تصريحات النائب الأميركي جو ويلسون.. مؤشرات سياسة دولة أم تغريد منفرد؟
19 فبراير 2025
مقال رأي
مع بداية العام الجديد، وخاصة إثر تثبيت الرئيس ترامب، تواترت تغريدات وتصريحات النائب الجمهوري المخضرم منذ سنة 2001، في مجلس النواب الأميركي عن ولاية ساوث كارولينا، جو ويلسون عن تونس، وآخرها حواره مع قناة "الحرة" المنشور بتاريخ 16 فيفري/شباط 2025. سنسعى هنا لفهم مغزى تركيزه المفاجئ على تونس وخاصة استهداف الرئيس التونسي قيس سعيّد. هل هو تغريد معزول لـ"ذئب منفرد" ومجرد نائب من جملة أكثر من خمسمائة عضو في الكونغرس، أم أنه يمكن أن يعكس توجهًا نحو سياسة رسمية أميركية في سياق إدارة يقودها رئيس يعتمد على مبدأ "الضغط الأقصى" وخلط أوراق وقواعد النظام الدولي، ويهوى فتح الجبهات في كل الاتجاهات تحت شعار "أميركا أولاً"؟
تركز مضمون تغريدات ويلسون ليس فقط على الديمقراطية بل أساسًا على ما يعتبره سياسة تقارب يقودها الرئيس سعيّد مع المحور الروسي والصيني، وأيضًا إيران. فاتهمه مرارًا أيضا بمعاداة الكيان تحت عنوان "معاداة السامية". ويلسون لا تهمه أساسًا الديمقراطية كمرجعية لتحديد العدو والصديق. حيث يتجاهل أنظمة ديكتاتورية عديدة في المنطقة. مشكله الرئيسي هو البوصلة الجيوسياسية. الديمقراطية هي فقط ذريعة لتزيين التدخل في الميولات الجيوسياسية.
النائب الأميركي جو ويلسون لا تهمه أساسًا الديمقراطية كمرجعية لتحديد العدو والصديق. حيث يتجاهل أنظمة ديكتاتورية عديدة في المنطقة. مشكله الرئيسي هو البوصلة الجيوسياسية. الديمقراطية هي فقط ذريعة
معروف عن ويلسون أنه شخص مثير للجدل يصل إلى حد الكاريكاتورية في لباسه وأدائه، ومن ذلك صورته الشهيرة مع الرئيس الأميركي ينزع فيها قمصيه ليكشف عن قميص داخلي بصورة ترامب، كما راج اسمه خاصة في حادثة مقاطعته خطابًا للرئيس الأميركي السابق أوباما في الكونغرس سنة 2009، صائحًا "أنت تكذب!" مما أدى إلى معاقبته. وهو سليل ولاية موالية للنهج الجمهوري المحافظ، وصاحب شركة محاماة في اختصاص المعاملات العقارية، كما خدم في "الحرس الوطني الأميركي" أي جيش الاحتياط، وتقاعد بصفة قاض عسكري برتبة كولونيل سنة 2003.
خلال مسيرته تميز بالانتماء للتيار الأكثر تطرفًا وقصووية في المسائل الداخلية والخارجية صلب الحزب الجمهوري الأميركي، بما في ذلك نشاطه ضمن ما يسمى "حزب الشاي" الذي ساهم في صعود ترامب، وأيضًا دعمه القوي لاحتلال العراق خلال عهدة بوش الابن. وهو من بين النواب المعروفين بدفاعهم النشط والمتطرف للكيان ويتلقى دعمًا مستديمًا ومستمرًا من قبل أهم منظمات اللوبي "ايباك"، كما أنه معروف بقربه من المملكة المغربية وتلقى أحيانًا دعمًا من طرفها وهو عضو مجموعة النواب الداعمين للمغرب في الكونغرس الأميركي (Congressional Morocco Caucus).
يشغل ويلسون الآن عضوية لجنة العلاقات الخارجية التابعة لمجلس النواب الأميركي من ضمن 51 عضوًا، من بينهم 27 نائبًا جمهوريًا، و23 نائبًا ديمقراطيًا. ويرأس اللجنة النائب الجمهوري والعسكري السابق المصاب في الحرب على أفغانستان حيث فقد ساقيه، براين ماست وينوبه الديمقراطي غريغوري مييكس. ويلسون عضو أيضًا في اللجنة الفرعية الخاصة بمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا والتي تضم 13 نائبًا، ويرأسها الجمهوري مايكس لووير وتنوبه الديمقراطية شيلا ماكورميك. ورغم محاولته سابقًا ترؤس لجنة العلاقات الخارجية، فقد فشل ويلسون في محاولاته المتكررة وآخرها خلال العهدة الأخيرة عندما أعلن عن رغبته تلك صيف 2024.
تغريدات جو ويلسون مثيرة للانتباه وهي ليست بالضرورة تعبيرًا عن نهج غالب صلب اهتمامات لجنة العلاقات الخارجية في الكونغرس الأميركي. لكن يصبح المنحى خطيرًا عندما يقترح هذا النائب مشروع قانون عقوبات على تونس تحت مسمى "استعادة الديمقراطية"
إذا ركزنا فقط على تغريدات ويلسون اليومية فهي مثيرة للانتباه وليست بالضرورة تعبيرًا عن نهج غالب صلب اهتمامات لجنة العلاقات الخارجية في الكونغرس الأميركي. لكن يصبح المنحى خطيرًا عندما يقترح هذا النائب مشروع قانون عقوبات على تونس تحت مسمى "استعادة الديمقراطية" (Tunisian Democracy Restoration Act). ويهدف هذا المشروع الذي لم تتم صياغته أو نشره حتى الآن إلى منع المساعدات وفرض عقوبات.
بلغت المساعدات خلال السنة الفارطة حسب موقع "المساعدة الخارجية" الحكومي الأميركي 167 مليون دولار تتوزع أساسًا بين مساعدات خارجية عسكرية موجهة للمؤسستين العسكرية والأمنية، وأيضًا تمويل من قبل الوكالة الأميركية للتنمية الدولية (USAID) نحو وزارة الشؤون الاجتماعية عبر منظمة يونيسف، تخص دعم الأطفال من الأسر المعوزة ضمن برنامج الأمان الاجتماعي (social safety net). أما بقية الدعم فيوجه نحو القطاع الخاص، وبنسبة قليلة نحو المجتمع المدني. لكن المسألة لا تتعلق فقط بقطع هذه المساعدات، المحدودة نسبيًا، والخاصة بطابع عسكري وأمني جيوسياسي تقليدي، بل بعقوبات.
السؤال المطروح هو ما هي التوجهات المعلومة للأعضاء المعروفين والوازنين في لجنتي العلاقات الخارجية في مجلس النواب وفي مجلس الشيوخ بما في ذلك في اللجنة الفرعية الخاصة بمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا؟
الإدارة الأميركية الحالية تدعم التوجه الأوروبي الذي تقوده رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني الراغبة في إبقاء العلاقة قوية مع تونس، لمواجهة الهجرة غير النظامية وأيضًا ملف الطاقة المتجددة. يبقى أن هذه المؤشرات يمكن أن تتغير حسب التطورات في المنطقة
رئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس النواب ورئيس اللجنة الفرعية الخاصة بالمنطقة مايك لوولر معروفان بمواقف مساندة بقوة لترامب ودعم واضح للكيان، خاصة لوولر الذي يشارك بانتظام على منصة (X) منشورات "ايباك"، لكن لا يوجد تركيز من طرفهما على تونس. أما على مستوى مجلس الشيوخ فإن السيناتور الوحيد المعروف بتركيزه نسبيًا على تونس هو الديمقراطي المخضرم كريس مورفي عضو لجنة العلاقات الخارجية الذي سبق أن دفع في اتجاه تقليص المساعدات خاصة خلال سنة 2023. ولكن لا يبدو مورفي مهتمًا الآن بغير الاتجاهات العامة سواءً داخليًا أو خارجيًا في ملفات تتعلق بتفكيك وكالة التنمية الدولية أو تصريحات الإدارة بشأن الملف الأوكراني وغزة والتصدي لإدارة ترامب الجديدة التي يعتبرها ممثلة لمصالح أوليغارشية وهاوية ومضرة بالمصالح الأميركية في الخارج.
مشروع القانون الذي من المتوقع أن يطرحه ويلسون يمكن أن يصبح جادًا وخطيرًا لأنه صادر عن عضو كتلة جمهورية موالية لإدارة أميركية جديدة تؤمن بحروب اقتصادية وتجارية تحت عنوان "الضغط الأقصى" ومشكلها الرئيسي معاقبة كل من يحاول الاقتراب من الصين وروسيا وإيران وأيضا مهاجمة كل من يمتنع عن الخضوع لتل أبيب وعاصفة التطبيع القادمة. ومن التضليل أن يدعي هؤلاء المساندين للتطهير العرقي أن مشكلهم "استعادة الديمقراطية" بأي شكل كان. لكن ما يمكن ألا يجعل مشروع هذا القانون يرى النور قريبًا، هو ربما كون تونس ليست من أولويات الإدارة الأميركية.
من الأرجح أن تكون تونس معنية بترتيبات البيروقراطية الخارجية والعسكرية المعتادة والروتينية للدولة الأميركية العميقة في المنطقة المغاربية والتي تركز على المسائل الدفاعية والأمنية الجيوسياسية، وهذا ما يعني تواصل علاقة قوية مع الجزائر مثلاً التي أمضت اتفاقات عسكرية وطاقية مهمة مع الولايات المتحدة في مستهل عهدة الرئيس ترامب.
الحوار والتهدئة والديمقراطية مصلحة تونسية لا نحتاج فيها دروسًا من النائب الأميركي جو ويلسون أو ممن يشبهه. كما أن أسوأ رد رسمي على ويلسون وأمثاله هو المزيد من التصلب والجمود
كما أن الإدارة الأميركية الحالية تدعم التوجه الأوروبي الذي تقوده رئيسة الوزراء الإيطالية ميلوني والتي ترغب في إبقاء العلاقة قوية مع تونس، على خلفية مواجهة الهجرة غير النظامية وأيضًا ملف الطاقة المتجددة. يبقى أن هذه المؤشرات يمكن أن تتغير حسب التطورات في المنطقة، خاصة إذا أصبح موضوع التطبيع على رأس الأجندة الأميركية وليس التنافس الجيوسياسي مع الصين وروسيا كما هو الحال الآن، لاسيما وأننا إزاء إدارة رعناء تؤمن فقط بالاستقواء الأقصى مع الجميع وقد يصبح مشروع القانون الذي يلوح به ويلسون آنذاك خيارًا جديًا تتبناه الأغلبية الجمهورية في الكونغرس.
تونس بالمناسبة لم تقطع علاقتها بالناتو أو التعاون العسكري مع واشنطن ومن حقها تنويع علاقاتها الاقتصادية مع الصين. الحوار والتهدئة والديمقراطية مصلحة تونسية لا نحتاج فيها دروسًا من ويلسون أو ممن يشبهه. كما أن أسوأ رد رسمي على ويلسون وأمثاله هو المزيد من التصلب والجمود. خطاب الرئيس التونسي الرافض لمبدأ الحوار الوطني والذي يكرر اتهامات التخوين ليس مؤشرًا إيجابيًا. فالبلاد تحتاج إلى تهدئة داخلية وحوار على قاعدة أرضية مشتركة ترفض التدخل الأجنبي وتمتنع عن القبول بالتطبيع والتطهير العرقي.
العقوبات يمكن أن تستهدف الدولة في نهاية الأمر في سياستها الدفاعية والأمنية واقتصادها وليس فقط السلطة التنفيذية أو من يحكم. إذ لا يهم مساندي ترامب استعادة تونس للديمقراطية، وكل ما ستخلّفه أي عقوبات محتملة هو الإضرار بحياة المواطنين والسعي في النهاية لإخضاع البلاد إلى مشروع هيمنة إسرائيلية شاملة في المنطقة والقبول بالتطهير ضد الفلسطينيين. وبالتالي فإن أكبر خطأ يمكن أن يقوم به أي معارض هو السقوط في فخ مساندة هكذا توجه. بهذا المعنى نكرر دائمًا ضرورة الانسجام بين معارضة أي استبداد داخلي ومعارضة الاستبداد الخارجي أيضًا على مستوى العلاقات الدولية.
- المقالات المنشورة في هذا القسم تُعبر عن رأي كاتبها فقط ولا تعبّر بالضرورة عن رأي "ألترا صوت"

الكلمات المفتاحية

الظّلم ظلمات.. ماذا بعد؟
لا يُمكن تجاوز السّياق الّذي يتنزّل فيه الإضراب الجماعيّ عن الطّعام، إذ تتلقّى منظّمات المجتمع المدنيّ الضّربة تلو الأخرى، عبر آلية تعليق النّشاط، في انتظار ما يمكن أن يكون أعظم

أمّا التّسلّطيّة فليست مجازًا!
"الحكم ضدّ أحمد صواب يأتي كاشفًا لإمعان السّلطة في التّذكير بأنّ الخلفيّة المهنيّة للمتّهم أو مكانته الاجتماعيّة لا تحميه من بطشها، وهو تكتيك قديم قِدم الأنظمة التّسلّطيّة الّتي تعاقبت على حكم البلاد"

قضية أحمد صواب.. ليست محاكمة حتى نسأل عن المحاكمة العادلة
"ستمرّ المحنة يومًا ما وسيغادر أحمد صواب السجن يومًا ما، بقرار من أدخله أو لسبب آخر، ولن نستذكره دائمًا إلا رمزًا لمحاماة منحازة لقيمها ومبادئها.."

البطولة التونسية.. تعرّف على برنامج الجولة 15 الختامية لمرحلة الذهاب
تدور مباريات الجولة 15 للبطولة التونسية لكرة القدم، على 3 دفعات أيام السبت 22 والأحد 23 والأربعاء 26 نوفمبر/تشرين الثاني 2025

نقابة الصحفيين التونسيين: تحرك وطني بالعاصمة والجهات أمام انتهاكات السلطة
نقابة الصحفيين التونسيين: وضع قطاع الصحافة في تونس يعكس اتجاهًا ممنهجًا نحو التضييق على حرية التعبير واستقلالية الإعلام وحقوق الصحفيين المكتسبة، بما يتعارض مع الدستور التونسي والالتزامات الدولية للدولة في مجال حماية حرية الصحافة وحق المواطن في المعلومة

قضايا جديدة ضد 3 محامين في قضية "التآمر".. هرسلة مستمرة للسان الدفاع
قضايا جديدة ضد 3 محامين في قضية "التآمر".. ليست الأولى ضد محامين في هيئة الدفاع في هذه القضية على وجه الخصوص، وليست الأولى أيضًا إثر شكايات من الهيئة العامة للسجون على وجه التحديد

بسبب التأشيرة.. 8 من لاعبي المنتخب التونسي خارج قائمة مواجهة البرازيل وديًا
المنتخب التونسي، بصدد الاستعداد لكأس العرب بقطر من 1 إلى 18 ديسمبر 2025 وكأس أمم إفريقيا بالمغرب من 21 ديسمبر 2025 إلى 18 جانفي 2026

