24-مارس-2019

صعوبات تطبيقية في النفاذ إلى المعلومة رغم المرتبة الدستورية لهذا الحق (Getty)

 

أصدرت هيئة النفاذ إلى المعلومة قرارًا يوم 1 فيفري/شباط 2018 بإلزام والي المهدية والمدير العام للوكالة الفنية للنقل البري بتمكين الممثل القانوني للجمعية الوطنية لحماية قطاع النقل التاكسي بجميع أنواعه من نسخة من محاضر جلسات اللجنة الجهوية للنقل بولاية المهدية والمتعلقة بضبط المقاييس الموضوعية لإسناد رخص التاكسي الفردي بالولاية وكذلك إلزام المدعى عليه بتمكين الجهة العارضة من المستفيدين من الرخص الممنوحة وذلك بموجب الدعوى المرفوعة بتاريخ 19 ديسمبر/كانون الأول 2017.

مثل أول قرار لهيئة النفاذ إلى المعلومة فاتحة عهد مشرق من أجل النفاذ إلى خزائن "علي بابا" من وثائق كانت إلى عهد قريب في صندوق أسود

لم يكن هذا القرار، وهو أول قرار تصدره هيئة النفاذ إلى المعلومة، ثورة في مجال الشفافية فحسب بل فاتحة عهد مشرق من أجل النفاذ إلى خزائن "علي بابا" من معلومات ووثائق وأرشيف وبيانات كانت إلى عهد قريب في صندوق أسود صعبة المنال وبعيدة عن العين ولا تدركها إلا أيادي صانعيها ومحدثيها. بل كان القرب من أي معلومة أو محاولة مسكها سواء من الذوات المعنوية أو الطبيعية إجرامًا في حق الدولة ومحاطة بهالة من السرية والتعتيم حتى لا ينكشف المستور.

نحاول في هذا التقرير متابعة قصة المدعي لدى هيئة النفاذ إلى المعلومة في هذا القرار التاريخي وهو علي بن سعد، الممثل القانوني للجمعية الوطنية لحماية النقل الفردي تاكسي، ليروي لنا قصته مع مطالب النفاذ واستجلاء تجربته منذ الثورة في ممارسة حق وهبه له دستور 2014 والقوانين الوطنية في مجال النفاذ إلى المعلومة.

أول قرار لهيئة النفاذ إلى المعلومة (ماهر جعيدان/ ألترا تونس)

تأطير عام للحق في النفاذ إلى المعلومة

حق النفاذ إلى المعلومة هو حق من الحقوق الأساسية للإنسان يخول للأفراد والذوات المعنوية الولوج إلى الوثائق والمعلومات التي تنشئها أو تتحصل عليها الهياكل العمومية أو الهياكل الخاصة التي تساهم في تسيير المرافق العامة وبصفة عامة كل الهياكل التي تنتفع بتمويل عمومي سواء كان ذلك عن طريق النشر الاستباقي للمعلومة أو عن طريق طلب المعلومة.

وتهدف ممارسة هذا الحق، من جملة أهدافها، إلى الكشف عن مواطن الخلل والفساد المتعلق بالتصرف في المرافق العمومية وفي المال العمومي. وقد كان المرسوم 41 لسنة 2011 الصادر في ماي/آيار 2011 أول نص يكرّس هذا الحق بصفة مطلقة وواضحة في القانون التونسي من خلال إقرار هذا الحق لكل شخص طبيعي أو معنوي، ليرتقي لاحقًا إلى مرتبة الحقوق الدستورية بموجب الفصل 32 من دستور 2014 الذي جعل من الدولة الضامنة لهذا الحق.

الحق في النفاذ إلى المعلومة هو حق دستوري بموجب الفصل 32 من الدستور التونسي

ويُعتبر القانون الأساسي عدد 22 لسنة 2016 المؤرخ في 24 مارس/آذار 2016 المتعلق بالحق في المعلومة هو الإطار التشريعي المنظم لممارسة هذا الحق، وقد أحدثت هيئة النفاذ إلى المعلومة إلى بصفتها هيئة عمومية مستقلة عام 2017 وقد حدد الفصل 38 من القانون المذكور مهام وصلاحيات الهيئة وهي تتنوع بين مهام قضائية وأخرى استشارية إضافة لمهام التقييم والمتابعة والتكوين والتوعية.

عماد الحزقي رئيس هيئة النفاذ إلى المعلومة أفاد، في ندوة وطنية في مارس/آذار 2019، أن الهيئة تلقّت إلى حدود منتصف شهر مارس/آذار 2019 750 قضية منها 593 مرفوعة عام 2018، مبينًا أن الهيئة تولت البت في 376 من مجموع القضايا فيما لا تزال 374 قضية في طور التحقيق. وأضاف أنه تقدم بالدعاوى 352 شخصًا معنويًا و398 شخصًا طبيعيًا.

اقرأ/ي أيضًا: النفاذ إلى المعلومة: حق دستوري لم تهضمه الإدارة التونسية

وبين الحزقي أن الهيئة أصدرت 195 حكمًا لصالح الدعوى كليًا أو جزئيًا فيما تم رفض الدعوى في 120 قرارًا فيما تم الحكم بانعدام ما يستوجب النظر في 55 قرارًا مع طرح 6 دعاوى.

وأوضح أن التحديات المطروحة متنوعة وأهمها على المستوى التشريعي وذلك بعدم استكمال الإطار التشريعي في ظل وجود نصوص متعارضة مع حق النفاذ وعدم انسجام نصوص أخرى، معتبرًا أن ضعف الإمكانيات المادية والبشرية لدى الهياكل العمومية وغياب التكوين المناسب كان سببًا رئيسيًا في التعثرات على مستوى التنفيذ. كما اعتبر أن ضعف منظومة التصرف في الوثائق والأرشيف ورقمنة البيانات والمنشورات إحدى أهم التحديات أمام تطبيق قانون النفاذ.

علي بن سعد.. صراع من أجل النفاذ إلى المعلومة

محدثنا علي بن سعد أسس الجمعية الوطنية لحماية قطاع النقل تاكسي بجميع أنواعه في مارس/آذار من سنة 2013 لـ"المساهمة في تنظيم القطاع وحماية منظوريه وتكريس التعددية في تمثيلية القطاع لدى السلط الجهوية والإدارية، وكذلك من أجل كسر حاجز الاحتكار الذي تمارسه منظمات ونقابات معينة ذات تمثيلية لدى المؤسسات العمومية المعنية بالقطاع دون غيرها وهي شريكة في إخفاء بعض الحقائق و المعطيات" حسب تصريحه لـ"الترا تونس".

وأصر بن سعد، خلال بداية حديثه معنا، على أن من أهداف جمعيته الدفاع عن قطاع التاكسي وتركيز بنك معلومات يخص القطاع وتجميع بيانات إحصائية متوفرة حصريًا لدى وزارة النقل والهياكل التابعة لها ووزارة الداخلية والبلديات ومقر الولايات.

واعتبر أنه بفضل قرارات هيئة النفاذ إلى المعلومة تمكن من الولوج إلى معلومات لم يكن ينتظر يومًا أن يمسك بها، وقد استطاع بفضل البيانات المجمعة اكتشاف بعض شبهات الفساد وتجاوز القانون، متعهدًا برفعها إلى القضاء.

علي بن سعد (رئيس الجمعية الوطنية لحماية قطاع النقل تاكسي): من أهداف الجمعية الدفاع عن قطاع التاكسي وتركيز بنك معلومات بتجميع البيانات الإحصائية المتعلقة به

كما استعرض في حديثه لـ"الترا تونس" الصعوبات والعراقيل التي اعترضته خلال طلبه للمعلومات من جهات مختلفة، هذه المعوقات كانت سببًا في اكتشاف عناصر الصد في الإدارة التونسية والعوامل المعرقلة للشفافية والحوكمة الرشيدة حسب قوله.

وكان يعتز علي بن سعد، في حديثه معنا، بأن يكون أول قرار صادر في تاريخ هيئة النفاذ إلى المعلومة لصالح جمعيته في انتصار غير مسبوق لتكريس الشفافية وفق قوله، معتبرًا التعليل الوارد في قرار الهيئة منتصرًا للأهداف التي انتصبت من أجلها جمعيته وهي الحصول على قائمة بيانات تنصهر ضمن تحقيق أهداف القانون في تكريس مبدأي الشفافية و المساءلة فيما يتعلق بالتصرّف في مرفق النقل بواسطة سيارات الأجرة و تنظيمه كما يسمح بدعم مشاركة الجمعيات ومنظمات المجتمع المدني في متابعة تنفيذ السياسات العمومية في هذا المجال و تقييمها.

اقرأ/ي أيضًا: حق النفاذ إلى المعلومة في مواجهة السلطة القضائية.. خصم وحكم؟

وكان رئيس الجمعية الوطنية لحماية قطاع النقل تاكسي بجميع أنواعه، أثناء لقائنا معه، مصحوبًا بعدد من قرارات هيئة النفاذ إلى المعلومة ومطالب النفاذ وردود الإدارات العمومية المختلفة حول مطالبه، موضحًا أن مطالبه تنوعت بين النفاذ إلى قائمات إسمية وبيانات تفصيلية ومحاضر جلسات تهم قطاع النقل.

علي بن سعد (ماهر جعيدان/ ألترا تونس)

واستعرض لنا مسارًا كاملًا يمتد من عام 2013 تاريخ تأسيس الجمعية إلى اليوم بين الاستجابة لمطالبه أحيانًا والتصدي أحيانًا أخرى بـ"تعلات متنوعة"، واصفًا إجابة بعض الهياكل الإدارية بأنها "غريبة"، وقال، في هذا الجانب، إن "المؤلم أن تأتي قرارات الرفض بالنفاذ في دولة حديثة شهدت ثورة على الاستبداد والظلم وتؤسس لحوكمة رشيدة خالية من الفساد".

وأردف بن سعد إنه لم يقف عند القرار الأول الصادر ضد والي المهدية إذ صدرت عدة قرارات بعده نظرا لتلكؤ الإدارة في مده بالمعلومة في الآجال التي يحددها القانون مشيرًا في هذا الإطار، إلى أن هيئة النفاذ إلى المعلومة أصدرت قرارًا عدد "55-113/2018" يلزم المدير العام للنقل البري بتمكينه من نسخة ورقية من القائمة الإسمية للمستفيدين من تراخيص النقل العمومي غير المنتظم بواسطة تاكسي سياحي مع توزيعهم حسب الولايات.

علي بن سعد (رئيس الجمعية الوطنية لحماية قطاع النقل تاكسي): من أغرب ما توصلت إليه حين طلب النفاذ إلى معلومات هو تعجيزي من خلال مطالبتي بدفع مقابل مادي للخدمات المسداة

و تابع قوله إن "أغرب ما توصل إليه حين طلب النفاذ إلى معلومات وبيانات هو تعجيزه من خلال مطالبته بدفع مقابل مادي للخدمات المسداة"، مبينًا أنه توصل عبر مراسلة من المدير العام للوكالة الفنية للنقل البري تحت عدد "0856/2019" تشير عليه من أجل الحصول على المعطيات المطلوبة من الإدارة الجهوية للوكالة الفنية للنقل البري بسوسة أن يدفع معلوم الخدمة بقيمة 531.600 دينارًا باعتبار الأداء على القيمة المضافة، مشيرًا إلى أن الطلب استند إلى الأمر الحكومي عـدد 1184 لسنة 2016 المؤرّخ في 11 أكتوبر/تشرين الأول 2016 المتعلق بضبط المعاليم الراجعة للوكالة الفنيّة للنّقل البرّي مقابل الخدمات التّي تسديها. وقال محدثنا إن نفس الإدارة كانت قد أشارت عليه بدفع مبلغ 60 دينارًا طبق نفس الأمر الحكومي نظير 06 مطالب قدمتها في شهر جانفي/كانون الثاني عام 2019.

محاولة تعجيز طالب النفاذ للمعلومة من خلال مطالبته بدفع مقابل مادي للخدمات المسداة (ماهر جعيدان/ ألترا تونس)

(يتبع)

 

اقرأ/ي أيضًا:

التاكسي الجماعي في سوسة.. فوضى وبلطجة وتحميل متبادل للمسؤولية

"عواطف" عميدة سائقات التاكسي: أشجع من الرجال