بين حماية التراث والتجديد.. هدم نزل البحيرة في تونس يثير جدلًا

أثار انطلاق أعمال هدم نزل البحيرة جدلاً كبيرًا على مواقع التواصل الاجتماعي، بين الرافضين لهذا القرار وبين المرحبين به. وفي هذا الإطار، أكدت المهندسة المعمارية أميرة بلحاج في تدوينة نشرتها أن أعمال الهدم قد بدأت فعليًا، معتبرةً أن هذا القرار يشكل خطرًا حقيقيًا على التراث المعماري التونسي.

وشددت المهندسة:" مرة أخرى، المال ينتصر على التراث، غالبًا ما ينتصر هوس الأرباح لدى المطورين العقاريين على الحفاظ على آثار معمارية ذات قيمة لا تُقدّر".

مهندسة معمارية: غالبًا ما ينتصر هوس الأرباح لدى المطورين العقاريين على الحفاظ على آثار معمارية ذات قيمة لا تُقدّر

وقالت بلحاج إن "الفندق أحد أبرز المعالم المعمارية التي تنتمي لتيار البروتاليزم في تونس، تم بناؤه بين 1970 و1973 وصممه المعماري الإيطالي رافائيل كونتيجياني، ليشكل علامة بارزة في المدخل الشمالي للعاصمة ويشكل جزءًا مهمًا من الذاكرة الجماعية للمدينة"، وفقها.

وأضافت أن "الفندق يتكون من 10 طوابق متصلة بسلم وحيد، وشكله على هيئة هرم مقلوب يشبه قوس المدينة التونسية، ما يجعله رمزًا للحداثة الجديدة بعد الاستقلال، ويبرز لحظة انفتاح العمارة التونسية على الطراز الدولي مع الحفاظ على التراث الثقافي الغني".

وأكدت بلحاج في تدوينتها رفضها القاطع لهدم الفندق، مشيرةً إلى أن العديد من المهندسين المعماريين والنشطاء في مجال التراث أبدوا نفس الموقف، معتبرين أن الهدم يعني فقدان جزء لا يُعوَّض من هوية العاصمة. وأضافت أن "المبنى شهادة على إنجاز تقني كبير في شمال إفريقيا، حيث بني على 190 ركيزة خرسانية بعمق 60 مترًا، ويتميز بهيكله الفولاذي وواجهاته الزجاجية الواسعة".

مهندسة معمارية: الفندق أحد أبرز المعالم المعمارية التي تنتمي لتيار البروتاليزم في تونس، تم بناؤه بين 1970 و1973 وصممه المعماري الإيطالي رافائيل كونتيجياني، ليشكل جزءًا مهمًا من الذاكرة الجماعية للمدينة

واستعرضت بلحاج تاريخ الفندق، مشيرةً إلى أنه "كان يضم 416 غرفة، منها أربع أجنحة، واستضاف نخبة وطنية وعالمية في السبعينات والثمانينات، قبل أن يُغلق نتيجة سوء الإدارة ويُشترى لاحقًا من قبل شركة ليبية عام 2013، التي أعلنت عن خطط هدمه لبناء فندق فاخر مكانه".

وأوضحت المهندسة أن "الهدم ليس مجرد إزالة مبنى، بل مساس مباشر بالذاكرة الحضرية للمدينة، داعية إلى الحفاظ على هذا المعلم التاريخي وتحويله إلى مشروع سياحي وثقافي عالمي بدل محوه".

هذا الموقف جاء متزامنًا مع ردود فعل واسعة على مواقع التواصل، حيث عبّر العديد من المعماريين والمهتمين بالتراث عن استيائهم الشديد من هدم الفندق، مؤكدين أن القرار ينسف جزءًا من الهوية المعمارية لتونس الحديثة.

من جانبها، عبرت النائبة في البرلمان التونسي، نجلاء اللحياني، في تدوينة لها عن أسفها وحزنها العميق لقرار هدم الفندق، معتبرة أن "هذه العملية تمثل مسحًا لجزء من هوية العاصمة"، وأكدت أن "نزل البحيرة كان رمزًا للحداثة في تونس بعد الاستقلال، واستضاف شخصيات ومشاهير في السبعينات والثمانينات".

وأشارت إلى أن "الفندق عانى من إهمال كبير لمدة نحو 25 سنة، حتى بات مهددًا بالتدمير من قبل المستثمر الليبي الذي اقتناه سنة 2011 مقابل حوالي 17,5 مليون دينار". 

وتابعت:" على الرغم من إصدار والي تونس في جوان/يونيو 2024 منشورًا رسميًا يمنع الترخيص بالهدم ويدعو إلى ترميمه مع الحفاظ على شكله الهندسي ودعمه بمبنى إداري وتجاري وقاعة مؤتمرات، لم يُحترم هذا التوجه، واليوم تم المضي في خيار الهدم".

النائبة في البرلمان نجلاء اللحياني: على الرغم من إصدار والي تونس في جوان 2024 منشورًا رسميًا يمنع الترخيص بهدم نزل البحيرة، لم يُحترم هذا التوجه، واليوم تم المضي في خيار الهدم

وأكدت النائبة أن هدم نزل البحيرة ليس مجرد إزالة مبنى، بل هو إسكات شاهد على مرحلة من تاريخ تونس الحديث، مشيرة إلى أن هذه التحفة كان يمكن استثمارها وتحويلها إلى معلم سياحي وثقافي عالمي، وفقها.
 

في تدوينة أخرى، أشار المحامي عادل كعنيش إلى أن "هدم الفندق كان ضروريًا بسبب تآكل هيكله وعدم إمكانية ترميمه أو تجديده"، مضيفًا أن "تونس شهدت عمليات هدم وتجديد سابقة، مثل تجديد مركب البالماريوم، ونزل تونيزيان بالاص، ونزل الكلاريدج"، كما شدد على "ضرورة تجديد وسط المدينة مع الحفاظ على الجمال المعماري للبناءات الجديدة"، مؤكدًا أن "المجموعة التي اشترت نزل البحيرة قادرة على تنفيذ مشروع عمراني جميل يضيف بعدًا جماليًا للمدينة"، وفقه.

اقرأ أيضًا: المقر القديم لبورصة الشغل.. جاذبية المعمار الروسي واختزان لذاكرة تونس النقابية

وشدد المحامي على أن "عمليات التجديد لا يجب أن تُدار بعواطف فقط، بل وفق حاجة المدينة، مع اقتراح إزالة بعض المستودعات والثكنات القديمة لتوسيع وسط العاصمة، وتجديد عمارات ومبانٍ أخرى في صفاقس"، وفق تعبيره.

وأعرب آخرون من الناشطين ومستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي عن تأييدهم لنفس الموقف، معتبرين أن الفندق لا يحمل أي قيمة جمالية حقيقية وأن إعادة التطوير قد يساهم في تحسين المشهد العمراني للمدينة.