09-يوليو-2018

تخوف من انعكاسات الحادثة في ظل وضع سياسي واجتماعي هش (فتحي بلعيد/أ.ف.ب)

ظُهر يوم أحد صيفي حار في تونس قد يرتبط في ذهن الكثيرين بالبحر والشواطئ والراحة والقيلولة. لكن يوم الأحد الثامن من جويلية/ يوليو 2018 أعاد التونسيين إلى واجهة الإرهاب من جديد. عملية إرهابية بمنطقة عين سلطان بولاية جندوبة، استهدفت دورية لفرقة الحدود البرية للحرس الوطني على الحدود الجزائرية، وأدت إلى استشهاد 6 أعوان وفق حصيلة أولية أعلنتها وزارة الداخلية.

المعلومات عن العملية قليلة جدًا، اختارت وزارة الداخلية ذلك عن قصد وفُسر الأمر بتواصل العملية من خلال تمشيط واسع تقوم به الأجهزة الأمنية والعسكرية في المنطقة، باستعمال مروحيتين عسكريتين، لتتبع العناصر الإرهابية. ما ورد في بلاغ رسمي لوزارة الداخلية كان شحيحًا واقتصر على توضيح طبيعة الهجوم فهو "كمين عبر زرع عبوة ناسفة" كما أُعلن.

المعلومات عن العملية الإرهابية قليلة جدًا، اختارت وزارة الداخلية ذلك عن قصد وفُسر الأمر بتواصل العملية من خلال تمشيط واسع تقوم به الأجهزة الأمنية والعسكرية في المنطقة

واقتصر حديث وزير الداخلية بالنيابة غازي الجريبي للإعلام المحلي، في محاولة لرفع المعنويات، على تأكيده أن "المؤسسة العسكرية والأمنية مستعدة لمداهمة جحور الإرهابيين أينما كانوا وهي جاهزة للقصاص منهم بكل الإمكانيات المتاحة".

لكن قلة المعلومات المتوفرة عن تفاصيل الحادثة رافقتها وفرة في التحليلات وردود الفعل، سواء على مواقع التواصل الاجتماعي أو في وسائل الإعلام التقليدية على اختلافها، واشترك فيها الناشط والمدون والسياسي وغيرهم من المواطنين التونسيين، لكن الغايات كانت مختلفة.

أحزاب الحكم تشدد على الوحدة وتجنب توظيف العملية

ذهبت أحزاب الحكم إلى "الدعوة للتمسك بالوحدة الوطنية وتعزيزها، ومؤازرة المؤسسة الأمنية والعسكرية ومواصلة جهودها لبناء تونس الديمقراطية الآمنة"، كما جاء في بيان حركة النهضة. بينما ذكّرت حركة نداء تونس، شريكتها في الحكم، بـ"ضرورة تظافر كل الجهود في معركة بلادنا ضد الإرهاب التي طالما أكدنا أنها معركة طويلة وشاقة تتطلب دعم المؤسسة الأمنية والعسكرية بعيدًا عن كل التجاذبات السياسية والحسابات الفئوية الضيقة"، وذلك في بيان لها أيضًا إبان العملية الإرهابية.

اقرأ/ي أيضًا: هجوم إرهابي في عين سلطان على الحدود مع الجزائر: استشهاد 6 أعوان حرس

المعارضة واتحاد الشغل: دعوات للمحاسبة والتغيير

أما أحزاب المعارضة، والتي أصدر معظمها بيانات إثر الحادثة، فقد راوحت بين الدعوة إلى "جعل اللحظة المؤلمة لحظة وحدة وطنية خلف المؤسسة العسكرية والأمنية للتصدي للإرهاب ولإفشال كل محاولات المس من مسار الانتقال الديمقراطي وحق التونسيين في دولة ديمقراطية عادلة"، وهو ما جاء في بيان حزب حراك تونس الإرادة، وبين تحميل مسؤولية ما حصل للأحزاب الحاكمة.

فقد ورد في بيان لحزب مشروع تونس أنه يحمّل "المسؤوليّة الكاملة للأطراف المتسبّبة في حركة النُّقل والإعفاءات التي تمّت أخيرًا واستهدفت عناصر قوة الحرس الوطني الإستخباراتيّة والعمليّاتيّة لمكافحة الإرهاب وتتبّع العناصر الإجراميّة" داعيًا إلى "تحديد المسؤوليات ومحاكمة الأطراف المتسبّبة في زعزعة الاستقرار داخل منظومة مكافحة الإرهاب بالحرس الوطني"، وفق بيانه.

دعا حزب مشروع تونس إلى "تحديد المسؤوليات ومحاكمة الأطراف المتسبّبة في زعزعة الاستقرار داخل منظومة مكافحة الإرهاب بالحرس الوطني"

أما أكبر المنظمات النقابية في البلاد، الاتحاد العام التونسي للشغل، فقد طالب في بيان له بـ"النأي بالمؤسّستتين العسكرية والأمنية عن التجاذبات والصراعات السياسية وعن التوظيفات الحزبية وبتمكينها من كلّ وسائل العمل وأدواته للدفاع عن حرمة تراب الوطن وسيادته". لكنه لم يتردد في التذكير، في آخر بيانه، بموقفه المطالب بـ"تغيير الحكومة وتعيين رئيس يشكّل فريقًا كفءًا قادرًا على مجابهة المشاكل وإيجاد الحلول الكفيلة بالخروج من الأزمة بجميع أبعادها ومنها الأمنية"، وفقه.

منظمات ونقابات.. دعوات إلى تجنب التوظيف والانهيار الأمني

أما القوى المدنية والاجتماعية في تونس فقد دعت معظمها إلى "الالتفاف حول القوات المسلحة وتغليب المصلحة العليا لتونس قبل أي مصلحة حزبية أو شخصية ضيقة"، مع دعوة مؤسسات الدولة إلى "تحمل مسؤولياتها ووضع حد لتدهور الوضع السياسي والذي قد يهدد بانهيار أمني يفتح الأبواب مجدّدًا أمام الإرهاب والتطرف المتربصين بتجربة الانتقال الديمقراطي التونسية"، كما ورد في بيان للمنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، إثر الحادثة.

وتشارك نقابة الصحفيين التونسيين ذات الموقف مع المنتدى إذ ورد في بيان لها "تجديد دعمها للقوات المسلحة في مواجهة الإرهاب والدعوة مرة أخرى إلى اتخاذ التدابير الضرورية لدعم قدراتها وتوفير كل مستلزمات حمايتها من مخاطر الهجمات الإرهابية المباغتة".

في الأثناء، استنكر بعض الناشطين على مواقع التواصل ردة فعل رئاستي الحكومة والجمهورية، إذ غاب أي رد فعل من الأخيرة فيما اكتفى رئيس الحكومة بإرسال كل من وزير الداخلية بالنيابة غازي الجريبي وآمر الحرس الوطني العميد شكري الرحالي إلى منطقة الحادثة لمتابعة مستجداتها. وقارن البعض بين تصرفات الرئيس الأسبق محمد المنصف المرزوقي، خلال حوادث مشابهة، وتصرفات الرئيس الحالي، فيما طالب البعض الآخر بإعلان الحداد الوطني.

اقرأ/ي أيضًا: خطط مكافحة الإرهاب في تونس.. الجدل متواصل

قناة نسمة ومؤسسات إعلامية أخرى.. تصفية الحسابات خلال الفجائع؟

البعض الآخر استغل الحادثة الإرهابية من أجل غايات أخرى. بدا الأمر جليًا على قناة نسمة الخاصة من خلال بلاتوهات متتالية ومباشرة، لمّح معظم المتدخلين فيها إلى ربط الحادثة الإرهابية وأي تدهور أمني ممكن بإقالة وزير الداخلية السابق لطفي براهم والتحويرات الأخيرة التي شهدتها الإدارة العامة للحرس الوطني، والتي كان صرح وزير الداخلية بالنيابة في وقت سابق أنها تندرج ضمن سدّ الشغور أساسًا. بدا الأمر أشبه بتصفية حسابات مع رئيس الحكومة الحالي يوسف الشاهد، خاصة وأن القناة تنتقده بشدة مؤخرًا في إطار صراع سياسي تُوظف خلاله عدة مؤسسات إعلامية. وأثارت هذه التغطية موجة استنكار واسعة على شبكات التواصل.

بدا الأمر على قناة نسمة أشبه بتصفية حسابات مع رئيس الحكومة الحالي خاصة وأن القناة تنتقده بشدة مؤخرًا في إطار صراع سياسي تُوظف خلاله عدة مؤسسات إعلامية

 

فيما أصرت العديد من وسائل الإعلام المحلية الأخرى على التسابق في كشف صور أو أسماء أو مناطق سكن شهداء العملية الإرهابية رغم تذكير البعض من المختصين القانونيين والحقوقيين أن "نشر المعطيات الشخصية لضحايا العملية الإرهابية يخدم الإرهاب ويهدد مسرح الجريمة والمعلومات المتعلقة به ويعرض حياة عائلات الشهداء إلى الخطر"، كما ذكر القاضي عمر الوسلاتي على صفحته في موقع التواصل فيسبوك.

ولم تمر هذه الممارسات الإعلامية دون تعليق، إذ دعت نقابة الصحفيين في بلاغها مختلف وسائل الإعلام إلى "ضرورة التعاطي المهني والالتزام بمضامين مدونات التغطية الخاصة بالعمليات الإرهابية وإلى تفهم طبيعة العمل الأمني الميداني خاصة وأن عمليات التمشيط وتتبع الإرهابيين متواصلة، كما تهيب بالقوات الأمنية لتوفير المعلومة الحينية ومساعدة الصحفيين في إنجاز أعمالهم واحترام طبيعة عملهم".

وجاء في بلاغ ثان لوزارة الداخلية يوم الأحد، في إشارة لما روجت له بعض المؤسسات الاعلامية بعد الحادثة، أن الوزارة "تهيب بالجميع قصد تحمّل مسؤولياتهم الوطنية والنأي بالمؤسسة الأمنية عن أي تجاذب من شأنه أن يعيق اضطلاعها بالدور الدقيق المُناط بعهدتها على أكمل وجه وعدم إقحامها في أي نوع من الصراعات التي ستنعكس سلبًا على أمن واستقرار البلاد".

وبعيدًا عن محاولات توظيف الحادثة، هناك شبه إجماع حول التخوف من انعكاساتها على قطاع السياحة في تونس، خاصة بعد مجهودات عدة قام بها القائمون عليه مؤخرًا ليستعيد مكانته وقد توجت بأرقام إيجابية مُعلنة عن بداية هذا الموسم وانتعاشته، ومنها الإعلان منتصف الشهر الماضي عن رفع بريطانيا تحجير السفر إلى جندوبة مثلًا وهي الولاية التي عرفت العملية الإرهابية الأخيرة. كما يُخشى أن تكون لها انعكاسات أخرى خاصة على الوضع السياسي في البلاد، الذي لا يخفى تدهوره بعد ما أسفرت عنه الانتخابات البلدية الأخيرة وشبح "تفكك التوافق" بين النهضة والنداء.

 

اقرأ/ي أيضًا:

نظرة العرب لـ"داعش".. إجابات "مميّزة" للتونسيين في المؤشر العربي

يبلغ عددهم 1500 عنصرًا: السليطي يكشف تفاصيل الإرهابيين العائدين والمحكومين