26-مايو-2018

عن حكايات حشيشة رمضان في تونس (فتحي بلعيد/أ.ف.ب)

في ثامن أيام شهر رمضان الحالي، وبينما كنت أعبر سوق "سيدي البحري" مع الساعة الخامسة مساء، شدّني جمع من المارة تحلّقوا حول "نصبة" خضر وغلال، ولا يعلو إلا صراخ البائع وهو يكيل ما تيسّر من الشتائم لإحدى الحريفات لأنّها أرادت ان تنتقي حبات طماطم. وتضمن سيل الكلمات البذيئة التي تلفّظ بها البائع جملة لم ينفك عن ترتديدها "راني صايم ومحشش ما تخلينيش نرمضن عليك".

تركتُ الحشد ومضيتُ صوب محطّة الحافلات وصدى كلمات البائع "المحشّش" يلازم أذناي، وللمرة الثانية أكون شاهدة على سيناريو عراك تحت يافطة "حشيشة رمضان". إذ تأجج شعار، في الحافلة التي تقلّني بين سائق الحافلة وأحد الحرفاء حينما رفض الأول أن يتوقّف خارج المحطّة المحدّدة لما في ذلك من خطر على سلامة الحريف. وبعد رفض طلبه، لم يتردّد الكهل في شتم السائق الذي ردّ بالمثل وتحوّلت الحافلة إلى فضاء للتراشق بالسباب والكلمات البذيئة، ويتناهى إلى مسمعك بين كل ذلك مفردات من قبيل "ما تخلينيش نحشش عليك، راني صايم ولا فائدة في العرك".

حشيشة رمضان هي متلازمة دائمة في شهر رمضان ترافقت مع مظاهر العنف المادي واللفظي وسرعة الانفعال والغضب

وفي أول أيام شهر رمضان أيضًا، كنت شاهد عيان على ازدحام مروري في حي الانطلاقة بالعاصمة سرعان ما تحوّل إلى مسرح للشجار بين صاحب سيّارة تاكسي وسائق دراجة نارية حاول التسلل ليتفادى الزحام لكنه كاد أن يكسر مرآة التاكسي العاكسة، فهاج صاحبها وماج ولم يكتف بترديد الشتائم من شباك السيارة بل ترجّل وتحول التلاسن إلى تشابك بالأيادي استدعى تدخل رجل طاعن في السن أنهى الشجار بـ"الله ينعل حشيشة رمضان".

اقرأ/ي أيضًا: وإذا "بوطبيلة" سئل.. بأي ذنب وئد؟

وحكايات "حشيشة رمضان" في تونس لا تنضب، وتتعدّد سيناريوهاتها وتتنوع أماكن تجسيدها من الأسواق إلى الشوارع ووسائل النقل والمخابز وحتى داخل المنازل. فتحت مسمّى "حشيشة رمضان"، يمكن أن يرتكب الفرد اعتداءات تصل أحيانًا إلى القتل، إذ عمد كهل في ولاية القيروان، قبل أيام، إلى الاعتداء بالعنف الشديد على زوجته قبيل الإفطار بطعنها على مستوى البطن، والسبب كالعادة "حشيشة رمضان".

ماهي "حشيشة رمضان"؟

يفسر البعض "حشيشة رمضان" على أنها حالة الغضب وسرعة الانفعال جراء الانقطاع عن المنبهات والتدخين. ويقول، في هذا السياق، المختص في علم النفس الاجتماعي عبد الوهاب محجوب إن تسمية "حشيشة رمضان" اقترنت بوضع بيولوجي للإنسان المنقطع عن الأكل والشرب والمواد المؤثّرة كالدخان والقهوة بفعل الصيام. ويضيف محجوب في تصريح لـ"الترا تونس" إن هذا الوضع تنتج عنه تحولات في علاقة بردود الفعل العصبية والغددية التي تتسبّب في تشنج الجسد أو هدوئه.

المختص في علم النفس الاجتماعي عبد الوهاب محجوب لـ"الترا تونس": حشيشة رمضان هي تسمية لظاهرة عصبية لدى الإنسان نتيجة منعه عن بعض المنبهات التي كان يتعاطاها قبل الصوم

ويوضّح أن التحولات التي تطرأ على جسد الصائم تسبب ردود فعل كالغضب والانفعال، وأحيانًا ممارسة الفرد لاعتداءات تحت مسمّى "حشيشة رمضان" التي باتت عنوانًا لردود فعل لدى الصائم. ويتابع بالقول إن "حشيشة رمضان هي تسمية لظاهرة عصبية لدى الإنسان نتيجة منعه عن بعض المنبهات التي كان يتعاطاها قبل الصوم ولو صام خارج شهر رمضان لكانت ردود فعله نفسها"، مشيرًا إلى أنّ هذا التغيير ينتج عنه النوم والكسل إلى جانب الغضب لكن سرعان ما يتعوّد الجسد على الصيام ويقاوم التغيرات التي طرأت عليه وفق تقديره. وبذلك تقترن "حشيشة رمضان" في المخيال الجماعي بالاعتداءات سواء اللفظية أو الجسدية والتي تصل أحيانا حدّ القتل على النحو السابق ذكره.

"حشيشة رمضان" وقانون الحرارة الإجرامي

يلاحظ، في الأثناء، الباحث في علم الاجتماع ممدوح عز الدين، أن هناك ارتفاعًا في عدد الجرائم في شهر رمضان خاصة جرائم الاعتداءات كالضرب والقتل، وهو ما يذكر بقانون الحرارة الإجرامي الذي ينص على أن جرائم الضرب والاعتداءات والاغتصاب تكثر في فصل الصيف على عكس فصل الشتاء الذي تزيد فيه جرائم الأموال على غرار الاختلاس والسرقة، وفق قوله.

الباحث في علم الاجتماع ممدوح عز الدين لـ"الترا تونس": ارتفاع عدد الاعتداءات في شهر رمضان يذكّر بقانون الحرارة الإجرامي حينما ترتفع بعض أنواع الجرائم في فصول دون أخرى

وعن التغييرات السلوكية التي تطرأ على الفرد في شهر رمضان، يقول عز الدين في حديثه لـ"الترا تونس"، إن من أبرز هذه السلوكيات الرغبة في النوم، والكسل، والخمول، والتأخر عن العمل، واللهفة في الاستهلاك، وتعكر الحالة المزاجية، وارتفاع العصبية والتوتر.

ويوضّح محدّثنا في الختام مفسًرًا أسباب ارتفاع عدد الاعتداءات في شهر رمضان، أنّ الامتناع عن الطعام والشراب والتدخين يرفع لدى البعض درجة العصبية والتوتر مما قد يدفع لارتكاب الجرائم وبالخصوص الاعتداءات اللفظية والمادية.

 

اقرأ/ي أيضًا:

غلق المقاهي في نهار رمضان: بين حرية الضمير ونواميس المجتمع ومنشور "غير دستوري"

المهن الموسمية في رمضان.. باب رزق