28-يونيو-2022

محامية لـ"الترا تونس": تم التراجع عن القضية الاستعجالية لتعيين مؤتمنين عدليين على المحاماة (صورة أرشيفية/ فتحي بلعيد/ أ ف ب)

 

أثار قرار عميد المحامين التونسيين إبراهيم بودربالة يوم 6 جوان/ يونيو 2022، المتعلق بتأجيل الجلسة العامة الاعتيادية والانتخابية لعمادة المحامين إلى يومي 10 و11 سبتمبر/ أيلول 2022 القادم، جدلًا ما يزال متواصلًا إلى الآن، حيث انقسمت مختلف هياكل المحاماة من مجلس وطني وفروع الهيئة وجمعية المحامين الشبان انقسامًا حادًا، بين رافض وداعم لهذا القرار. 

قرار عميد المحامين التونسيين إبراهيم بودربالة بتأجيل الجلسة العامة الاعتيادية والانتخابية للعمادة، أثار جدلًا أدى إلى انقسام مختلف هياكل المحاماة بين رافض وداعم لهذا القرار

وقد انجر عن هذا الانقسام، تنازع وتضارب في البيانات الصادرة عنهم، وردود فعل وصلت إلى حد رفع قضية استعجالية من قبل مجموعة من المحامين للمطالبة بتعيين مؤتمنين عدليين من بين العمداء السابقين، للدعوة للجلسة العامة الاعتيادية والانتخابية والإشراف على انتخابات العمادة ومجلس الهيئة الوطنية والفروع الجهوية، معتبرين أن عهدته القانونية (العميد بودربالة) انتهت وفقد معها صفته القانونية.

"الترا تونس" حاول الولوج إلى تفاصيل الملف وأبعاده الأخرى، فالعميد بودربالة هو رئيس اللجنة الاستشارية للشؤون الاقتصادية والاجتماعية التي أشرفت على حوار الرئيس التونسي قيس سعيّد والمعيّن من قبله، وقد عُرف بمواقفه الداعمة لتوجهات الرئيس بعد إجراءات 25 جويلية/ يوليو 2021.

إبراهيم بودربالة لـ"الترا تونس": احترمتُ القانون في تأجيلي للجلسة العامة الاعتيادية والانتخابية لعمادة المحامين

ويرى محلّلون أن بقاءه على رأس العمادة يعني بقاء حليف لقيس سعيّد في منصب قادر على التأثير، حسب قول بعض المحامين، على قطاع المحاماة بالكامل، كما أن الإشكال المتعلق بالعميد في ظاهره قانوني، وفي باطنه رغبة لإزاحة بودربالة الموالي لقيس سعيّد وإمكانية تأثيره على المحامين والمحاماة التي لطالما أطلق عليها مراقبون، أنها إحدى أهم "قلاع النضال ضد الاستبداد والدكتاتورية".

  • إبراهيم بودربالة: احترمتُ القانون

في إطار متابعته لهذا الحدث، اتصل "الترا تونس" بممثلين عن مختلف المتنازعين، فقال العميد إبراهيم بودربالة في تصريحه لـ"الترا تونس"، إن المرسوم المنظم لمهنة المحاماة نصّ على أن العميد هو من يعيّن الجلسة العامة الاعتيادية في موفى السنة القضائية إثر انتهاء المدة.

وأضاف بودربالة: "السنة القضائية تنطلق يوم 16 سبتمبر/ أيلول من كل عام وتنتهي في 15 من الشهر نفسه من السنة الموالية، تعييننا للجلسة العامة الاعتيادية يوم 10 سبتمبر/ أيلول القادم احترمنا فيه القانون"، وفقه.

واعتبر بودربالة أن الهيئات الفارطة كانت على خطأ بتعيينها الجلسات العامة في شهر جويلية/ يوليو، أي قبل العطلة القضائية، الأصل فيه أن السنة القضائية تنتهي يوم 15 سبتمبر/ أيلول، وفق تقديره.

وفي إجابته عن سؤال لـ"الترا تونس"، حول ردّه على من يتهمونه بعدم احترامه القانون وبقربه من رئيس الجمهورية قيس سعيّد ومن يطالبونه بإجراء الجلسة العامة في موعدها المعتاد، قال بودربالة: "ليس عليهم سوى احترام القانون، رأيي من رأي أغلبية المحامين، وإن كانوا يريدون غير ذلك، فسيتعيّن عليهم الدعوة لجلسة عامة خارقة للعادة تفرض قرارها على العميد وكل هياكل المهنة".

وتابع بودربالة أنّ البيان الصادر بتاريخ 27 جويلية/ يوليو 2021 واضح، "فمجلس الهيئة اتخذ موقفًا واضحًا ونحن نسير على ذلك" وفقه، نافيًا في السياق ذاته أن يكون ذلك تمسكًا من قبله بمنصب عميد المحامين، ومتعهدًا بتنفيذ الجلسة العامة في آجالها القانونية المحددة بعد فتح باب الترشحات في غرة جويلية/ يوليو القادم، حسب ما صرح به لـ"الترا تونس".

ويشار إلى أنّ الهيئة الوطنية للمحامين بتونس قد نشرت بلاغًا إثر إسقاط القضية الاستعجالية لتعيين مؤتمنين عدليين على المحاماة، أكدت فيها "انتهاء المحاولة الفاشلة الرامية لارتهان مهنة المحاماة وإخضاعها لتسيير خارجي عن هياكلها المنتخبة" وفقها.

 

بيان هيئة المحامين بعد إسقاط القضية الاستعجالية لتعيين مؤتمنين عدليين على المحاماة

 

  • مطامع ومطامح سياسية للعميد

وقد قال الناطق الرسمي باسم مجموعة "محامون لحماية الحقوق والحريات" مالك بن عمر، من جهة أخرى، في تصريحه لـ"الترا تونس"، إنّه بالتطبيق الحرفي لمرسوم المحاماة، فإن عهدة العميد بودربالة تنتهي بحلول 6 جويلية/ يوليو 2022، ولم يقع تبرير تأجيل موعد الجلسة العامة الانتخابية بحوالي الشهرين.

واعتبر المحامي بن عمر أن بودربالة اتخذ القرار بصفة أحادية، على اعتبار أن أغلبية أعضاء مجلس الهيئة إما لا علم لهم بقرار التأجيل أو رافضين له.

وتابع الناطق الرسمي لـ"محامون لحماية الحقوق والحريات": "منذ 25 جويلية/ يوليو الماضي استقال بودربالة من منصبه كعميد للمحامين وصار يستعمل صفته فقط لتبرير تجاوزات وخروقات سلطة الانقلاب، كما دخل في الحملة التفسيرية للرئيس وخرج عن موضوع المحاماة وأصبحت له مطامع ومطامح سياسية، بودربالة لم يدافع عن منظوريه وحتى على العميد السابق عبد الرزاق الكيلاني" وفقه.

الناطق باسم "محامون لحماية الحقوق والحريات" لـ"الترا تونس": صار بودربالة منذ 25 جويلية 2021 يستعمل صفته فقط لتبرير تجاوزات وخروقات سلطة الانقلاب

وتابع بن عمر: "الإشكال بالنسبة لبودربالة أن التاريخ المفترض للجلسة العامة للعمادة يوم 6 جويلية/ يوليو، أي قبل التاريخ المحدد للاستفتاء (25 جويلية/ يوليو 2022)، ولا أحد ينكر أن المحاماة مسيّسة وفيها من كل الحساسيات السياسية، مما يعني حدوث معركة سياسية قبل الاستفتاء بين المحامين، ومن الممكن أن يعطي ذلك إشارة سلبية للاستفتاء والانقلاب، من الأفضل لهم أن يتم تأجيله لما بعد الاستفتاء، لأنه كلما تأجل الأمر، استتب الوضع أكثر لسلطة الانقلاب"، وفق قوله.

واعتبر أنّه "تبقى بذلك كل الفرضيات مطروحة كتنقيح مرسوم المحاماة، أو وضع مرسوم آخر يمنحه كعميد عهدة ثانية أو تمديدًا في عهدته هذه، مع وجود فرضية بخروجه من منصبه في العمادة إلى منصب سياسي آخر مع سلطة الانقلاب"، وفق تقديره.

وأوضح بن عمر قائلًا: "هذه المطامع والمطامح إذًا، هي التي تحرك بودربالة في تمشي سعيّد نفسه، بودربالة أسس للحكم الفردي في المحاماة، وللأسف هناك انقسام شديد في المحاماة -وهو انقسام سياسي واضح- أثّر حتى على المواقف فيما يخص القرارات الخاطئة للسلطة القائمة، وأدى إلى تلاشي المواقف المبدئية والقانونية عند البعض، لكن عموم المحامين وخاصة المستقلين والرافضين للانقلاب ضد تمشي بودربالة" وفقه.

مالك بن عمر  (محامي) لـ"الترا تونس": بودربالة يريد أن يؤسس للحكم الفردي في المحاماة وهو بذلك يتحرّك في تمشي قيس سعيّد نفسه

وتحدّث الناطق الرسمي باسم "محامون لحماية الحقوق والحريات" مالك بن عمر، في السياق ذاته، عن أنّ المحامين الذين رفعوا قضية استعجالية لتعيين مؤتمن عدلي على المحاماة بعد انتهاء عهدة العميد، مستقلّون وعدم انتمائهم لأي لون سياسي معروف، وهذا دليل على أن المحاماة في أغلبها ضد الانقلاب وضد الممارسات الفردية، لكنها ليست في الوضعية نفسها التي كانت عليها قبل الثورة، زمن كانت ضد النظام مهما كان لون العميد، على حد تعبيره.

  • من صالح المحامين حسم الخلاف بينهم

العمداء السابقون لهيئة المحامين التونسيين، تواترت مواقفهم مما يحدث، سواء على الساحة السياسية أو داخل الهيئة. وفي هذا الإطار، يأتي اتصالنا بالعميد السابق للمحامين بشير الصيد، الذي صرح لـ"الترا تونس" بقوله: "صحيح أنه من صلاحيات عميد المحامين تحديد تاريخ الجلسة العامة الانتخابية لهيئة المحامين، التي حل أجلها في شهر جوان/ يونيو الجاري بالمناسبة، لكن العميد بودربالة تراءى له أن يؤجل موعدها إلى ما بعد الصائفة".

 

بيان العمداء السابقين للهيئة الوطنية للمحامين

 

وأضاف العميد السابق:  لا داعي لهذا التاريخ من الناحية الموضوعية والقانونية، حيث صار مشككًا في تصرف بودربالة من قبل مجموعة من الزملاء ونزعوا عنه الصفة القانونية بعد انتهاء مدته النيابية، وعلى الرغم من انتقادنا للعميد، لا ينبغي أن نصل إلى نزع الصفة عنه، ولست موافقًا على رفع قضية استعجالية لتعيين مؤتمن على الهيئة، نريد أن يبقى الموضوع بين المحامين أنفسهم" وفقه.

ورجّح الصيد أن بودربالة يريد أن يحافظ على صفة العميد حتى موعد الاستفتاء في 25 جويلية/ يوليو القادم مستعملًا في ذلك رأيه السياسي لتأجيل الجلسة العامة، وقال: "أعتقد أنه ليس من صالح المحامين حسم الخلاف بينهم في القضاء".

بشير الصيد (عميد سابق للمحامين) لـ"الترا تونس": بودربالة يريد أن يحافظ على صفة العميد حتى موعد الاستفتاء القادم لكن لا أعتقد أنه من صالح المحامين حسم الخلاف بينهم في القضاء

وقد تم طرح القضية بعد توجيه مجموعة من العمداء السابقين من بينهم الأزهر القروي الشابي وعبد الرزاق الكيلاني وشوقي الطبيب وبشير الصيد وعبد الستار موسى، دعوة -تحصل "الترا تونس" على نسخة منها- إلى الرجوع في القضية وطلب طرحها حفاظًا على وحدة المحاماة واستقلالها، وبذلك تسقط القضية الاستعجالية لتعيين مؤتمنين عدليين على المحاماة، وليبقى تاريخ 11 سبتمبر/ أيلول موعدًا للجلسة العامة الانتخابية لعمادة المحامين.

لا مجال يدعو للشك بأن المحاماة في تونس، تعاني مما يعاني منه البلد من تشتت وانقسام وتجاذبات حادة، يبقى رجاؤنا أن تظل "قلعة النضال" صامدة ضد كل الممارسات اللاديمقراطية، ومظلة يستند عليها طالبو الحرية والعدالة.