"تراجع بنسبة 10%".. باحثة في علم الاجتماع: الزواج لم يعد أولوية لدى الشباب التونسي

كشفت إحصائيات حديثة للمعهد الوطني للإحصاء عن تراجع في عدد حالات الزواج في تونس خلال سنة 2024 مقارنة بسنة 2023، حيث بلغ عدد حالات الزواج 70.942 حالة في 2024 مقابل 78.115 حالة في 2023، أي بتراجع يقدر بحوالي 10% أو أكثر من 8000 حالة، وفق النشرة الشهرية للإحصاء لشهر جويلية/يوليو 2025.

وقالت الباحثة في علم الاجتماع آية بن منصور في تصريح لـ"الترا تونس": "التغيرات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية في البلاد لعبت دورًا أساسيًا في هذا التراجع الملحوظ. في الماضي، كانت العائلة الكبيرة تفرض على الأبناء الزواج في عمر معين، وكانت قيم الزواج والإنجاب تُعدّ من أهم أولويات الفتاة والرجل على حد سواء".

الباحثة في علم الاجتماع، آية بن منصور لـ"الترا تونس": الشباب اليوم أصبحوا أكثر استقلالية ولديهم أهداف مغايرة لما سطره المجتمع سابقًا والزواج لم يعد من الأولويات بالنسبة لهم

وأضافت بن منصور أن "المرأة التونسية أصبحت مستقلة أكثر، والزواج لم يعد من خياراتها الأساسية". كما أشارّت إلى أن "عمر الزواج تغير، حيث لم يعد يقتصر على الفترة بين 18 و25 سنة، بل يمتد الآن إلى ما بعد الثلاثينات".

وأوضحت الباحثة أن "ارتفاع كلفة الزواج من بين العوامل المؤثرة على انخفاض نسب الزواج، حيث تصل تجهيزات الزواج والذهب وما يرتبط به إلى ما بين 30 و50 ألف دينار تونسي"، إضافة إلى "ارتفاع كلفة الأبناء والمعيشة بشكل عام، ما يجعل الشباب غير قادرين على الإقدام على الزواج في الظروف الحالية".

وأكدت بن منصور أن "الشباب اليوم أصبحوا أكثر استقلالية ولديهم أهداف مغايرة لما سطره المجتمع سابقًا والزواج لم يعد من الأولويات بالنسبة لهم"، مشيرة إلى مفهوم "الفردانية" في علم الاجتماع الذي يصف هذا التحول في القيم والمبادئ لدى الأجيال الجديدة. وأضافت أن "تراجع نسب الزواج لا يتعلق فقط بالظروف الاقتصادية، بل يرتبط أيضًا بتحولات المجتمع نفسه، بما في ذلك طريقة اختيار الشريك، والمعايير التي يعتمدها الشباب في التعارف، مقارنة بالماضي حين كان الزوجان يتعرفان غالبًا ليلة الزفاف".

باحثة في علم الاجتماع لـ"الترا تونس": تراجع نسبة الولادات في تونس يرتبط بشكل مباشر بانخفاض نسب الزواج، مما يضع البلاد على مسار التهرّم السكاني

وبحسب بن منصور، فإن "هذه التحولات تمثل تغيرًا عميقًا في المجتمع التونسي، حيث لم تعد منظومة الزواج تعتمد فقط على الرجل أو المرأة، بل تتأثر أيضًا بالهوية، وكيفية اختيار الشريك، والقيم والمبادئ التي يحملها كل طرف". كما أشارت إلى "تأثير تطبيقات التعارف الحديثة على العلاقة بين الزوجين وطرق التعارف التقليدية، ما يعكس تغيرًا مستمرًا في المعايير الاجتماعية المرتبطة بالزواج".

اقرأ أيضًا: عزوف عن الزواج والإنجاب.. شبح التهرّم يترصّد تونس

ولفتت الباحثة إلى أن "هذه التغيرات بدأت منذ السبعينيات، عندما ركّز النظام على تطوير الاقتصاد وترسيخ قيم التعليم المجاني، ما ساهم في تغيير قيم المجتمع التونسي وأتاح للمرأة فرص التعليم والعمل، وبالتالي إعادة تشكيل الأولويات المتعلقة بالزواج والإنجاب"، وفقها.

وأشارت أيضًا إلى تراجع نسبة الولادات في تونس، مؤكدة أن "انخفاضها مرتبط بشكل مباشر بانخفاض نسب الزواج، مما يضع البلاد على مسار التهرّم السكاني". وأوضحت بن منصور أن "المرأة كانت في 2014 تنجب بمعدل طفلين لكل عائلة، بينما أصبح هذا المعدل أقل اليوم، وهو ما يعتبر منحدرًا يؤدي إلى التهرم السكاني".

وفي وقت سابق، أكدت راضية الجربي، رئيسة الاتحاد الوطني للمرأة، في تصريح لـ"الترا تونس" أن التهرم السكاني في تونس مرتبط بالعزوف عن الزواج وتراجع الولادات نتيجة غلاء المعيشة وأضافت أن ارتفاع مستوى تعليم النساء أدى إلى تأخر الزواج، إذ أصبحت الشهادة والعمل الضمان الأساسي لمستقبلهن مقارنة بالماضي حيث كان الزواج يمثل حماية واستقرارًا.

 وأوضحت الجربي أن تجاوز سن الثلاثين للمرأة المتعلمة يقلّل من إنجاب عدد كبير من الأطفال، خاصة مع صعوبة التوفيق بين الحياة العملية وتربية الأبناء، وتفضيل الأسر توفير ظروف عيش جيدة لأبنائها على زيادة عددهم، كما لفتت إلى أن التهرم السكاني سيؤثر على الصناديق الاجتماعية نتيجة تقلص اليد العاملة النشيطة، ما يشكل تحديًا مستقبليًا للأسر والمجتمع.