سیاسة

تشريح الانتقال الديمقراطي.. أكاديميون يطرقون أسباب الفشل

22 يناير 2025
تشريح الانتقال الديمقراطي.. أكاديميون يطرقون أسباب الفشل.jpg
أكاديميون يؤثثون ندوة "مسار الدولة والثورة 2011-2025 قراءات نقدية في الانتقال الديمقراطي"
كريم المرزوقي
كريم المرزوقيباحث من تونس

 

"ولئن نؤكد على ضرورة مواجهة الانتهاكات وافتكاك الحقوق والحريات واستعادة البناء الديمقراطي، فإنه يجب أيضًا، وبنفس الأهمية، أن نفتح ورشة تقييم تجربة الانتقال الديمقراطي لضمان ألا نعيد أخطاء الماضي في أي بناء مستقبلي". بهذه الجملة مهّد العياشي الهمامي، رئيس الهيئة الوطنية للدفاع عن الحريات والديمقراطية، للندوة الفكرية التي نظمّتها الهيئة بمناسبة الذكرى الرابعة عشر للثورة التونسية بمشاركة أكاديميين، بعضهم خاض تجارب حزبية، وبحضور فاعلين من مجموعات سياسية مختلفة.

وقد اكتسى يوم 14 جانفي/يناير من كلّ عام منذ 2011، وهو يوم سقوط نظام بن علي، بطابع احتفائي قبل أن يتحوّل منذ 25 جويلية/يوليو 2021 إلى مناسبة يغلب عليها الطابع الاحتجاجي ضد السلطة السياسية الحالية بسبب التدهور في ممارسة الحريات وبالخصوص حرية التعبير التي طالما اُعتبرت المكسب الرئيسي للثورة.

يظلّ النقاش حول تقييم الانتقال الديمقراطي أولوية، من زاوية أنه لم يؤد إلى ديمقراطية متينة وناجعة على نحو يسّر الانقلاب عليها، وهو ما يستدعي مراجعة محطات الفشل

ويظلّ، في الأثناء، النقاش حول تقييم الانتقال الديمقراطي أولوية، من زاوية أنه لم يؤد إلى ديمقراطية متينة وناجعة على نحو يسّر الانقلاب عليها، وهو ما يستدعي مراجعة محطات الفشل على نحو هذه الندوة المعنونة بـ "مسار الدولة والثورة 2011-2025 قراءات نقدية في الانتقال الديمقراطي".

  • العياشي الهمامي: على الجميع استخلاص العبر

رئيس الهيئة، في كلمته الافتتاحية، أشار إلى إلغاء الرئيس قيس سعيّد -منذ استحواذه على السلطة- ليوم 14 جانفي/يناير من قائمة الأعياد والعطل وذلك رغم الاعتزاز بتاريخ 17 ديسمبر/كانون الأول، موجهًا تحية إكبار وصمود للسجناء السياسيين. وأكد أن السلطة الحالية أمعنت في نسف مبادئ دولة القانون من وضع اليد على القضاء وضرب ضمانات استقلاليته، وتضييق للمجال العام في الميادين والفضاءين الحزبي والمدني، واستهداف حرية الإعلام واستقلاليته، وفرض إدارة للبلاد بطريقة متعسفة وإقصائية منتهاها سلطوية تتمدّد. وأيضًا عاجزة عن تحقيق أي منجز تجاه الاستحقاقات الاجتماعية والاقتصادية، جازمًا بذلك أن السلطة بعيدة كل البعد عن أهداف الثورة وقيمها.

رئيس الهيئة الوطنية للدفاع عن الحريات والديمقراطية العياشي الهمامي: السنوات المنقضية لم تكن "عشرية سوداء" بل كانت عشرية مخاض عسير ولكنها أيضًا لم تكن عشرية وردية

وعرّج، في تمهيد لموضوع الندوة، أن قرارات الانقلاب، التدابير الاستثنائية المعلنة يوم 25 جويلية/يوليو 2021، كانت نتيجة تراكمية ليس فقط لما ظهرت أزمة سياسية أو مؤسساتية وقتها، بل نتيجةً لأزمة أعمق تعلقت ببنيان الديمقراطية التونسية الناشئة. وأضاف، في هذا الجانب، أن الدور الثاني لانتخابات 2019، التي جمعت قيس سعيّد مع نبيل القروي، كانت ناقوس إنذار لأزمة تصاعدت إلى أن وظفها الانقلاب لقتل الديمقراطية لا إنقاذها.

وشدّد الهمامي، وهو وزير سابق لحقوق الإنسان، أن تقييم الانتقال الديمقراطي مشروط بأن يكون جماعيًا وموضوعيًا ونزيهًا، مشددًا على أن الغاية ليست تحميل المسؤوليات لذاتها أو توزيع الاتهامات ضد طرف معيّن بل استخلاص العبر والدروس. ودعا النخبة أن تكون صادقة تجاه نفسها قبل أن تتوجه للناس وذلك بخصوص واقع التقييم السلبي لعموم التونسيين للانتقال الديمقراطي. وأوضح، في هذا الجانب، أن السنوات المنقضية لم تكن "عشرية سوداء" بل كانت عشرية مخاض عسير ولكنها أيضًا لم تكن عشرية وردية.. وشدّد على أن عشرية الانتقال الديمقراطي حملت مكاسب عديدة نصارع اليوم للحفاظ عليها، لكنها تضمنت محطات فشل يجب تشريحها وتفكيكها بكل صرامة وشجاعة، وفقه.

العياشي الهمامي: تقييم الانتقال الديمقراطي مشروط بأن يكون جماعيًا وموضوعيًا ونزيهًا، والغاية ليست تحميل المسؤوليات لذاتها أو توزيع الاتهامات ضد طرف معيّن بل استخلاص العبر والدروس

واختتم كلمته بالحديث عن أنّ التاريخ يعلمنا أن الديمقراطيات بُنيت على التجارب والمراكمة.. والديمقراطية التونسية -التي أكد أنه لا خيار لنا إلا استعادتها- سيتحفّز استئنافها بأخذ العبرة من سنوات انتقال معطوب لم يؤدِّ بالنهاية لديمقراطية متينة وجاذبة قادرة على حماية نفسها مؤسساتيًا، وأيضًا قادرة على تأمين نفسها في العمق الشعبي. وأضاف أن "الديمقراطي الحقيقي لا يمكن أن يكون إلا شجاعًا وبنّاءً بعيدًا عن أي مكابرة أو حسابات صغيرة" وفق تعبيره.

  • عبد السلام الككلي: المسؤولية جماعية

الجامعي عبد السلام الككلي لم يتردّد، في بداية مداخلته، في الحديث عن وجوه اتجاه للتملّص من المسؤولية، حاسمًا من جهته أن المسؤولية جماعية. وتساءل: كيف أمكن للرئيس تنفيذ خطته دون مقاومة واستبدل الدستور وألغى المكتسبات؟ وتناول، في هذا الجانب، مؤشرات تدهور الوضع الحقوقي خاصة عبر المرسوم 54 الذي يستهدف حرية التعبير، ووضع اليد على القضاء بعد حلّ المجلس الأعلى للقضاء، ثم شلل المجلس المؤقت على نحو جعل وزارة العدل هي الطرف المهيمن في إدارة المسارات المهنية للقضاة.

وفي العودة لمكامن العطب طيلة سنوات الانتقال، فصّل الككلي في الحديث عن التجاوزات داخل البرلمان السابق من سب وشتم واعتصامات، ملاحظًا أن النظام الداخلي لم يكن ينصّ على أي إجراء يمنع هذه التجاوزات، وأن أقصى ما يمكن فعله هو أن يمنع رئيس البرلمان النائب المعني من أخذ الكلمة في ثلاث مناسبات. وقدّر بالنسبة إليه أنه كان لا بدّ من تدخّل القضاء في بعض الحالات، ملاحظًا كذلك غياب مدونة سلوك للنواب.

الجامعي عبد السلام الككلي: كانت هناك آثار سلبية للاستقطاب الأيديولوجي بين النهضة ونداء تونس وهو ما أدى لقرارات أفسدت الثورة كقانون المصالحة

في جانب آخر، مثّل عدم تركيز المحكمة الدستورية خطأ جماعيًا، والحال أنه كان من المفروض أن يتمّ ذلك في ظرف عام منذ أول انتخابات برلمانية بعد إقرار الدستور، وأرجع هذا الفشل للتدخلات السياسية. وأشار إلى رفض سعيّد تنقيح قانون المحكمة الدستورية رغم المصادقة عليه من البرلمان، بما زاد في تعطيل تركيزها، وثم لم تكن حاضرة في المشهد المؤسساتي.

وأشار كذلك إلى تورط أجهزة الدولة في الفساد، كما تناول الآثار السلبية للاستقطاب الأيديولوجي بين النهضة ونداء تونس وهو ما أدى لقرارات أفسدت الثورة بتعبيره كقانون المصالحة، وعلى نحو التوافق اللاحق بين رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي مع رئيس حزب قلب تونس نبيل القروي. وقال إن الحزب الثاني الذي يتحمل المسؤولية هو نداء تونس مختزلًا بأنه كان حزبًا في الحكم والمعارضة في آن على نحو ما ظهر في فترة الحبيب الصيد عام 2015.

  • عدنان منصر: فترة الانتقال فرّخت بيئة جاهزة للشعبوية

أستاذ التاريخ المعاصر عدنان منصر أوضح، في مداخلته، أن غاية النقد الذاتي ليس المحاسبة ولا مواصلة المعركة في سياق زمني آخر ولكن، في الوقت نفسه، لا ينفي هذه المعركة بل يتعالى عليها للبحث عن حلول للأزمة. وشدّد على ضرورة التفكيك المنهجي للانتقال الديمقراطي، مشيرًا بالخصوص إلى أن الحالة الشعبوية لم تأتِ في 25 جويلية/يوليو بل إن فترة الانتقال فرّخت بيئة جاهزة لتقبّل الشعبوية كتوجه سياسي.

أستاذ التاريخ المعاصر  عدنان منصر: الائتلافات الحاكمة السابقة لم تكن تملك برامج موحدة، فكل ائتلاف كان يحمل صراعًا داخليًا انطلاقًا من ائتلاف "الترويكا"، كما فشلت الأحزاب في أن تكون رافعة للبرامج مع انتشار الزبونية داخلها

وأكد على حقيقة وجود فشل في الإنجاز طيلة السنوات المنقضية، وعلى ضرورة وجود خطاب صادق مع الشارع لاستعادة الثقة في الديمقراطية باعتبار أن الخطاب الحقوقي على أهميته لا يكفي. وفي تشريح الفشل، قال إن الائتلافات الحاكمة السابقة لم تكن تملك برامج موحدة، وإنّ كل ائتلاف كان يحمل صراعًا داخليًا انطلاقًا من ائتلاف "الترويكا"، وقد كان منصر شاهدًا عليه من الداخل باعتباره كان مديرًا لديوان الرئيس الأسبق المنصف المرزوقي.

وعلى ضوء ذلك، فشلت الأحزاب بأن تكون رافعة للبرامج مع انتشار الزبونية داخلها وفشل كل محاولات الإصلاح صلبها، على نحو جعل الأحزاب تظهر كآلات تعبئة ودعاية بدرجة أولى. كما أن التحالفات الحزبية وقتها لم تكن أخلاقية بتعبيره، بسبب خطاب التعبئة إلى درجة الاقتراب من العنف بين النهضة والنداء، ولاحقًا بين النهضة وقلب تونس، وثم تحالفهما، على نحو أفقد أي مصداقية تجاه الشارع.

وشدّد أنه بالنهاية، المزاج العام كان ناضجًا في تونس لتحوّل الشعبوية من الخمول إلى حالة قوّة في نهاية المطاف.

أستاذة علم الاجتماع فتحية السعيدي: الشعبوية رافقت الانتقال الديمقراطي منذ بدايته، وعقلية الغنيمة قادت الجميع خلال فترة الانتقال الديمقراطي

  • فتحية السعيدي: عقلية الغنيمة قادت الجميع

عادت فتحية السعيدي، وهي أستاذة في علم الاجتماع، لتحديد طبيعة الثورة مؤكدة أنها ثورة الهامش التي انطلقت بتحركات اجتماعية عفوية وهي تظلّ مستمرة باستمرار عدم تحقق المطالب. وتحدثت عن المشاريع السياسية التي طغت بعد الثورة وكان مشاريع متضادة مجتمعيًا رغم فرضية تلاقيها اقتصاديًا. وكان الحديث أيضًا عن معضلة القانون الانتخابي للبرلمان، والحال أنّ القانون كان خاصًا بالمجلس الوطني التأسيسي وكان يجب تعديله في الانتخابات التشريعية اللاحقة.

ولاحظت أن الشعبوية رافقت الانتقال الديمقراطي منذ بدايته، مذكّرة بتيار العريضة الشعبية الذي حلّ في طليعة القائمات في انتخابات المجلس الوطني التأسيسي عام 2011، وقد تواصل التيار الشعبوي في الانتشار إلى غاية انتخابات عام 2019 وثم واصل تمدّده.

وشدّدت السعيدي، في مداخلتها، على أن عقلية الغنيمة قادت الجميع خلال فترة الانتقال الديمقراطي، مؤكدة على ضرورة الإقرار بأن الديمقراطية كانت مطلبًا نخبويًا وليس اجتماعيًا بدرجة أولى.

 

الكلمات المفتاحية

قضايا جديدة ضد 3 محامين في قضية التآمر.. هرسلة مستمرة للسان الدفاع

قضايا جديدة ضد 3 محامين في قضية "التآمر".. هرسلة مستمرة للسان الدفاع

قضايا جديدة ضد 3 محامين في قضية "التآمر".. ليست الأولى ضد محامين في هيئة الدفاع في هذه القضية على وجه الخصوص، وليست الأولى أيضًا إثر شكايات من الهيئة العامة للسجون على وجه التحديد


التآمر الشاذلي بن إبراهيم NurPhoto Getty

أحزاب تونسية: إدانة للتنكيل الممنهج بالسجناء السياسيين ودعوة لإطلاق سراحهم

تفاعلت عديد الأحزاب السياسية، مع مستجدات "إضراب الجوع الذي يخوضه عدد من السجناء السياسيين في تونس"، خاصة بعد تأكيد شقيقة جوهر بن مبارك "تعرّضه للضرب الشديد في السجن لإجباره على تناول الطعام"


التآمر المعارضة الشاذلي بن إبراهيم NurPhoto Getty

"اعتداء على جوهر بن مبارك داخل السجن".. تنديد سياسي وحقوقي ودعوة للمحاسبة

الناشط السياسي وسام الصغير: الاعتداء الأخير على جوهر بن مبارك ليس معزولاً عن ما تشهد البلاد من التصفية السياسية لكل صوت حر، حتى داخل الزنزانات


التآمر حسن مراد Getty DeFodi

احتجاج من وراء القضبان.. ما رسالة السياسيين المضربين عن الطعام في تونس؟

رئيس جبهة الخلاص أحمد نجيب الشابي: ما يحدث اليوم من إيقافات اعتباطية وغامضة لم يحدث في تونس سابقًا، فحتى قبل الثورة كانت الإيقافات تتم استنادًا إلى وقائع سياسية

istockphoto أمطار طقس شتاء.jpg
منوعات

طقس تونس.. غيوم جزئية مع أمطار في عدد من المناطق

معهد الرصد الجوي: درجات الحرارة القصوى تتراوح بين 21 و25 درجة بالشمال والوسط، وتصل إلى 30 درجة في بقية المناطق

التمديد للهيئة التسييرية للنادي الرياضي الصفاقسي لثلاثة أشهر
منوعات

التمديد للهيئة التسييرية للنادي الرياضي الصفاقسي لثلاثة أشهر

انعقد مساء السبت 15 نوفمبر 2025، اجتماع اللجنة العليا للدعم بالنادي الرياضي الصفاقسي، بمركب الفريق، بحضور رئيسها سفيان لوعزيز، ونائبيه عماد المسدي وعبد الرحمان الفندري، إلى جانب عدد من الأعضاء ورؤساء سابقين وممثلي هيكل السوسيوس والهيئة التسييرية


احتجاجات شط السلام بقابس.. الأهالي يواجهون تسربات المجمع والغاز المسيل للدموع
مجتمع

احتجاجات شط السلام بقابس.. الأهالي يواجهون تسربات المجمع والغاز المسيل للدموع

شهدت منطقة شطّ السلام بولاية قابس، مساء السبت 15 نوفمبر 2025، احتجاجات ليلية للمواطنين على تسربات الغاز الملوّث الصادرة عن المجمع الكيميائي، وهو ما أدى إلى تدخل أمني استخدم فيه الغاز المسيل للدموع بشكل مكثف، ما أسفر عن حالات اختناق واعتقالات في صفوف المتظاهرين، وفق ما أكده رئيس فرع الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان بقابس، أحمد شلبي لـ"الترا تونس"

نائب في البرلمان: "الدولة تنهار حين يفقد المواطن ثقته في ميزان العدالة"
سیاسة

نائب في البرلمان: "المناخ العام لم يعد آمنًا والشعب يشعر بأنه في حالة سراح مؤقت"

شدّد النائب في البرلمان التونسي مليك كمون، يوم السبت 15 نوفمبر 2025، خلال جلسة عامة عُقدت السبت للنظر في ميزانية وزارة العدل، على أنّ "أخطر ما يهدد الدولة اليوم هو فقدان المواطن ثقته في المنظومة القضائية وقدرة مؤسساتها على ضمان محاكمة عادلة وشفافة دون وساطات أو ضغوط". وقال في مداخلته: "الخطر اليوم هو أزمة الثقة بين المواطن وقدرة الدولة على ضمان محاكمة عادلة وشفافة"، وفق تعبيره

الأكثر قراءة

1
اقتصاد

حوار| مستشار جبائي: ضغط جبائي مرتفع وتشجيع الاستثمار غائب في مشروع قانون المالية 2026


2
سیاسة

تأجيل النظر في قضيتين ضدّ سهام بن سدرين إلى جلسة 5 جانفي 2026


3
مجتمع

نقابة متفقدي التعليم الثانوي: الوضع التربوي يتسم بالفوضى والوزارة عاجزة


4
مجتمع

تجدد الاحتجاجات جرّاء التلوث في قابس وأولياء يرفضون التحاق أبنائهم بالدراسة


5
سیاسة

"قضية التآمر1".. جلسة استئنافية ثانية عن بُعد ووقفة احتجاجية "لدعم المضربين عن الطعام"