04-أكتوبر-2019

باتت الانتخابات موسم انتعاشة بالنسبة لعديد المهن والخدمات في تونس (الشاذلي بن إبراهيم/Getty)

 

ترافق الحملة الانتخابية سواء في الانتخابات الرئاسية أو التشريعية مظاهر تسويقية تعكس حجم التنافس بين المترشحين أحزابًا والمستقلين. إذ تنوعت طبيعة الحملات واختلفت تمظهراتها الترويجية باستعمال كافة الوسائل المتاحة لكسب الناخب وانتزاع صوته.

وفي جولة صغيرة في المدن التونسية، في الساحات والأسواق الأسبوعية، يُلاحظ انتشار الخيمات الدعائية، وتوزيع الشباب في الطرقات للبيانات الانتخابية التي تتضمن صور وبرامج القائمات التشريعية. كما تستقبل بعض المقاهي حلقات نقاش تحت عنوان "مقهى سياسي"، فيما يعقد بعض المترشحين خاصة مع اختتام الحملات الانتخابية اجتماعات تعبوية عامة تضم الآلاف من المناصرين.

ترافق الحملة الانتخابية سواء في الانتخابات الرئاسية أو التشريعية مظاهر تسويقية تعكس حجم التنافس بين المترشحين أحزابًا والمستقلين

اقرأ/ي أيضًا: الحملة الانتخابية التشريعية ضحية الانتخابات الرئاسية.. شهادات عن حملة باهتة

وهذه النماذج من أشكال الحملة الانتخابية تخفي وراءها إنفاقًا انتخابيًا هائلًا، لتشهد بذلك عدة مهن انتعاشًا، من مزودي خدمات ومحترفين وهواة من كافة المجالات. إذ باتت المواسم الانتخابية في تونس سوقًا لنشاط دور الطباعة ووكلاء الدعاية والإشهار من خلال الخدمات المقدمة بدءًا بالتصميم وصولًا إلى التوزيع والنشر.

الانتخابات.. موسم انتعاشة للمطابع

اتصل "ألترا تونس" بيوسف، صاحب مطبعة عصرية بجهة الساحل، الذي أسرّ لنا أنه يعمل منذ بداية الحملة الانتخابية بمعدل عشرين ساعة رفقة الفريق المصاحب له على آلات الطباعة المختلفة، وقد توزعت الأقسام في شركته بين الطباعة على الورق والطباعة الرقمية على البلاستيك من صنف "السيريغرافيا" إضافة للطباعة على الثياب والقبعات والهدايا.

يوسف (صاحب مطبعة): الزبون يسعى إلى الضغط على الكلفة نظرًا لسقف الإنفاق المالي المحدد حسب القانون الانتخابي

يتصل بيوسف منذ بداية شهر سبتمبر/أيلول بالخصوص رؤساء القائمات التشريعية أو ممثلين عنهم للانتفاع بخدماته، ويعلمنا أنه يتم التفاوض، في مرحلة أولى، حول كلفة الخدمة المطلوبة، مبينًا أن الزبون يسعى إلى الضغط على الكلفة نظرًا لسقف الانفاق المالي المحدد حسب القانون الانتخابي وذلك مقابل طلب خدمات ذات جودة.

ينتشر استعمال المعلقات والورقات الدعائية خلال الحملة الانتخابية (فتحي بلعيد/أ.ف.ب)

وبسؤالنا حول مدى الالتزام بالسقف المالي، لم يخف محدثنا أن أغلب المترشحين يحاولون الالتزام بذلك في الأيام الأولى من الحملة بحجة عدم قدرتهم على مجاراة مصاريف المترشحين عن أحزاب سياسية كبرى أو المرشحين المستقلين من ذوي المال.

ولكن يضيف صاحب المطبعة أنه بعيدًا عن الخوض في مدى قدرة المترشحين على توفير المال، فإن الطموح إلى الوصول للمنصب يغلب الانضباط للقانون، وهو ما يجعل المترشحين يلجؤون إلى مزيد من الإنفاق ولو بخلاص مؤجل، وفق قوله.

إنتاج سمعي بصري وإجتماعات شعبية

وتنتشر خدمات التصميم والتصوير بقوة في المناسبات الانتخابية للترويج للمترشحين، كما شهدت انتخابات 2019 انتشار الأفلام القصيرة الترويجية للمترشحين للرئاسية والتشريعية على حد سواء باستعمال تقنيات تصويرية متطورة مع نشرها على منصات التواصل الاجتماعي. وترتبط جودة الإنتاج السمعي البصري بحجم الكلفة المادية وقد تصل كلفة الفيديو الوحيد نحو 5 آلاف دينار، ولذلك يعتمده أساسًا المترشحين من الأحزاب الكبرى ورجال الأعمال.

 تشهد انتخابات 2019 انتشار الأفلام القصيرة الترويجية للمترشحين للرئاسية والتشريعية على حد سواء باستعمال تقنيات تصويرية متطورة 

وعمل مترشحون خلال الدور الأول للحملة الانتخابية الرئاسية، وهم يوسف الشاهد وعبد الفتاح مورو وعبير موسي ومهدي جمعة وعبد الكريم الزبيدي، لتنظيم اجتماعات شعبية كبرى في ولايتيْ سوسة والمنستير، تميزت بسقف إنفاق مرتفع نظرًا لتوظيف عدة خدمات مثل المعدات الصوتية والبصرية المتطورة تكنولوجيًا، وتركيز الشاشات الضخمة، وآلات التصوير الحديثة بما في ذلك التصوير بالطائرة دون طيار (الدرون). ومُجمل هذه الخدمات عادة ما تُعهد إلى شركات كبرى في تنظيم المناسبات الاحتفالية وتتجاوز كلفتها 50 ألف دينار على الأقل.

تحرص الأحزاب الكبرى لاختتام حملاتها الانتخابية بتنظيم اجتماعات شعبية (فتحي بلعيد/أ.ف.ب)

اقرأ/ي أيضًا: التقليد يغزو الحملات الانتخابية.. صور وشعارات مورّدة من الخارج

وفي نفس الإطار، تنتشر خدمات أخرى أيام الحملة مثل كراء لوازم الأفراح، من كراسي، و"تيندات"، ومعدات الإضاءة والصوت، ويجني أصحاب هذه الخدمات مبالغ وفيرة بتعمّدهم الترفيع في كلفتها إلى الضعف أحيانًا.

الموسيقى حاضرة

ولعل من بين الأكثر المهن المستفيدة من المناسبات الانتخابية هي الفرق الموسيقية على غرار فرق الفنون الشعبية والصوفية، وأيضًا فرق السلامية والعيساوية. وكان قد سخّر أحد المترشحين للانتخابات الرئاسية عشرات الحافلات لنقل عائلات بأسرها من أجل حضور اجتماع عام يُتوج بفرقة إنشاد شعبي شهيرة ليتفاجأ المدعوون بعد المهرجان الخطابي للمترشح أن فرقة أخرى قد حلّت محلها.

أما في حملات الانتخابات التشريعية، فقد طغى العزف المنفرد على الطبل والمزمار أو الدربوكة لتنشيط الخيمات الدعائية وسط المدينة أو في الأحياء الشعبية. كما قدم العديد من العازفين على آلات حديثة كالكمنجة والقيتار أو الفرق الشبابية الهاوية خدماتهم لتنشيط الحملات في الساحات وأيضًا في الاجتماعات المسماة بـ"المقهى السياسي".

خدمات أمنية وبلطجة

مهن أخرى تنتشر خلال الحملات الانتخابية لا تقل أهمية عما ذكرنا، إذ تنتشر خلال الفترات الانتخابية مهنة الحراسة الشخصية، وتنشط عديد الشركات في هذا المجال تأمينًا للمترشحين وأنصارهم تحديدًا خلال الاجتماعات العامة، عدا عن تعزيز الأمن في مقرات الحملة درءًا للتهديدات.

 تنتشر خلال الفترات الانتخابية مهنة الحراسة الشخصية وتنشط عديد الشركات في هذا المجال تأمينًا للمترشحين وأنصارهم تحديدًا خلال الاجتماعات العامة

كما يعمد مترشحون، من المتحزبين والمستقلين، خلال أيام الحملة الانتخابية لانتداب أشخاص معروفين بـالبلطجة بمقابل مادي خاصة للتأثير على الناخبين يوم الانتخابات بانتشارهم حول مراكز الاقتراع.

خدمات قانونية وصحفية أيضًا

موسم الانتخابات لا يمثل ميسرة للمهن والخدمات المذكورة فقط، بل يمتد أيضًا للخدمات القانونية على غرار مكاتب المحامين وعدول التنفيذ التي تنشط بشكل لافت خلال الحملة الانتخابية من خلال تحرير المحاضر والمخالفات والمرافعات في المحاكم والدفاع عن الموكلين.

وفي علاقة بالعملية الاتصالية، يعمل العديد من الصحفيين في القسم الاتصالي للمترشحين للعمل كملحقين صحفيين أو كمشرفين ومنفذين للخطة الاتصالية للحملة الانتخابية.

 

اقرأ/ي أيضًا:

إلغاء نتائج الانتخابات الرئاسية وإعادتها.. هل هذا السيناريو مطروح؟

حتى لا يكون الأطفال وقودًا للحملات الانتخابية..