العدلي والآليات المعتمدة لتمكين القضاة من التناظر بشأن الخطط القضائية على قدم المساواة، وفق نص اللائحة.

ودعت الجمعية عموم القضاة العدليين الذين لم يقع الاستجابة لطلباتهم من خلال الحركة القضائية ولم يقع تمكينهم من حقهم في الترقية وإسناد الخطط القضائية والنقل إلى تقديم اعتراضاتهم دون انتظار نشر الحركة القضائية بالرائد الرسمي. وطالبت مجلس القضاء العدلي بـ"تجاوز الاخلالات التي شابت الحركة القضائية عند النظر في الاعتراضات وإيلاء الأهمية القصوى والأولوية للوضعيات الاجتماعية والصحية التي تتطلب تدخلًا لضمان الراحة النفسية والصحية للقضاة".

 

اقرأ/ي أيضًا:

ضحايا "S17" في تونس.. مواطنون برتبة مُلاحقين دون تهمة

صندوق الكرامة ورد الاعتبار لضحايا الاستبداد.. تعثر التفعيل