19-أبريل-2018

تستخدم بعض الأحزاب المرأة وتركز على صورتها لاستقطاب جماهير جديدة (صورة تقريبية/ فتحي بلعيد/ أ ف ب)

تعيش تونس منذ أيام على وقع الحملات الانتخابية للاستحقاق البلدي المزمع إجراؤه يوم 6 ماي/ أيار 2018، وهو حدث يعتبر إحدى أهم المحطات في مسار الانتقال الديمقراطي وركيزة أولى لتفعيل اللامركزية وتنزيل الباب السابع من دستور 2014.

اقرأ/ي أيضًا: قراءة في شعارات الأحزاب في الانتخابات البلدية تونس 2018

هذا الحدث الانتخابي الذي من شأنه أن يرسم ملامح المشهد السياسي في المرحلة المقبلة، كسر ركود الحياة السياسية وخاصة الحزبية التي يبدو أنها استيقظت في وقت متأخر نسبيًا وشرعت في حملاتها الانتخابية معتمدة على شعارات حاولت من خلالها جذب أكبر عدد ممكن من الناخبين. وفي خضم محاولات مختلف الأحزاب والفعاليات السياسية اكتساب أكبر عدد من الأصوات واستقطاب جماهير جديدة تختلف عن أنصارها التقليديين. ولعلّ أبرز "سلاح" استخدمته الأحزاب لتحقيق هذا المأرب اللجوء إلى المرأة نظرًا إلى الصورة والدور الذي طالما اضطلعت به المرأة التونسية في الحياة العامة بتونس.

استغلال المرأة في تمظهرات الحياة السياسية ليس بأمر جديد أو مبتكر في تونس

استغلال المرأة في تمظهرات الحياة السياسية ليس بأمر جديد أو مبتكر. فنظام زين العابدين بن علي اعتمد بشكل كبير على مكتسبات المرأة والدفاع عن حقوقها كواجهة للتغطية على انتهاكاته وممارساته الاستبدادية والظهور بمظهر الدولة الحديثة التقدمية.

بعد الثورة ورغم الحضور القوي للمرأة في المشهد السياسي ودفاعها بشراسة عن مكتسباتها وحقوقها إلى جانب استماتتها في الدفاع عن مدنية الدولة، بقي حضورها في المراكز القيادية والمناصب الهامة في الدولة ضعيفًا. ووقعت في شراك الأحزاب السياسية التي استغلّت ظروف البلاد وتكرر العمليات الإرهابية، وساهمت المرأة في صعود حزب على حساب آخر وكان لها تقريبًا الكلمة "الفصل" في انتخابات 2014.

تجربة الانتخابات التشريعية والرئاسية في 2014 جعلت بعض الفعاليات السياسية تعي الدور الذي يمكن للمرأة أن تقوم به، الأمر الذي جعلها تستنجد بها لغايات مختلفة وبوسائل وطرق متنوعة.

اقرأ/ي أيضًا: حين تطبّع وسائل الإعلام التونسية مع الذكورية..

فحركة النهضة خيّرت البحث عن نساء يخرجن عن النمط المألوف أو أقله البعيد عن الأحكام المسبقة المسقطة على الحركة والتي لا ترى في المرأة النهضاوية إلا امرأة ترتدي الحجاب، عبر ترشيح نساء غير محجّبات بل وإدراجهن على رأس بعض قائماتها الانتخابية، وذلك في رسالة مزدوجة مفادها أن النهضة تطبق فعلًا مبدأ الفصل بين الدعوي والسياسي الذي أقرته في مؤتمرها العاشر، ومحاولة لاكتساب فئات جديدة من المجتمع التونسي كانت تنفر أو تخشى في السابق مما يسمى بـ"المشروع المجتمعي" للحزب ذي المرجعية الإسلامية.

أما حركة نداء تونس فعلى العكس من حليفها اللدود، اختارت نساء محجبات في قائماتها الانتخابية للانتخابات البلدية، الأمر الذي أثار جدلًا في صفوف عديد البعض بل تحول إلى سخرية في بعض الأحيان مما اعتبره الكثيرون مفارقة. فنداء تونس هو الحزب الذي تحصّل مؤسسه على صوت "مليون" امرأة أوصلته إلى سدة قصر قرطاج، كما يُقال، والذي ملأ الدنيا ولم يقعدها بشعاراته المدافعة عن الحداثية والتقدمية وتحرّر المرأة، وفق النظرة السطحية لغالبية المجتمع التونسي.

الجبهة الشعبية أثارت بدورها ضجة بسبب اختيارها امرأة محجبة على رأس إحدى قائماتها، وهي التي تمثل اليسار "العلماني" حسب غالبية التونسيين الذين يخلطون بين مفاهيم العلمانية والإلحاد وأحيانًا حتى التشيّع. في حين أن قائمات أخرى اختارت ولسبب لا يزال مجهولًا إخفاء صور النساء من القائمة مع الإبقاء على صور الذكور.

الخشية أن تختار الأحزاب مرشحاتها فقط بناء على شكلهن الخارجي

اقرأ/ي أيضًا: المساواة في الميراث.. جدل القانون والسياسة

ولكن هذا ليس موضوعنا هنا. فحضور المرأة في القائمات الانتخابية خلال الاستحقاق البلدي سلّط الضوء على إشكاليتين موجودتين بشكل دائم في المجتمع ولكنهما يبرزان بشكل كبير في المناسبات الانتخابية.

الإشكالية الأولى تتعلق بشكل خاص بالمجتمع التونسي والقوالب الجاهزة التي يصنّف فيها الأشخاص والنساء خاصة من خلال مظهرهن الخارجي ولباسهن. فالجدل الذي أثاره اختيار الأحزاب لمرشحاتها وتعليقات عديد المواطنين يعكس أحكامًا جاهزة. فالمحجبة حسب هذه الأحكام يجب أن تنتمي إلى حزب ذي مرجعية إسلامية والتي ترتدي "الجينز" أو التنانير مكانها في حزب يقدّم نفسه كحزب تقدمي حداثي.

البعض من جهة أخرى يرى في جسد المرأة "عورة" انتخابية وارتأى تغييب صورها عن قائمته الانتخابية. وهنا مربط الفرس. فجسد المرأة وشكلها ولباسها وطريقة حديثها تحدد – وفق نظرة المجتمع إليها – انتماءاتها الفكرية وميولاتها السياسية وخياراتها الحزبية.

أما الإشكالية الثانية فتتعلّق بكيفية اختيار الأحزاب للمرشحات. فعلى الرغم من أهمية مشاركة المرأة في الانتخابات البلدية والتي لا يمكن لأي أحد أن ينكرها، فإن المشاركات يجب أن يتمتعن بحدّ أدنى من المعرفة والاطلاع على السياسة والقدرة على العمل الجماعي والمدني إن لم نقل السياسي.

والخشية هنا أن تختار الأحزاب مرشحات بناء على شكلهن الخارجي فقط، فيتوجه الحزب "المحافظ" إلى المرأة المتحررة في هندامها وتخيّر الأحزاب التقدمية المرأة المحجبة، دون الاهتمام بمدى كفاءتها وقدرتها على تقديم الإضافة والتميز في العمل البلدي.

والأحزاب بهذه الطريقة تحفر جبًا لنفسها بيديها، فهي من جهة ترسّخ الأحكام المسبقة التي يمتلكها المجتمع التونسي ونظرته للمرأة، عوض أن تقوم بتوعيته وتقاوم مثل هذه الأفكار. ومن جهة أخرى فإنها تضع مستقبل المجالس البلدية في خطر خاصة إذا تبيّن أن هؤلاء المرشحات (أو حتى المرشحين) لا يمتلكون القدرة والكفاءة على تسيير البلديات، وسيصلون للحكم المحلي فقط لأنهم ينتمون للافتة حزب ما، دون أن يقع اختيارهم بناء على كفاءاتهم/ن وبرامجهم/ن.

مشاركة عدد كبير من النساء في الانتخابات البلدية وترشحهن لا يمكن أن يكون إلا أمرًا إيجابيًا. ونأمل فعلًا أن تكون مشاركة فعالة وأن تتمكن المرأة من فرض وجودها في المجالس البلدية ووضع تصوراتها وتنفيذ برامجها على أن تتمتع بالكفاءة، وذلك بعيدًا عن أحزاب لا ترى فيها إلا وسيلة انتخابية لاكتساب مزيد من الأصوات واستقطاب جماهير جديدة، خاصة أن بعض الأحزاب السياسية لم يخف في عبارات "هربت" من بعض قياداته نظرة دونية للمرأة، لعلّ أشهرها العبارة الشهيرة "ما هي إلا امرأة"، أو حزب يراها مجرد كائن مكمّل للرجل.

 

اقرأ/ي أيضًا:

المساواة في الإرث: إصلاح للفكر الدّيني لا حرب عليه

التكفير في مواجهة التفكير: قوالب ترفض المختلف