27-مارس-2023
الحدود التونسية الليبية

باحث مختص في الشأن الليبي، لـ"الترا تونس": "هناك ضرب من الرعونة الدبلوماسية" (صورة توضيحية/Getty)

 

لم يكد مشهد شاحنات المساعدات القادمة من ليبيا، والمحملة بمواد غذائية إلى تونس، يٌنسى من الذاكرة، حتّى علت صفّارات الإنذار الدبلوماسية في العاصمة الليبية طرابلس، جراء ما ورد على لسان الرئيس التونسي قيس سعيّد أثناء تأديته زيارة إلى مقر الشركة التونسية للأنشطة البترولية.

تاريخيًا، وككل العلاقات الدبلوماسية، شهدت المعاملات بين الحكومات في كل من ليبيا وتونس فترات من الاستقرار تخللتها مطبات مختلفة حسب ما اقتضته كل حقبة من توازنات إقليمية أو إكراهات

"حقل البوري، الذي لم تتحصل منه تونس إلا على الفتات القليل"، هكذا تحدّث سعيّد بتاريخ الجمعة 17 مارس/آذار الماضي، ليكون الرد على لسان وزير النفط والغاز بحكومة الوحدة الوطنية الليبية الذي قال إن "قضية حقل البوري تم الفصل فيها بحكم دولي".

كان هذا الفصل الأخير من سلسلة الهزات الدبلوماسية بين تونس وليبيا، التي وإن لم ترتق إلى مستوى الأزمة لكنها قائمة، خاصة في فترة ما بعد "إغلاق القوس الديمقراطي"، أي بعد قرارات 25 جويلية/يوليو 2021 وما تلتها من قرارات وتوجهات.

 

 

  • بورصة العلاقات التونسية الليبية بين صعود وهبوط..

تاريخيًا، وككل العلاقات الدبلوماسية، شهدت المعاملات بين الحكومات في كل من ليبيا وتونس فترات من الاستقرار تخللتها مطبات مختلفة حسب ما اقتضته كل حقبة من توازنات إقليمية أو إكراهات سياسية.

وبصفة مباشرة، تُأثر البوصلة السياسية في البلدين على البورصة الاقتصادية بينهما. "قد تتشنج العلاقات في الغرف السياسية بين الحكومات، لكن المؤكد أن هذا لا يؤثر تقريبًا على طبيعة العلاقات بين الأفراد في كلا البلدين نظرًا للروابط الديمغرافية الممتدة بين البلدين، فالحال هو كما يقال: شعب واحد في بلدين"، هكذا تحدّث لـ"الترا تونس" بشير الجويني، الباحث في العلاقات الدولية والمختص في الشأن الليبي.

لا توجد مؤشرات تذكر على توجهات تونسية لتعزيز الشراكة مع ليبيا، في الوقت الذي يواجه فيه الاقتصاد التونسي "خطر الانهيار" وفق تأكيدات أوروبية وأمريكية

في سياق متصل ومنذ ما يقارب الشهرين، قامت الحكومة الإيطالية بإبرام صفقة تاريخية في مجال الطاقة، مع حكومة طرابلس بقيمة 8 مليار دولار فيما لا تزال حكومات وأنظمة من محاور إقليمية مختلفة تصطاد فرص الاستثمار في ليبيا، لكن لا توجد مؤشرات تذكر على توجهات تونسية لتعزيز الشراكة مع ليبيا، في الوقت الذي يواجه فيه الاقتصاد التونسي "خطر الانهيار"، وفق تعبير المفوض الأعلى للسياسة الخارجية والأمن بالاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل، يوم الاثنين 20 مارس/آذار الماضي.

 

 

للإشارة، تحظى ليبيا بأكبر عدد من الاتفاقيات والشراكات الموقعة، حيث فاقت الـ 100 اتفاقية مشتركة، حسب ما جاء في تصريح بشير الجويني. "إلى غاية 2011، مثلت ليبيا الشريك الاقتصادي الرابع لتونس حسب الأرقام الرسمية، أما إذا ما اعتبرنا الاقتصاد الموازي والتعاملات غير المعلنة وغير المباشرة، فقد ترتقي ليبيا إلى مستوى الشريك الثاني أو الأول ربما"، يقول حمزة المؤدب، الباحث الجامعي المختص في الاقتصاد السياسي.

حمزة المؤدب، باحث مختص في الاقتصاد السياسي، لـ"الترا تونس": ربما انطلق البرود أو الجفاء الذي تتسم به العلاقات التونسية الليبية مباشرة بعد تولّي سعيّد الحكم ومبادرته في جانفي 2020 عندما حاول عقد قمة شيوخ القبائل والتي لم يستسغها الليبيون

يضيف حمزة المؤدب، خلال حديثه لـ"الترا تونس": "ربما انطلق البرود أو الجفاء الذي تتسم به العلاقات التونسية الليبية مباشرة بعد تولّي قيس سعيّد الحكم ومبادرته خارج أطر الأمم المتحدة في جانفي 2020، عندما حاول عقد قمة شيوخ القبائل، والتي لم يستسغها الليبيون على يبدو، إذ لم تثمر تلك المبادرة".

  • الرعونة الدبلوماسية..

"هناك ضرب من الرعونة الدبلوماسية إذ لا استراتيجية واضحة أو تصوّر واضح للمستقبل الدبلوماسي لتونس، ليس فقط مع ليبيا بل على المستوى الإقليمي والدولي"، هكذا يقول المختص في الشأن الليبي بشير الجويني.

ويعقّب: "هناك إدراك ثابت لدى الليبيين أن مصلحة التونسيين الكبرى تكمن في الاستقرار في ليبيا، ورغم ذلك لم يستغل التونسيون هذا الإدراك لتحقيق القدر الأدنى ربما من المكتسبات".

بشير الجويني، باحث مختص في الشأن الليبي، لـ"الترا تونس": "هناك ضرب من الرعونة الدبلوماسية إذ لا استراتيجية واضحة أو تصوّر واضح للمستقبل الدبلوماسي لتونس، ليس فقط مع ليبيا بل على المستوى الإقليمي والدولي"

في هذا الإطار، يُذكر أن ثوابت الدبلوماسية التونسية صارت مهتزة هي الأخرى، فمن استضافة رئيس جبهة البوليساريو التي شنجت العلاقات مع المغرب إلى فكرة "مؤامرة لتغيير التركيبة الديمغرافية لتونس"، التي أثارت شبه أزمة مع دول أفريقية عدة، ومرورًا بطرد رئيسة الاتحاد النقابي الأوروبي، ترفع عديد من نقاط الاستفهام حول علاقات البلاد مع الخارج، وعن تكلفة هذه "الرعونة الدبلوماسية"، على حد وصف الجويني.

ويقول الباحث المختص في الشأن الليبي لـ"الترا تونس": "من لا يملك رؤية وتصوّرًا لإدارة البلاد داخليًا، لا يمكن أن تكون له تصورات لتموقعها وعلاقاتها الخارجية، فبديهيًا فاقد الشيء لا يعطيه".

"هناك ريبة من الجانب الليبي إذ لا يفهم الليبيون السياسة الداخلية ولا الخارجية للرئيس التونسي"، وفق الجويني، ويتقاطع في هذا التوصيف مع الباحث في الاقتصاد السياسي حمزة المؤدب، مذكرًا أنه "رغم الهزات السياسية بين البلدين، لم يتأخر الجانب الليبي عن التعامل الإيجابي في مناسبتين حاسمين على الأقل: مساعدة بـ 30 ألف طن من النفط في نوفمبر/تشرين الثاني 2022، والمساعدة الغذائية السابق ذكرها".

بشير الجويني، باحث مختص في الشأن الليبي، لـ"الترا تونس": "هناك ريبة من الجانب الليبي إذ لا يفهم الليبيون السياسة الداخلية ولا الخارجية للرئيس التونسي"

وفي الإطار "الرعونة" بالمثل، يذكر أن رئيس مجلس الدولة الليبي خالد المشري قد تعرّض في أحد خطاباته فيما معناه أن انتخاب رئيس لا يكفي لوضع أسس الديمقراطية، مشيرًا إلى الرئيس التونسي قيس سعيّد "الذي تحوّل إلى دكتاتور رغم أنه منتخب"، حسبما استشف من كلامه. "نوعًا ما تم احتواء هذا التصريح من الجهتين، التونسية والليبية، بالصمت والتجاهل"، هكذا يعلّق حمزة المؤدب على الحادثة.

في المحصّلة، تعيش العلاقات بين العاصمتين طرابلس وتونس ضربًا من البرود المرفق بالترقّب إلى ما ستؤول إليه الأحوال، في الوقت الذي يفترض أن تتكثّف المبادرات الدبلوماسية بين البلدين.

تعيش العلاقات بين العاصمتين طرابلس وتونس ضربًا من البرود المرفق بالترقّب إلى ما ستؤول إليه الأحوال، في الوقت الذي يفترض أن تتكثّف المبادرات بين البلدين

وفي ظلّ التخبّط الذي تعيشه تونس والحيرة المطبقة على طرابلس، يتحرّك عدة لاعبين إقليميين على غرار الإيطاليين الذين صار حضورهم أكثر ضجيجًا في الملعب السياسي لجنوب المتوسط، إلى جانب لاعبين إقليميين ودوليين آخرين كالأتراك والروس والفرنسيين.