بعد 72 ساعة في سجن النقب.. مشارك في أسطول الصمود يروي شهادته لـ"الترا تونس"

أبحر حمزة بوزويدة (37 عامًا) على متن سفينة "آلا كاتالا" رفقة نشطاء من تونس وتركيا وباكستان والكويت من ميناء قمرت شمالي تونس بتاريخ 14 سبتمبر/أيلول 2025، وكان هدفهم ضمن أسطول الصمود، كسر الحصار عن المجوّعين في قطاع غزة.

شقّت سفينة "آلا كاتالا" عباب البحر وتمكنت من تجاوز التغيرات المناخية وكل المعوقات بنجاح، وبعد رحلة دامت 22 يومًا اعترضها جيش الاحتلال في المياه الدولية واختطف الناشطين الذين كانوا على متنها ونقلهم قسريًا إلى سجن النقب الصحراوي الخطير. 

وفي حديثه مع "الترا تونس"، قال حمزة بوزويدة إنّ ربّان السفينة ظلّ لساعات طويلة يراوغ الجيش الإسرائيلي الذي سخّر كل إمكانياته لاعتراض النشطاء السلميين المشاركين في أسطول الصمود وتحويل وجهتهم إلى ميناء أسدود عوض شواطئ غزة. 

حمزة بوزويدة (37 عامًا) شارك على متن سفينة "آلا كاتالا" في أسطول الصمود لكسر الحصار عن غزة، وقضّى نحو 72 ساعة في سجن النقب الصحراوي قبل أن يتم ترحيله مع عدد من النشطاء نحو تركيا

يضيف: "كان المؤثر التونسي لؤي الشارني برفقتي على متن السفينة وحرص على توثيق رحلتنا في ساعاتها الأخيرة عبر بث مباشر على صفحته الرسمية، وبقي ربان السفينة يبحر باتجاه غزة متجاهلًا التحذيرات والمضايقات والملاحقات الإسرائيلية لنحو 4 ساعات تقريبًا".

وتابع بوزويدة قائلاً: "لاحقونا لساعات طويلة وحاولنا تضليلهم إلى أن اعترضتنا بارجة ساعر 4 الضخمة، وبقيت تلاحقنا لمدة نصف ساعة وتقوم برشنا بالماء لشل حركة السفينة".

يقول في هذا السياق: "كانت لحظات صعبة فإما أن نتوقف ونُقاد عنوة إلى السجن أو أن نقاوم للوصول إلى غزة المحاصرة أين ينتظرنا الأطفال لكسر الحصار عنهم أولًا وإيصال الأدوية الحياتية وحليب الأطفال لهم".

اقرأ/ي أيضًا: أسطول الصمود.. الفريق القانوني يكشف مستجدات ترحيل بقية النشطاء التونسيين

يواصل حديثه بقوله: "حاول الربّان جاهدًا الوصول إلى شواطئ غزة لكن محرك السفينة تعطل فتوقفنا لمدة نصف ساعة أخرى قبل أن تبدأ الزوارق الحربية الإسرائيلية في تطويقنا واقتحام السفينة واعتقالنا عنوة".

ويقول حمزة إنّ مجموعة ملثّمة ومدجّجة بالسلاح اعتقلتهم وكأنهم مجرمون، في حين أنهم ناشطو سلام قدموا في مهمة إنسانية لإيصال المساعدات إلى المدنيين الأبرياء الذين يتعرضون منذ سنتين لإبادة مكتملة الأركان وتجويع ممنهج وترحيل قسريّ.

• ما بعد الاعتقال.. رحلة مع الإهانة والاعتداءات 

تخيّل أن يخطفك جندي إسرائيلي لا عقيدة له سوى القتل والتنكيل والاختطاف والسجن، جندي لا يعترف بحقوق الإنسان ولا يحترم القانون الدولي ولا يمتثل له، لا هدف له سوى إبادة أصحاب الأرض ومنع النشطاء من الوصول إليهم.

هذا ما حدث مع نشطاء أسطول الصمود الذين أخذوا نصيبهم من التعذيب والإهانات والاعتداءات، حيث يقول حمزة بوزويدة في حديثه مع "الترا تونس"، إن الجيش الإسرائيلي عمد بعد اختطافهم إلى إبقائهم تحت أشعة الشمس الحارقة لمدة تجاوزت 10 ساعات، والاعتداء عليهم جسديًا ولفظيًا كلما سنحت لهم الفرصة.

حمزة بوزويدة لـ"الترا تونس": الجيش الإسرائيلي عمد بعد اختطافنا إلى إبقائنا تحت أشعة الشمس الحارقة لمدة تجاوزت 10 ساعات، والاعتداء علينا جسديًا ولفظيًا كلما سنحت لهم الفرصة

يتابع: "كنا جالسين لساعات طويلة مطأطئي الرؤوس، جاثمين على رُكبنا، وكلّ من يتجرأ على رفع رأسه يتعرّض للضرب، إلى أن أتى المجرم إيتمار بن غفير الذي نعتنا بالإرهابيين والانتماء لحماس، وهي التهمة الجاهزة لدى إسرائيل، فرددنا عليه بالهتاف: (الحرية لفلسطين وأوقفوا الإبادة)".

ووفق بوزويدة، فقد نال كلّ من كانوا على متن سفن أسطول الصمود نصيبهم من العنف والاعتداءات والتنكيل، وأيقن الجميع حينها أنّ ما عانوه في ساعات قليلة يعانيه الشعب الفلسطيني أضعافًا مضاعفة منذ سنوات.

بعد التنكيل والاعتداءات بدأت مرحلة التحقيق، وقد رفض حمزة بوزويدة الكلام بدون حضور مترجم ومحام، في حين أجبر نشطاء آخرون على الخضوع لتحقيقات مطوّلة بدون حضور المحامين.

• كنت في فلسطين.. عائدًا من سجن النقب

بعد انتهاء التحقيقات، تم نقل المختطفين إلى سجن النقب الصحراوي في سيارات مغلقة بالكامل أين واجهوا نوعًا آخر من الترهيب والاعتداءات الذي مارسها عليهم الجنود بطريقة ممنهجة تهدف لتعذيبهم نفسيًا، وفق ما أكده بوزويدة في حديثه مع "الترا تونس".

وتقول منظمات حقوقية فلسطينة إنّ سجن النقب يشكل أحد أبرز السجون "الإسرائيلية" التي تحولت إلى ساحة لجرائم التعذيب والقتل البطيء بحقّ الأسرى والمعتقلين الفلسطينيين بعد الإبادة.

ووفق نادي الأسير، فإنّ هذا السجن سيئ السمعة يضمّ آلاف الأسرى الفلسطينيين، بينهم معتقلون من غزة، وقد ارتقى عدد منهم تحت التعذيب منذ بدء حرب الإبادة على القطاع.

حمزة بوزويدة لـ"الترا تونس": نال كلّ من كانوا على متن سفن أسطول الصمود نصيبهم من العنف والاعتداءات والتنكيل من الجيش الإسرائيلي، وأيقن الجميع حينها أنّ ما عانيناه في ساعات قليلة يعانيه الشعب الفلسطيني أضعافًا مضاعفة منذ سنوات

ولم تكن تجربة حمزة وزملائه من الأسطول في هذا السجن جيدة على الرغم من قصر المدة الزمنية التي قضوها بداخله، فقد عاشوا لحظات صعبة داخل الزنازين المغلقة وبين الجدران الرطبة الذي لا تزال تخبئ أصوات الفلسطينيين وصيحاتهم.

كلّ من وطأت قدمه هذا السجن، الذي بدا لحمزة كمدينة ضخمة مظلمة تفوح منها رائحة الموت والظلم والقهر، فكّر في معاناة الفلسطينيين وما يتعرّضون له من تعذيب وقتل وتجويع واعتداءات عجز القانون الدولي عن إيقافها.

الجميع يتساءل كم فلسطينيًا قد قُتل هنا وكم من طفل قد عُذب هنا وكم من امرأة قد سُرقت منها أحلامها في هذا المكان المظلم، ولا ذنب لجميعهم سوى أنهم يحملون الجنسية الفلسطينية وقرروا عدم التخلي عن أرضهم وزيتونها وجدران منازلها.

قضّى حمزة نحو 72 ساعة في سجن النقب الصحراوي قبل أن يتم ترحيله مع عدد من النشطاء نحو تركيا، لكنه شهِد على أبشع أنواع الاعتداءات مثل نقل النشطاء بين الفينة والأخرى من غرفة إلى أخرى أو منعهم من النوم من خلال ضرب الأبواب الحديدية وتقديم مياه ملوثة ومنع الدواء عن المرضى.

حمزة بوزويدة لـ"الترا تونس": أكثر ما أثار دهشتي هو وجود جنود صهاينة يتحدثون اللهجة التونسية بطلاقة، وقد أكد أكثر من شخص منهم أنهم يزورون جزيرة جربة بانتظام، ومنهم من كان يعيش في لافيات أو حلق الوادي

ولعلّ أكثر ما أثار دهشة حمزة هو وجود جنود صهاينة يتحدثون اللهجة التونسية بطلاقة، وقد أكد أكثر من شخص منهم أنهم يزورون جزيرة جربة بانتظام، ومنهم من كان يعيش في لافيات أو حلق الوادي، وآخرون عاشوا في جربة.

ويقول بوزويدة إنه رفض الحديث معهم أو النظر في وجوههم أو التواصل معهم، رغم محاولاتهم العديدة وتعمدهم التحدث باللهجة التونسية أمامه لاستفزازه، لكنه تجاهلهم واحتقرهم.

 يشار إلى أنّ حمزة وكافة المشاركين التونسيين قرروا منذ اختطافهم من قبل الجيش الإسرائيلي الدخول في إضراب مفتوح عن الطعام، مؤكدين أنهم لن يأكلوا الطعام من الأيدي التي تجوّع سكان غزة. 

ومن المنتظر أن يتم ترحيل بقية المشاركين التونسيين يوم غدٍ الثلاثاء 7 أكتوبر/تشرين الأول 2025، إلى الأردن، ومن ثم عودتهم إلى تونس، وفق ما أكده محامو مركز عدالة. 

أما حمزة بوزويدة، فيؤكد أنه مستعد للإبحار مجددًا لكسر الحصار عن غزة وتحدي الاحتلال، قاتل الأطفال.