الخدمات الطبية في تونس.. هل تعالج الرقمنة فجوة الرعاية في الجهات؟
25 سبتمبر 2025
بدأت تونس رسميًا اعتماد خدمات الطب عن بعد، مع افتتاح مستشفيات وعيادات افتراضية في نحو سبع ولايات داخلية تعاني من تدهور الخدمات الصحية ونقص أطباء الاختصاص وطول مواعيد الانتظار.
وفي أواخر أوت/أغسطس الفائت، دشنت وزارة الصحة أول مستشفى افتراضي للتصوير الطبي عن بعد بالمستشفى الجهوي بطبرقة، قبل أن يتم توسيع التجربة بداية سبتمبر/أيلول 2025، لتشمل سبع ولايات من بينها سليانة ومدنين وصفاقس، في تجربة هي الأولى من نوعها.
ووفق الوزارة، فإنّ هذا التوسع يشمل توفير عيادات عن بعد في اختصاصات مختلفة مثل السكري والغدد وأمراض المفاصل والعظام والأمراض الجلدية وطب التغذية، على أن يتم تعميم التجربة في كامل البلاد.
سيف الدين بوكريبة (منسق وطني بالمستشفى الافتراضي) لـ"الترا تونس": التوجه نحو رقمنة الخدمات الصحية جاء على خلفية نقص أطباء الاختصاص في الجهات والمستشفيات الداخلية وصعوبة تنقل المرضى
ويهدف هذا التوجه، وفق مختصين، إلى تقريب الخدمات الصحية من المواطنين، وتخفيف مشقة التنقل وساعات الانتظار، فضلاً عن تسريع التشخيص الطبي ودعم الكوادر الصحية المحلية عبر تقنيات الطب عن بُعد والذكاء الاصطناعي.
الطب الرقمي في تونس.. كيف بدأ؟
يقول المنسق الوطني للتصوير الطبي البعادي بالمستشفى الافتراضي، الدكتور سيف الدين بوكريبة، في حديثه مع "الترا تونس"، إنّ التوجه نحو رقمنة الخدمات الصحية جاء على خلفية نقص أطباء الاختصاص في الجهات والمستشفيات الداخلية وصعوبة تنقل المرضى نحو مستشفيات العاصمة أو المستشفيات التي تبعد عن مقرات سكنهم لمسافات طويلة.
ووفق بوكريبة، فإنّ الوزارة قامت بإدخال عدد من المستشفيات والعيادات في منظومة الخدمات الطبية الرقمية عبر تجهيزها بما تحتاجه من تجهيزات وأطباء اختصاص، مع التركيز بدايةً على التشخيص والتصوير الطبي بجميع أصنافه.

ويضيف الطبيب التونسي، أنّ الوزارة قد بدأت في التجهيز لهذا التوجه منذ نحو سبع سنوات، حيث أطلقت تجربة بين مستشفى الرابطة والمستشفى الجهوي بتوزر، تم فيها إجراء أكثر من 30 ألف حالة تصوير مقطعي "سكانار".
اقرأ/ي أيضًا: الصحة العمومية في تونس.. مطالب لتحسين ظروف العمل والخدمات
ومع نجاح التجربة، قام فريق من الأطباء بتجهيز دليل كامل حول طرق وآليات تقديم خدمات التصوير بالأشعة والرنين المغناطيسي وغيرها من خدمات التصوير الطبي، وفق الأخلاقيات الطبية والمحافظة على المعطيات الشخصية للمرضى، وفقه.
وبحسب بوكريبة، فإن نجاح التجربة الأولى شجعهم على التفكير جديًا في تعميم خدمات الطب الرقمي على كامل مستشفيات البلاد وتطويرها تدريجيًا لتشمل كافة الاختصاصات.
الطب الرقمي.. هل يمنح التونسيين حق العلاج؟
ويرى بوكريبة أنّ تونس تعاني من نقص لافت في أطباء اختصاص في الأشعة، ما يعني أنّ رقمنة خدمات التصوير الطبي التشخيصي ستساهم بشكل لافت في تشخيص آلاف الحالات في الولايات الداخلية والجهات عن بعد، وتمكينهم من حقهم في العلاج.
وقامت وزارة الصحة بإنشاء منصة رقمية انخرط فيها أطباء اختصاص في الأشعة والتصوير المغناطيسي، إضافة إلى تجهيز قاعات داخل مقر الوزارة تم ربطها بنحو 5 مستشفيات توجد في مناطق داخلية، تتيح للأطباء المداومين تشخيص المرضى عن بعد.
سيف الدين بوكريبة (منسق وطني بالمستشفى الافتراضي) لـ"الترا تونس": تونس تعاني من نقص لافت في أطباء الأشعة، ما يعني أنّ رقمنة خدمات التصوير الطبي ستساهم في تشخيص آلاف الحالات في الولايات الداخلية عن بعد
ووفق محدث "الترا تونس"، فإن المنصة تعمل على مدار 24 ساعة وتقدم خدمات للحالات الاستعجالية بمعدل 15 مريضًا من المستشفى الافتراضي بطبرقة و25 مريضًا في المستشفيات الأخرى، حسب قوله.
يؤكد الدكتور سيف الدين بوكريبة، أنّ الرقمنة الطبية ستساعد المرضى في مختلف جهات البلاد على الوصول للخدمات الطبية بشكل سريع وجيّد دون تكبد عناء التنقل لمسافات طويلة والتمتع بتشخيص طبي ذو جودة عالية.

وأكد أنه أصبح بإمكان المريض في عديد الولايات مثل جندوبة التوجه إلى أقرب مستشفى للتمتع بجميع خدمات التصوير الطبي ثم يطلع عليها الطبيب المختص عند بعد ويشخص وضعية المريض بدون الحاجة لطوابير طويلة أو مواعيد بعيدة الأجل.
وأشار إلى أنّ رقمنة الخدمات الطبية حلّ ناجع لمعالجة فجوة الرعاية الطبية خصوصًا في الجهات، مشيرًا إلى أنه يأمل أن يتم تعميم خدمة الطب الرقمي على كامل مستشفيات البلاد بحلول عام 2026، لتمكين المرضى من حقهم في العلاج بشكل سريع.
وجيه ذكار: الرقمنة وحدها لا تكفي
يدعم رئيس المنظمة التونسية للأطباء الشبان الدكتور وجيه ذكار، توجه وزارة الصحة التونسية لرقمنة الخدمات الطبية في المستشفيات العمومية، لكنه يرى أن ما تم إنجازه في الوقت الحالي لا يكفي لمعالجة فجوة الرعاية في المناطق الداخلية خصوصًا.
ويرى ذكار في حديثه مع "الترا تونس"، أنّ الرقمنة قد تساعد على مكافحة الفساد وترشيد استهلاك الأدوية في المستشفيات، لكنه يتساءل عن سبب عدم توجه وزارة الصحة لتمكين المرضى من حجز مواعيدهم عن بعد لحفظ كرامتهم.
اقرأ/ي أيضًا: طب الشيخوخة في تونس.. اعتراف مؤسساتي محدود ورحلات علاج مضنية
يواصل الطبيب التونسي الشاب حديثه مفسرًا، ليقول: "أنا أعمل حاليًا في مستشفى بنزرت وألاحظ يوميًا كيف يبدأ المرضى في التوافد إلى المستشفى منذ الرابعة فجرًا ينتظرون فتح العيادات الخارجية للتسجيل عند الساعة السابعة صباحًا وبعد ذلك تبدأ رحلة جديدة من الانتظار لمقابلة الطبيب".
وجيه ذكار (رئيس منظمة الأطباء الشبان) لـ"الترا تونس": الرقمنة قد تساعد على مكافحة الفساد وترشيد استهلاك الأدوية في المستشفيات، وما تم إنجازه حاليًا لا يكفي لمعالجة فجوة الرعاية في المناطق الداخلية خصوصًا
وأكد ذكار أن المريض يخوض رحلة شاقة للوصول إلى المستشفى تستمر لساعات طويلة، وذلك لمقابلة الطبيب لفترة زمنية لا تتعدى العشر دقائق، خصوصًا سكان المناطق الداخلية والأرياف الذين يضطرون للتنقل إلى المدن الساحلية وتونس العاصمة طلبًا لحقهم في العلاج.
ويشير ذكار إلى أنه من الممكن اختصار هذه الرحلة الشاقة على المريض من خلال إنشاء مواقع متطورة تسمح للمرضى بحجز مواعيدهم عن بعد، كي لا تُنتهك كرامتهم بينما ينتظرون دورهم لمقابلة الطبيب.
وأكد أنه يجب العمل على تطوير الخدمات الرقمية كي تكون قادرة فعلاً على تقليص مدة الانتظار بالنسبة للمريض ومعالجة رداءة الخدمات الطبية وفتح الطريق لتحقيق صحة شعبية تحفظ كرامة المواطن والعاملين في قطاع الصحة على حدّ سواء.
في ذات السياق، أكد الدكتور وجيه ذكار في حديثه مع "الترا تونس"، أنّ نسبة الرضا عن وضعية الخدمات الصحية العمومية منخفضة جدًا، مؤكدًا إلى أن كل المستشفيات حتى تلك التي تقع على بعد أمتار من مقر وزارة الصحة تعاني من نقص في الأدوية والأطباء، وغيرها من النقائص الأخرى.
نحو الترفيع في ميزانية وزارة الصحة
لكن الطبيب الشاب أشار إلى أنهم لاحظوا خلال السنتين الأخيرتين ديناميكية جديدة تهدف إلى تحسين الخدمات الطبية في القطاع العمومي، من ذلك مثلًا الشروع في العمل على تطبيقتين: تتيح الأولى للأطباء التبليغ عن النقائص وحالات الفساد في مختلف المستشفيات التونسية، فيما تسهّل الثانية الإجراءات الإدارية المقدمة للأطباء.
وأكد أيضًا توجه وزارة الصحة إلى تدعيم قطاع الصحة العمومي بالعنصر البشري من خلال فتح انتداب 3500 خطة وظيفية سنة 2024 و5500 خطة سنة 2025، عكس السنوات الفائتة التي كان فيها الانتداب ضعيفًا وإن وُجد فهو بعقود هشة.
اقرأ/ي أيضًا: مرصد: سياسات تقشفية أثرت سلبًا على إتاحة الحق في الصحة لجميع التونسيين
وقال ذكار إن وزير الصحة الأسبق فوزي المهدي أعلن سنة 2020 عن نقص بـ20 ألف عنصر من إطار طبي وشبه طبي في المستشفيات العمومية التونسية، وهو ما ساهم في تردي الخدمات الصحية المقدمة للمواطنين بشكل لافت.
وجيه ذكار (رئيس منظمة الأطباء الشبان) لـ"الترا تونس": يجب العمل على تطوير الخدمات الرقمية كي تكون قادرة فعلاً على تقليص مدة الانتظار بالنسبة للمريض ومعالجة رداءة الخدمات الطبية
في ذات السياق، كشف ذكار عن التوجه للترفيع من ميزانية وزارة الصحة لسنة 2026 والتخلي تدريجيًا عن سياسة التقشف التي أضرت بالقطاع، مؤكدًا أن عودة الدولة للإنفاق على القطاعات الحيوية بما فيها الصحة سيساهم في تعافي المستشفى العمومي أولاً، وفي نجاح رقمة الخدمات الطبية في تقديم علاج ناجع وإنساني للتونسيين، وفقه.

وتعاني تونس من نقص حاد في أطباء الاختصاص، لا سيما في المستشفيات العمومية، خصوصًا في المناطق الداخلية، الأمر الذي يجبر آلاف المرضى على التنقّل إلى المدن الكبرى طلبًا للتشخيص الطبي، وهو ما يكلفهم وقتًا طويلاً وانتظارًا مُرهقًا.
وكشف المرصد التونسي للاقتصاد في مذكرة تحليلية نشرها في شهر جويلية/يوليو الفائت، أنّ المنظومة الصحية العمومية في تونس تعيش منذ سنوات على وقع أزمة، بسبب سياسات التقشف، ما يدفع العديد من المتخرجين إلى الهجرة.
وأكد المرصد، أن "السياسات الصحية التقشفية والظرفية أثرت سلبًا على إتاحة الحق في الصحة للجميع"، كما أن "مستوى نفقات الصحة من الميزانية العامة للدولة، بعيد عن تحقيق أهداف التزام "أبوجا" من أجل تعزيز النظام الصحي.
وفي سنة 2024، غادر أكثر من 1450 طبيبًا تونسيًا إلى الخارج، معظمهم من الأطباء الشبان الذين اختاروا الهجرة بحثًا عن ظروف عمل وحياة أفضل، وذلك وفق إحصائية أولية صادرة عن عمادة الأطباء.

الكلمات المفتاحية

العمل المستقل في تونس.. حرية مهنية تواجه هشاشة قانونية وإدارية
شهدت السنوات الأخيرة في تونس توسعًا ملحوظًا في ظاهرة العمل المستقل أو ما يُعرف بـ"العمل الحر" (Freelance)، حيث اختار العديد من الشباب هذا النمط من الشغل بحثًا عن حرية مهنية واستقلال مادي خارج أطر الوظيفة التقليدية، إلا أن هذا التوجّه المستجد يثير إشكالات متعددة تتعلق بوضعية هؤلاء داخل المنظومة القانونية والإدارية والاجتماعية الوطنية

سرديات تُضيء مهنة النادل في تونس
في آلاف المقاهي المنتشرة على طول البلاد التونسية، هناك شريحة مهنية لا يُستهان بها تضم آلاف الندل.. ثمة شخصيات وهبتها الحياة ما لم توهبها المدارس، استثنائية وألمعية بحضورها الطاغي أثناء أدائها لعملها

الكفيف في تونس.. مسيرة مضنية بين عزلة رقمية وفجوة معرفية
"الترا تونس" نقل من خلال التقرير التالي تجارب تلاميذ وطلبة من ذوي الإعاقة البصرية في مسيرة التحصيل الدراسي

تونس توقّع اتفاق تمويل مع البنك الدولي بـ430 مليون دولار لدعم التحول الطاقي
البنك الدولي: يساعد المشروع على خفض تكاليف إمدادات الكهرباء بنسبة 23%، وتحسين نسبة استرداد تكاليف الشركة التونسية للكهرباء والغاز من 60 إلى 80%

أيام قرطاج المسرحية 2025.. يحيى الفخراني والفاضل الجعايبي في الافتتاح
تتضمن برمجة هذه الدورة من أيام قرطاج المسرحية، 12 عرضًا ضمن المسابقة الرسمية، و15 عرضًا في قسم "مسرح العالم"، و16 عرضًا تونسيًا، و6 عروض عربية وإفريقية

تعرّف على نصاب زكاة الزيتون والتمر في تونس للعام الهجري 1447
أعلن ديوان الإفتاء في تونس، يوم الخميس 13 نوفمبر 2025 عن نصاب زكاة الزيتون والتمر وسائر الثمار للموسم الفلاحي الحالي 1447هـ ـ 2025 م، وذلك مواكبة لانطلاق موسم جني الثمار، وفق بلاغ له

هيئة المحامين: إنشاء مرصد لمتابعة احترام معايير المحاكمة العادلة في تونس
عقدت الهيئة الوطنية للمحامين بتونس جلسة عامة إخبارية في دار المحامي، يوم الأربعاء 12 نوفمبر 2025 بدعوة من العميد بوبكر بالثابت، أكدت خلالها على ضرورة حضور جميع الجلسات والترافع لضمان حضور المتهمين شخصيًا في قاعات المحاكم، مع رفض المحاكمات عن بعد لما تفتقر إليه من شروط قانونية، وتعد انتهاكاً لمبدأ المحاكمة العادلة عبر حرمان المتهم من الدفاع دون مبرر قانوني

