كان 5 من أعضاء المكتب التنفيذي للاتحاد العام التونسي للشغل قد أعلنوا في وقت سابق، نيّتهم الدخول في اعتصام مفتوح بمقر الاتحاد بتونس العاصمة بتاريخ 25 ديسمبر/كانون الأول الجاري، وهو تحرك يأتي بالتزامن مع حديث متواتر عن أفول نجم المنظمة الشغيلة الأكبر في البلاد وتراجع تأثيرها النقابي والسياسي.
5 من أعضاء المكتب التنفيذي لاتحاد الشغل أعلنوا نيتهم الدخول في اعتصام مفتوح رافعين مطالب منها تقديم مؤتمر الاتحاد المزمع عقده في 2027 إلى منتصف 2025، وهي خطوة اعتبرت "أزمة داخلية غير مسبوقة"
وبتاريخ 14 ديسمبر/كانون الأول 2024، أعلن كل من أنور بن قدور وعثمان الجلولي ومنعم عميرة والطاهر المزي وصلاح الدين السالمي أعضاء المكتب التنفيذي لاتحاد الشغل، اتخاذهم قرار الدخول في اعتصام مفتوح، رافعين عديد المطالب من بينها تقديم مؤتمر المنظمة الشغيلة المزمع عقده سنة 2027 إلى منتصف سنة 2025، وهي خطوة اعتبرها متابعون للشأن العام "أزمة داخلية غير مسبوقة".
وفي تصريح مقتضب لـ "الترا تونس"، كشف عضو المكتب التنفيذي للاتحاد العام التونسي للشغل صلاح الدين السالمي، أنّ الأعضاء الخمس ماضون في تنفيذ اعتصامهم في التاريخ المحدد، مشيرًا إلى أنه لا وجود لأي بوادر للوصول إلى اتفاق بخصوص مطالبهم، وفقه.
بدأت أزمة اتحاد الشغل عقب مؤتمر استثنائي عقد سنة 2021، تم فيه اتخاذ قرار بتعديل الفصل 20 من القانون الأساسي بما يسمح للطبوبي بالترشح لدورة ثالثة، وهو ما خلق انقسامات صلب الاتحاد زادت حدتها مع تراجع دوره في الفترة التي تلت 25 جويلية 2021
وبدأت أزمة الاتحاد العام التونسي للشغل عقب مؤتمر استثنائي تم عقده في مدينة سوسة سنة 2021، تم فيه اتخاذ قرار بتعديل الفصل 20 من القانون الأساسي بما يسمح لنور الدين الطبوبي بالترشح لدورة ثالثة، وهو ما نتج عنه انقسامات داخل المنظمة النقابية زادت حدتها مع تراجع دور الاتحاد في الفترة التي تلت إجراءات 25 جويلية/ يوليو 2021.
-
صبري الزغيدي: الاتحاد يمر بأزمة داخلية غير مسبوقة
في هذا الإطار، يقرّ الصحفي في جريدة "الشعب" التابعة للاتحاد العام التونسي للشغل، أنّ المنظمة تمر فعلاً بأزمة داخلية برزت في أحد هياكلها العليا وهو المكتب التنفيذي الوطني الذي يتكون من 15 عضوًا والذي انقسم إلى شقين، حيث يضمّ الشق الأول 10 أعضاء بينما يضم الثاني 5 أعضاء، وفقه.
صبري الزغيدي (صحفي بجريدة "الشعب") لـ"الترا تونس": اتحاد الشغل يمر بأزمة داخلية برزت في أحد هياكلها العليا وهو المكتب التنفيذي الوطني الذي يتكون من 15 عضوًا والذي انقسم إلى شقين، يضمّ الأول 10 أعضاء بينما يضم الثاني 5 أعضاء
وقال الزغيدي، في حديثه مع "الترا تونس"، إنّ الخلاف برز خصوصًا أثناء انعقاد المجلس الوطني لاتحاد الشغل في شهر سبتمبر/أيلول الفائت بولاية المنستير، والذي شهد حينها انسحاب عدد من أعضاء المجلس وتجديد مطالبهم بعقد مؤتمر استثنائي مع تأكيدهم على أنّ القيادة الحالية للاتحاد أصبحت عاجزة على تسيير الاتحاد والدفاع عن حقوق منظوريه.
وأوضح الزغيدي في ذات السياق، أنّ الخلاف داخل الاتحاد تواصل إلى غاية يوم 14 ديسمبر/كانون الأول الجاري، عندما قرر 5 من أعضاء المكتب التنفيذي تنظيم تجمع عام جددوا من خلاله مطالبتهم بضرورة عقد مؤتمر سابق لأوانه.
وبحسب الزغيدي، فإنّ الشقّ المكون من 10 أعضاء يعتبر فعلاً أنّ اتحاد الشغل يعاني من مشاكل في التسيير خصوصًا أمام مواصلة السلطة في تونس تعطيل الحوار الاجتماعي وعدم التفاعل مع مقترحات الاتحاد، وفقه.
-
الزغيدي: السلطة تسعى لإضعاف اتحاد الشغل
وأكد الصحفي أنّ الاتحاد يعيش على وقع أزمة غير مسبوقة، مشيرًا إلى أنّ السلطة الحالية هي المستفيد الوحيد من هذه الأزمة ومن اختلاف وجهات النظر بين القيادات، معتبرًا أنّ ضعف المنظمة الشغيلة يتيح لها تمرير القوانين التي تريد دون مراعاة لقوت التونسيين، مثل تمريرها لموازنة 2025 والتي احتوت على فصول تخدم الأغنياء دون سواهم، حسب تقديره.
صبري الزغيدي لـ"الترا تونس": السلطة هي المستفيد الوحيد من الأزمة غير المسبوقة صلب اتحاد الشغل ومن اختلاف وجهات النظر بين القيادات إذ أنّ ضعف المنظمة الشغيلة يتيح للسلطة تمرير القوانين التي تريد دون مراعاة قوت التونسيين
وأشار الزغيدي إلى أنّ ضعف الاتحاد العام التونسي للشغل يعني تفاقم الأزمات الاقتصادية والاجتماعية والتربوية والبيئية وغيرها، وأن تقسيم الاتحاد يعدّ مصدر قوة للسلطة، مؤكدًا أنّ هدف السلطة في تونس هو إضعاف الاتحاد وتحجيم دوره، وفقه.
على صعيد متصل، كشف الزغيدي في حديثه مع "الترا تونس"، عن وجود مساعٍ ومشاورات يقودها قدماء من الاتحاد العام التونسي للشغل لتقريب وجهات النظر وطرح الحلول، غير أنّ هذه المحاولات لم تصل بعد إلى النتائج المرجوة ولا تزال المجموعة المتكونة من 5 أعضاء متمسكة بتنفيذ اعتصامها بمقر اتحاد الشغل.
وأشار إلى أنّ الطبقة العاملة وأصدقاء الاتحاد من منظمات وجمعيات وأحزاب سياسية يأملون أن تنتهي هذه الأزمة قريبًا وأن يتمّ سحب البساط من تحت أقدام السلطة التي تسعى إلى إضعاف المنظمة، مشيرًا إلى أنّ "الاتحاد عود الجميع على الخروج دائمًا من أزماته أكثر قوة وصلابة".
صبري الزغيدي لـ"الترا تونس": هناك مساعٍ ومشاورات يقودها قدماء من الاتحاد العام التونسي للشغل لتقريب وجهات النظر وطرح الحلول، غير أنّ هذه المحاولات لم تصل بعد إلى النتائج المرجوة ولا تزال المجموعة المتكونة من 5 أعضاء متمسكة بتنفيذ اعتصامها
ويرى صبري الزغيدي أنّه من الطبيعي أن يعيش الاتحاد العام التونسي للشغل على وقع اختلافات في وجهات النظر وفي طريقة التسيير والتوجهات السياسية والإيديولوجية، معقبًا أنه "يتم الاحتكام إلى القانون الأساسي والنظام الداخلي للمنظمة لفض الخلافات من خلال الانضباط لموقف الأغلبية واحترام موقف الأقلية".
-
محلل سياسي: أزمة اتحاد الشغل كانت منتظرة
من جهته، يرى المحلل السياسي بولبابة سالم أنّ الأزمة الداخلية التي يعيش على وقعها الاتحاد العام التونسي للشغل كانت منتظرة ومتوقعة حتى أنّ الأمين العام للاتحاد نور الدين الطبوبي اعترف في آخر خطاب له بأنّ المنظمة الشغيلة تشهد مخاضًا.
وأضاف سالم، في حديث مع "الترا تونس"، أنّه تم تهميش دور اتحاد الشغل في السنوات الأخيرة ولم تتمّ الاستجابة لكل المبادرات التي اقترحها من أجل الجلوس إلى طاولة الحوار، وذلك على الرغم من أنه كان قبل إجراءات 25 جويلية/يوليو 2025 فاعلاً رئيسيًا في البلاد.
المحلل السياسي بولبابة سالم لـ"الترا تونس": الأزمة الداخلية التي يعيش على وقعها كانت منتظرة خاصة وأن الأداء الضعيف للمكتب التنفيذي الحالي ساهم في ترذيل المشهد النقابي وتسبب في تراجع دور الاتحاد وخفوت بريقه
ويرى المحلل السياسي أنّ إعلان 5 أعضاء من المكتب التنفيذي للاتحاد العام التونسي للشغل دخولهم في اعتصام مفتوح يعتبر تطورًا لافتًا، لكنه كان منتظرًا في ظل المخاض الذي تعيشه المنظمة، مضيفًا: "من غير الممكن التشكيك في أنّ الاتحاد يعيش أزمة حقيقية سببها المكتب التنفيذي الحالي والتي بدأت مع تنقيح الفصل 20 من القانون الأساسي للمنظمة العريقة".
ووفق سالم، فإنّ تراجع دور الاتحاد في تونس وخفوت بريقه غيّرا من نظرة التونسيين والنقابيين والطبقة العاملة تجاه المكتب التنفيذي الحالي، مؤكدًا أن "الأداء الضعيف للمكتب التنفيذي الحالي ساهم في ترذيل المشهد النقابي في البلاد"، حسب رأيه.
وأشار المحلل السياسي في حديثه مع "الترا تونس" إلى أنّ الأزمة الحالية لا تهدد بأي شكل من الأشكال مستقبل الاتحاد العام التونسي للشغل باعتباره أكبر منظمة نقابية في البلاد، لكنه يرى أنّ المكتب الحالي استنفذ كل الفرص المتاحة له خصوصًا بعد تعديل الفصل 20 ما جعل العديد من النقابيين يعتبرونه "غير شرعي".
وأوضح سالم أنّ قيادات الاتحاد العام التونسي للشغل مُطالبة بالتوجه نحو عقد مؤتمر سابق لأوانه في أقرب وقت ممكن بهدف تجنب الوقوع في الصراعات الداخلية وتصحيح المسار.
المحلل السياسي بولبابة سالم لـ"الترا تونس": قيادات الاتحاد العام التونسي للشغل مُطالبة بالتوجه نحو عقد مؤتمر سابق لأوانه في أقرب وقت ممكن بهدف تجنب الوقوع في الصراعات الداخلية وتصحيح المسار
وكان الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل نور الدين الطبوبي قد أكد، في تصريح لوكالة الأنباء التونسية الرسمية بداية شهر ديسمبر/كانون الأول 2024، أنّ المنظمة الشغيلة تشهد حاليًا مخاضًا وهو ما يقتضي تغيير خطابها تجاه منظوريها.
وأكد نور الدين الطبوبي أنّ اتحاد الشغل عرف عدة تحولات تعرض خلالها إلى أزمات داخلية سنوات 1965 و1978 و1989 كانت لها تداعيات كبيرة، مشيرًا إلى ضرورة القيام بمراجعات والعمل على تغيير خطاب الاتحاد تجاه منظوريه الذين تغيروا بشكل كبير وصارت لهم متطلبات مغايرة لجيل الستينات والسبعينات والتسعينات، حسب تقديره.
كما قال الطبوبي، في حديثه، إنه من الضروري أن يعترف الاتحاد العام التونسي بأنه أصاب في جوانب وأخطأ في أخرى، لافتًا إلى تطور الفكر النقابي داخل المنظمة من أجل التكيف مع مختلف التطورات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي عرفتها البلاد، وفقه.