29-نوفمبر-2024
انتبه خطر حائط متداعٍ للسقوط.. عن الحيطان المتصدعة والخطر المفاجئ

بات الوضع منذرًا بوقوع كوارث قد تحصد العديد من الأرواح بعد تصدع جدران عدة بنايات (مريم الناصري/الترا تونس)

 

منذ مدّة زرت قرية تكرونة في النفيضة، تلك القرية التي هُجرت بسبب جدرانها المتصدعة وبناياتها المتداعية للسقوط. مشهد يجعلك تتحسر على إحدى أعرق القرى الأمازيغية في تونس، وذلك التاريخ الذي قد يمحى بمجرّد رجة أرضية أو عوامل مناخية قاسية.

رغم تشبث البعض بمنازلهم في تلك القرية البسيطة وتفضيلهم العيش فيها على الجلوس على الناصية في الشوارع، فإنّ المشهد يوحي بأن جدرانها قد تنهار في أي لحظة، وقد تحدث كارثة في أيّ حين، خصوصًا وقد كتب في مدخل القرية على أحد الجدران المؤدية إليها بالبنط الأحمر "احذر مبانٍ متداعية للسقوط".

توحي مشاهد الجدارن المتداعية للسقوط، بأنها قد تنهار في أي لحظة، وأنّ تاريخًا وإرثًا عريقًا قد يمحى بمجرّد رجة أرضية أو عوامل مناخية قاسية

تساءلت عن دور الدولة ووزارة الثقافة خصوصًا في الحفاظ على جزء من تاريخ القرى والمدن، لا سيما وأنّ أغلب القرى الأمازيغية في تونس تعاني المأساة نفسها وهي على وشك الاندثار على غرار الزريبة العليا.

معمار قديم لكنّه يعتبر من أبرز معالم التاريخ في تونس. وباتت في الوقت ذاته تشكل خطرًا على من يعيشون فيها وعلى المارة أيضًا.

 لا شك أننا نختلف في أذواقنا وفي فهمنا للرموز ولأهمية التاريخ. ولا شك أنّ البعض يعتقد ضرورة هدم المباني القديمة، فيما يتمسك البعض بأهمية ترميمها باستمرار للحفاظ على معالم شهدت على أجزاء كبيرة من تاريخ البلاد، سواء تلك التي شُيّدت قبل الاستعمار، أو ما بقي من تلك المباني التي تركها المستعمر في عدّة مدن.

 

حائط متداع للسقوط
كتب في مدخل قرية تكرونة على أحد الجدران المؤدية إليها بالبنط الأحمر "احذر مبانٍ متداعية للسقوط" (مريم الناصري/الترا تونس)

 

وفي أكثر من حادثة مؤلمة، شهدت بعض المدن انهيار مبان أو جدران تسببت في خسائر بشرية ومادية.

وسبق وأن أكدت وزيرة التجهيز والإسكان السابقة سارة الزعفراني الزنزري، في 24 جانفي/يناير 2024 خلال جلسة استماع عقدتها لجنة التخطيط الاستراتيجي والتنمية المستدامة والنقل والبنية التحتية والتهيئة العمرانية، أنّ حوالي 5 آلاف مبنى في تونس آيل للسقوط ويهدد سلامة المارة والمتساكنين والأجوار، ذلك بسبب قدمها وعدم صيانتها.

  • انهيارات متكررة

 وقد شهدت منطقة "بيغ فيل" في صفاقس 26 سبتمبر/أيلول 2024، انهيار جدار حجري تابع لبناية مهجورة. وقالت الإدارة الجهوية للحماية المدنية بصفاقس، في بلاغ لها، إنّ انهيار الجدار تسبب في وفاة كهل وتضرر 5 سيارات كانت راسية قرب الجدار.

سبق أن أكدت وزيرة التجهيز والإسكان السابقة أنّ حوالي 5 آلاف مبنى في تونس آيل للسقوط ويهدد سلامة المارة والمتساكنين والأجوار، بسبب قدمها وعدم صيانتها

وأشارت إلى أنّ فريق إسعاف وفريق إنقاذ تنقّلا على عين المكان، وتم تخليص جثة الضحية من تحت الأنقاض، ثم وقعت معاينة السيارات المتضررة للتثبت من عدم وجود محاصرين، ثم تمت معاينة بقية البناية والبنايات المجاورة مع حماية مكان الحادث، حسب ما جاء وقتها في نص البلاغ.

كما ذكرت الحماية المدنية أنّه تم تفعيل المخطط الجهوي لتفادي الكوارث ومجابهتها وتم تخليص السيارات المتضررة من تحت الحجارة، مضيفة أنه ولتفادي تسجيل أضرار أخرى، تم تسخير 6 آلات كاسحة وشاحنات ثقيلة تابعة لبلدية صفاقس والتجهيز والصناعة وتم هدم كل البنايات الموجودة والتي تشكل خطرًا على المارة.

 

الخطر المفاجئ البنايات المتصدعة
المعمار القديم الذي يعتبر من أبرز معالم التاريخ في تونس، باتت في الوقت ذاته يشكل خطرًا بسبب تداعيه للسقوط (مريم الناصري/الترا تونس)

 

وقال المدير الجهوي للحماية المدنية بصفاقس، في مقطع فيديو نُشر على الصفحة الرسمية لبلدية صفاقس، إنّ "الجدار الذي انهار هو في الأساس يتبع مبنى آيلًا للسقوط بوسط المدينة"، مشيرًا إلى أنّ ارتفاعه يبلغ قرابة 5 أمتار.

ومن جانبه، قال الكاتب العام لبلدية صفاقس عادل بن رحومة، في كلمة له وردت بمقطع الفيديو ذاته، إنّ "حادثة انهيار الجدار كانت فجئية"، مشيرًا إلى أنّ "الوضع أكبر بكثير من إمكانيات البلدية خاصة وأنّ هناك عدة بنايات تنذر بالخطر"، مؤكدًا في هذا الصدد أنّ "الخطر لا يزال قائمًا".

وقد سبق وبيّنت بلدية صفاقس وجود 363 بناية آيلة للسقوط منها 260 في المدينة العتيقة. وقد اتخذت 53 قرار إخلاء و42 قرار هدم مع تدخلات في 10 عقارات سواء بالترميم أو الهدم.

أكدت بلدية صفاقس وجود 363 بناية آيلة للسقوط منها 260 في المدينة العتيقة، وقد اتخذت 53 قرار إخلاء و42 قرار هدم

في حادثة مشابهة، شهدت مدينة مدنين أيضًا في 12 نوفمبر/تشرين الثاني 2024، انهيار جدار محطة للنقل البري. وتم تسجيل خسائر مادية هامة وتضرر 7 سيارات لواج دون تسجيل أضرار بشرية.

وقد أعادت تلك الحوادث أزمة الأبنية المتصدعة والآيلة للسقوط إلى الواجهة مجددًا. فعلى الرغم من خطورة الوضع على سلامة المواطنين، لم تتدخل الجهات المعنية من أجل ترميم هذه الجدران، قبل وقوع كارثة بشرية. بل تكتفي فقط بكتابة لافتات تحذر من الاقتراب من تلك الجدران.

وبات الوضع خصوصًا في المدن العتيقة التي توجد فيها عدّة بنايات قديمة، منذرًا بوقوع كوارث قد تحصد العديد من الأرواح بعد تصدع جدران العديد من البنايات.

 

آيلة للسقوط
في أكثر من حادثة مؤلمة، شهدت بعض المدن انهيار مبان أو جدران تسببت في خسائر بشرية ومادية (مريم الناصري/الترا تونس)

 

إذ لا يمكن نسيان الحادثة المأساوية التي حصلت في أكتوبر/ تشرين الأول سنة 2017 حين أسفر انهيار مبنى قديم، في ولاية سوسة، عن وفاة 6 أشخاص من بينهم 3 أطفال. وقد حذرت الجمعية التونسية للدفاع عن حقوق الشاغلين لأملاك الأجانب، من تكرار حوادث انهيار المساكن القديمة ولاسيما التي لا تزال ملكًا لأجانب ويقطنها مئات التونسيين.

  • قانون يتعلق بالبنايات المتصدعة

وسبق وأن أعلن البرلمان في 21 جوان/يونيو 2024، أنه تمت المصادقة على قانون يتعلّق بالبنايات المتداعية للسقوط، برمته بـ 93 صوتًا بـ"نعم" ودون احتفاظ أو رفض. ويتعلق القانون بـ"ضبط الشروط والصيغ والأطراف المتدخلة بالبنايات المتداعية للسقوط قصد إخلائها وترميمها ترميمًا ثقيلًا أو هدمها وإعادة بنائها، والإجراءات الكفيلة لدرء الخطر ولضمان حقوق المالكين أو المتسوغين أو الشاغلين ومتطلبات الحفاظ على النظام العام".

تعود أزمة الأبنية المتصدعة والآيلة للسقوط إلى الواجهة كل مرة، بسبب عدم تدخل الجهات المعنية من أجل الترميم  قبل وقوع كارثة بشرية، والاكتفاء فقط بكتابة لافتات تحذر من الاقتراب من تلك الجدران

كما ينص القانون على أنه "يحمل واجب الإشعار بحالة البناية المتداعية للسقوط على مالك العقار. كما ينسحب واجب الإشعار بحالة البناية المهدّدة بالسقوط على المتسوغ والشاغل وعلى نقابة المالكين أو من یمثلها إن وجدت. ويتم إشعار رئيس البلدية بذلك بكل وسيلة تترك أثرًا كتابيًا كما يمكن إعلامه من أي جهة کانت ومن قبل کل من له مصلحة".

 

جدار متداع للسقوط
قرية تكرونة الأمازيغية وخطر التصدعات والانهيارات (مريم الناصري/الترا تونس)

 

ومن بين ما جاء في القانون ذاته أنه "إذا كانت البناية ذات خصوصية تاريخية أو تراثية أو معمارية، فإنه لا يمكن لرئيس البلدية اتخاذ أي قرار بشأنها باستثناء قرارات الإخلاء الفوري والقيام بالإجراءات الوقائية الاستعجالية بالتنسيق مع السلط المحلية والجهوية، إلا بناء على الرأي المطابق للوزير المكلف بالتراث وذلك في أجل أقصاه شهر من تاريخ إحالة محضر معاينة البناية المتداعية للسقوط".

قانون قد يحدّ من مشكل تلك البنايات المتصدعة وخطرها، ولكن عدة تساؤلات تطرح اليوم لا سيما بخصوص تلك البنايات المهجورة التي تستوجب التدخل العاجل دون انتظار التنبيه على مالكها أو على ساكنيها. وعما إذا كانت البلديات تملك الإمكانيات اللازمة لتطبيق هذا القانون؟