19-يوليو-2019

من صحافة السلطة إلى صحافة "السيستام" (نيكولا فوكي/ Corbis)

 

يتمتّع وزير السياحة الحالي روني الطرابلسي بمكانة لا مثيل لها في الصحافة، إذ تحظى أنشطته بتغطية واسعة، فيما تتحوّل كل تصريحاته أو أنشطته (جلسات عمل، قرارات، زيارات، تدشين إلخ) إلى تقارير إخبارية تنقل كما هي حتى تكاد هذه التغطيات "الصحفية" تتحول إلى امتداد لسياسة الوزير الاتصالية. ويجوز لنا القول، في هذه الحالة، إن كل ما نعلمه عن قطاع السياحة هو ما يقوله روني الطرابلسي.

يتمتّع وزير السياحة الحالي روني الطرابلسي بمكانة لا مثيل لها في الصحافة التونسية (فتحي الناصري/أ.ف.ب)

اقرأ/ي أيضًا: الصحفيون التونسيون ومصادرهم.. (2/1)

لماذا يجب أن نهتم بموضوع الإفراط في المصادر المؤسّسية؟

الحقيقة أن هذه العلاقة بين روني الطرابلسي والصحافة التونسية القائمة على النقل ليست استثناء، ليس فقط لأن وزراء أو شخصيات حظيت قبله بما يمكن أن نسمّيه التناول الاتصالي لأنشطته (على غرار أمال كربول مثلًا)، بل لأن الصحافة تتعاطى، في كثير من الأحيان، بهذه الطريقة مع الفاعلين السياسيين والمؤسّسات عندما تتحوّل إلى وسيط ناقل لما يقولونه ومرآة عاكسة لأنشطتهم، فلا غرابة أن نرى التقارير القائمة على استعادة التصريحات تتحول إلى روتين مهني. 

وقد تناولنا، في الجزء السابق، استخدام ما يسمّى "المصادر المجهولة" مما يجعل من الصحافة التونسية أحيانًا "علبة سوداء" تُستخدم بشكل مخاتل من الفاعلين السياسيين أو من المؤسّسات للتلاعب بالأخبار.

ولكن مسألة المصادر لا تقف فقط عند قضية المصادر المجهولة بل تتجاوز ذلك إلى إشكالية لا تقلّ أهمية تتعلق بالإفراط في استخدام المصادر المؤسسية أي الإفراط في استخدام المعلومات التي تنتجها المؤسسات بمختلف أنواعها عن أنشطتها عبر مصالح الاتصال والعلاقات مع الصحافة. فمنهجيًا، يمكن أن نعتمد مكانة المصادر المؤسسية كمؤشر لتقييم الصحافة التونسية واستقلاليتها الفعلية عن مراكز القوى، المؤسسات والفاعلين السياسيين وغير السياسيين ولا يعني هذا أن الصحافة التونسية كلها تعتمد على المصادر المؤسسية.

 مسألة المصادر لا تقف فقط عند قضية المصادر المجهولة بل تتجاوز ذلك إلى إشكالية لا تقلّ أهمية تتعلق بالإفراط في استخدام المصادر المؤسسية

لقد أشرنا في مقالات سابقة إلى أن الاتصال والعلاقات العامة والعلاقات مع الصحافة أصبحت أسلوبًا أساسيًا في إستراتيجيات التأثير والسيطرة في المجال السياسي وفي المجال العمومي. وقد استبطن الفاعلون السياسيون الجدد والأحزاب والوزارات والمؤسّسات العمومية تدريجيًا مبدأ استبعاد الإكراه كوسيلة للتأثير في المجال العمومي لصالح  أساليب الاستمالة والتأثير الناعم.

وعلى هذا النحو، يتعاظم دور الاتصال (والعلاقات العامة) وتقنياته المختلفة لبناء صورة إيجابية وللحصول على الظهور في مجال الميديا، ومن علامات هذا التحوّل على المستوى المؤسّسي خاصة تعاظم مكانة ما يسمّى "الملحق الصحفي" والمكلف بالاتصال في المؤسسات الحكومية والعمومية بشكل عام في سائر الوزارات والمؤسسات الحكومية، وكذلك النفوذ الذي يتمتع به هذا الصنف الجديد من الفاعلين في الحقل الصحفي منذ 2011.

لماذا يجب أن نهتم بموضوع الإفراط في المصادر المؤسّسية؟ لأنه متّصل بأدوار الصحافة كمصدر من مصادر معرفة التونسيين بواقعه وبالعالم الاجتماعي الذي يعيشون فيه، ولأن دور الصحافة ليس نقل الروايات الرسمية للأحداث فالصحفي ليس ساعي بريد. إذ أن مكانة المصادر المؤسسية أو الروايات الرسمية للأحداث هي مؤشر جيد لعدة مسائل، ويمكن أن تكون مسلكًا لنبحث بفضله عن أجوبة لبعض الأسئلة بالخصوص حول طبيعة علاقة الصحافة بالسلطة وبالمؤسسات المتصلة بها وكذا حول تحولات الصحافة التونسية.  

كيف يمكن إخضاع الصحافة بواسطة المصادر؟

لا شك أن نعوم تشومسكي من أكثر الباحثين الذين اهتموا بتعرية أساليب الدعاية في المجتمعات الديمقراطية، ويندرج كتابه المشترك "صناعة الولاء" مع هارمان في هذا الإطار. ولهذا الكتاب أهمية قصوى لمن يريد أن يفهم العلاقة العضوية بين النظام المؤسساتي السياسي والاقتصادي على وجه الخصوص في مجتمع ما والصحافة وتأثير التحكم في المصادر على ولاء الصحافة للنظام السياسي.

لا ينظر كل من تشومسكي وهارمان للصحافة كسلطة رابعة تراقب السلطات الأخرى بقدر ما يهتمّان بالوسائل التي تستخدمها المؤسّسات لإخضاع الصحافة إلى غاياتها الاتصالية أي تحسين الصورة من جهة أولى وفرض رواية المؤسسات للوقائع وللأحداث.

كتاب "صناعة الولاء" لإدوارد هارمان ونعوم تشومسكي

ويرى شومسكي وهارمان أن التحكم في مصادر الصحافة والصحفيين وإغراقهم بالمعلومات الصادرة عن المؤسسات يمثل آلية من آليات صناعة ولاء الصحافة للنظام السياسي. ويتمثل الرهان في دفع الصحفيين بشكل خفيّ أو صريح إلى الاعتماد فقط على المعلومات التي توفرها المؤسسات عبر مصالح الاتصال أو مصالح الإعلام والاكتفاء بالروايات الرسمية للوقائع والأحداث، أي بمعنى آخر أن يتبنى الصحفيون الرواية الرسمية لتقديمها في شكل قصة إخبارية دون الإشارة أحيانًا إلى المصدر المؤسسي. 

ومن الأسباب الأساسية التي تدفع الصحفيين للاعتماد على المصادر المؤسسية هي التكلفة العالية للتحقيق والاتصال بالمصادر البديلة لأن تكلفة البحث عن مصادر بديلة عن المصادر المؤسسية ذات تكلفة عالية بما أنها تستوجب طاقمًا صحفيًا متنوعًا يتمتع بالوقت الكافي لا توفره المؤسسات الصحفية المنشغلة بإنتاجية الصحفيين على حساب احترام المعايير المهنية.  

لماذا تحتاج المؤسسات وساطة الصحفيين في زمن الميديا الاجتماعية؟

لكن لسائل أن يسأل لماذا تحتاج المؤسسات المختلفة، من رئاسة الجمهورية ورئاسة الحكومة إلى الأحزاب والجمعيات مرورًا بالمؤسّسات الحكومية، إلى الصحفيين وللصحافة في حين أنهم يتمتعون بالإمكانات الاتصالية الهائلة التي توفرها منصات الميديا الاجتماعية وخاصة فيسبوك للاتصال مع المواطنين وتنظيم الدعاية عبر آليات الاتصال الرقمي؟

اقرأ/ي أيضًا: ما هي أخلاقيات الصحفيين التونسيين؟

في الحقيقة ورغم وسائل الاتصال المباشر من مواقع إلكترونية ومنصات الميديا الاجتماعية، تبقى واسطة الصحفي والصحافة مطلوبة لأنه يعطي مصداقية لهذه المضامين الاتصالية ويحوّلها إلى أخبار يقبلها الناس على أنها وقائع موضوعية تعكس الواقع كما هو، إضافة إلى أن الصحافة تتوجه إلى أنواع مختلفة من الناس.

"مصالح الاتصال" مزود رئيسي للمعلومات لفائدة الصحفيين   

هكذا تنامت أشكال جديدة من التأثير في الصحافة والصحفيين والميديا في إطار إستراتيجيات متنوعة. ولعلّ الإستراتيجية الأهم تتمثل في بناء شبكات "صداقات" أو مصالح متبادلة مع الميديا والصحفيين لتزويدهم بالمعلومات "الحصرية" التي تنشر على أنها معلومات تم الحصول عليها من "مصدر مطلع" من هذه الوزارة أو تلك، مما يسمح لمصادر مصالح الاتصال المختلفة من تبليغ معلوماتهم إلى الصحفيين في إطار علاقات زبونية خفية تقوم على المنافع مقابل الولاء.

يرى تشومسكي وهارمان أن التحكم في مصادر الصحافة والصحفيين وإغراقهم بالمعلومات الصادرة عن المؤسسات يمثل آلية من آليات صناعة ولاء الصحافة للنظام السياسي

وبالنظر إلى القدرات المحدودة للصحفيين على النزول إلى الميدان والموارد المحدودة المتاحة لديهم لتطوير صحافة ميدانية وأشكالها المختلفة من ريبورتاج وتحقيق وصحافة استقصائية وبالنظر كذلك إلى محدودية الموارد المتاحة أيضًا للتحقيق من المعلومات ومعالجتها، تتحول مصالح الاتصال إلى مزود رئيسي للصحفيين بالمعلومات عبر البلاغات الصحفية والمعلومات الحصرية المسربة بشكل ذكي والتي عادة ما تنشر كما هي.  

منظومة مركّبة من "العلاقات مع الصحافة"

إن المتأمل في نشرات الأخبار التلفزيونية والإذاعية على وجه الخصوص أو في التغطيات الصحفية والمعالجة الإخبارية اليومية يلاحظ هيمنة المصادر المؤسسية التي يستخدمها الصحفيون في عملهم اليومي للحصول على المعلومات. إذ تقوم هذه النشرات أساسًا على  تغطية الأنشطة التي تنظمها المؤسّسات على غرار الندوات الصحفية والمؤتمرات العلمية والملتقيات والندوات المحلية والوطنية.

ويوجد، في كل الأحوال، نموذج روتيني لتغطية الندوات الصحفية يتمثل عادة في نقل وقائع الجلسة الافتتاحية والكلمات الرسمية للمسؤولين الكبار التي تتحول إلى الموضوع الرئيس بديلًا عن وقائع الندوة. ويلتقط الصحفيون كلمات المسؤولين الكبار ثم يغادرون، وتصبح الندوة ذاتها فرصة اتصالية لا تعوض يظهر فيها المسؤولون أو المنظمون في نشرات الأخبار أو في المواقع وهم يتحدثون إلى جمهور الصحفيين.

إن المتأمل في نشرات الأخبار التلفزيونية والإذاعية يلاحظ هيمنة المصادر المؤسسية التي يستخدمها الصحفيون في عملهم اليومي للحصول على المعلومات.

وفي النشرات الإخبارية أيضًا، تهتم الصحافة بالأنشطة الرسمية للفاعلين السياسيين من رئيس الدولة ورئيس الحكومة والوزراء والهيئات العمومية وأنشطة الفاعلين السياسيين بمختلف مشاربهم وكذلك الجمعيات، فتصبح نشرة الأخبار مرآة عاكسة للمجتمع السياسي ولعالم المؤسسات بشكل عام.  

وإضافة إلى الندوات الصحفية والمؤتمرات والملتقيات، تستخدم الصحافة بشكل مستمر البلاغات الصحفية التي تصدرها المؤسسات (وزارات، الحكومة، الأحزاب السياسية، جمعيات إلخ)  فتنشرها كما هي دون إضافة أو نقصان أحيانًا أو تضيف إليها نادرًا ما يسمّى خلفية للقارئ حتى يفهم دلالات البيان الصحفي.

وتعتمد كذلك الصحافة "التدوينات" الصادرة في الصفحات الرسمية للشخصيات السياسية والأحزاب في منصات الميديا الاجتماعية وخاصة فيسبوك التي يستخدمها الصحفيون خاصة في الصحافة الإلكترونية لتحويلها إلى أخبار لتوفير مادة إخبارية متواصلة على مدار الساعة تقريبًا  لتغذية المواقع الإلكترونية وصفحاتها على فيسبوك.

كثيرًا ما يتحول الصحفيون في السفرات الصحفية، عن إدراك أو جهل، إلى ملحق صحفي ثان يغطي أنشطة المسؤولين بشكل يكاد يكون ترويجيًا

اقرأ/ي أيضًا: هل للصحافة الاستقصائية مستقبل في تونس؟

ومن الإستراتيجيات الأخرى المستخدمة منذ عقود والتي استمرت بعد الثورة هي السفرات الصحفية عندما يصطحب المسؤولون السياسيون الكبار أو الفرق الرياضية الصحفيين في سفراتهم إلى الخارج الرسمية. وكثيرًا ما يتحول هؤلاء الصحفيين، عن إدراك أو جهل، إلى ملحق صحفي ثان يغطي أنشطة هؤلاء المسؤولين الكبار بشكل يكاد يكون ترويجيًا.

وإضافة إلى كل هذه الوسائل المستخدمة لتغذية الصحافة بالمعلومات عبر الندوات والمؤتمرات والملتقيات والبلاغات أو البيانات والتدوينات والسفران، نجد أيضًا اللقاءات الصحفية التي دأب العديد من المسؤولين السياسيين والحكوميين على تنظيمها لتبادل وجهات النظر في قضايا الساعة مع بعض "الصحفيين اللامعين" وخاصة منهم الذين يعملون كـ"معلّق صحفي" (كرونيكور) في البرامج التلفزية أو الإذاعية للاستماع إليهم، ولكن أيضًا لتبليغهم رؤية السياسيين للوقائع والأحداث والقضايا الكبرى.  

ما تفسير الإفراط في استخدام المصادر الرسمية؟

توجد عدة تفسيرات للاستخدام المفرط للمصادر المؤسسية في الصحافة المؤسسية لعل أهمها التأثير الخفي للموروث الصحفي الذي تشكل منذ أكثر من خمسين سنة. فالصحافة كانت دائمًا، حتى انهيار النظام السباق، جزءًا من منظومة السلطة المتعددة الآليات.

لقد كانت الصحافة تعرّف على أنها وسيلة من وسائل التبليغ ونقل المعلومات من مؤسسات السلطة المختلفة نحو الجمهور لإخباره بأنشطة المؤسسات المختلفة وفق تراتبية مخصوصة:  أخبار الرئيس ثم أخبار الوزير الأول ثم الوزراء وصولًا إلى من هم أقل مكانة في السلطة.

ويمكن القول إن هذه النظرة إلى الصحافة باعتبارها تبليغًا وإخبارًا أو حلقة وصل بين السلطة أو الدولة والشعب لا تزال راسخة في مخيال الصحفيين التونسيين، فما نراه في نشرات الأخبار التلفزيونية هو تجسيد لهذا التصور للصحافة باعتبارها إخبار المواطنين بما يحصل في دواليب الدولة. 

سياق مهني.. حينما يكون الصحفي أسيرًا للمكتب

يمكن أيضًا أن نفسر هذا الاعتماد المفرط على المصادر المؤسسية بالسياق المهني الذي يشتغل فيه الصحفيون، فالصحافة مهنة تحتاج إلى شروط متعددة لتمارس بشكل جيد وحتى لا يظل الصحفي مجرد ناقل للمعلومات التي تنتجها مصالح الاتصال في مختلف المؤسسات، وحتى لا تصبح الصحافة نشاطًا تسجيليًا لأنشطة المؤسسات بأنواعها المختلفة، وأسيرة المصادر الجاهزة والمواد الاتصالية الصادرة من المؤسسات.

إن جزءًا كبيرًا من المضامين الصحفية ينتجها صحفيون شبان أجورهم متدنية لا يغادرون مكاتبهم ويعملون تحت ضغط الإنتاجية لكتابة أكثر عدد ممكن من الأخبار لنشرها في الموقع وعلى صفحة فيسبوك لجلب أكبر عدد ممكن من الزوار إلى الموقع أو من التفاعلات. وعليه، فلا غرابة إذًا أن نرى الصحافة تتحول إلى عملية إعادة نشر ما تنتجه المؤسسات بأصنافها المختلفة.

إن جزءًا كبيرًا من المضامين الصحفية ينتجها صحفيون شبان أجورهم متدنية لا يغادرون مكاتبهم ويعملون تحت ضغط الإنتاجية لكتابة أكثر عدد ممكن من الأخبار لنشرها في الموقع لجلب أكبر عدد ممكن من الزوار

إن المورد الأساسي الذي يفتقده هؤلاء الصحفيين هو الوقت الضروري لإنتاج مضامين إخبارية تفسيرية أو تحليلية أو ريبورتاجات أو تحقيقات ذات التكلفة العالية لأنها تقتضي أن يخصص الصحفي وقتًا طويلًا للبحث عن المعلومات وللتحقق مما تصدره مصالح الاتصال والعلاقات مع الصحافة.   

ولأن الوقت هو عنصر أساسي، فقد وقع تضمينه في الميثاق الأخلاقي الجديد للإتحاد الدولي للصحفيين، وهو موجود أيضًا في الميثاق الأخلاقي لنقابة الصحفيين الفرنسيين. ويؤكد هذا الفصل الجديد أن الصحافة مهنة تحتاج إلى الوقت وإلى موارد، ودون هذا المورد الأساسي الذي يسمح للصحفي بالتحقق في المعلومات ومعالجتها ووضعها في سياقها وترتيبها وإثرائها بمصادر أخرى لأن الصحافة، لا يمكن إلا أن تكفي بوظيفة النقل.

التداخل بين مهنة الصحافة ومهنة الاتصال

 تشير كل المواثيق التحريرية إلى ضرورة التمييز بين الصحافة والاتصال (أو الدعاية أو الإشهار)، بل يعتبر هذا الخلط إساءة عميقة للصحافة. وفي هذا الجانب، يؤكد الميثاق الأخلاقي للإتحاد الدولي للصحفيين على أن الصحافة ليست دعاية أو إشهارًا.

ويمكن تفسير طغيان المصادر الرسمية والمؤسسية والمواد المتصلة بها في الصحافة التونسية بطبيعة العلاقة بين الصحفيين من جهة أولى، والمكلفين بالاتصال والملحقين الصحفيين الذين يتم انتدابهم عادة من الأوساط الصحفية من جهة ثانية. ويقع تشبيك هذا الصنف مع الأوساط الصحفية حتى أن بعضهم يعتبر نفسه صحفيُا وهو يمارس أنشطة اتصالية ذات صبغة دعائية لأحزاب أو لمؤسسات حكومية أو عمومية أو حتى متناقضة تمامًا مع مقتضيات العمل الصحفي.   

ويستفيد الاتصاليون أيما استفادة من علاقة القرابة هذه مع الصحفيين والألفة المهنية التي تجمعهم فتسهل عليهم تغطية أنشطتهم ونشر البلاغات الصحفية وتثمين مكانة مؤسساتهم وقياداتها وتأمين ظهورها الجيد في النشرات الإخبارية الإذاعية والتلفزيونية وفي المواقع الإلكترونية وصفحاتها على فيسبوك، وكذا في الصفحات الأولى للصحف المطبوعة.

من صحافة السلطة إلى صحافة "السيستام"

إن المادة الطاغية في الصحافة التونسية هي مادة خبرية ذات طبيعة تسجيلية تتمثل عادة في نقل التصريحات التي يطلقها السياسيون والأحزاب والمسؤولون الحكوميون، كما تتسم هذه المادة الطاغية بأنها متصلة بأنشطة السياسيين والمؤسسات الحكومية والعمومية.

وفي أحيان كثيرة، فإن تغطية بعينها لحدث ذي أهمية بالغة تقتصر على نقل تصريحات الفاعلين، الذين عندما يتوقفون عن التصريح وعن مد الصحفيين بالمعلومات والمعطيات تتوقف تغطية الخبر. وليس أدل على ذلك من فاجعة وفاة الرضع في مستشفى الرابطة في شهر مارس/آذار الماضي التي تبدو وكأنها سُحبت من أجندة الأحداث ولم تعد تستحق المتابعة الصحفية.

يؤشر طغيان المصادر الرسمية والمؤسسية على أن الصحافة السائدة هي صحافة مرتبطة بالمؤسسات وبالنظام وخادمة لمصالحه الاتصالية 

إن الإفراط في استخدام المعلومات الصادرة عن المصادر المؤسسية يمثّل روتينًا راسخًا في الصحافة التونسية، وهو مؤشّر على أن التحول الذي عرفه الحقل الصحفي بعد الثورة لا يزال محدودًا ولم يشمل أبعادًا جوهرية في الممارسة الصحفية على غرار العلاقة بالمصادر. 

إن طغيان المصادر الرسمية والمؤسسية يمكن أن يؤشر كذلك إلى أمر في غاية الأهمية وهي أن الصحافة السائدة هي صحافة مرتبطة بالمؤسسات وبالنظام وخادمة لمصالحه الاتصالية دون أن تكون قادرة بسبب العوائق الموضوعية التي يواجهها الصحفيون والسياق المهني الذي يعملون فيه إلى أن الانتقال من وظيفة التبليغ والنقل هذه إلى وظيفة الرقابة. 

 

اقرأ/ي أيضًا:

كيف تطور تعامل الأمن مع الصحفيين خلال تغطية العمليات الإرهابية؟

المفارقة التونسية: هل الصحفيون التونسيون أحرار حقًا؟