أثار تراجع أسعار زيت الزيتون في تونس بالتزامن مع انطلاق موسم جني صابة الزيتون حالة من الارتباك في صفوف الفلاحين، ما دفع العديد منهم إلى وقف عمليات الجني أو تأجيلها، أملاً منهم في ارتفاع أسعار البيع للعموم.
وفي بداية شهر نوفمبر/تشرين الثاني أعلنت وزارة الفلاحة التونسية أنّ أسعار بيع زيت الزيتون المتداولة لموسم 2025 ستتراوح بين 18 و22 دينارًا للتر الواحد، ليعلن بعد ذلك الديوان الوطني للزيت عن انخفاض في أسعار الزيت من 18 دينارًا إلى 14 دينارًا للتر الواحد، مفسرًا ذلك بتراجع الأسعار على مستوى العالم.
بالتزامن مع انطلاق موسم جني صابة الزيتون في تونس أثار تراجع أسعار زيت الزيتون حالة من الارتباك في صفوف الفلاحين، ما دفع العديد منهم إلى وقف عمليات الجني أو تأجيلها، أملاً منهم في ارتفاع أسعار البيع للعموم
ورغم أنّ وزارة الفلاحة تصف موسم 2024-2025 بـ "الجيد والواعد"، بعد توقعات ببلوغ إنتاج تونس من زيت الزيتون حوالي 340 ألف طن، بزيادة مقدارها 55% مقارنة بالموسم الفائت، فإنّ الفلاحين لا يعتبرون هذا الموسوم جيدًا بالنسبة إليهم ويرون أنّ أسعار البيع المعلن عنها ضعيفة وتؤدي بهم إلى "الخسارة" و"الغرق في الديون".
-
تراجع أسعار الزيت: فلاحون يؤجلون جني محاصيلهم
تلقى إسماعيل حديدي، وهو فلاح أصيل منطقة بوحجلة من ولاية القيروان، الأسعار الجديدة لزيت الزيتون بكثير من الصدمة ما دفعه إلى اتخاذ قرار بوقف عمليات جني محصوله من الزيتون إلى أجل غير مسمى، وفق حديثه مع "الترا تونس".
وأكد حديدي أنه بدأ، نهاية شهر أكتوبر/ تشرين الأول الفائت، في جمع صابة الزيتون غير أنه قرر لاحقًا إيقاف العمل وتأجيل الجني إلى موعد لاحقٍ يتم تحديده وفقًا لتغيّر الأسعار المتداولة لبيع زيت الزيتون في تونس.
إسماعيل حديدي (فلاح من بوحجلة) لـ"الترا تونس": الأسعار الجديدة لزيت الزيتون صادمة لأنها ضعيفة جدًا ولا تغطي كلفة الإنتاج واليد العاملة، الأمر الذي دفعنا إلى وقف عمليات الجني إلى أجل غير مسمى في انتظار ارتفاع الأسعار من جديد
وأشار حديدي إلى أنّ عشرات الفلاحين من منطقة بوحجلة قرروا بدورهم إيقاف أو تأجيل عمليات جني الزيتون إلى حين ارتفاع أسعار الزيت، مؤكدًا أنّ "الأسعار ضعيفة جدًا ولا تغطي مصاريف الإنتاج وتكاليف اليد العاملة"، حسب تقديراته.
وبحسب حديدي، فإن معاصر الزيت في منطقته أصبحت شبه خالية وقلّت فيها الحركية منذ الإعلان عن تراجع أسعار بيع الزيت، مؤكدًا أنّ الفلاحين لا خيار أمامهم سوى وقف عمليات الجني تجنبًا لتكبد خسائر فادحة جراء ارتفاع تكاليف اليد العاملة مقابل تراجع سعر الزيتون والزيت، وفقه.
وعادةً ما يبدأ الفلاحون موسم الجني بجمع الزيتون المتناثر على الأرض جرّاء الرياح والأمطار والذي تم بيعه سنة 2023 بنحو 1500 مليم (1.5 دينار) للكيلوغرام الواحد، غير أن معظمهم تخلوا عنه هذه السنة باعتبار أنّ سعره الذي قدر بنحو 500 مليم (0.5 دينار) للكيلوغرام الواحد لا يغطي تكاليف اليد العاملة التي ستقوم بجمعه، وفق ما أكده حديدي.
إسماعيل حديدي لـ"الترا تونس": الانخفاض المفاجئ في أسعار زيت الزيتون ستكون له تأثيرات سلبية خصوصًا على صغار الفلاحين الذين وقفوا عاجزين عن تسديد ديونهم المتراكمة وعن اتخاذ قرار بشأن محاصيل الزيتون
ويدفع الفلاح أجرةً يوميةً للعاملين تقدر بـ 50 دينارًا للرجل و30 دينارًا للمرأة، ويعتبر محدث "الترا تونس" أنّ أسعار الزيت والزيتون التي تم الإعلان عنها في تونس لا يمكنها أن تغطي مصاريف الإنتاج التي تبدأ بحرث الأرض مرات متتالية وتقليم الزيتون وسقيه وصولاً إلى جمعه وعصره.
يدرك حديدي كغيره من الفلاحين أن الزيتون لا يصمد طويلاً في الحقول وأنّ تأخير موعد جنيه سيؤثر أولاً على جودة الزيت كما سيكون عرضة لمخاطر السقوط على الأرض أو السرقة، لكنه يؤكد في ذات الوقت أنه لا يستطيع جني الزيتون وبيعه بأسعار بخسة، وفق قوله.
يؤكد محدث "الترا تونس" أنّ الانخفاض المفاجئ في أسعار زيت الزيتون ستكون له تأثيرات سلبية خصوصًا على صغار الفلاحين الذين وقفوا عاجزين عن تسديد ديونهم المتراكمة وفي نفس الوقت عن اتخاذ قرار بشأن محاصيل الزيتون.
-
فلاح: مصدومون من انخفاض الأسعار
بدوره، قرر المولدي الرمضاني، وهو فلاح ورئيس الاتحاد الجهوي للفلاحة والصيد البحري بالقيروان، إيقاف جني الزيتون بعد أن كان قد بدأ فعليًا في جمع محصوله نهاية شهر أكتوبر/تشرين الأول الفائت، أملاً منه في ارتفاع الأسعار.
المولدي الرمضاني (رئيس اتحاد الفلاحة بالقيروان) لـ"الترا تونس: نأمل أن يتمّ التدخل بشكل عاجل من قبل ديوان الزيت لتحديد أسعار جديدة للبيع تكون قريبة من أسعار البيع العالمية ومناسبة للفلاح وتراعي في ذات الوقت المقدرة الشرائية للتونسيين
ويؤكد الرمضاني، في حديثه مع "الترا تونس"، أنّ تراجع أسعار بيع الزيت والزيتون أثر بشكل لافت على موسم جني الزيتون بعد أنّ قرر أغلب الفلاحين في كامل تراب الجمهورية إيقاف موسم الجني وترقب تطور الأسعار، وفقه.
وفي القيروان، بلغ سعر الكيلوغرام الواحد من الزيتون ما بين 1200 مليم (1.2 دينار) إلى 1500 مليم (1.5 دينار) بينما يُباع الزيتون التي يتم جمعه من الأرض بنحو 500 مليم (0.5 دينار)، وهي أسعار يراها الرمضاني "صادمة" للفلاح.
ويأمل الرمضاني أن يتمّ التدخل بشكل عاجل من قبل الديوان الوطني للزيت لتحديد أسعار جديدة للبيع تكون قريبة من أسعار البيع العالمية خصوصًا في إيطاليا وإسبانيا، موضحًا أن الأسعار يجب أن تكون مناسبة للفلاح وتراعي في ذات الوقت المقدرة الشرائية للتونسيين.
رئيس اتحاد الفلاحة بالقيروان لـ"الترا تونس: تأخير موعد جني الزيتون يؤثر سلبًا على جودة الزيت ويضرّ بالصابة ويتسبب في خسارة للفلاح بسبب تساقط الزيتون على الأرض، لكنّ الفلاح لم يجد حلاً سوى وقف الجني نظرًا للتكلفة الباهظة لليد العاملة
ووفق الرمضاني، فإنّ تأخير موعد جني الزيتون يؤثر بشكل سلبي على جودة الزيت ويضرّ بالصابة ويتسبب في خسارة للفلاح بسبب تساقط الزيتون على الأرض، لكنه يرى أنّ الفلاح لم يجد حلاً سوى وقف الجني نظرًا للتكلفة الباهظة لليد العاملة.
وبدوره، قرر الرمضاني لأول المرة التخلي عن جمع الزيتون المتناثر على الأرض نظرًا لتراجع سعره بشكل لافت، مشيرًا إلى أنّه في حال لم ترتفع الأسعار فإن الفلاح سيضطر لجمع محصوله من الزيتون وسيكون أمام خيارين إما بيعه بأسعار زهيدة وإما عصره وتخزينه إلى حين ارتفاع الأسعار، وفقه.
ويأمل الرمضاني أن يتدخل الديوان الوطني للزيت لشراء الزيت بسعر 18 دينارًا للتر الواحد على الأقل لدعم الفلاحين وإنقاذ الموسم، مشيرًا إلى أنّ المعاصر لا تزال فارغة على الرغم من مرور أسابيع على انطلاق الجني.
وبحسب الرمضاني فإنّ الزيت المتواجد الآن في الأسواق هو من صنف الزيت البكر الممتاز ويباع بسعر ضعيف، ما يعني أنّ بقية أنواع الزيت (الشملالي مثالاً) قد تباع بأسعار أقل، وفق توقعاته.
ولم يكن قرار تأجيل موسم الجني حكرًا على ولاية القيروان، فقد قرر محمد، فلاح أصيل ولاية سيدي بوزيد، بدوره إيقاف جني الزيتون الذي بدأه نهاية شهر أكتوبر/تشرين الأول الفائت، وتخلى عن 6 عملة (4 رجال وامرأتين).
محمد (فلاح) لـ"الترا تونس: قمت بسقي أشجار الزيتون لأشهر متتالية جراء الجفاف أملاً في إنجاح الصابة وتحصيل مردود مادي جيد لكنني الآن أجلت موعد الجني بعد الإعلان عن الأسعار الزهيدة للزيت التي ستكبدني خسائر فادحة
يقول محمد (اسم مستعار)، إنه قرر دون تفكير تأجيل موعد جني محصول الزيتون إلى موعد لاحق بعد أن كشف الديوان الوطني للزيت عن أسعار زيت الزيتون، وهي أسعار يعتبرها محمد "زهيدة" ولا يمكنها أن تنقذ الفلاح من تكبده خسائر فادحة.
وأشار إلى أنه قام بسقي أشجار الزيتون لأشهر متتالية جراء تواتر سنوات الجفاف ونقص مياه الأمطار، أملاً منه في إنجاح الصابة وتحصيل مردود ماديّ جيد ينسيه تعب العمل الشاق على مدى سنتين، مشيرًا إلى أنّ "محصوله من الزيتون وفير ولكن سيكون مردوده الماديّ ضعيفًا مقارنة بمصاريف الإنتاج".
ووفق محدث "الترا تونس"، فإنّ الفلاحين يواجهون هذه الأزمة (كما يصفها) بصدمة كبيرة وعجز أكبر، أمام تواصل ضبابية مستقبل أسعار الزيت وتواصل تراجعها في بقية دول العالم، وفقه.
-
خبير في السياسات الفلاحية: تأخير الجني يؤثر على جودة الزيت
يقرّ المختص في السياسات الفلاحية فوزي الزياني، بتراجع أسعار زيت الزيتون في العالم خصوصًا في الدول المنتجة للزيت مثل إسبانيا وإيطاليا واليونان، لكنه يؤكد في المقابل، على وجود حملة ممنهجة تستهدف قطاع الزيت والزيتون في تونس، وفقه.
المختص في السياسات الفلاحية فوزي الزياني لـ"الترا تونس": هناك حملة ممنهجة تستهدف قطاع الزيت والزيتون في تونس، فأسعار بيع زيت الزيتون في تونس أقل بكثير من الأسعار العالمية المتداولة والتي تتراوح بين 8 دولارات إلى 10 دولارات
ويرى الزياني، وفق حديثه مع "الترا تونس"، أن أسعار بيع زيت الزيتون في تونس أقل بكثير من الأسعار العالمية المتداولة والتي تتراوح بين 8 دولارات إلى 10 دولارات، بينما لا يتجاوز سعر البيع في تونس 4 دولارات، وفقه.
ووفق الزياني، فإنّ أسعار زيت الزيتون التي كشف عنها الديوان الوطني للزيت لا تتطابق مع المصاريف التي دفعها الفلاح لإنجاح موسم الزيتون، مؤكدًا أنّ 60% من صابة الزيتون سقوية وتحتاج مصاريف أكثر بكثير من الزيتون البعل (في الزراعة البعلية يكون احتياج الصنف المائي متوافق مع كمية هطول الأمطار في المنطقة المزروع فيها، فبالتالي لا يحتاج للري).
كما أوضح المختص في السياسات الفلاحية، أنّ إنتاج 340 ألف طن من الزيت لا يمكن وصفه بالصابة القياسية، مشيرًا إلى أنّ الحديث عن تسجيل صابة قياسية يكون عندما يكون الإنتاج الوطني في حدود 500 ألف طن، حسب تصوره.
كما حذر الزياني من مخاطر تأخير موسم الجني باعتبار أنه يؤثر على جودة الزيت، داعيًا الديوان الوطني للزيت للتدخل وإنقاذ الموسم من خلال شراء اللتر الواحد من الزيت بـ 18 دينارًا.
المختص في السياسات الفلاحية فوزي الزياني لـ"الترا تونس": أسعار زيت الزيتون التي كشف عنها ديوان الزيت لا تتطابق مع المصاريف التي دفعها الفلاح لإنجاح موسم الزيتون فـ60% من صابة الزيتون سقوية وتحتاج مصاريف كبيرة
وكانت وزارة الفلاحة التونسية قد أعلنت أنها اتخذت جملة من الإجراءات لفائدة قطاع زيت الزيتون، وذلك لدعم صمود منظومة زيت الزيتون أمام التحديات التي تفرضها الأسواق العالمية.
ومن بين هذه الإجراءات، ذكرت الوزارة انطلاق الديوان الوطني للزيت في عملية شراء كميات من زيت الزيتون في كامل تراب الجمهورية باعتماد أسعار تأخذ بعين الاعتبار الأسعار المتداولة بالسوق العالمية والداخلية، ووضع طاقة الخزن المتوفرة لدى الديوان الوطني بمراكزه الجهوية على ذمة الفلاحين والمنتجين لخزن زيت الزيتون حسب الرغبة.
كما اتّجهت الوزارة إلى تسهيل إجراءات التّصدير من خلال حذف إجراء الموافقة المُسبقة عند التّصدير ودعوة المصدّرين للاستفادة من أحكام الأمر عدد 949 لسنة 2019 المؤرخ في 29 أكتوبر/تشرين الأول 2019 الذي يتضمّن شروط الإعفاء من المراقبة الفنيّة عند التّصدير.