"العامل المعلّق".. شهادات من البرلمان والاتحاد والعمال تكشف تبعات تنقيحات مجلة الشغل
15 أغسطس 2025
مع دخول قانون منع المناولة وتنظيم عقود الشغل حيز التنفيذ في تونس أواخر ماي/أيار 2025، انطلقت سلسلة من التغيرات في سوق العمل تهدف إلى إدماج العمال المباشر في المؤسسات المستفيدة. غير أن تطبيق القانون لم يخلُ من عراقيل، إذ لوحظت تباطؤات في بعض الإدارات والشركات، ما أدى إلى خلق وضعيات عمالية متباينة وأثار جدلاً واسعًا حول مدى قدرة التشريع الجديد على تحقيق الاستقرار المهني والاجتماعي المنشود وللوقوف على الوضعية، تواصل "الترا تونس" مع نائب في البرلمان التونسي، وعامل متضرر، وطرف نقابي، للحصول على شهاداتهم ورصد واقع تطبيق القانون.
برلماني: تأخر تطبيق قانون منع المناولة خلق فوضى في سوق الشغل
وفي هذا الإطار، أكد النائب في البرلمان التونسي يوسف طرشون في حديثه مع "الترا تونس" أن هناك تباطؤًا شديدًا في تطبيق القانون من قبل الإدارات والشركات، ما ينعكس سلبًا على العمال. وقال طرشون: "صدر القانون في الرائد الرسمي بتاريخ 28 ماي/أيار 2025 بعد أن صادقنا عليه في البرلمان في 21 ماي/أيار، وأصبحت الأوامر الترتيبية سارية منذ 14 جوان/يونيو 2025، وبدأت الإجراءات الإدارية بشكل رسمي. لكن ما نلاحظه اليوم هو تلكؤ واضح من قبل بعض الإدارات، خاصة الديوان الوطني للتطهير، وأيضًا في بعض الوزارات مثل التعليم العالي، حيث لا تزال وضعيات الأساتذة المتعاقدين معلقة منذ أشهر، رغم مرور أسابيع على صدور الأوامر".
نائب في البرلمان لـ"الترا تونس": مسألة منع المناولة تعني فك ارتباط العمال بشركات المناولة وإدماجهم مباشرة في الشركة المستفيدة. للأسف، ما حدث هو تباطؤ شديد في التنفيذ، مما أدى إلى خلق وضعية جديدة أصفها بالعامل المعلق
وأضاف النائب: "مسألة منع المناولة تعني فك ارتباط العمال بشركات المناولة، سواء كانت عمومية أو خاصة، وإدماجهم مباشرة في الشركة المستفيدة. للأسف، ما حدث هو تباطؤ شديد في التنفيذ، مما أدى إلى خلق وضعية جديدة أصفها بـ'العامل المعلق'، هؤلاء العمال يجدون أنفسهم بلا عقود عمل أو رواتب منتظمة، معرضين لفقدان مستحقاتهم وخدماتهم الاجتماعية، وهذا يمثل تهديدًا مباشرًا لاستقرارهم المهني والمعيشي".
اقرأ أيضًا: المصادقة على قانون تنظيم عقود الشغل ومنع المناولة في تونس
وأشار طرشون إلى أن "هذا التلكؤ خلق فوضى كبيرة في سوق العمل"، وقال: "اليوم هناك عمال شركة بترولية نمساوية في تونس يحتجون في العاصمة، بعد أن تم طرد 47 منهم تعسفيًا وإدماج 10 فقط. الشركة اعتمدت على الفصل المتعلق بالأحكام الانتقالية لحساب التعويضات، وخصصت راتبين عن كل سنة أقدمية ودفعت تعويضات مضحكة لمن لديهم أقدمية تفوق العشر سنوات من العمل".
وتابع النائب: "هذه الظاهرة ليست محصورة في قطاع البترول فقط، بل تتكرر في مؤسسات أخرى. مثال على ذلك بنك الزيتونة، حيث تم ترسيم الموظفين عمت حالة من الفرح في المؤسسة البنكية، لكن بدون سابق إنذار، قاموا بطردهم وأُخبروهم لاحقًا بأن القانون يسمح بالطرد التعسفي، مع منح راتب شهرين عن كل سنة أقدمية، وهذه الوضعية تعكس تعنت بعض الشركات ورفضهم تطبيق القانون بشكل عادل".
وأضاف النائب أن الحل يتطلب رقابة صارمة، وكذلك مراجعة الإجراءات الإدارية لضمان حقوق كل العمال المصرح بهم. وقال: "من دون متابعة دقيقة، ستستمر هذه الممارسات في تهديد حقوق العمال، وسيصبح القانون مجرد نص مكتوب بلا تطبيق فعلي".
عامل بشركة بترولية: وجدت نفسي مطرودًا بعد صدور القانون
وفي حديث مع "الترا تونس"، أكد أحد العمال الذين طردتهم الشركة تعسفيًا، وفق روايته، حجم الظلم الذي تعرض له، وقال: "بدأت العمل في هذه الشركة منذ خمسة عشر عامًا، ووجدت نفسي اليوم مطرودًا بصفة تعسفية بعد صدور القانون. الشركة دفعت لنا مبلغًا ضئيلًا مقارنة برواتبنا السابقة".
وأضاف: "قامت الشركة بخداعنا إذ قدمت لنا، حين صدر القانون، تسبقة على رواتبنا الأخيرة، ثم قامت مباشرة بطردنا ثم قالت إنها ستنفذ القانون وتعوضنا عن كل سنة أقدمية بمقدار راتبين لكل عام، لكنها اعتمدت على المبلغ الذي قدمته سابقًا كتسبقة، ما جعل التعويضات غير عادلة ولا تعكس سنوات العمل الطويلة التي قضيناها".
عامل لـ"الترا تونس": القانون وُضع ليكون نعمة للعمال، لا أن يتحول إلى نقمة عليهم. للأسف، هناك من أصبح يتحسر على المناولة نتيجة الظلم الذي تعرض له
وأضاف العامل: "الشركة ما زالت متعنتة، وحتى العمال الذين احتفظت بهم لم تتحسن رواتبهم، بل خفضت الرواتب مقارنة بما كانوا يحصلون عليه من خلال المناولة، القانون كان الهدف منه تحسين أوضاعنا وتوفير استقرار اجتماعي ومهني، لكنه تحول بالنسبة لبعض الشركات إلى وسيلة تشفٍ، أشعر بالظلم والقهر جراء ما حدث".
وتابع: "القانون وُضع ليكون نعمة للعمال، لا أن يتحول إلى نقمة عليهم. للأسف، هناك من أصبح يتحسر على المناولة نتيجة الظلم الذي تعرض له والقانون ينص على أن يتخلى العامل عن شركات المناولة التي تستغل جهده، وليس على أن يُتخلى عن العامل نفسه".
وأكد العامل أن "التواصل مع الشركة لم يسفر عن أي نتيجة، وأن العمال ينظمون منذ فترة عددًا من التحركات الاحتجاجية رفضًا للوضعية التي وجدوا أنفسهم فيها دون تلقي أي رد"، وفق تعبيره.
نقابي: بعض الشركات تحاول الالتفاف على القانون بدلاً من الالتزام به
من جهته، وصف ياسين الطريقي، المكلف بالإعلام بالاتحاد الجهوي للشغل بصفاقس، الوضع الذي يعيشه بعض العمال بعد صدور القانون المتعلق بمنع المناولة بـ"غير القانوني وغير الإنساني"، مؤكدًا أن هناك ثغرات كبيرة في القانون تستغلها بعض الشركات للطرد التعسفي. وقال الطريقي: "هناك ثغرات تسمح للطرد بسبب أخطاء فادحة لم يتم تحديدها بدقة. قد تُعتبر أي مخالفة بسيطة خطأ فادحًا، فيُطرد العامل بشكل تعسفي، بينما يجب أن يكون القانون لحماية العمال، لا لإذلالهم ثم أن غياب جلسات تفاوض مركزية وجهوية يجعل العمال بلا حماية، والمشغلون يستغلون هذا الوضع لتجاوز القانون".
اقرأ أيضًا: قراءة في تداعيات تنقيح مجلة الشغل في تونس.. هل تحققت الأهداف؟
وأوضح الطريقي أن "بنك الزيتونة قام بطرد 17 عاملة نظافة بعد تحديد تعويضات أقل من مستحقاتهن القانونية، فيما قام الصندوق الوطني للتأمين على المرض (الكنام) بنقل العاملات من فرع إلى آخر لتجنب إدماجهن الكامل، وهذا يظهر أن بعض الشركات تحاول الالتفاف على القانون بدلاً من الالتزام به".
نقابي لـ"الترا تونس": القانون في حد ذاته مكسب للعمال، ومن تم ترسيمهم يحصلون على استقرار جزئي وتغطية اجتماعية، لكن هناك من استغل الثغرات لتحويل القانون إلى وسيلة للضغط على العمال واستغلالهم
وأضاف الطريقي: "القانون في حد ذاته مكسب للعمال، ومن تم ترسيمهم يحصلون على استقرار جزئي وتغطية اجتماعية، لكن هناك من استغل الثغرات لتحويل القانون إلى وسيلة للضغط على العمال واستغلالهم. يجب التدخل العاجل لمعالجة هذا الوضع وضمان حقوق كل العاملين، لأن العمال الذين لم يُدمجوا بعد يعيشون وضعية اجتماعية صعبة تهدد حياتهم واستقرارهم".
وأكد النقابي أن "الحل يتطلب تعزيز الرقابة النقابية والإدارية، وتنظيم جلسات تفاوض منتظمة مع المؤسسات لضمان تطبيق القانون بشكل عادل، وحماية حقوق كل العمال".
وفي وقت سابق، عبّر الاتحاد العام التونسي للشغل الأربعاء 3 جويلية/يوليو 2024 عن رفضه لأي إحداث تنقيحات على مجلة الشغل "بشكل أحادي" ودون تشريك الهياكل المعنية، مؤكّدًا أن "مجلّة الشغل مكسب وطني جاء نتيجة جهد تشاركي مبكّر وحوار اجتماعي غير مسبوق، وأنه قد مرّ عليها ما يقارب ستة عقود، وقد آن الأوان لتعديلها وتطويرها بنفس الروح التشاركية بين أطراف الإنتاج التي ولدت فيها".
أما الباحث المتخصص في التنمية حسين الرحيلي فقد أشار إلى أن تنقيح مجلة الشغل فشل في تحقيق الأهداف المعلنة منذ 5 مارس/آذار 2024 من قبل الرئيس التونسي. وأوضح أن "الشعارات الشعبوية، رغم نواياها الحسنة، لا تكفي إذا تم فرض القوانين بشكل تعسفي على الواقع"، لأن مبدأ 'القانون يصنع الحالات' ثبت أنه خاطئ. وأضاف أن: "تنقيح مجلة الشغل، الذي كان هدفه حماية العمال، تحول إلى كابوس لهم، أدى إلى الطرد وفقدان الكثيرين لمصادر رزقهم الأصلية"، وفقه.
الكلمات المفتاحية

العمل المستقل في تونس.. حرية مهنية تواجه هشاشة قانونية وإدارية
شهدت السنوات الأخيرة في تونس توسعًا ملحوظًا في ظاهرة العمل المستقل أو ما يُعرف بـ"العمل الحر" (Freelance)، حيث اختار العديد من الشباب هذا النمط من الشغل بحثًا عن حرية مهنية واستقلال مادي خارج أطر الوظيفة التقليدية، إلا أن هذا التوجّه المستجد يثير إشكالات متعددة تتعلق بوضعية هؤلاء داخل المنظومة القانونية والإدارية والاجتماعية الوطنية

سرديات تُضيء مهنة النادل في تونس
في آلاف المقاهي المنتشرة على طول البلاد التونسية، هناك شريحة مهنية لا يُستهان بها تضم آلاف الندل.. ثمة شخصيات وهبتها الحياة ما لم توهبها المدارس، استثنائية وألمعية بحضورها الطاغي أثناء أدائها لعملها

الكفيف في تونس.. مسيرة مضنية بين عزلة رقمية وفجوة معرفية
"الترا تونس" نقل من خلال التقرير التالي تجارب تلاميذ وطلبة من ذوي الإعاقة البصرية في مسيرة التحصيل الدراسي

تونس توقّع اتفاق تمويل مع البنك الدولي بـ430 مليون دولار لدعم التحول الطاقي
البنك الدولي: يساعد المشروع على خفض تكاليف إمدادات الكهرباء بنسبة 23%، وتحسين نسبة استرداد تكاليف الشركة التونسية للكهرباء والغاز من 60 إلى 80%

أيام قرطاج المسرحية 2025.. يحيى الفخراني والفاضل الجعايبي في الافتتاح
تتضمن برمجة هذه الدورة من أيام قرطاج المسرحية، 12 عرضًا ضمن المسابقة الرسمية، و15 عرضًا في قسم "مسرح العالم"، و16 عرضًا تونسيًا، و6 عروض عربية وإفريقية

تعرّف على نصاب زكاة الزيتون والتمر في تونس للعام الهجري 1447
أعلن ديوان الإفتاء في تونس، يوم الخميس 13 نوفمبر 2025 عن نصاب زكاة الزيتون والتمر وسائر الثمار للموسم الفلاحي الحالي 1447هـ ـ 2025 م، وذلك مواكبة لانطلاق موسم جني الثمار، وفق بلاغ له

هيئة المحامين: إنشاء مرصد لمتابعة احترام معايير المحاكمة العادلة في تونس
عقدت الهيئة الوطنية للمحامين بتونس جلسة عامة إخبارية في دار المحامي، يوم الأربعاء 12 نوفمبر 2025 بدعوة من العميد بوبكر بالثابت، أكدت خلالها على ضرورة حضور جميع الجلسات والترافع لضمان حضور المتهمين شخصيًا في قاعات المحاكم، مع رفض المحاكمات عن بعد لما تفتقر إليه من شروط قانونية، وتعد انتهاكاً لمبدأ المحاكمة العادلة عبر حرمان المتهم من الدفاع دون مبرر قانوني

