27-مارس-2019

مراكز رعاية الأطفال المهددين وفاقدي السند تلاقي صعوبات في القيام بمهامها (عبد السلام الهرشي/ألترا تونس)

 

تزايدت أهمية ملف حماية الطفولة في تونس خلال الفترة الأخيرة حتى قفزت إلى المراتب الأولى في سلم مخاوف التونسيين بعد تفجر قضايا رأي عام كشفت انتهاكات جسيمة ضد الطفولة على غرار قضية "المدرسة القرآنية بالرقاب" بثبوت تعرض أطفال للتحرش الجنسي ومنع من مزاولة التعليم في المدارس العمومية، إضافة لقضية "معلم صفاقس" المتهم بالاعتداء الجنسي على أكثر من 20 تلميذًا.

بات ملف حماية الطفولة يتصدر  المراتب الأولى في سلم مخاوف التونسيين بعد تفجر قضايا رأي عام كشفت انتهاكات جسيمة ضد الطفولة 

توجد، في الأثناء، مراكز عديدة في تونس تُعنى بالطفولة أهمها المراكز المندمجة للأطفال فاقدي السند المنتشرة في أكثر من 17 ولاية. والمراكز المندمجة للشباب والطفولة هي مؤسسات تابعة لوزارة المرأة والأسرة والطفولة وكبار السن، وهي مؤسسات عمومية ذات صبغة إدارية تتمتع بالشخصية المعنوية والاستقلال المالي منظمة بموجب قانون يعود لعام 1999.

اقرأ/ي أيضًا: هل أتاكم حديث الطفولة المغتصبة؟!

سندة العبيدي، المديرة بإدارة الطفولة بوزارة المرأة، تقول لـ"ألترا تونس" إن "هذه المراكز تتولى تطبيق قرارات قاضي الأسرة ومندوبي حماية الطفولة، وأنها تُعنى باستقبال الأطفال بين 6 و 18 عامًا المهددين على معنى الفصل 20 من مجلة حماية الطفولة ورعايتهم على المستوى النفسي والصحي والمدرسي". وأوضحت أن "قضاة الأسرة ومندوبي حماية الطفولة هم من يحدّدون حجم التهديد لتقييم وضعية الطفل قبل إرساله إلى أحد هذه المراكز".

منظومات إقامة مختلفة لرعاية الأطفال

من أجل الاطلاع أكثر وعن قرب على عمل هذه المراكز، توجهنا إلى المركز المندمج للشباب والطفولة بحي الخضراء بتونس العاصمة. تأسس هذا المركز عام 1963 وكان مخصصًا لإيواء الأطفال المشردين قبل أن يتم تطويره ليصبح مركزًا مندمجًا للشباب والطفولة.

مدير المركز خليل خليل أكد لـ"ألترا تونس" أن حالات تهديد الطفولة تختلف من العنف إلى الاستغلال الجنسي والمادي، مبينًا أن الأسرة هي مصدر أغلب حالات التهديد التي يعاني منها الأطفال.

خليل خليل (رئيس المركز المندمج للشباب والطفولة بحي الخضراء): الأسرة هي مصدر أغلب حالات التهديد التي يعاني منها الأطفال

وأضاف أن "للمركز 3 منظومات هي: منظومة الإقامة التي تضم الأطفال المعرضين لأقصى حالات التهديد مبينًا أن للمركز طاقة استيعاب في حدود 40 طفلًا تقع رعايتهم إثر قرارات قضائية، ومنظومة الوسط الطبيعي أو نصف الاقامة التي تُعنى بالأطفال الذين يسكنون قريبًا ويأتون إلى المركز يوميًا مع العودة إلى منازلهم مساءً، وأخيرًا منظومة الإيداع العائلي وتعنى بالأطفال الذين تمكن المركز من تحقيق استقرار عائلي ومادي لهم". 

ويوضح محدثنا أن هذه المنظومة الثالثة تُعتبر مرحلة متقدمة المنظومة الأولى على اعتبار أنه بعد استقبال الطفل وإيوائه تعمل المراكز المندمجة للشباب والطفولة، وبالاعتماد على إخصائييين وهياكل تتبع للدولة، على توفير استقرار عائلي ووضع طبيعي للطفل. وفي حالة تحقق هذا الاستقرار، يتولى المركز لاحقًا معالجة مشكل الاستقرار المادي من خلال تقديم منحة شهرية تقدر بـ150 دينارًا للولي البيولوجي للطفل.

مدير المركز المندمج للشباب والطفولة بحي الخضراء خليل خليل (عبد السلام الهرشي/ألترا تونس)

نقص فادح في العملة والموظفين

تصادف يوم زيارتنا إلى المركز المندمج للشباب والطفولة بحي الخضراء مع آخر يوم عمل الإخصائية الاجتماعية قبل انتقالها للعمل صلب وزارة الشؤون الاجتماعية لكن الغريب أن الإخصائية أكدت لنا أنه إلى حد يوم مغادرتها لم ترسل الوزارة إخصائيًا لتعويضها رغم أهمية هذه الوظيفة في المركز.

طرحنا السؤال حول هذه المسألة على مدير المركز خليل خليل الذي أكد لنا أن المشكلة لا تكمن فقط في وظيفة إخصائي اجتماعي بل هي مشكلة أعم بالنظر لوجود نقص فادح في العملة والموظفين "تصور أنه لا يوجد في المركز لا حارس ليلي و لا نهاري؟"، هكذا حدثنا. 

يشكو المركز المندمج للشباب والطفولة بحي الخضراء من نقص في الموظفين والمربين ومن ذلك عدم وجود حارس أو مرافق صحي

مدير المركز أكد أن هذا النقص دفعه إلى العمل بالإمكانيات الموجودة ومن ذلك اضطراره إلى إرسال عاملة نظافة كمرافق صحي مع الأطفال حال مرضهم إلى المستشفى وذلك لعدم وجود مرافق صحي. وأضاف أن المركز يتوفر فقط على حافلة صغيرة دون وجود سيارة مما يضطر العاملين لاستعمال هذه الحافلة الصغيرة حتى في المهمات الإدارية البسيطة.

اقرأ/ي أيضًا: الاستغلال الاقتصادي.. آفة الطفولة في تونس

المركز المندمج للشباب والطفولة بحي الخضراء (عبد السلام الهرشي/ألترا تونس)

ميزانية ضعيفة لا تفي بالحاجة

يشكو المركز المندمج للشباب والطفولة بحي الخضراء أيضًا من ضعف ميزانيته التي تبلغ حوالي 119 ألف دينار وهي ميزانية محدودة بالنظر لطاقة استيعابه. وتعتمد ميزانية التصرف على معدلات استهلاك قديمة لا تراعي تطور الأسعار ومن ذلك اعتماد معدل قيمة الأكل اليومي للطفل 3.3 دينار فقط رغم أن الطفل الواحد يتناول يوميًا 3 وجبات و لمجتين، مع اعتماد كلفة لباس الطفل الواحد سنويًا بقيمة 330 دينارًا فيما تبلغ كلفة معدل الدواء 40 دينارًا فقط وهي نفس معدل الكلفة السنوية لنظافة الطفل الواحد.

يقول خليل خليل، مدير المركز، لـ"ألترا تونس" أن هذه المعدلات تعطي تصورًا وتقييمًا خاطئًا للمسؤولين الذين يرصدون الميزانيات للمراكز المندمجة التي تصبح في حاجة دائمة إلى تعديل ميزانياتها، مؤكدًا أنه لولا مساعدة المجتمع المدني لكانت هذه المراكز وغيرها في أزمات عديدة.

خليل خليل (رئيس المركز المندمج للشباب والطفولة بحي الخضراء): أضطر بسبب نقص الميزانية للاتصال بالشركات التجارية المنتجة للمواد الغذائية لمساعدتنا

يضيف، في هذا الجانب، لـ"ألترا تونس" قائلًا: "أضطر بسبب نقص الميزانية إلى الاجتهاد من خلال الاتصال بالشركات التجارية المنتجة للمواد الغذائية التي دائمًا ما تكون على استعداد لمساعدة المركز"، مبينًا أن هذه النقائص استمرت بعد مرور أيام قليلة من زيارة رئيس الحكومة يوسف الشاهد إلى المركز.

وقُدّرت، في الأثناء، ميزانية وزارة المرأة والأسرة والطفولة وكبار السن عام 2019 بأكثر من 168 مليون دينار منها 30 مليون دينار مخصصة لنفقات التنمية، فيما خُصّصت أكثر من 69 في المائة من ميزانية الوزارة لباب الطفولة. واستحوذت المراكز المندمجة للأطفال والشباب على 94 في المائة من ميزانية هذا الباب، مع الإشارة لتخصيص حوالي 3 مليون دينار لتهيئة حوالي 11 مركزًا.

 ميزانية وزارة المرأة والأسرة والطفولة وكبار السن عام 2019

ويبلغ العدد الجملي للمراكز المندمجة في تونس حوالي 22 مركزًا موزعين على 17 ولاية منها 19 مركزًا منها صنف "أ" (توفر خدمات الاقامة والوسط الطبيعي والإيداع العائلي) و3 مراكز صنف "ب" (توفر خدمات الوسط الطبيعي أي تقديم الرعاية النفسية و الصحية للأطفال دون إيواء. فيما يبلغ العدد الجملي للأطفال المكفولين بمختلف الصيغ حوالي 2216 طفلًا وفق إحصائيات 2017.

وتعاني جميع هذه المراكز من نقص في الموارد البشرية من مربين وإخصائيين اجتماعيين ونفسييين إضافة لنقص في الميزانية وفي المراقبة، إضافة إلى عدم قدرتها على تحقيق الأهداف المطلوبة. وقد أطلقت وزارة الإشراف دراسة تقييمية لوضعية الأطفال في المراكز المندمجة بهدف الوقوف على أهم النقائص، كما أطلقت خطة وطنية منتصف عام 2018 لإعادة هيكلة هذه المراكز التي تمثل حضن الدولة لرعاية أطفال تونس المهددين وفاقدي السند.

 

اقرأ/ي أيضًا:

بائع الورد الصغير.. طفل يبيع الحب ويشتري "الموت"

"تشليط"، كي وممارسات أخرى.. رعب أطفال تونس