28-ديسمبر-2022
 بوجعفر سوسة

تعتبر الوجهة السياحية التونسية من الوجهات المحبذة إذ تحتل المرتبة الثانية مغاربيًا والثالثة إفريقيًا والخامسة عربيًا (Getty)

 

 تشهد المناطق السياحية في تونس حركية ملحوظة خلال الأيام الأخيرة من نهاية السنة تزامنًا مع العطلة الشتوية وأعياد رأس السنة الميلادية، تونسيون وجزائريون وسياح أوروبيون فضلوا الوجهة التونسية لقضاء عطلة رأس السنة الميلادية.

تونسيون وجزائريون وسياح أوروبيون فضلوا الوجهة التونسية لقضاء عطلة رأس السنة الميلادية

أسواق المدينة العتيقة بسوسة تشهد اكتظاظًا شديدًا وتنتعش التجارة في الأسواق القديمة انطلاقًا من نهج الجامع الكبير ومرورًا بسوق الرّبع وسوق الصاغة وصولاً إلى سوق القايد، كما يتوافد على المعالم الأثرية والمتاحف المئات من الزوار يوميًا.

وبعد انقطاع دام أكثر من عامين، تجمّلت مدينة سوسة بالأعلام التونسية والجزائرية في كافة المواقع والمرافق التجارية والتنشيطية وترددت إلى المسامع الأغاني التراثية الجزائرية في كل مكان وخاصة تلك التي تنبعث من المراكب السياحية في ميناء سوسة التي تخصص يوميًا العشرات من الرحلات البحرية مصحوبة بفقرات تنشيطية.

 

 

مراكب سياحية في ميناء سوسة تخصص يوميًا العشرات من الرحلات البحرية مصحوبة بفقرات تنشيطية ويقبل عليها الجزائريون (صور ماهر جعيدان/الترا تونس)

مراكب سياحية في ميناء سوسة تخصص يوميًا العشرات من الرحلات البحرية مصحوبة بفقرات تنشيطية ويقبل عليها الجزائريون (صور ماهر جعيدان/الترا تونس)

 

رغم أن عطلة رأس السنة تقترن بالموسم الشتوي فإن التحول المناخي الذي نعيشه حوّل الشتاء إلى فصل ربيعيّ معتدل مما شجع السائح على التنقل خارج النزل بشكل فردي وجماعي فترى وكالات الأسفار يبرمجون رحلات إلى المناطق السياحية الداخلية واستعادت الأنشطة الموازية للقطاع السياحي عافيتها ووفرت موارد رزق للعديد من الحرفيين والتجار.

رغم أن عطلة رأس السنة تقترن بالموسم الشتوي فإن التحول المناخي الذي نعيشه حوّل الشتاء إلى فصل ربيعيّ معتدل مما شجع السائح على التنقل خارج النزل بشكل فردي وجماعي

وتعتبر الوجهة السياحية التونسية من الوجهات المحبذة إذ تحتل المرتبة الثانية مغاربيًا والثالثة إفريقيًا والخامسة عربيًا وتصنف في المرتبة التاسعة والأربعين عالميًا وفق إحصائيات قدمتها منظمة السياحة العالمية.

وتشير آخر الإحصائيات إلى أن مداخيل السياحة في تونس بلغت 1.946 مليون دينار (623 مليون دولار) إلى غاية نهاية جويلية/يوليو الماضي وفق بيانات للبنك المركزي التونسي في حين بلغت عائدات السياحة التونسية 2337 مليون دينار سنة 2021 وفق آخر إحصائية نشرها المعهد الوطني للإحصاء.

تشير آخر الإحصائيات إلى أن مداخيل السياحة في تونس بلغت 1.946 مليون دينار (623 مليون دولار) إلى غاية نهاية جويلية الماضي وفق بيانات للبنك المركزي

وقد كشف وزير السياحة التونسي، في تصريح إعلامي، أن تونس قد زارها أكثر من 4 ملايين سائح إلى حدود شهر سبتمبر/أيلول 2022 أي بزيادة قدرها 168 في المئة مقارنة بالفترة ذاتها من سنة 2021.

وبسبب الأزمة الصحية في السنوات الأخيرة، نلاحظ كذلك ضعف نسق إقبال  السياح ولعل المتغيرات الاقتصادية وغلاء المعيشة وارتفاع نسبة التضخم  والزيادة في أسعار بعض المواد الأساسية قد أثرت على تكاليف الخدمات السياحية أيضًا وتسبب ذلك في ارتفاع تكلفة السفر والإقامة.

خلال جولة في مدينة سوسة، اعترضنا العديد من المواطنين الجزائريين المتوافدين ضمن رحلات جماعية أو فردية، كما لاحظنا حلول العديد من الجمعيات الرياضية الجزائرية التي التقت نظيرتها التونسية وديًا.

"طواولة مقران" هو رئيس أكاديمية المغرب الكبير الجزائرية لكرة القدم  وقد التقى مراسل "الترا تونس" بسوسة خلال جولة الفريق فقال "بفضل علاقات شخصية مع منظمي دورات رياضية في كرة القدم لفئة بين 11 سنة و15 سنة  جئنا إلى تونس وأقمنا العديد من المباريات وكانت فرصة جيدة لشراكات رياضية مستقبلية غير أن معاليم الإقامة بالنزل باهظة ونأمل أن يكون هناك خصم استثنائي للأطفال الصغار ولا بد من سياسة تسويقية سياحية حتى نتمكن من المجيء لتونس بشكل مستمر في كافة الفصول ويعود هذا بالفائدة على تونس والجزائر ونأمل أن تتوطد العلاقات أكثر".

 

رئيس أكاديمية المغرب الكبير الجزائرية لكرة القدم في سوسة (صور ماهر جعيدان/الترا تونس)

رئيس أكاديمية المغرب الكبير الجزائرية لكرة القدم في سوسة (صور ماهر جعيدان/الترا تونس)

 

 

أما داليا فسائحة جزائرية التقيناها في مرفأ السفن السياحية وهي تقول إنها "تزور تونس للمرة الثالثة"، وكشفت لنا أن ظروف الإقامة طيبة غير أن تكاليف الإقامة هذه المرة ارتفعت"، وفقها.

واتصل "الترا تونس" بتوفيق القائد، المندوب الجهوي للسياحة بسوسة، الذي توقع إقامة "أكثر من 15 ألف جزائري بالنزل والإقامات المصنفة بولاية سوسة خلال عطلة رأس السنة الميلادية في حين نجد عددًا مماثلًا لهم في المؤسسات غير المصنفة".

توفيق القائد، المندوب الجهوي للسياحة بسوسة لـ"الترا تونس": نتوقع إقامة أكثر من 15 ألف جزائري بالنزل والإقامات المصنفة بولاية سوسة خلال عطلة رأس السنة الميلادية وعددًا مماثلًا لهم في المؤسسات غير المصنفة

وحول ظروف الموسم السياحي في هذه الفترة، يقول القائد: "لقد عقدنا جلسة تقييمية على مستوى جهوي في 13 ديسمبر/كانون الأول مع كافة المتدخلين في المجال السياحي وخاصة منهم أصحاب النزل والمطاعم السياحية وجاري التنسيق مع وكالات الأسفار من أجل عقد اجتماعات مهنية في القريب، وقمنا بتعداد النقائص و كيفية معالجتها في الموسم الشتوي والصيفي ورفعنا توصيات إلى الإدارة والسلط الجهوية والمهنيين".

وكشف توفيق القائد عن "الانطلاق في تكثيف عمليات تفقد سواء من الفرق التابعة للجنة الجهوية لمكافحة الإخلال بالمحيط السياحي أو عمليات التفقد الخاصة بالمندوبية الجهوية للسياحة"، معتبرًا أن "عمليات التفقد مستمرة على مدار السنة إذ بلغت 1200 عملية خلال السنة الجارية وذلك حتى نضمن جودة خدمات تليق بالحرفاء و الوافدين من سياح".

 

مقابلة المندوب الجهوي للسياحة بسوسة مع مراسل "الترا تونس" (صور ماهر جعيدان/الترا تونس)

مقابلة المندوب الجهوي للسياحة بسوسة مع مراسل "الترا تونس" (صور ماهر جعيدان/الترا تونس)

 

وأشار المندوب الجهوي للسياحة إلى أن "سوسة تشهد حركة سياحية بعودة السياح من الأسواق التقليدية وخاصة البريطانية والفرنسية والإيطالية والألمانية وبعض بلدان أوروبا الشرقية، وحققت ولاية سوسة ارتفاعًا بنسبة 75 في المائة مقارنة مع النسبة المرجعية لسنة 2019 إذ استقبلنا أكثر من 945 ألف وافد في مؤسسات الإيواء المصنفة، ومقارنة بسنة 2021 شهدنا ارتفاعًا بنسبة 120 في المائة وهذا يعتبر رقمًا هامًا باعتبار أنه كان من المؤمل بلوغ نسبة بين 50 و60 في المائة من عدد الوافدين مقارنة بالسنة المرجعية 2019".

المندوب الجهوي للسياحة: "سوسة تشهد حركة سياحية بعودة السياح من الأسواق التقليدية وخاصة البريطانية والفرنسية والإيطالية والألمانية وبعض بلدان أوروبا الشرقية"

وأكد توفيق القائد أن "تطور عدد الوافدين في تزايد مطرد منذ 24 ديسمبر الحالي وخاصة من الأشقاء الجزائريين الذين حلوا بأعداد كبيرة إذ تعتبر نسبة إقبال الوفود الجزائرية مع السائح المحلي التونسي مجتمعين 50 في المائة من المجموع، في حين يبلغ عدد الوافدين الأجانب من أوروبا وبقية العالم النسبة الباقية".

ويأمل توفيق القائد في الإحاطة بالسائح الجزائري من خلال توفير ظروف الراحة والإقامة الجيدة والتفكير بأنشطة خاصة بالإخوة الجزائريين". وذكر القائد أن "أكثر من 115 ألف جزائري أقاموا في المؤسسات المصنفة بسوسة منذ الإعلان عن فتح الحدود في شهر جويلية/يوليو الماضي".

ولم يخف المندوب الجهوي للسياحة وجود تبليغات عن مخالفات واعتبرها طبيعية وأكد أن الرقابة على النزل وجودة الخدمات تشمل راحة كافة الوفود جزائرية كانت أو غيرها".

المندوب الجهوي للسياحة لـ"الترا تونس": "تطور عدد الوافدين في تزايد مطرد منذ 24 ديسمبر وخاصة من الأشقاء الجزائريين الذين حلوا بأعداد كبيرة إذ تعتبر نسبة إقبال الوفود الجزائرية مع السائح المحلي التونسي مجتمعين 50 في المائة"

ومن أهم التبليغات التي تصل للمندوبية الجهوية للسياحة، وفق تصريح توفيق القائد، "غلاء الأسعار وارتفاع كلفة الإقامة". وأكد القائد أن وزارة الإشراف لا تتدخل في الأسعار ويفرض القانون إشهار الأسعار الفردية وتكون معلنة وممضاة من طرف المدير الجهوي للسياحة".

ويضيف لـ"الترا تونس": "أغلب الأشقاء الجزائريين يأتون بصفة جماعية عن طريق وكالات أسفار جزائرية لهم شركاء مع الوكالات التونسية وهذا يخضع لاتفاق مباشر مع أصحاب النزل التونسية".

 

استعدادات النزل في سوسة لاحتضان السياح في العطلة الشتوية واحتفالات رأس السنة (صور ماهر جعيدان/الترا تونس)

استعدادات النزل في سوسة لاحتضان السياح في العطلة الشتوية واحتفالات رأس السنة (صور ماهر جعيدان/الترا تونس)

 

وحول غلاء المعيشة في تونس، يقول القائد إن "الزيادة في سعر المحروقات تؤثر على سعر الخدمات في المؤسسات السياحية باعتبارها مؤسسات اقتصادية ربحية ومن مصلحتها تحيين هامش الربح وتحقيق الديمومة والاستمرارية وهي تحرص على سعر مدروس وما يهمنا هو جودة الخدمات".

من جهة أخرى، يقول كريم الجزيري، رئيس الجامعة الجهوية لوكالات الأسفار بسوسة، في لقاء مع مراسل "الترا تونس": "الوفود السياحية الجزائرية نوعان إحداها تأتي عن طريق وكالات الأسفار والأخرى تتصل بالنزل مباشرة عبر منصاتها التسويقية، ونحن نشجع السياحة المنظمة عن طريق وكالات الأسفار لأنها مؤهلة قانونيًا وتدفع نحو تنظيم القطاع باحترافية ومهنية عالية وتحافظ على ضمان جودة الخدمات وتحمي جميع الأطراف على حد سواء".

رئيس الجامعة الجهوية لوكالات الأسفار بسوسة لـ"الترا تونس": الإقامات الخاصة غير المصنفة والشقق التي ينزل فيها الآلاف من الجزائريين مقلقة لأهل القطاع ونطالب بضمها إلى القطاع المنظم وبدفع الآداء على الإقامة ومراقبتها

وأشار الجزيري إلى مسألة الإقامات الخاصة غير المصنفة والشقق التي ينزل فيها الآلاف من الجزائريين، معتبرًا إياها "عشوائية ومقلقة لأهل القطاع وخاصة لوكالات الأسفار والنزل ويطالب بضمها إلى القطاع المنظم بشكل أو بآخر وذلك بدفع الآداء على الإقامة ومراقبتها وبذلك تنتعش خزينة الدولة وتحافظ على الحريف وتؤمنه من عمليات التحيّل".

وحول ارتفاع معاليم الإقامة في سوسة وتشكيات الجزائريين، يقول الجزيري "إن غلاء المعيشة لدى التونسيين أمر مشهود ومن الطبيعي أن ترتفع كلفة الإقامة بالنسبة للسائح ويجب أن ننتبه إلى أن هذه الفترة من عطلة رأس السنة تعتبر فترة الذروة وبالتالي ترتفع الأسعار بقدر ما ترتفع جودة الخدمات بأنواعها وخاصة تلك المتصلة بالأكل والتنشيط والحفلات".

ودعا رئيس الجامعة الجهوية لوكالات الأسفار البنوك إلى تحفيز التونسيين من أجل إنعاش السياحة الداخلية في هذه المواسم وتمكين المواطنين من قروض الرفاهة على غرار العديد من الدول، وكذلك مزيد تأمين رحلات الجزائريين القادمين إلى تونس وحماية القطاع من السماسرة والهياكل غير المنظمة والرفع من مستوى الخدمات البنكية على مستوى الصيرفة واستبدال العملة حتى تتطابق مع التشريعات الدولية وتصبح المعاملات أكثر سلاسة وانسيابية، معتبرًا أن ما ورد في قانون المالية 2023 بخصوص الإتاوة على المبالغ المتداولة نقدًا والتي تفوق 5000 دينار لا تتماهى مع الواقع الحالي".

رئيس الجامعة الجهوية لوكالات الأسفار يدعو إلى مزيد تأمين رحلات الجزائريين القادمين إلى تونس وحماية القطاع من السماسرة والهياكل غير المنظمة والرفع من مستوى الخدمات البنكية على مستوى الصيرفة واستبدال العملة

أمام التحديات الاقتصادية الكبيرة لتونس وأملاً في توفير موارد إضافية لميزانية الدولة من العملة الصعبة يبقى القطاع السياحي رهانًا قائمًا لتحقيق ذلك رغم النكسات المتتالية في السنوات الأخيرة ابتداء من العمليات الإرهابية في سنة 2015 مرورًا بأزمة كورونا وصولًا إلى الحرب الروسية الأوكرانية التي لحقنا ضررها بقوة، ويبقى الأمل في تعزيز السياحة الداخلية من جهة والتعويل على الأشقاء الجزائريين أحد الحلول الممكنة لانتعاشة جديدة للقطاع خاصة في المواسم الاحتفالية والمناسبات التي نشترك فيها.