07-سبتمبر-2021

الخروقات الأمنية قد تحولت إلى تقليد متعارف عليه وملف استنزف ولا يزال يستنزف مجهودات الحملات الشبابية وجزء هام من مكونات المجتمع المدني

 

مقال رأي

 

بقلم قمر الزمان الخالدي وريم شعباني

 

"الممارسات البوليسية القديمة في تونس الجديدة" هو ليس خبرًا فحسب إنما هو واقع يومي واسم اختارته حملة "حاسبهم" ليكون إطارًا جديدًا ترصد فيه ومن خلاله الانتهاكات الأمنية ما بعد 25 جويلية، وقبل تقديمنا لهذا الرهان الجديد لـ"حاسبهم"، تجدر العودة على تعريف هذه الحملة الشبابية التي بدأت في التحرك والنشاط منذ سنة 2015، كان تأسيسها يرمي بالأساس إلى رصد الانتهاكات البوليسية والقطع مع ثقافة الإفلات من العقاب.

كما أنها جاءت في شكل رد على مشروع قانون "زجر الاعتداءات على الأمنيين"، فكانت بمثابة جدار صد لكل محاولات تمرير هذا المشروع في عدة محطات أهمها نوفمبر 2017 وأكتوبر 2020.

اقرأ/ي أيضًا: بخطى حثيثة نحو إخصاء الثورة... وبالقانون!

لعبت هذه الحملة دورًا تعزيزيًا لعدد من الحملات الأخرى التي أطلقتها "حاسبهم" وتقاطعت لتتكامل وتتناسق في كثير من الأحيان مع جزء هام وفاعل من الحملات والحركات الشبابية الأخرى التي تهدف إلى ترسيخ ثقافة الدفاع عن حقوق الإنسان ومناهضة كل محاولات العودة بالبلاد إلى مربع الاستبداد.

على صعيد آخر، وإلى جانب النشر بصفة دورية للانتهاكات الأمنية، قامت حملة حاسبهم بجملة من الحملات الافتراضية من بينها حملة "المواطن 33070 في"ذل" دولة الحقوق والحريات"، وذلك على إثر واقعة سيدي حسين وبعد تداول مقطع فيديو يثبت سحل وتعرية طفل قاصر وإيقافه بطريقة مهينة من قبل عدد من  الأمنيين في جوان/ يونيو 2021 أثناء تفريقهم لجنازة الشاب أحمد، ابن نفس المنطقة والذي قد توفي تحت التعذيب في ظروف غامضة.

قامت حملة حاسبهم بإطلاق حملة على مواقع التواصل الاجتماعي تحت اسم "الممارسات البوليسية القديمة في تونس الجديدة" وتأتي هذه التسمية كرد على تواصل الانتهاكات الأمنية بعد 25 جويلية

مع تتالي الممارسات البوليسية التي تصفها الجهات الرسمية بـ"الحالات المعزولة"، قامت حملة حاسبهم بإطلاق حملة على مواقع التواصل الاجتماعي تحت اسم "الممارسات البوليسية القديمة في تونس الجديدة" وتأتي هذه التسمية كرد على تواصل الانتهاكات الأمنية بعد 25 جويلية/ يوليو 2021 وما عرفته هذه المرحلة من دعوات "لتونس الجديدة" تيّمنًا بالتغيير الذي قد يحدثه الرئيس، خاصة بعد تفعيله للفصل 80 من الدستور وما يشوب هذه المرحلة من متغيرات.

اقرأ/ي أيضًا: شاب يُجرد من ملابسه ويُقتاد "عاريًا" من قبل أمنيين.. فيديو صادم واستياء واسع

على ضوء كل هذه المعطيات، جاءت هذه الحملة لتدعو إلى القطع مع ما سبق من انتهاكات، واعتداءات وسياسات ممنهجة لضرب الأدنى المكتسب من الحقوق والحريات ما بعد الثورة. 

تمت صياغة نص هذه الدعوة بتركيبة عامية وشبابية بسيطة، وتضمن النص الرسالة الآتية: 

"قبل ما نحكيو على أول حالة معزولة في تونس الجديدة هات نحكيو، شنوة تعريف الحالة المعزولة؟

الحالة المعزولة يا سادة ويا سيدات هي حالة تعنيف أمني لمواطن أو لمواطنة تفشل كل محاولات طمسها، تبريرها أو تكذيبها من طرف الزملاء أو سلط الإشراف أو الجمهور العريض صاحب نظرية "زعما ضربو هكاكة؟ أكيد راهو تقبح يستاهل تحبو تطيحو قدر الرجال ساحبي؟" وتفشل بمجرد أنو مواطنة أو مواطن شجاع جبد التليفون ووثق الي صار. ورد بالك الي صار لازم يكون حاجة تصدم سحل، تجريد من الملابس، تفشيخ معتبر، موش جرد كف ولا بونية وموش جرد موشح إهانات وسبان وهرسلة وتهديد ووعيد وتنجم تخطف وتفشل زادة إذا المتضرر أو المتضررة يكبش ويشد صحيح يحكي شنوة صار معاه على مواقع التواصل الاجتماعي ويكون واعي بحقوقو ويتفاعلو معاه محاميين ومحاميات وناشطات وناشطين وتوصل حكايتو لمنظمات حقوقية تتطوع وتتجند للدفاع عليه".

وتحت وسوم (هاشتاغ) واضحة وبسيطة" #جمد الاعتداءات على المواطنين" و"#زجر الاعتداءات على المواطنين" التي يمكن القول إنها تمثل مفاتيح خارطة الطريق التي خطتها الحملة  لنفسها. وهي كذلك انعكاس للعناوين التي لا حياد عنها والخطوط العريضة التي لا تنازل عنها من أجل حفظ كرامة المواطن التونسي تماشيًا مع ما جاء في الدستور والمواثيق الدولية، وهي ترجمة لنص الفصل 23 من دستور 2014 والذي جاء فيه أنه "تحمي الدولة كرامة الذات البشرية وحرمة الجسد وتمنع التعذيب المعنوي والمادي. ولا تسقط جريمة التعذيب بالتقادم".

وما يقابله في التشريعات والمواثيق الدولية، الفصل 5 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والفصل 7 من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية إلى جانب المادة الثانية من الاتفاقية الدولية لمناهضة التعذيب.

التغيير لا يمكن أن يحدث إلا في ظل وجود إرادة حقيقية للمحاسبة الفعلية، على أسس حقوقية أي بضمان الحق في المحاكمة العادلة، لا على أساس التشفي أو المحاصصة مع الحرص على ترسيخ ثقافة المحاسبة

ما يمكن أن نستجليه من هذه الحملة، أن التغيير لا يمكن أن يحدث إلا في ظل وجود إرادة حقيقية للمحاسبة الفعلية، على أسس حقوقية أي بضمان الحق في المحاكمة العادلة، لا على أساس التشفي أو المحاصصة مع الحرص على ترسيخ ثقافة المحاسبة والقطع مع سياسة الإفلات من العقاب

وكما هو واضح من العنوان، فإن البناء والتأسيس لثقافة كاملة تتطلب المراجعة، المحاسبة، الردع والجمع بين ما تفرضه حقوق الإنسان من جهة وما يقره الدستور والنصوص القانونية من جهة أخرى، يمر حتمًا عبر كل ما تم رصده والتنديد به سابقًا ليصل إلى ما يتم التمادي في اقترافه إلى حدود الآن في حق المواطنين بمختلف صفاتهم، أماكن تواجدهم والتهم المنسوبة إليهم.

مجموعة "حاسبهم"، اليوم، تسلط الضوء مباشرة على حقيقة أن الممارسات القديمة على خطى التي سبقتها تستثني نفسها علنًا من كل المتغيرات وتؤسس للتجدد والتمادي بغض النظر عن الأشخاص الراجع إليها القرار، وبالتالي فإن الأمر لا يتعلق بتغييرات شكلية أو إسمية على مستوى بعض المهام والمراكز.

إن الأمر يتطلب تصديًا ملموسًا منبثقًا عن قناعة بضرورة وضع حد لهذا النزيف الذي أصبح يشكل تهديدًا على حياة الأفراد لا فقط على حريتهم أو سلامتهم الجسدية أولاً، وتعامل يخلو من تجنب الصدام مع المؤسسة الأمنية كما يفعل كل من سبق لهم تولي زمام الأمور وكأنهم يبقون الحال على ماهو عليه تحسبًا لآلة قد يكون من صالحهم استعمالها كما هي بكل الإشكالات المتداخلة والمتراكمة فيها.

إن الأمر يتطلب تصديًا ملموسًا منبثقًا عن قناعة بضرورة وضع حد لهذا النزيف الذي أصبح يشكل تهديدًا على حياة الأفراد لا فقط على حريتهم أو سلامتهم الجسدية

المجموعة لا تمثل صوتًا أقليًا في هذا المنحى ولم تكن يومًا، فعدد هام من مكونات المجتمع عملت مرارًا وطيلة سنوات على التصدي لعدد من التجاوزات داخل المراكز ومراكز الإيقاف. كما شاركتها الحرب ضد الانتهاكات الكثيرة التي طالت المحتجين في عدد من التظاهرات والمواطنين على حد السواء، وحاولت توفير الإحاطة النفسية والإسناد القانوني لهم.

فعلى سبيل الذكر لا الحصر، كانت انترناشيونال آلرت (International Alert) قد نظمت خلال شهر سبتمبر/ أيلول من السنة الماضية حملة تحت عنوان "العنف متعدد وما يتسكتش عليه" استمرت طيلة 4 أيام وتم التطرق بعد عرض شهادات مصورة لشرائح مختلفة من ضحايا العنف، إلى كل أنواع العنف الذي يمكن أن نواجهه كأفراد مواطنين بما في ذلك العنف المؤسساتي وعنف الشرطة.

كذلك، سبق وأن التقى عدد من الحملات الشبابية على غرار "مانيش مسامح"، "فاش نستناو" و"حاسبهم" مع حملة "تعلم عوم" التي أطلقها محبو النادي الإفريقي بعد وفاة عمر العبيدي غرقًا إثر مطاردة أمنية على أرضية الدعوة للمحاسبة الفعلية.

اقرأ/ي أيضًا: على لسان نشطائها.. ما لا تعرفونه عن "مانيش مسامح" التونسية

كذلك، حملة ماناش مسلّمين/مسلّمات والتي من ضمن ما تطرحه من مطالب للتصدي للفساد ومحاسبة المتورطين في الإرهاب وتبييضه، تطالب بوضع حد للإفلات من العقاب. ويذكر أن الحملة قد تعرضت مؤخرًا لقمع أمني خلال دعوة للاحتجاج سبق وأن وجهتها من أجل المطالبة بكشف حقيقة الاغتيالات السياسية، شبكات التسفير لبؤر التوتر والجهاز السري لحركة النهضة، حيث تعرض خلال هذه الوقفة كل من المحتجين، الصحفيين والمحاميين للاعتداء والعنف من قبل الأمنيين.

كل هذا وإن دل على شيء، فهو يدل أولاً على أن القضية متعلقة بالأساس بتعمد انتهاج القوة والحل الأمني كسياسة رسمية للتعامل مع المواطن والشارع المنتفض على مختلف القضايا الاجتماعية والاقتصادية منها، وإخماد الأصوات المعارضة والمحتجة، وتعميم سياسة الترهيب اليومي والإقدام على خرق القانون وضرب كل المواثيق والقوانين والمعاهدات عرض الحائط. 

كما أنه يدل لا محالة على أن الخروقات على تفاقمها، قد تحولت إلى تقليد متعارف عليه وملف استنزف ولا يزال يستنزف مجهودات الحملات الشبابية وجزء هام من مكونات المجتمع المدني في تونس، لتكون معركة التصدي له حاضرة في كل نشاطاتها وتحركاتها.

 

  • المقالات المنشورة في هذا القسم تُعبر عن رأي كاتبها فقط ولا تعبّر بالضرورة عن رأي "ألترا صوت"

 

اقرأ/ي أيضًا:

 

نقابة الصحفيين: اعتداءات أمنية عنيفة على الصحفيين في تحرك "مناش مسلّمين"

اتحاد الشغل يدعو إلى فتح تحقيق في "الاعتداء الهمجي" على محتجين وصحفيين

 

الكاتبتان:

  • قمر الزمان الخالدي: ناشطة حقوقية وطالبة حقوق نشرت عدد من المقالات في صحيفة تونس ريفيو وشاركت في الاحتجاجات الشبابية التي شهدتها تونس منذ الثورة
  • ريم شعباني: مجازة في إنجليزية الأعمال وناشطة حقوقية وصحفية مستقلة نشرت في عدد من المواقع باللغات الثلاث في تونس والعالم العربي ومنها الموقع الصحفي انحياز