11-أبريل-2022
فتحي بلعيد أ ف ب

الشكندالي: إنتاج 130 ألف طن من الفسفاط في الثلاثي الأول من 2022 رقم هام (فتحي بلعيد/ أ ف ب)

 

شكّل ملف فسفاط قفصة، المعضلة التي فشلت الحكومات المتعاقبة في إيجاد حل جذري لها، واقتصرت مجهوداتها فقط على إبرام اتفاقيات مع الشباب المعطل عن العمل لفض الاعتصامات واستئناف الإنتاج، في حين أنها عاجزة عن الالتزام بتعهداتها وتطبيق بنود هذه الاتفاقيات المبرمة، فاحتدت الأزمة ليبلغ إنتاج الفسفاط أدنى مستوياته خلال العشرية الأخيرة. 

عامل الاستمرار في نسق الإنتاج الحالي للفسفاط، هو الكفيل بتحديد انتعاشة هذا القطاع وتحسن مردوديته من عدمه

وقد بلغ إنتاج الفسفاط خلال سنة 2021 3.726 مليون طن مسجلًا بذلك تراجعًا بـ 54% مقارنة بنسق الإنتاج لسنة 2010 "8 مليون طن"، وتحسنًا طفيفًا مقارنة بسنة 2020 التي بلغ الإنتاج فيها 2.830 مليون طن.

الانخفاض الحاد في الإنتاج، حوّل تونس من ثاني منتج لمشتقات الفسفاط إلى حدود سنة 2010، إلى بلد خارج التصنيف كليًا وفقًا لتقرير الاتحاد العربي للأسمدة، وتم اللجوء سنة 2021 ولأول مرة في تاريخ البلاد، إلى توريد الفسفاط من الجزائر بهدف الترفيع في طاقة إنتاج معامل المجمع الكيميائي التونسي الذي شهد بدوره تدنيًا غير مسبوق في إنتاجه. 

رضا الشكندالي لـ"الترا تونس":  الضبابية الحالية ساهمت في الزيادة في مستوى الإنتاج بسبب الخوف من الإضرابات، ما جعل الاحتقان رغم الظروف الصعبة التي نعيشها، غير مهيأ للانفجار

وعلى اعتبار أن قطاع الفسفاط من بين أهم القطاعات التي تساهم في الحد من عجز الميزان التجاري، تسعى الحكومات المتعاقبة إلى تحسين مستوى الإنتاج ليبلغ سنة 2021 أعلى مستوياته منذ سنة 2011، ويبلغ خلال الثلاثية الأولى من السنة الجارية مليونًا و130 ألف طن من الفسفاط التجاري، وهو ما اعتبره المدير المركزي للإنتاج بالشركة مقبولًا بالنظر إلى تعطل نشاط الشركة بالرديف وعدم استقرار نسق الإنتاج بإقيلم أم العرائس.

وعلى الرغم من أن الكميات المنتجة من الفسفاط التجاري أقل بنسبة 27% مما توقعت الشركة إنتاجه، فإن عامل الاستمرار في نسق الإنتاج الحالي هو الكفيل بتحديد انتعاشة قطاع الفسفاط وتحسن مردوديته من عدمه.

  • رقم هام وجب الحفاظ عليه

أكد أستاذ الاقتصاد بالجامعة التونسية رضا الشكندالي أن إنتاج 130 ألف طن من الفسفاط خلال الثلاثي الأول للسنة الجارية رقم هام في حال استمر الإنتاج على نفس المنحى، وبالتالي، بالإمكان بلوغ مستوى أفضل من سنتي 2019 و2021، لكن الرقم بالنسبة لثلاثة أشهر فقط، لا يمكن أن يعطي فكرة جيدة على نسق الإنتاج للفترة القادمة وفق تقديره.

واعتبر الشكندالي في تصريحه لـ"الترا تونس"، أن هذه الزيادة في الإنتاج مهمة في ظل الارتفاع الكبير لأسعار الفسفاط في الأسواق العالمية، وحاجة البلاد حاليًا إلى العملة الصعبة في ظل الانسداد الحاصل على مستوى تعبئة الموارد الخارجية، منوهًا إلى أن التأخر الكبير في الإنتاج لسنوات، تسبب في خسارة البلاد للعديد من الأسواق التي يصعب جدًا استرجاعها. 

رضا الشكندالي لـ"الترا تونس": يمكن التعامل مع فسفاط قفصة على طريقة المؤسسات الخاضعة للقانون عدد 72 المصدّرة كليًا، والتي تخضع لمراقبة الجيش والأمن

وتابع الشكندالي أنّ "خسارة السوق سهلة، لكن استرجاع الحصص من السوق عندما تستحوذ عليها دول أخرى صعبة.. حصتنا في تصدير الفسفاط تحصلت عليها المغرب، أكبر منافس لتونس في السوق العربية، والحريف الذي تعوّد اقتناء هذه المادة من المغرب منذ 10 سنوات، يصعب إقناعه بالعودة للمنتوج التونسي على الرغم من أنه ممتاز على مستوى الجودة".

ويرى المختص في الاقتصاد، أن استرجاع ثقة الحرفاء يستوجب دبلوماسية اقتصادية نشيطة، كما يتعيّن على وزارة الخارجية أن تلعب دورًا كبيرًا جدًا على مستوى التعريف بالمنتوج، وإعادة ثقة الحرفاء، ولا بدّ للأسعار أن تكون منافسة لمثيلتها في المغرب، وفقه.

وأضاف الأستاذ الجامعي أنه من بين العوامل التي ساهمت في الزيادة في مستوى الإنتاج، هو الضبابية التي تتميز بها الفترة الحالية من سنة 2022، والخوف من الإضرابات، ما جعل الاحتقان رغم الظروف الصعبة التي نعيشها، غير مهيأ للانفجار، وبالتالي، من واجب الحكومة الحفاظ على هذه الأرقام وتكثيف المراقبة على مستوى الإنتاج، واعتبار أن قطاع الفسفاط يعكس نوعًا من الأمن الوطني، ومكسبًا للشعب التونسي وليس لفئة فقط تنفذ فيه الإضرابات. 

واعتبر الشكندالي في حديثه لـ"الترا تونس"، أنه يمكن التعامل مع فسفاط قفصة على طريقة المؤسسات الخاضعة للقانون عدد 72 المصدّرة كليًا، والتي تخضع لمراقبة الجيش والأمن ولا يمكن الولوج إليها بطريقة حرّة، قائلًا "الفسفاط مادة تُستعمل أساسًا للتصدير أو تزويد مجمع قابس الكيميائي المصدّر بدوره، وبالتالي، يمكن اعتباره قطاعًا تصديريًا يخضع لتراتيب القانون 72، وذلك للسيطرة على الانقطاع المتكرر في الإنتاج جرّاء الاعتصامات والإضرابات".

رضا الشكندالي لـ"الترا تونس": من المنتظر أن تتعطل المفاوضات أكثر مع صندوق النقد بعد حلّ البرلمان، وهي متوقفة حاليًا، والصندوق يفضّل التوسيع التشاركي لاستمرارية برنامجه

ويرى الشكندالي أن العامل الوحيد الذي يفسّر إشكالية ملف الفسفاط، هو غياب التنمية في منطقة الحوض المنجمي وغياب أي فرصة عمل لشباب الجهة إلا في الفسفاط.. وأمام انعدام الحلول، يحتقن المعطلون عن العمل ويعتصمون، مشيرًا إلى أنه على الحكومة تحسين التنمية في المنطقة ليجد الشباب فرص شغل في قطاعات أخرى خلافًا للفسفاط وبالتالي يعالج الإشكال بصفة جذرية.

وعن إمكانية تأثير تحسن إنتاج الفسفاط إيجابيًا على المفاوضات مع صندوق النقد الدولي، قال المتحدث: "المفاوضات متوقفة، ومن المنتظر أن تتعطل أكثر بعد حل البرلمان، لأن الصندوق يعتبره فضاء توافق، وليس بإمكانه الاتفاق مع حكومة نجلاء بودن لأنها ستغادر، وبإمكان طرف مقصيّ من الحوار، الفوز في الانتخابات المزمع تنفيذها.. صندوق النقد الدولي يفضّل التوسيع التشاركي لاستمرارية برنامجه". 

  • التشغيل مقابل الفسفاط

تُوجّه أصابع الاتهام في ملف تراجع إنتاج الفسفاط إلى الحراك الاجتماعي الذي يقوده شباب معطّل عن العمل يطالب بتشغيله في شركة فسفاط قفصة أو في المؤسسات المتفرعة عنها والمتمثلة في شركة البيئة والغراسة، وشركة نقل المواد المنجمية. وقد حال ضغط المعتصمين دون عودة نسق الإنتاج والوسق إلى حجمه الطبيعي، مما يكبّد الدولة خسائر فادحة. وقد توقف إنتاج الفسفاط بمغسلة الرديف منذ شهر نوفمبر/ تشرين الثاني 2020، كما تم تعطيل مسالك نقل الفسفاط بصفة كلية من قبل المعتصمين، وسط مطالب من عمال وإطارات باستئناف عملهم في إنتاج ووسق الفسفاط. 

كاتب عام الاتحاد المحلي للشغل بالرديف لـ"الترا تونس": تم إنتاج ما يقارب مليونًا ونصف من الفسفاط منذ أكثر من 5 سنوات، لكن منع المعتصمون الذين يطالبون بحقوقهم في التشغيل عملية نقله إلى قابس

وقد أوضح كاتب عام الاتحاد المحلي للشغل بالرديف عمر حلمي أن التعطيل الحاصل في إقليم الرديف ليس على مستوى إنتاج الفسفاط، بل على مستوى التسويق له، وأن ما يقارب مليونًا ونصف تم إنتاجه منذ أكثر من 5 سنوات، ومنع المعتصمون الذين يطالبون بحقوقهم في التشغيل عملية نقله إلى قابس، الشيء الذي تسبب في تراكم الفسفاط وأنهك المدينة بالأمراض، وفق تعبيره.

وأفاد عمر حلمي في حديثه لـ"الترا تونس" بأن الحكومات المتعاقبة دخلت في مفاوضات مع المعتصمين، ولم تتمكن إلا من نقل قسم ضئيل من الفسفاط المتراكم، ثم وقع الإغلاق مرة أخرى من قبل المعتصمين، وعزا هذا الوضع إلى الوعود التي قطعتها الحكومات في إطار تشغيل الشباب المعطل والتي لم تتمكن من الإيفاء بها ونتج عنها استياء في صفوف المعطلين الذين اضطروا في آخر المطاف إلى المقايضة والمساومة بين نقل الفسفاط ودخولهم إلى العمل، واشترطوا الانتداب في فروع شركة فسفاط قفصة. 

وقال المتحدث إنّ "ما يقارب 2 مليون طن من الفسفاط المتراكم فيه أوبئة وأمراض ومضاعفات على الناس، وممتلئة بوعود سياسية قدمها السياسيون والحكومات.. أتصور أن الحل يتمثل في مصارحة الشعب وتقديم الحلول التنموية العاجلة وخلق الثورة لأن شركة فسفاط قفصة وشركة البيئة والغراسة لم تعد تستوعب هكذا عدد يد عاملة.. الحلول الهامشية والتشغيل الهش لا تنفعان الآن، ووجب تفعيل إرادة العمل لدى المعطلين وخلق مشاريع تنموية حقيقية تتشابك فيها مع كل ما يمكن أن يحوم حول إنتاج الفسفاط، لأن الشباب المحال على البطالة سئم الوعود"، مشيرًا إلى أن المشروع لا بدّ أن يكون في قفصة ومنطقة الحوض المنجمي تحديدًا.

كما اعتبر كاتب عام الاتحاد المحلي للشغل بالرديف أن الحل يتمثل كذلك في "تعزيز ثقافة العمل وضمان استمرارية الإنتاج وتسويقه، لأن شركة فسفاط قفصة مكسب وطني ومكسب للجهة وجب تنميته والمحافظة عليه من خلال خلق عقلية جديدة والاستئناس بمبادرات من الشبيبة في علاقة بقطاع الفسفاط والفلاحة"، كما شدد على ضرورة تدخل السلطات ووضع كل الإشكاليات على الطاولة لأن قطع الخيط النابض بين الأهالي والمسؤولين سيعمق الأزمة على حدّ تعبيره.

كاتب عام الاتحاد المحلي للشغل بالرديف لـ"الترا تونس": يجب خلق مشاريع تنموية حقيقية تكون في قفصة ومنطقة الحوض المنجمي تحديدًا، مع كشف حقيقة من يريد أن يعطّل ملف الفسفاط في تونس

وتحدث عمر حلمي عن أهمية الدخول في مصالحة حقيقية وكشف الحقيقة والخيوط التي تدار لمعرفة من عطّل ومن يريد أن يعطّل ملف الفسفاط في تونس، لأنه لدى ارتفاع سعر الفسفاط تخلق الأزمة.

ولفت عمر حلمي إلى أن  المساعي الجهوية والمحلية والمداولات مع المعتصمين لم تُأت أكلها لأن الشباب وصل إلى "مرحلة الإحساس بالضيم والإحباط وليس له من حل إلا الشغل"، مضيفًا: "يجب أن نعيد الكرة باتجاه الاستماع إليهم والحوار معهم، وتذليل جملة من الصعوبات، وهي مسؤولية مباشرة للحكومة ولرئيس الجمهورية وللسلط الجهوية التي عليها أن تجد حلًا تشاركيًا".

كما ختم بالتأكيد على أن الفسفاط ليس سلعة للمتاجرة بل إنه يختزل حياة المنجميين وهو نمط عيش وطريقة حياة وتراث مادي وجب على السلط أن لا تحسبه بمعدّل الأرقام والنسب، وإنما أن تجعل منه نمط عيش لهؤلاء المتساكنين.

رئيس المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية لـ"الترا تونس": لا بدّ من التحاور مع الشباب المعتصم، والحكومات المتعاقبة لم تشتغل على ملف الفسفاط، وتحججت بغياب الإمكانيات لتطبيق الاتفاقيات

بدوره بيّن رئيس المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية عبد الرحمان الهذيلي، أن المنتدى يساند المعتصمين ويتفهم مطالبهم في إيجاد مواطن شغل لهم خاصة في ظل غياب أي تواصل من المسؤولين مع معتصمي الرديف للتفاوض والتباحث حول حلول ناجعة.

وأكد الهذيلي في حديثه لـ"الترا تونس"، ضرورة التحاور مع الشباب المعتصم وإيجاد بدائل أخرى تحتوي آلاف الشباب المعطلين عن العمل في الجهة، مشيرًا إلى أن الحكومات المتعاقبة لم تشتغل على هذا الملف وتحججت بغياب الإمكانيات لتطبيق الاتفاقيات. وقال الهذيلي: "شباب بالآلاف في الجهة محال على البطالة والحكومات تدعو لاستئناف الإنتاج.. لم يفكر أحد في حلول بديلة".

جدير بالذكر أن وزيرة الطاقة والمناجم نائلة نويرة كانت قد أعلنت أن تونس تطمح لبلوغ 5 مليون طن من إنتاج الفسفاط خلال السنة الجارية على أن يدخل  مشروع المظيلة 2 حيّز الاستغلال في غضون بضعة أشهر، مما من شأنه أن يساهم في  إعادة تموقع تونس مجددًا في قطاع المناجم.