21-يوليو-2022
سيدي بوسعيد تونس

الباحثة في علم الاجتماع صابرين الجلاصي: "التونسي عيّاش ويقدّس الصيف والأجواء الاحتفاليّة التي تنسيه كآبة الشتاء" (فتحي بلعيد/أ.ف.ب)

 

يتواصل ارتفاع عدد الإصابات بفيروس كورونا في تونس مؤخرًا بنسق لافت، ورغم ما قد يعكسه ذلك من قلق صحي واجتماعي إلا أنّ الواقع في الشارع التونسي لا يمت للوضع الوبائي بأي صلة: حجوزات مكتملة في النزل، مقاهي ومطاعم مليئة بالناس، وحفلات أعراس فاخرة.

يتواصل ارتفاع عدد الإصابات بفيروس كورونا في تونس مؤخرًا ورغم ما قد يعكسه ذلك من قلق إلا أنّ الواقع في الشارع التونسي لا يمت للوضع الوبائي بأي صلة

فكيف يواجه التونسي ضغط هذه المصاريف؟ ولماذا نجد حالة لامبالاة بالوضع الوبائي هذه الصائفة؟ وكيف يقرأ المختصون هذه الوضعيّة؟ أسئلة يجيب عنها "ألترا تونس" في هذا التقرير.

  • وضع عام دقيق..

لا تزال حقيقة الوضع الوبائي في تونس غامضة خاصة بعد ما عبّرت عنه منظمة "أنا يقظ" من تخوّف حول التعتيم على حقيقة الوضع الوبائي والذي اعتبرت أنه يأتي لخدمة أغراض سياسية خاصة مع اقتراب موعد استفتاء 25 جويلية/يوليو 2022، فيما نفى عضو اللجنة العلمية لمجابهة فيروس كورونا والأخصائي في علم الفيروسات محجوب العوني اتهامات المنظمة ، مقللاً من خطورة السلاسة المنتشرة حاليًا.

أعلنت وزارة الصحة، في آخر بيان لها، عن تسجيل 27 ألف و340 إصابة بفيروس كورونا أي بمعدّل يناهز 4 آلاف إصابة في اليوم خلال الفترة الممتدة من 11 إلى 17 جويلية الجاري

وقد أعلنت وزارة الصحة التونسية، في آخر بيان لها، عن تسجيل 27 ألف و340 إصابة بفيروس كورونا أي بمعدّل يناهز 4 آلاف إصابة في اليوم خلال الفترة الممتدة من 11 إلى 17 جويلية/يوليو الجاري، التي سجّلت أيضًا وفاة 96 شخصًا.

 

 

أما في علاقة بالمقدرة الشرائيّة للتونسي، فقد نبّه المعهد التونسي للدراسات الاستراتيجية (عمومي)، من خلال ورقة أعدّها، لتدهور مهم جدًا للمقدرة الشرائية للمواطن التونسي حسب معطيات الوضع الغذائي الوطني خلال السداسي الأول من سنة 2022.

نبّه المعهد التونسي للدراسات الاستراتيجية من خلال ورقة أعدّها، لتدهور مهم للمقدرة الشرائية للمواطن التونسي حسب معطيات الوضع الغذائي الوطني خلال السداسي الأول من سنة 2022

وفي تقرير له، كشف البنك الدولي عن أن معدل الفقر قد يزداد بمقدار 2.2 نقطة مئوية في تونس تأثراً بأسعار السوق العالمية في الفترة المقبلة من 2022.

 

 

  • التونسي "عيّاش" ويقدّس الأجواء الاحتفالية

"التونسي عيّاش ويقدّس الصيف والأجواء الاحتفاليّة التي تنسيه كآبة الشتاء"، هكذا عبّرت الدكتورة في علم الاجتماع صابرين الجلاصي، عن قراءتها للمشهدّية العامة للمجتمع التونسي في الظرفيّة الحاليّة، مؤكّدة أنّ التونسي يرفض أن يعيد ما عاشه في السنتين الماضيتين من كبت وضغط وتقييد لحريّته، وفقها.

وتضيف الباحثة في علم الاجتماع لـ"ألترا تونس" أنّ هناك فئة من الشعب تربط الوضع الوبائي بالوضع السياسي وتشكك في حقيقة الوضعية الوبائيّة وفي كل المعطيات الرسمية وتعتقد أنّ الساسة يوظّفون هذه الأوضاع لخدمة مصالحهم، على حدّ تعبيرها.

الباحثة في علم الاجتماع صابرين الجلاصي لـ"ألترا تونس": هناك فئة من الشعب تربط الوضع الوبائي بالسياسي وتشكك في حقيقة الوضعية الوبائية وفي كل المعطيات الرسمية

وتشير الجلاصي أنّ التونسي متمرّد بطبعه وزاده تأزّم الأوضاع تمرّدًا، معتبرة أنّ العقلية التونسية أنانيّة والترفيه مهم جدًّا لديه لذلك لا شيء يقف ضدّ رغبته في الترويح عن نفسه فيضطر للاقتراض والتداين أو اعتماد التسهيلات في جلّ المناسبات الاحتفاليّة.

وتؤكّد محدّثتنا أنّ المجتمع التونسي استهلاكي ويقدّس "Social prestige"  لذلك فهو لا يتوانى عن التقليد والتماهي مع الطبقات المترفة مهما كلّفه الأمر بمنطق "ما همش خير مني"، وتشير في نفس السياق أن هذا النمط الحياتي يعود لتأثير الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي، وفقها.

الباحثة في علم الاجتماع صابرين الجلاصي لـ"ألترا تونس": "من يعرفون تونس غالبًا ما يصرّحون أنّنا شعب مقبل على الحياة ونواجه الأزمات بتفاؤل لكننا لا  نعرف الموازنة بين المدخول والمصاريف

وفي ختام حديثها لـ"الترا تونس"، تقول الجلاصي "من يعرفون تونس غالبًا ما يصرّحون أنّنا شعب مقبل على الحياة ونواجه الأزمات بتفاؤل وأمل ولكنّ الإشكال أنّ العديد لا يعرفون الموازنة بين مدخولهم ومصاريفهم ولا يكترثون بالديون، لا يهمّهم سوى الاستمتاع".

 

 

  • المجتمع التونسي استهلاكي ويدفع العائلات للإجهاد الاقتصادي

يعتبر الأخصائي النفساني كريم اليعقوبي أنّ الوضعية الاقتصادية والصحية حرجة في تونس ولكن أغلب المواطنين لا يظهرون اهتمامًا بالمسألة ولا يأخذونها حتّى بعين الاعتبار من خلال تدابير وقائية لحماية أنفسهم من العدوى أو ترشيد سلوكهم الاستهلاكي لمواجهة التحدّيات الماليّة التي تعترضهم.

الأخصائي النفساني كريم اليعقوبي  لـ"ألترا تونس": الوضعية الاقتصادية والصحية حرجة في تونس ولكن أغلب المواطنين لا يظهرون اهتمامًا بالمسألة ولا يأخذونها حتّى بعين الاعتبار

ويؤكّد الأخصائيّ النفساني لـ"ألترا تونس" أنّ عدم اكتراث التونسي بهذه الأوضاع يعود لحدّة الأزمات الفارطة التي مرّ به ممّا يجعله يقلل من خطورة الأزمة الحالية، مضيفًا أنّه على المستوى الإعلامي لم يقع التعامل داخليًا وخارجًا بجدية مع الأزمة مما زاد الطين بلّة، على حدّ تعبيره.

ويفسّر كريم اليعقوبي هذه الحالة بأن "التونسي بطبعه منغلق على ذاته وعلى أفكاره ومعتقداته الخاصة أكثر من المحتويات الجماعية وبالتالي فهو لا يراعي سوى حاجاته"، مرجّحًا أنّ عدم المبالاة وعدم الاكتراث هي ردّة فعل من نوع الهروب إلى الأمام لمواجهة الخوف من عودة الأزمات السابقة ومحاولة لإعادة التوازن الذي فقد مع بداية أزمة جائحة كورونا.

الأخصائي النفساني كريم اليعقوبي  لـ"ألترا تونس": عدم مبالاة وعدم اكتراث التونسي هو ردّة فعل من نوع "الهروب إلى الأمام"

ويشير محدّثنا إلى أنّ المجتمع التونسي مرّ إلى مرحلة المجتمع الاستهلاكي من خلال نسق عيش مبني على الحاجات الآنية والمادية بدرجة أولى وهذا ما يدفع بالعائلات إلى الإجهاد الاقتصادي والدّفاع عنه كنمط عيش عادي مبني على الاقتراض الدائم وتغليب الشعور بالأمان من خلال الاستقرار الوقتي، حسب قوله.