28-مارس-2019

لا تشبه قرارات القمم العربية أحلام الشعوب في شيء (صورة أرشيفية/ STR/AFP)

 

مقال رأي

 

في ختام القمة العربية التي احتضنتها تونس سنة 2004 لم يحضر عمرو موسى الأمين العام للجامعة العربية في ذلك الوقت لمقر وكالة الاتصال الخارجي حسب ما هو مبرمج وأطل حاتم بن سالم، كاتب الدولة للخارجية التونسية آنذاك ووزير التربية الحالي في حكومة يوسف الشاهد، وأعلن أمام الإعلاميين المتابعين لأشغال القمة أن البيان الختامي سيتم إرجاء الإعلان عنه وذلك دون تقديم تفسيرات واضحة وهو ما اعتبره أغلب المتابعين لشأن قمة تونس حينها أمرًا مخالفًا للأعراف الدبلوماسية والبروتوكولية.

ما حدث في قمة تونس سنة 2004 كان بمثابة التسونامي السياسي الذي بقيت له ارتدادات خطيرة إلى اليوم

اقرأ/ي أيضًا: هشام جعيّط وآخرون يتحدثون.. ماذا ننتظر من قمة تونس؟

لكن الحقيقة اتضحت فيما بعد، فالإرباك الذي حصل كان سببه انتظار القمة العربية ردّ الولايات المتحدة الأمريكية بخصوص مبادرة المملكة العربية السعودية التي عرضت على إسرائيل والتي ملخّصها الأرض مقابل السلام. هذه المبادرة التي تبناها أغلب القادة العرب وقوبلت في النهاية بالرفض غير المعلن والتمويه السياسي المرئي واللامرئي، بل بالعكس قوبل هذا المقترح العربي بمزيد جموح الكيان الإسرائيلي على الأرض الفلسطينية وبقية الأراضي العربية اللبنانية والسورية المحتلّة.

هذه الحادثة وما حفّ بها تُعتبر مفصلية في تاريخ القمم العربية المتتالية. فقد أزالت آخر خيطين، الثقة وآخر الأوهام التي يدّعيها الساسة العرب أمام شعوبهم، وأساسًا هي أوهام الوحدة والقوة المشتركة والتأثير في القرار الدولي. فمنذ تلك اللحظة ازداد يقين تلك الشعوب بأن لا جدوى من هذه القمم الدنكيشوتية، وراحت تبحث لها عن مساحات أخرى للتلاقى العربي على غرار الرياضة والثقافة والعمل الجمعياتي.

كما كانت يقينًا أخيرًا بالنسبة لإسرائيل بأن العرب ليس لديهم ما يقدّموا أكثر ممّا قدّموا، فنسفوا عملية السلام بكل جرأة وصلف  وتمت المماطلة في الذهاب إلى الحل النهائي ورسم الحدود بين دولة فلسطينية ودولة إسرائيلية مثلما تنصّ عليه اتفاقيات أوسلو.

ما حدث في قمة تونس سنة 2004 كان بمثابة التسونامي السياسي الذي بقيت له ارتدادات خطيرة إلى اليوم وتتمثل أساسًا في مزيد بناء المستوطنات على الأراضي الفلسطينية والمزيد من الحواجز الأمنية في الضفة، وقصف القطاع "صباحًا مساء وقبل الصباح وبعد المساء ويوم الأحد"، واعتبار القدس عاصمة أبدية لإسرائيل ونقل السفارة الأمريكية للقدس الغربية. أما آخر ما تم فهو دعوة الرئيس الامريكي دونالد ترامب لبسط السيادة الإسرائيلية على منطقة الجولان السوري المحتل منذ سنة 1967.

إن عدد القرارات الصادرة عن القمم العربية منذ التأسيس سنة 1945 إلى اليوم يتجاوز 250 قرارًا لكنها قرارات لا تشبه أحلام الشعوب في شيء

اقرأ/ي أيضًا: المرزوقي: القمة العربية هي ناد لرؤساء النظام القديم

إن القمم العربية التي تلت 2004 بما فيها قمّة 2019 التونسية وهي الأولى بعد الثورة ظلت قممًا سياسية، تعالج القضايا العربية المشتركة باللّين حينًا وبالتّورية أحيانًا أخرى. وتغلّب الوجه السياسي الذي يخدم بالأساس الأنظمة القائمة بما يأمن ديمومتها وتأبيدها في حكم شعوبها ضمن إطار دقيق من تعقيدات لا متناهية لمصالح وتحالفات داخلية وخارجية إقليمية ودولية.

وبالنظر لكرونولوجيا القرارات المتخذة عبر أغلب القمم باستثناء قمة الخرطوم ولاءاتها الثلاث الشهيرة وقمة بغداد سنة 1978 التي اتخذت قرار نقل مقر الجامعة العربية من القاهرة إلى العاصمة تونس على إثر توقيع مصر لمعاهدة السلام مع إسرائيل المعروفة "بمعاهدة كامب دايفد"، وقرار تأسيس منظمة التحرير الفلسطينية لتكون مظلة لكل الفلسطينيين بمختلف حساسياتهم، ظلت هذه القرارات حبرًا على ورق ولا ترقى لهواجس الشعوب التي تظهر أحيانًا شجاعة نادرة في التعاطي مع بعض الملفات مثل مساندتها للعراق إبان الغزو الأمريكي أو تعاطفها العفوي مع المقاومة الفلسطينية واللبنانية. فنجدها تخرج في مسيرات حاشدة وتلقائية وبعيدة كل البعد عن مواقف الأنظمة  كلما مسّ سوء مادي أو أدبي سيادتها وعاطفتها وذاكرتها المشتركة.

إن عدد القرارات الصادرة عن القمم العربية منذ التأسيس سنة 1945 إلى اليوم يتجاوز 250 قرارًا لكنها قرارات لا تشبه أحلام الشعوب في شيء. إنها تمرّ حذو الحياة العربية بصخبها ومشاغلها وأنينها وأهازيجها، وهو ما يجعل الأجيال العربية الجديدة في حيرة وتساؤل دائم عمّا فعله وأقدم عليه الآباء الذين قادوا أنظمة الشعوب العربية لعقود طويلة.

لقد حان الوقت أن تتوقف جامعة الدول العربية عن هذه القمم الملهاة وأن تنعقد مستقبلًا ضمن أطر أكثر ديمقراطية وأقرب إلى الهواجس والواقع العربي المشترك

منذ زمن وإلى اليوم والنخب العربية بمختلف أنواعها وحساسياتها تطالب وتقترح إعادة ترتيب الأولويات والبحث عن أشكال أخرى لإدارة الشأن العربي وقضاياه الشائكة والأخطار المحدقة به يوميًا. وهي تجتمع على جملة من المبادئ والأفكار منها أن القضايا العربية الحقيقية ليست في الجيش العربي الواحد أو الهاجس الأمني المشترك والولاءات المهينة لدول عظمى والجدل الواسع والطويل حول الحضور السوري أو السوداني وعدم طرح ملف دولة جمهورية القمر أو الملف اليمني أو طرح الصراع الخليجي الإيراني بطريقة خاطئة أو غيره من القضايا التي عادة ما تملأ جداول أعمال القمم، من أجل إرضاءات ضيقة وأحيانا شخصية بين القادة العرب وبطانتهم، وإنما في الذهاب إلى ملفات التنمية والتجارة المشتركة وتفعيل قرار قمة " أغادير" المتعلق ببعث منطقة للتجارة الحرّة  والتفكير بجدية في اتحاد عربي اقتصادي على شاكلة الاتحاد الاوروبي الذي ترك المشاكل والخلافات السياسية جانبًا عند نشأته في ستينيات القرن العشرين وذهب مباشرة إلى المصالح التجارية والصناعية المشتركة وبدرجة ثانية إلى المصالح الثقافية الاوروبية المشتركة.

وأيضًا تقترح النخب العربية وبإلحاح ضرورة طرح القضايا الحضارية المتعلقة بالديمقراطية والمساواة والحريات الفردية والعامة والتقسيم العادل للثروات العربية الطائلة. لقد حان الوقت أن تتوقف جامعة الدول العربية عن هذه القمم الملهاة وأن تنعقد مستقبلًا ضمن أطر أكثر ديمقراطية وأقرب إلى الهواجس والواقع العربي المشترك.

 

اقرأ/ي أيضًا:

حراك الجزائر غير مطروح على طاولة قمة تونس

"هيومن رايتس ووتش" تدعو تونس لمنع دخول عمر البشير أو إيقافه