14-فبراير-2020

الحب المرضي هو الإفراط في التعبير عن شعور الحب ليغدو أداة سلطة وقهر (Getty)

 

"الحب الحقيقي هو أن ترمي لهم بطوق النجاة في لحظه الغرق، وتبني لهم جسر الأمان في لحظات الخوف، وتمنحهم ثوبك في لحظات العري كي تسترهم ثم لا تنتظر المقابل"، هذه الكلمات قيلت لوصف الحبّ الذي يعتبر دعوة للحياة لمن يفقدون شهية الحياة ودعوة للحلم لمن يفقد المعنى الجميل للحلم.

لكن قد يصبح الحب لوهلة آلة تدمير للشخص خاصّة إذا لم يعد يحمل بين طياته تلك المعاني النبيلة والمشاعر المقدّسة التي من المفترض أن يكون وعاءً لها، فالاحتواء يصبح انسلاخًا والغيرة تصبح امتلاكًا والاهتمام يصبح لامبالاة وبعد أن كان العطاء تلقائيًا يصبح منّة وصدقة.

يصبح الحب خطيرًا إذا تحوّل إلى استنزاف تام لأحد طرفي العلاقة وانتهى به إلى حالة حزن شديد أو حتى حالة اكتئاب حاد

يعيش الناس تجارب عاطفيّة مختلفة قد تنتهي بانفصال لا يؤثّر كثيرًا على الطرفين بمواصلتهما حياتهما بشكل طبيعي مع بعض الفقد ومشاعر الاشتياق، لكنّ الأمر يصبح خطيرًا اذا انتهى باستنزاف تام لأحدهما ووصل إلى حالة الحزن الشديد أو الاكتئاب، وحينها لم تكن القصة منذ بدايته علاقة حبّ طبيعيّة بل كانت علاقة مرضيّة.

سال حبر العديد من الأدباء والشعراء والإخصائيين النفسيين حول هذا النوع من العلاقات ومن بينهم المختص في علم النفس الإكلينيكي فرانك تاليس الذي اشتغل على امتداد عقود مع مرضى يعانون حالةً كان يطلق عليها "داء الحب".

اقرأ/ي أيضًا: "طلّقها وعشقها".. عن قصص حب تتوهّج بعد الطلاق (شهادات)

قال في كتابه "الرومانسي الذي لا علاج له: وقصص أخرى عن الجنون والرغبة" (The Incurable Romantic: And Other Tales of Madness and Desire) إن الحب يمكن أن يكون تجربةً قويةً ومُفقِدَة للاتزان فعندما لا تسير علاقة الحب على ما يرام، تبدأ جميع أنواع المشكلات في الحدوث، مثل الوَلَه، والغيرة المرضية، وانكسار القلب، والتعلق غير اللائق، والإدمان مع مضاعفات نفسية جسيمة لتجربة الوقوع في الحب على نحوٍ قاسٍ، وهذا أمر يجب التعامل معه بشكل أكثر جدية.

ويفسّر تاليس أنّ الأمر يتعلق بنقاط ضعف بيولوجية في أدمغتهم أو بماضيهم، ضاربًا مثل الشخص الذي يشعر بحالة من عدم الاستقرار النفسي الشديد لأنه لم يتلقَّ الحب الكافي في طفولته فيكون على الأرجح أكثر عرضة للغيرة المرضية.

من حب شديد إلى اكتئاب حاد

س.م (32 سنة) هي فتاة عانت الحب المرضي على امتداد سنة ونصف منذ لقائها بمن كانت تعتقد أنه نصفها الثاني، تتحدّث عن تجربتها لـ"ألترا تونس" قائلة:" كانت علاقة استثنائية بكل المقاييس في بداياتها، فلم أتوقّع يومًا أن يكون سبب سعادتي في أحد الأيام هو مصدر شقائي اليوم خاصّة أنني كنت أرى فيه رجال العالم وكان خير بلسم لفتاة فقدت أباها منذ نعومة أظافرها".

تعرّفت محدثتنا على أحمد عن طريق فيسبوك في علاقة افتراضيّة تطورت إلى لقاء مباشر فشرارة حب، وأصبحت المحادثات بمختلف وسائل التواصل دائمة طيلة اليوم، وبلغ الأمر أن لا أحد يريد إنهاء المكالمة فلا يقطعان الحديث سوى في ساعات متأخرة من الليل.

س.م (32 سنة): يعرف كلّ تفاصيلي، يرافقني في كل مشاويري، أبعدني عن كلّ أصدقائي فأصبحت لا أعرف سواه رفيقًا

"يعرف كلّ تفاصيلي، يرافقني في كل مشاويري، أبعدني عن كلّ أصدقائي فأصبحت لا أعرف سواه رفيقًا"، هكذا تحدّثت س.م عن حبيبها بكلّ ألم في علاقة دامت ثماني أشهر اعتبرتها من أحسن فترات حياتها.

تواصلت هذه القصة إلى غاية حدوث طارئ لم يكن الكبير في حياة أحمد، لتبدأ حياة س.م بالتغير نحو الأسوء يومًا بعد يوم إذ توقّف حبيبها عن الاهتمام بها وغرقا في سوء تفاهم دائم، وكان غالبًا ما يشعرها أنها السبب في هذا الفتور الحاصل في العلاقة فكانت تفعل ما بوسعها لإعادة مجد العلاقة في فترتها الأولى إلّا أن المسألة تتجاوزها.

اقرأ/ي أيضًا: استراتجيات الرجال لإنهاء العلاقات مع النساء: "تستاهل ما خير؟"

أُنهكت س.م وأصبحت تعيش على وقع صدقة عاطفيّة من أحمد تنتظر كلمة حبّ تستطيع بها ملئ الفراغ العاطفي الذي تحسّ به، تقول: "أنتظر كلّ صباح بشدة رسالته الصباحيّة، فهي التي ستحدّد مسار يومي. غالبًا ما تكون باردة، وأحيانًا ما تكون مؤلمة ونادراً ما تكون دافئة. فهي تعكس مزاجه الذي لا يمكن توقّعه".

عاشت محدّثتنا على هذا الحال شهورًا عديدة إلى أن دخلت حالة اكتئاب حادة حينها قرّرت أن تقطع حبل هذه العلاقة ولكنّ الأمر استوجب الكثير من الوقت وعديد الجلسات العلاجيّة خاصّة أنها فقدت ثقتها بنفسها وفقدت متعتها بالحياة على حدّ تعبيرها.

ماهو الحب المرضي؟

وفي هذا السياق، يرى الباحث في علم الاجتماع معاذ بن نصير أن الحب شعور وغريزة إنسانية نتعايش معها فرديًا أو صلب المجموعة، وهو أداة تواصل مباشرة روحيًا وجسديًا مع الآخر، فالحب يعزز العلاقات الاجتماعية والأسرية والزوجية على وجه التحديد وفق قوله.

لكنه يشير إلى أن هذا الشعور والإحساس قد ينقلب من مؤشر إيجابي إلى مؤشر سلبي يمكن أن يهدم أي علاقة وذلك في صورة الحب المرضي.

معاذ بن نصير (باحث في علم الاجتماع): الحب المرضي هو الإفراط في التعبير عن شعور الحب ليغدو أداة سلطة وقهر وتحكم في الطرف الآخر 

والحب المرضي، وفق محدثنا، هو الإفراط في التعبير عن شعور الحب ليغدو أداة سلطة وقهر وتحكم في الطرف الآخر والشريك بتعلة أننا نحبه ونمتلكه، وحينها يصبح الطرف الأقوى ويتدخل في تفاصيل حياة الشريك بل ويتحكم في معيشه اليومي.

بالنهاية صلب المجتمع التونسي الذي يعرف نوعًا من تكريس السلطة الذكورية، يمارس الزوج غالبًا سلطته على الزوجة متحكمًا في أهوائها مع غياب ثقافة الحب المعتدل والراقي ليتحوّل حبه لشريكته لقمع لحياتها، ليدخل مرحلة الحب المرضي والشك المرضي وليقيد، بطريقة مباشرة وغير مباشرة، حياة الأخر.

والحب المرضي يقتل أي علاقة بين الشريكين، ويقتل الإحساس بالحب والطمأنينة والراحة، وهو السلاح الآخر والمخيف لأي علاقة حب. وهو لا يقتصر على الشريكين فقط بل قد يشمل جميع علاقات الحب وبالخصوص العلاقة بين الأم أو الأب مع أحد أبناءه.

 

اقرأ/ي أيضًا:

رسائل الحب بين الأمس واليوم.. من سهاد المحبوب إلى السهر على فيسبوك

الحب بعد الخمسين.. اختبار خطير للّياقة العاطفيّة (قصص حقيقية)