06-يونيو-2018

علاقة متوترة بين الشاهد وبراهم منذ تعيينه وزيرًا للداخلية (أ.ف.ب)

لم يكن قرار رئيس الحكومة يوسف الشاهد بإقالة وزير الداخلية لطفي براهم بالقرار المفاجئ نظرًا للعلاقة المتوترة بين الرجلين منذ تكليف براهم بحقيبة الداخلية إثر التحوير الوزاري الأخير في شهر سبتمبر/أيلول 2017، وذلك وصولًا لمعركة كسر العظام، التي باتت معلنة، بين الشاهد والمدير التنفيذي لحركة نداء تونس حافظ قايد السبسي والتي لم يكن براهم خفيًا عنها.

إذ أن الصراع بين الشاهد والسبسي الابن الذي عرف تطورات دراماتيكية في الفترة الأخيرة ليس وليد التجاذبات حول تغيير رئيس الحكومة من عدمه ضمن مشاورات وثيقة قرطاج 2، بقدر ما هو نتاج تراكمات وحسابات مصالح ونفوذ، ظهر براهم إحدى عناوينها حينما دفع نداء تونس، وبدعم من رئيس الجمهورية، نحو تعيينه وزيرًا للداخلية بدل الهادي المجدوب الذي ظل الشاهد متمسكًا به قبل الخضوع بتغييره ببراهم الذي كان اسمًا مثيرًا للجدل داخل المؤسسة الأمنية وفي ظل الحديث عن علاقته برجل الأعمال كمال اللطيف، وهي تخوّفات رفعها الصيف الفارط عضو مجلس نواب الشعب عماد الدايمي.

يظهر وزير الداخلية المُقال لطفي براهم كأحد عناوين الصراع بين يوسف الشاهد وحافظ قايد السبسي الذي دفع نحو تعيين براهم في الحكومة

كانت البداية بذلك بين الشاهد ووزيره الجديد ليست على ما يُرام، إذ ظهر براهم كوزير "مفروض" على رئيس الحكومة. ولم تخلف بعض التسريبات الظن في الأشهر اللاحقة حول وجود خلافات جدية بين الرجلين في مسألة التعيينات وسط حديث عن رفض الشاهد تعيينات اقترحها براهم باعتبار أن التسميات في القيادات العليا في الداخلية تتم بأوامر حكومية، وقد بلغت هذه المعركة أوجها بتعيين الشاهد في مارس/آذار 2018 لمديرين عامين جديدين لجهازي الأمن الوطني والأمن العمومي، نقلت وقتها مصادر إعلامية مختلفة أن براهم عارضها.

اقرأ/ي أيضًا: 5 سيناريوهات لمصير يوسف الشاهد

في خضم ذلك، كان الشاهد يتوجّس كثيرًا من وزرائه الذين تسطع أسماؤهم ضمن المقترحات وتسريبات الجلسات الخاصة لرئيس الحكومة القادم، وهو يعلم أن حزبه نداء تونس يبحث منذ أشهر طويلة عن إبعاده من القصبة. وفي أجواء هذا التوجس، برز اسم لطفي براهم الذي عملت صفحات على مواقع التواصل الاجتماعي على الإشادة بـ"بطولاته" في محاربة الإرهاب فيما بدت حملة دعائية منظّمة. وعلى الأرجح بلغ التوجس أشدّه مع زيارة براهم للمملكة العربية السعودية في شهر مارس/آذار الماضي واستقباله من قبل ملكها وولي عهدها بل وتخصيص طائرة ملكية له، وذلك وسط تأكيدات بأنه لم ينسق مع رئيس الحكومة لهذه الزيارة.

وقد اعتبر فاعلون سياسيون من المعارضة أن الرياض تسعى لتلعب دورًا عبر براهم، بل تحدثت مواقع عربية عن مخططات للانقلاب في تونس، وقد خيّم هذا الجدل وقتها على جلسة استماع لوزير الداخلية في البرلمان حاول خلالها الوزير التنصل من أي خلاف مع رئيس الحكومة.

في الأثناء، حينما تحولت في الأسابيع الأخيرة المعركة بين الشاهد والسبسي الابن إلى معركة مفتوحة، وخاصة حينما لم يتردد رئيس الحكومة إلى اتهام نجل الرئيس بتدمير حزب نداء تونس وبأن الارتدادات بلغت مفاصل الدولة، لم يكن براهم بعيدًا عن الصورة. فبقرار الشاهد تصعيد سقف المعركة في الأيام الأخيرة، يكون وزير الداخلية هدفًا مباشرًا خاصة وقد ظهر كحمل ثقيل يجب التخلص منه بالنسبة للشاهد الذي يعوّل على ممارسة صلاحياته والظهور في صورة القوي في مواجهة محاولات إبعاده من رئاسة الحكومة.

يُستبعد أن يقرّر الشاهد إعفاء لطفي براهم دون تزكية أو على الأقل إعلام رئيس الجمهورية

وقد تحدث الشاهد سابقًا عن عزمه إجراء تعديل حكومي يعمل على القيام به ضمن تنفيذ مخرجات وثيقة قرطاج 2، ولكنه بادر، في خطوة بدت جريئة رغم عدم فجئيتها في الآن ذاته، بإقالة براهم في عملية يُستبعد أن تتم دون تزكية أو على الأقل إعلام رئيس الجمهورية، وكان قد التقى رئيس الحكومة السبسي فعلًا في قرطاج ساعات قليلة قبل إعلان قرار الإعفاء.

وجاء هذا الإعفاء بعد تسريبات إعلامية بأن الشاهد منح وزير الداخلية 48 سنة لإلقاء القبض على وزير الداخلية الأسبق ناجم الغرسلي المطلوب لدى القضاء العسكري في قضية التآمر على أمن الدولة. وكان قد برّر براهم في تصريحات مؤخرًا الفشل في القاء القبض على الغرسلي بأن الأجهزة الأمنية تحولّت بموجب بطاقة الجلب لمقر سكنى المعني بالأمر سواء بالعاصمة أو في القصرين ولكن لم يجدونه متحدثًا عن ضرورة وجود بطاقة تفتيش، والحال أن هذه البطاقة تصدرها الداخلية لوحداتها الأمنية بمختلف مناطق الجمهورية، وبالتالي فرضية تقصيره أو التواطئ في منحى آخر ثابتة.

اقرأ/ي أيضًا: سياسيون يتفاعلون مع خطاب الشاهد ويتحدّثون عن السيناريوهات المحتملة

كما مثلت فاجعة قرقنة، بالنسبة للشاهد، فرصة أخرى لشرعنة قرار الإعفاء خاصة مع فتح بحث تحقيقي حول وجود تواطئ أمني مع شبكات الهجرة غير النظامية. وكان تحول الشاهد إلى قرقنة مصحوبًا بوزير الدفاع وفي غياب وزير الداخلية الذي تحوله بمفرده بعد يوم من الفاجعة إلى قرقنة ليعلن في وقت لاحق إعفاء 10 مسؤوليين أمنيين في ولاية صفاقس.

وجد الشاهد بذلك الأرضية المناسبة لإعفاء غريمه براهم وكلف وزير العدل غازي الجريبي كوزير داخلية بالنيابة، وهي سابقة في تاريخ البلاد بتعيين وزير داخلية مؤقت، إذ جرت العادة أن يقع تعيين وزير الداخلية الجديد بالتوازي مع إعفاء الوزير المغادر سواء كان ذلك في تعديل وزاري عامّ أو تعديل يهم الوزارة فقط.

توجد عديد الدوافع بالنسبة للشاهد لإبعاد براهم على النحو السابق عرضه، ولكن يبدو أن الدافع المباشر تعلق بمسألة عدم قيام الوزير بالقاء القبض على الغرسلي خلال المدة الممنوحة من رئاسة الحكومة، فيما بدا تحديًا واستهتارًا من براهم وهو الأمني الذي تستفزه الأوامر "الفوقية" بل وهو الذي يعرف أنه مدعوم شبكات داخل السلطة. يأتي هذا الاستهتار في الوقت الذي يعمل فيه الشاهد على تعزيز سطوته كرئيس حكومة وبناء صورة الرجل القوي الذي يقود حربًا ضد الفساد، والذي ينفذ "إصلاحات كبرى" والذي يرفض قطعًا "عصيان" أحد وزرائه.

إعفاء براهم وتعيين وزير العدل غازي الجريبي كوزير داخلية بالنيابة هي سابقة في تاريخ تونس بتعيين وزير مؤقت لهذا المنصب الحساس الذي يريد الشاهد أن يفتح من خلاله باب المفاوضات حول التعديل الحكومي القادم

إضافة لذلك، تمثل الإقالة في جانب منها ورقة يدفع بها الشاهد في خضم أزمة وثيقة قرطاج 2 التي لازالت "معلّقة". إذ يعتبر العديد هذه الإقالة تحمل ودًا لحركة النهضة التي لا تخفي كواليسها امتعاضها من براهم، ولكن يبدو أن الشاهد يسعى بهذه الإقالة بالأساس لفتح مساحة فراغ في حكومته لتصبح المفاوضات القادمة حول هوية وزير الداخلية القادم وحول معركة الحفاظ على وزراء وإبعاد آخرين في إطار وثيقة قرطاج، وذلك بعيدًا عن رأسه. بل ربما يعلن الشاهد من الآن أنه لن يكون مجرد "شاهد" في أي تعديل حكومي قادم. في الأثناء يبدو أنه يفوز حتى الآن بالنقاط على حساب السبسي الابن الذي وجد نفسه في ورطة يبحث عن الخروج منها بـ"أخف الأضرار".

 

اقرأ/ي أيضًا:

في حوار لصحيفة بريطانية: السبسي الإبن يتحدث عن نتائج الانتخابات وحزبه والنهضة

ماهو موقف مختلف الكتل البرلمانية من وثيقة قرطاج وبقاء الشاهد؟