16-يناير-2019

الإضراب العام سنة 1978 هو محطة محورية في تاريخ البلاد (ياسين القايدي/وكالة الأناضول)

 

الترا تونس - فريق التحرير

 

ينفذ الاتحاد العام التونسي للشغل إضرابًا عامًا في قطاع الوظيفة العمومية والقطاع العام يوم الخميس 17 جانفي/كانون الثاني 2018، وذلك بعد عدم التوصل لاتفاق مع الحكومة حول الزيادات في أجور قطاع الوظيفة العمومية.

وهو ثاني إضراب مهم في ظرف أقل من شهرين، وقد سبقه إضراب عام شمل فقط قطاع الوظيفة العمومية بتاريخ 22 نوفمبر/تشرين الثاني المنقضي.

في هذا السياق، نقدم لكم عرضًا حول تاريخ الإضرابات العامة في تونس (الإضرابات العامة الشاملة لكل القطاعات دون استثناء):

 

إضراب 26 جانفي/ يناير 1978

الإضراب العام يوم 26 جانفي/كانون الثاني 2018 هو محطة بارزة في التاريخ الاجتماعي والسياسي في تونس، حينما عرفت البلاد يومها احتجاجات شعبية عارمة هي الأعنف حينها بعد الاستقلال، أدت لسقوط شهداء وتبعتها حملة قمع شملت قيادات اتحاد الشغل، وعُرف ذلك اليوم بـ"الخميس الأسود".

وكانت تعيش تونس على صفيح ساخن أواخر السبعينيات على مستوى التضييق على الحريات السياسية والمدنية، ومن ذلك إيقاف عناصر من حركة الوحدة الشعبية، التي أسسها من المنفى أحمد بن صالح، ومنع عقد المؤتمر الوطني للحريات سنة 1977. كما عرفت البلاد أزمات اقتصادية واجتماعية عكسها ارتفاع احتجاجات العمّال وإضراباتهم إذ بلغت ساعات العمل الضائعة أكثر من 1.2 مليون ساعة عمل سنة 1977 فقط.

الإضراب العام في 26 جانفي 2018 هو محطة بارزة في التاريخ الاجتماعي والسياسي في تونس حينما عرفت يومها البلاد احتجاجات شعبية عارمة هي الأعنف حينها بعد الاستقلال

اعتمدت السلطة تباعًا سياسة الصدام ضد اتحاد الشغل عبر مليشيات الحزب الحاكم، وقد عرفت المواجهات أوجّها يوم 20 كانون الثاني/يناير 1978 حينما هاجمت هذه المليشيات اجتماعًا لاتحاد الشغل الذي أعلن الإضراب العام يوم 26 من نفس الشهر.

وكان يوم الإضراب يومًا داميًا في تونس، حيث احتج الآلاف في الشوارع وواجهتهم القوات الأمنية بالقمع والاعتقال، ولم ينته ذلك اليوم حتى تم إعلان حالة الطوارئ ونزل الجيش إلى الشارع لأول مرة منذ الاستقلال.

وقد خلفت هذه الأحداث مئات القتلى والجرحى وامتلأت السجون بآلاف من العمال والنقابيين والطلبة وغيرهم. تحدثت الحكومة لاحقًا عن 52 قتيلًا و325 جريحًا، فيما تحدّث المعارض أحمد المستيري عن 140 قتيلًا وتتحدث تقارير مستقلة عن 300 قتيل، ولا يزال التضارب حول العدد النهائي لضحايا الخميس الأسود إلى اليوم.

اقرأ/ي أيضًا: بين السياسي والاجتماعي.. أي دور اليوم للاتحاد العام التونسي للشغل في تونس؟

وقد واصلت السلطة لاحقًا تصعيدها باعتقال قيادات المنظمة الشغيلة مع إزاحة الحبيب عاشور من الأمانة العامة بالقوة وتنصيب قيادة جديدة موالية لها. وحوكم عاشور في نهاية السنة بالسجن لمدة 10 سنوات مع الأشغال الشاقة، قبل أن يقع إطلاق سراحه في وقت لاحق.

وقد نظمت هيئة الحقيقة والكرامة بتاريخ 26 جانفي/كانون الثاني 2017، جلسة استماع علنية مخصصة لأحداث "الخميس الأسود" في ذكراها الـ39، وعرضت شهادات من نقابيين وضحايا حول السياق السياسي والاقتصادي والاجتماعي لهذه الأحداث ومجمل الانتهاكات ضد حقوق الإنسان التي جدّت بمناسبتها.

فيديو تقديمي لهيئة الحقيقة والكرامة حول أحداث الخميس الأسود

إضراب 8 فيفري/ شباط 2013

أدى اغتيال الشهيد شكري بلعيد يوم 6 فيفري/شباط 2013 لإعلان الاتحاد العام التونسي للشغل للإضراب العام يوم 8 من نفس الشهر وهو أيضًا يوم جنازة الشهيد.

وقد بلغ مستوى الاحتقان بين الأطراف السياسية حينها أقصاه، إذ جدّت أحداث عنف وتخريب أمام مقبرة الجلاز بالعاصمة يوم الجنازة، واتهمت الجبهة الشعبية حينها "روابط حماية الثورة"، بالوقوف وراء هذه الأحداث.

أعلن الاتحاد العام التونسي للشغل الإضراب العام إثر وفاة الشهيد شكري بلعيد

وشُيّع جثمان بلعيد عبر عربة عسكرية في جنازة تاريخية أعلن الناطق الرسمي باسم وزارة الداخلية أن عدد المشاركين فيها بلغ 40 ألفًا. كما شهدت عديد الولايات تنظيم جنازات رمزية بالتوازي مع سريان الإضراب العام الذي شلّ البلاد.

وصعّد هذا الاغتيال إجماًلا في حالة الاحتقان في المشهد السياسي، مع تحميل المعارضة حكومة الترويكا، التي كانت تقودها حركة النهضة، المسؤولية عن الاغتيال. وقد أعلن وقتها رئيس الحكومة حمادي الجبالي مبادرة لتشكيل حكومة تكنوقراط، وهو ما رفضته أحزاب الترويكا، ليستقيل الجبالي ويقع تكليف علي العريض بتشكيل حكومة الترويكا 2.

إضراب 26 جويلية/ يوليو 2013

قرر الاتحاد العام التونسي للشغل، إثر اغتيال الشهيد محمد البراهمي، مجدّدًا الإضراب العام الوطني بكافة أنحاء البلاد يوم الجمعة 26 جويلية/يوليو 2013 وذلك وفقًا لتراتيب اضراب يوم 8 فيفري/شباط من نفس السنة إثر اغتيال الشهيد شكري بلعيد. كما أعلن الاتحاد تنظيم جنازة وطنية للشهيد وتعليق كل الجلسات والمبادرات بخصوص الحوار الوطني.

وقد أدى اغتيال البراهمي لأزمة سياسية تمظهرت مع تعليق أشغال المجلس الوطني التأسيسي إثر مقاطعة كتل المعارضة لأعماله، ولم تنفرج الأزمة إلا بعد إطلاق مبادرة للرباعي الراعي للحوار الوطني انتهت بتشكيل حكومة تكنوقراط بقيادة مهدي جمعة.

اقرأ/ي أيضًا: أزمة المؤسسات العمومية في تونس: التفويت أم الإصلاح؟

إضراب 22 نوفمبر/تشرين الثاني 2018

هو الإضراب الذي نفذه الاتحاد لذات السبب الذي ينفذ من أجله إضراب 17 جانفي/كانون الثاني 2019، وهو عدم الوصول لاتفاق حول الزيادات في أجور موظفي الوظيفة العمومية.

وقد حشدت حينها المنظمة الشغيلة أنصارها أمام مجلس نواب الشعب في تجمع عمالي حاشد.

إضرابات عامة تأجلت في اليوم الأخير

تقرّرت، في الأثناء، تواريخ لإضرابات عامة لكن وقع التراجع عن تنفيذها في الساعات الأخيرة.

ومن أهم هذه الإضرابات في السنوات الأخيرة الإضراب العام الذي كان المزمع تنفيذه يوم 13 ديسمبر/كانون الأول 2012 بدعوة من الاتحاد العام التونسي للشغل احتجاجًا على الاعتداء على مقره المركزي في ساحة محمد علي يوم 4 من ذلك الشهر. أدى هذا الاعتداء التي توجهت فيه أصابع الاتهام لـ"روابط حماية الثورة" لاحتقان سياسي بعدما اعتبر اتحاد الشغل أنه يتعرض لهجمة منظّمة تستهدف دوره التاريخي بتواطئ من الحكومة، ليعلن إضرابًا عامًا. جرت وساطات، في الأثناء، بين الاتحاد والحكومة، انتهت بتوقيع اتفاق بين الطرفين يوم 12 ديسمبر/كانون الأول، يقضي بإلغاء الإضراب مقابل تشكيل لجنة تحقيق مشتركة للتقصي في حادثة الاعتداء.

تراجع اتحاد الشغل عن تنفيذ إضراب عام يوم 13 ديسمبر 2012 في الساعات الأخيرة بعد التوصل لاتفاق مع الحكومة لتكوين لجنة تحقيق في الاعتداء على مقر الاتحاد

إضافة لذلك، كان من المبرمج أن تنفذ المنظمة الشغيلة إضرابًا عامًا يوم 8 ديسمبر/كانون الأول 2016، بسبب إعلان حكومة يوسف الشاهد عزمها تأجيل الزيادات المتفق عليها في الأجور في قطاع الوظيفة العمومية. وقد اُلغي هذا الإضراب إثر التوصل لاتفاق مع الحكومة قبل يوم واحد من تنفيذه، وهو اتفاق نص على تقسيط الزيادة في الأجور على عامين.

 

اقرأ/ي أيضًا:

اتحاد الشغل في تونس.. خلفيات النفوذ ورهان البقاء "فوق الجميع"

آخر حصون التضامن الاجتماعي مهددة بالانهيار!؟