28-نوفمبر-2019

في هذه الفترة العمرية الحساسة يلجأ المراهق في عديد الحالات إلى العصيان والثورة والتمرد (صورة تقريبية/ getty)

 

مرّ ما يقارب أسبوعين على حادثة الفيديو الذي نشر عبر مواقع التواصل الاجتماعي فيه 4 تلميذات قاصرات لا تتجاوز أعمارهن 16 سنة وهنّ بصدد الاستماع لأغنية "يا نبي سلام عليك"، وقد عمدن فيه إلى ما اعتبره الكثيرون "مسًا من المقدسات" والإساءة للرسول. وقد أحدث هذا الفيديو ضجة كبيرة حيث تدخلت الشرطة العدلية بالمروج بعد استشارة النيابة العمومية وأحيل الموضوع إلى الإدارة الفرعية للأحداث قصد البحث والمتابعة كما أخذ مدير المعهد والمندوبية الجهوية للتربية إجراءًا تأديبيًا في الغرض.

والتساؤل الذي يطرح من خلال هذا الحادثة هل أنّ الإجراءات التي وقع اتخاذها هي الأنسب في مثل هذه الحالات خاصّة وأنّ التعامل فيها مع فئة مجتمعيّة هشّة لا تزال في طور تشكيل هويّتها؟ ما الذي يجعل المراهق اليوم يلجأ لمثل هذه الممارسات لإثبات وجوده؟ وما هي الحلول التربويّة الأنسب ليجد المراهق ويطوّر هويّته الدينية؟ أسئلة يجيب عنها "ألترا تونس". في هذا التقرير.

اقرأ/ي أيضًا: أزمة السكن تنعش "تحيّل" السماسرة في تونس

المراهق يعيش حالة قلق ديني

في هذا الإطار، تؤكد الباحثة في علم الاجتماع سوسن غريبي لـ"ألترا تونس" أن الفصل السادس من الدستور التونسي ينصّ على حماية حرية المعتقد والضمير كما يمنع النيل من المقدسات لذلك فإنّ هؤلاء المراهقات لهن مطلق الحرية في انتماءاتهن الدينية  أو اللادينية ولكن ليس من حقهن الاعتداء على مقدسات الآخرين، على حدّ تعبيرها.

أما من الناحية الاجتماعية والنفسية، تقول الغريبي إنّ تعامُلهن وسخريتهن من النبي "محمد" يعكس خللًا في عملية التنشئة الاجتماعية، وربما يعكس صراعًا بين الأنا الفردية والأنا الجماعية، بين الـ"نحن" والـ"هم"، بين هوية محافظة وأخرى متحررة، من كل سلطة فكرية أو دينية.

سوسن غريبي (باحثة في علم الاجتماع) لـ"ألترا تونس":  الهوية الدينية لدى المراهق لا تزال بصدد التشكّل وغير واضحة المعالم

وترجع الباحثة في علم الاجتماع أسباب هذا السلوك إلى أنّ الهوية الدينية لدى المراهق مازالت بصدد التشكّل وأنّها غير واضحة المعالم، بسبب عدم استكمال مرحلة النمو الجسدي والنفسي والعقلي والانفعالي، مضيفة أنّه في هذه الفترة العمرية الحساسة يلجأ المراهق في عديد الحالات إلى العصيان والثورة والتمرد، لذلك يمكن اعتبار سلوك هؤلاء الفتيات تمردًا على المسلمات والمعتقدات الدينية مثل "احترام الرسول محمد باعتباره شخصية رمزية وقاعدية واعتبارية ومركزية لدى التونسيين المسلمين بصفة خاصة" والتي يمكن أن يكُنّ اكتسبنها بالفطرة، وفق تصريحاتها.

وتبرز سوسن الغريبي أن مثل هذه السلوكيات تعبّر عن مرحلة القلق الديني حيث تزداد التساؤلات حول المسائل الدينية والرموز والمقدسات فإذا لم يجد المراهق إطارًا أسريًا أو مدرسيًا يقدم له الإجابات المناسبة وبطريقة علمية ومنطقية يمكن أن يؤدي ذلك الفراغ المعرفي وانقطاع الرابطة الشعورية لهن بالمقدسات عمومًا وبالنبي "محمد" باعتباره شخصية دينية مقدسة لما حصل، على حدّ قولها.

اقرأ/ي أيضًا: هل يكتئب الأطفال فعلًا؟

وبخصوص ردة الفعل المناسبة تجاه هذا السلوك، تتساءل الباحثة في علم الاجتماع "هل السجن هو الحل؟ هل يجوز تكفيرهن؟ هل ما قمن به حرية تعبير أم اعتداء على المقدسات؟" مؤكدة أن مؤسسات التنشئة الاجتماعية (الأسرة،المدرسة، المعهد، وسائل الإعلام ، الجمعيات ومنظمات المجتمع المدني..) لا بد لها من القيام بدورها في التربية السليمة القائمة على الحوار ونبذ العنف بكل أشكاله. وأضافت أنّ الحل لن يكون بالسجن او الطرد أو العقوبات التأديبيّة بل بالإصغاء.

واعتبرت أنّ هذه الحادثة كانت لتكون فرصة للإطار المدرسي لتقديم دروس تفاعلية مع المختصين الاجتماعيين او النفسانيين حول قيم الاحترام، احترام الآخر المختلف واحترام معتقدات الآخرين ورموزهم الدينية. وختمت حديثها قائلة إنّ الهوية الدينية تتشكل لدى المراهق كحالة نفسية وكنسق من الأفكار والمعتقدات والرموز والتصورات غير الثابتة والتي يتداخل فيها الجانب النفسي بالمعرفي لتُشكّل صورة العالم في ذهنه .

العلاقة مع الدين تغيّرت بعد الثورة

من جهتها، تفسّر الأخصائية النفسيّة خولة البلدي الهويّة الدينيّة على أنّها جزء من الهويّة الاجتماعيّة والثقافية وتتكوّن منذ الصغر وتختلف هذه الهويّة من طفل لآخر حسب بيئة المنشأ، موضحة أنه للأبوين وحتى الأجداد دور مهم في تشكّلها. وتضيف البلدي، في تصريح لـ"ألترا تونس" أنّه في فترة المراهقة، على اعتبارها فترة شكّ في كلّ شيء، يبدأ هذا الطفل الكبير في التساؤل حول موروثه الاجتماعي والثقافي ومن هنا يبدأ في تشكيل خصوصيّته، على حدّ تعبيرها.

وفيما يتعلق بالهوية الدينية في تونس، تؤكد محدثتنا أنّ العلاقة مع الدين تغيّرت منذ الثورة وأنّ الدين خرج في أشكال متعدّدة (تديّن، إرهاب،عنف..) بعد أن كان من المواضيع المسكوت عنها، مضيفة أن مراهقي اليوم لم يعيشوا هذا المخاض لأنهم كانوا أطفالًا مع بداية الثورة لكنهم يعيشون تبعاته ومخلفاته خاصّة وأنّ الصورة الاجتماعية للدين التي وقع تسويقها مرتبطة أساسًا بالعنف والقتل والممارسات السيئة، ومن هنا وجد المراهق نفسه في تناقض بين صورة رسمها الأبوان في ذهنه وما يراه على أرض الواقع.

خولة البلدي (أخصائية نفسية) لـ"ألترا تونس": التنشئة الدينية في تونس مغلوطة فأكثر ما يمكن سماعه من مصطلحات هي "حرام"، "ربي يحرق بالنار"، "ربي يعاقبك"

وتوضح البلدي أن ردود الفعل تختلف من فرد لآخر فهناك متلقّ سلبي يتقبّل الأمر دون تعقيدات وهناك من يتخذ موقفًا عدائيًا ويقول "لا" لهذا الدين الذي لم ير منه سوى ممارسات سيئة حسب ما يحمله من تصوّرات، ومن هنا نفسّر محتوى الفيديو الذي قالت فيه هؤلاء المراهقات "لا" لهذا الدين وهو تمرّد لكلّ ما هو سلطة على اعتبار أن للدين سلطة اجتماعية، على حدّ قولها.

وتؤكّد الأخصائيّة النفسانية أنّ التنشئة الدينية في تونس مغلوطة فأكثر ما يمكن سماعه من مصطلحات هي "حرام"، "ربي يحرق بالنار"، "ربي يعاقبك"، وهو ما يجعل الطفل يخاف من الدين فتصبح بذلك علاقته به متوترة، وحتى إن مارس طقوسه فيكون بصفة إلزاميّة لأنّ الوالدين لا يفسران المسألة له فيكبر الطفل بإحساس بالذنب قد يقع ترجمته لسلوكيات منحرفة فيما بعد. وتختم حديثها قائلة "علاقتنا بالدين يجب أن تكون علاقة تسامح وتصالح وليس علاقة خوف ومن المهم أن يتثقف الطفل دينيًا ويفهم أبعاده الروحية والقيمية والمجتمعية لكي لا يكون فريسة سهلة لأي دمغجة".

مما لا شكّ فيه أن المراهق يشهد عدة تحولات لا جسدية فحسب بل نفسية وفكرية وهو في هذه المرحلة يحتاج إلى الإحاطة وتوسيع معارفه ومداركه، كما يحتاج أيضًا إلى الاطلاع على الأديان المقارنة والفلسفة حتى يتمكن من اكتساب القدرات التي تمكنه من النقد والتفكير السليم واحترام الآخر المختلف.

 

اقرأ/ي أيضًا:

عمل المرأة الريفية في تونس.. بين مطرقة الحاجة وسندان الاستعباد

أعوان الحراسة في الملاهي.. أعوان للحماية أم "باندية" دون حسيب أو رقيب؟