التلوث يجتاح خليج المنستير والثروة السمكية في خطر
24 يونيو 2025
خليج المنستير يتعرض من جديد إلى "المدّ الأحمر" القاتل! عند فجر 21 جوان/يونيو 2025، استفاق البحارة وأهالي خليج المنستير الممتد على مسافة 4 كلم بين مدينة خنيس وصولًا إلى مدينة صيادة، على تلون مياه البحر وميله إلى اللون الأحمر مما أثار انتباه الجميع ولم تمرّ ساعات حتى لفظ البحر أطنانًا من الأسماك النافقة وبعض السلاحف وعدة كائنات بحرية، وتعالت في الآن نفسه أصوات النوارس التي غطت السماء ملتقطة الكائنات البحرية الميّتة.
وبينما كانت تترصد الأنظار الصواريخ العابرة في سماء الخليج العربي عبر الشاشات، أمسى أهالي خليج المنستير على كارثة بيئية فصاروا يلتقطون الأسماك النافقة من الشواطئ بعد أن شاعت الروائح الكريهة وانبرت العيون تجول في المياه مطأطأة الرؤوس من هول الكارثة.
أحد بحارة مدينة صيادة لـ"الترا تونس": كنت على متن مركبي الخامسة صباحًا وإذ بالبحر يتحول لونه من الزرقة إلى الحمرة.. ثم برزت على سطح الماء أسماك صغيرة نافقة أتبعتها موجة من الأسماك الأكبر حجمًا
فاجأ المد الأحمر الجميع وخاصة أصحاب مراكب الصيد الساحلي وصغار البحارة الذين يقتاتون من البحر بصيد الأسماك، مراكبهم صغيرة وشباكهم قليلة وجهدهم كبير من أجل الفوز بنصيب قليل مما يجود به البحر صباحًا أو مساء، غير أنهم يرون أطنانًا من الأسماك تطفو فوق الماء من أنواع شتى "قاروص" و"وراطة" و"مجل" و غير ذلك من أنواع القشريات.
وبقدر المفاجأة احتج المتساكنون والبحارة بقطع الطريق الرئيسية وحرق العجلات حتى يديروا الرقاب إلى هذه الكارثة بعد أن تناست سلطة الإشراف المسألة البيئية العالقة في هذا الخليج منذ عقود، إذ لم تكن هذه الكارثة الأولى ولن تكون الأخيرة مع غياب الحلول البديلة لتلوث أصاب خليج المنستير وأتلف الثروة البحرية، وعزا الأهالي ذلك إلى سكب المياه المستعملة في عرض البحر وعدم صلوحيّة محطة تطهير لمطة بوحجر.
اتصلنا بإبراهيم، أحد بحارة مدينة صيادة الذي بدا عليه الوجوم قائلًا: "كنت على متن مركبي الخامسة صباحًا وإذ بالبحر يتحول لونه من الزرقة إلى الحمرة على عمق ميلين وعلى امتداد أربعة أميال عرضًا انطلاقًا من قصيبة المديوني وصولًا إلى صيادة ثم برزت على سطح الماء أسماك صغيرة نافقة أتبعتها موجة من الأسماك الأكبر حجمًا، كنا مصدومين من ذاك المشهد رغم أننا نبّهنا منذ عقود إلى تفاقم الإشكال في الخليج علمًا وأن هذا البحر يلقب عندنا بـ(الميت) لأن المياه فيه لا تنساب بسهولة بل أقرب للراكدة" وفقه.

الناشط في المجتمع المدني والممثل عن المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية منير حسين في حواره مع "الترا تونس"، كشف من جانبه، أن "ما يحدث في خليج المنستير هذه الأيام أعاد إلى السطح الجدل حول المسألة البيئية في خليج المنستير وكافة الشطوط الملوثة في تونس وصارت محلّ متابعة من الرأي العام والوزارات المعنية في ظل اتهامات متبادلة بالتقصير في معالجة الإشكالات المتفاقمة".
كما أوضح منير حسين أنّ "الكارثة البيئية في خليج المنستير ليست ظاهرة منعزلة أو ظرفية بل هي تواصل واستمرار للكوارث التي يشهدها خليج المنستير منذ سنة 1994. ومن ذاك التاريخ إلى سنة 2025 سجلنا تقريبًا 18 كارثة بيئية تختلف حدّتها من سنة إلى أخرى، في 2006 كانت الكارثة كبيرة جدًا وهذه السنة كانت الانعكاسات مضاعفة مع تداعيات كبيرة من روائح كريهة وتفاعل كيميائي للغازات المتسربة من البحر" وفقه.
ورجّح منير حسين أن الأسباب معلومة ومصادره بالأساس التلوث الذي يتأتى من مصدرين، محطات التطهير المنتصبة على ساحل الخليج، ثلاث محطات تصب في البحر: محطة الفرينة/ ومحطة صيادة لمطة بوحجر/ ومحطة جمال التي تصب في وادي المالح وهي محطات لم يعد لها أي فاعلية تصلها كميات كبيرة من المياه تفوق قدرتها على المعالجة. بالنسبة لمحطة التطهير لمطة صيادة بوحجر هي ذات طاقة يومية تقدر بـ 1680 مترًا مكعبًا فقط يصلها حاليًا 12000 متر مكعب في اليوم ومعدل يومي سنوي في حدود 8000 متر مكعب باعتراف ديوان التطهير، وفق قوله.
ممثل عن منتدى الحقوق لـ"الترا تونس": الكارثة البيئية في خليج المنستير ليست ظاهرة منعزلة أو ظرفية بل هي تواصل واستمرار للكوارث التي يشهدها خليج المنستير منذ سنة 1994
محطة تطهير الفرينة كذلك تحتوي مشكلًا كميًا قدرتها 13500 ويصلها حوالي 30000 متر مكعب يومي، المعدل السنوي 23000 متر مكعب، يتابع: "محطات ميتة تلقي في المياه من غير معالجة نوعية ولا كمية ويضاف مصدر ثاني للتلوث وهو المصانع التي تعمل بكثافة خاصة المواد المعالجة لقطاع النسيج ولغسل الدجينز فهي تستعمل كميات ضخمة من المياه وتلقي بها في قنوات التطهير أو مباشرة في الأوساط المائية، وهذه المصانع من المفروض أن تحتوي على محطات معالجة أولية ولكن بصفة عامة هذه المحطات لا تعمل لأنها تضيف كلفة إضافية للمنتج بسبب المنافسة الشديدة من دول جنوب وشرق آسيا التي تحتوي وفرة من المياه.. المنظومة فيها إشكال كبير" على حد تعبيره.
ويذكر منير حسين أنه بسبب مصدري التلوث خليج المنستير الذي يصله يوميًا حوالي 30000 متر مكعب من مصادر مختلفة تُلقى فيه، تعفّن الوضع في الخليج سواء بالمواد العضوية لمحطات التطهير أو بالمواد المعدنية والثقيلة والسامة من المصانع، وتقلصت مع التفاعل الحراري نسب الأوكسجين في الماء إلى الصفر وتسبب في نفوق الأسماك والكائنات الحية بانطلاق الغازات السامة مثل أكسيد الكبريت كما أن البكتيريا في الماء ستبحث بدورها عن الأكسجين وهذ ما تسبب في تفاعلات كيميائية ظهرت في الروائح المنتشرة بالمكان.
ولاحظ عضو المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية أنّ تغيّر لون البحر نحو الاحمرار والاصفرار يتسبب في هذه الكوارث البيئية التي نعيشها. مبيّنًا أنّ "الحراك الاجتماعي منذ 2006 لم يهدأ في الدفاع عن خليج المنستير رغم المحاولات على الالتفاف على الحقائق.. ولا نخفي قوة المجتمع المدني بالجهة الذي وثق ذلك بالدراسات والتحاليل بالاستعانة بالخبراء، وتطوّر الحراك بتنفيذ وقفات احتجاجية والتحق المسؤولون برفع العينات لكن الغريب أن وزارة الفلاحة تنشر بلاغًا تقول فيه إنّ الأمطار الربيعية الأخيرة وارتفاع الحرارة وتغير الأحوال الجوية كانت سببًا في تنشيط البكتيريا وكأن هذه الكارثة البيئية ضمن الظواهر الطبيعية وهو ما يناقض ما صدر عن وزارة الفلاحة سابقًا من تقارير لسنة 2013 إثر الكارثة البيئية في تلك السنة إذ يقرون أن الالقاء بالمياه الحضرية سواء كانت مياه منزلية أو مياه صناعية والإلقاء العشوائي في الخليج من أسباب الظاهرة ونادوا بالإيقاف الفوري والعاجل لأي سكب للمياه المعالجة وغير المعالجة لإنقاذ الخليج".

وكشف منير حسين عن مشروع متكامل أسماه "مشروع كاهنة" قدّمه لوزارة البيئة منذ 2016 "ولكنهم كانوا يتعللون كل مرة بنقص الموارد، وتسبب عدم الاستقرار الوزاري في المماطلة ونحن اليوم نطالب أولًا بإعلان حالة طوارئ بيئية لأننا لم نر تعاملًا مع هذه الكارثة الجديدة بشكل جدّي عوض إعداد بروتوكول طوارئ متكامل ومشفوع بإجراءات عاجلة ومتوسطة وبعيدة المدى" وفقه.
كما طالب منير حسين بالتمسك بعقد مجلس وزاري خاص بخليج المنستير لأن له سلطة القرار المالي الذي بمقتضاه يوفّر الاعتمادات من ميزانية الدولة أو عبر قروض وتوزيعها لإنقاذ ما تبقى من خليج المنستير من منظومات بيئية ومنظومات إنتاج.
وقال المتحدث في السياق نفسه: "نتمسك بالإنجاز الفوري للإصلاحات المتفق عليها في إطار مشروع كاهنة ومحاسبة من عرقل هذه الإصلاحات لأنهم شركاء في الجريمة ويقومون بالتغطية على مجرمين في حق البيئة وحق الأجيال القادمة وضرب التمشي التونسي نحو الانتقال البيئي وتحقيق العدالة البيئية، كما نحمّل السلطة مسؤوليتها كاملة حول التلكؤ في تنفيذ الإصلاحات والاحتقان الاجتماعي فأهالي المنطقة يرفعون شعار (حياتنا أغلى من أرباحكم)"، وفق قوله.
ممثل عن منتدى الحقوق لـ"الترا تونس": أسباب ما حدث بخليج المنستير معلومة وهي راجعة بالأساس إلى التلوث الذي يتأتى من مصدرين، أولهما محطات التطهير المتمركزة بالجهة
وإذ أقر منير حسين بأن المجتمع المدني بالجهة طالب بمحطتين لمعالجة المياه الصناعية معزولة تمامًا عن المحطات الأخرى واحدة في القطب التكنولوجي الفجة وواحدة في المكنين، ورغم تقدم أشغال محطة المعالجة بالمكنين إلى حدود 70%، فإن محطة المنطقة الصناعية بالقطب التكنولوجي لا تزال من المشاريع المعطلة بسبب عدم إقدام المقاولين على عروض الصفقة التي تصل إلى 87 مليون دينار، أما المحطة الجديدة التي ستعوض محطة الفرينة تقدر تمويلاتها بـ125 مليون دينار، وإلى حد الآن لم يتم التنفيذ لعدم توفر الجهة الممولة، وفقه.
وتفاعلًا مع الكارثة البيئية في خليج المنستير تدخلت السلط المركزية والجهوية من وزارة الفلاحة ووزارة البيئة ووزارة الصحة لتقديم أسباب ونتائج هذا "المد الأحمر" في خليج المنستير.
وزارة الفلاحة والصيد البحري نشرت بلاغًا أوضحت فيه ظاهرة تكاثر الطحالب المجهرية (blooms) ونفوق بعض الكائنات البحرية في خليج المنستير خلال أيام 18 و19 و20 و21 جوان/يونيو 2025. وقد أظهرت الاختبارات الأولية وفق بلاغها أن هذه الظاهرة، على خلاف الظواهر البيئية السابقة التي كانت ناتجة غالبًا عن تكاثر بكتيريا مختزلة للكبريت، تعود أساسًا هذه السنة إلى تكاثر الطحالب المجهرية، حيث ساهمت عدة عوامل بيئية في تفاقم هذه الظاهرة، من بينها: وفرة المغذيات في المياه نتيجة للأمطار الربيعية الغزيرة والتصريفات الحضرية، تلتها وفرة وتفكك كبير للطحالب.

من جهتها دعت الهيئة الوطنية للسلامة الصحية للمنتجات الغذائية سكان المناطق الساحلية وعموم المواطنين إلى عدم استهلاك الأسماك النافقة لخطورتها على الصحة والاقتصار على اقتناء الأسماك من نقاط البيع المنتصبة بصفة قانونية وذلك على إثر تسجيل ظاهرة المد الأحمر بسواحل ولاية المنستير.
كما كشف الخبير البيئي حمدي حشاد الثلاثاء 24 جوان/يونيو 2024 في تدوينة على حسابه الرسمي فيسبوك أنّ "تحسّن حركة التيارات البحرية في الجهة لعب دورًا أساسيًا في تفتيت كتل الطحالب ومنع تراكمها، إلى جانب تسجيل زيادة نسبية في نسبة الأكسجين الذائب نتيجة تحسّن التهوية الطبيعية للمياه السطحية، فضلًا عن استقرار درجات حرارة الطبقة العليا من البحر، وهو ما ساهم في كبح الظروف الملائمة لنمو الطحالب السامة".
وأوضح الخبير البيئي أن الأهم من تقلّص المساحة، هو ظهور مؤشرات على عودة مؤقتة لتوازن إيكولوجي هشّ، مما يعكس إمكانية تحسّن نسبي للمنظومة البيئية في المنطقة. لكنه حذّر في المقابل من الإفراط في التفاؤل، مشيرًا إلى أن الوضع البيئي في سواحل المنستير يبقى دقيقًا ويستوجب مراقبة علمية متواصلة، خصوصًا في ظل غياب المعالجة الجذرية لمصادر التلوّث المتعددة من صرف منزلي وزراعي وصناعي، والتي تبقى السبب الرئيسي في ظهور الطحالب الضارة. وختم قائلاً: "في غياب حلول حقيقية، فإن هذه الازدهارات لن تختفي، بل ستعود وبقوة أكبر"، وفق تقديره.
الكلمات المفتاحية

جدل الالتحاق بالمعاهد النموذجية في تونس.. وزارة التربية تتفاعل
سبق أن توجّه عدد من الأولياء في خطوة تصعيدية، إلى المندوبيات الجهوية للتربية للمطالبة بالحصول على أوراق الامتحانات والتحقق من الأعداد المسندة لأبنائهم، في محاولة للكشف عن أي تجاوزات محتملة

كيف تمر بالجمارك في تونس؟ دليل للمغتربين والعائدين
كيف يعمل نظام الجمارك في تونس؟ أبرز الإجراءات والخطوات في هذا المقال عن الديوانة التونسية

قصة خبيب حمدي.. ما لا يُرى بالعين يُدرك بالإرادة
خبيب حمدي لـ"الترا تونس": "هو طريقك مهما ساعدك الناس وساندوك، في الأخير ستجتازه لوحدك ولك القرار. وتكتشف مع الوقت أن حياة كل فرد فينا متقلّبة لا يمكن السيطرة على كلّ تفاصيلها ولا نملك دائمًا رفاهية الاختيار"

وزارة التربية تتعهد باستكمال إدماج الأساتذة والمعلمين النواب سنة 2026
أعلن وزير التربية نور الدين النوري، يوم الاثنين 14 جويلية 2025، عن انطلاق الوزارة في التحضير لإدماج الدفعة الثانية من الأساتذة والمعلمين النواب، وذلك بداية من سنة 2026، مؤكدًا أن الملفات المعنية ستخضع للدراسة خلال الفترة القادمة لضمان التحاقهم بالوظيفة العمومية بصفة رسمية

بعد دعوات لمقاطعة حفل الشاب مامي.. مدير مهرجان الحمامات يرد
أثار إعلان مشاركة الفنان الجزائري الشاب مامي، ضمن فعاليات مهرجان الحمامات الدولي لسنة 2025 موجة من الانتقادات وفي المقابل، دافعت إدارة المهرجان عن خيارها

أنس جابر تتراجع إلى المرتبة 71 عالميًا بعد انسحابها من ويمبلدون
شهد التصنيف العالمي الجديد لرابطة محترفات التنس (WTA)، الصادر يوم الاثنين 14 جويلية 2025، تراجعًا جديدًا للاعبة التونسية أنس جابر، التي خسرت 12 مركزًا لتتراجع إلى المرتبة 71 عالميًا

الرباعي الراعي للحوار الوطني في تونس يرشّح فرانشيسكا ألبانيزي لجائزة نوبل للسلام
فرانشيسكا ألبانيزي هي محامية وخبيرة قانونية دولية إيطالية، تشغل منذ عام 2022 منصب المقررة الخاصة للأمم المتحدة المعنية بحالة حقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية المحتلة