مجتمع

التعليم لم يعد مجانيًا.. شهادات من أسر تونسية تصارع كلفة العودة المدرسية

17 أغسطس 2025
العودة المدرسية
الجمعية التونسية لجودة التعليم: هذا العبء المالي المرتفع يدفع بعض العائلات إلى التضحية بتعليم أحد الأبناء (ياسين القايدي/الأناضول/Getty)
أسماء البكوش
أسماء البكوشصحفية من تونس

مع اقتراب شهر سبتمبر/أيلول، تتجدد في تونس معاناة آلاف الأسر مع العودة المدرسية، حيث تتراكم المصاريف بعد صيف حافل بالمتطلبات من بحر وأفراح وتنقلات للترفيه، ليجد التونسي نفسه وجهاً لوجه مع مصاريف جديدة لا يمكن أن يقاطعها أو يصرف عنها النظر. إنها العودة المدرسية التي تعتبر مقدسة لدى العائلات التونسية بكل متطلباتها من كتب وكراسات وملابس وأدوات مدرسية، في ظل ارتفاع الأسعار وتراجع القدرة الشرائية.

أسر تونسية تكشف واقع كلفة العودة المدرسية

في أحد أحياء العاصمة، تعيش عفاف، أم لطفلين، وتعمل كعاملة تنظيف بدخل لا يتجاوز 450 دينارًا، وهو مبلغ لا يكفي لتغطية مصاريف العودة المدرسية، وتقول محدثننا لـ"الترا تونس": "ككل سنة ينتابني القلق مع بداية شهر أوت/أغسطس، فالحقيبة المدرسية وحدها تكلفني نصف راتبي، فكيف بالكراسات والكتب؟"، تقول عفاف لــ"الترا تونس".

أم تونسية لـ"الترا تونس": ككل سنة ينتابني القلق مع بداية شهر أوت، فالحقيبة المدرسية  وحدها تكلفني نصف راتبي، فكيف بالكراسات والكتب؟

لكن عفاف لم تستسلم وبدأت منذ بداية الصيف في جمع الأدوات المدرسية المستعملة من أقاربها، "أي كتاب أحصل عليه يعتبر ثمينًا بالنسبة لي ومن شأنه أن يخفف عني فاتورة المكتبة"، تقول محدثتنا.

ياسين قايدي الأناضول غيتي العودة المدرسية
أم تونسية: أشعر بالعجز، خاصة أمام طلبات الأطفال (ياسين القايدي/الأناضول/Getty)

وأضافت:" كم اعتمدت أيضًا على خياطة الحي لتعديل بعض الملابس القديمة أو تلك التي اقتنيها من محل الملابس المستعملة"، وأكدت أنها ستشتري بقية المستلزمات المدرسية من كراسات وأقلام وأشكال هندسية وغيرهم، بالتقسيط.

سماح، أرملة في الأربعينات، تُعيل ثلاثة أطفال بعد وفاة زوجها في حادث منذ ثلاث سنوات. كانت العودة المدرسية تمثل لها عبئًا نفسيًا وماديًا، وقالت لـ"الترا تونس": "كنت أستدين كل سنة، وأحيانًا أؤجل شراء بعض الكتب. أشعر بالعجز، خاصة أمام طلبات الأطفال".

هذا العام، قررت سماح أن تغير المعادلة. بدأت مشروعًا منزليًا يتمثل في إعداد التوابل التونسية وتحضير الكسكسي والمحمص بالطريقة التقليدية.

أرملة تونسية: قضيت الصيف محرومة من النوم والراحة، أتصبب عرقًا وأنا جالسة لساعات على 'قصعة السميد' وذلك لتوفير مستلزمات العودة المدرسية وأنا مستعدة للجوع من أجل أن يتعلم أطفالي

"قضيت الصيف محرومة من النوم والراحة، أتصبب عرقًا وأنا جالسة لساعات على 'قصعة السميد'، أعد الكسكسي وأقوم بـ'تفويره' ونشره وكل ما يتطلبه ذلك من مجهود وتعب، وذلك في سبيل أن أجمع مالًا لتوفير مستلزمات العودة المدرسية"، تقول سماح، مضيفةً: "مستعدة للجوع من أجل أن يتعلم أطفالي".

سماح التي تؤكد أن الجراية التي تركها زوجها المرحوم لا تكفيها مصروف الأكل والشرب وخلاص فواتير الماء والكهرباء، مشيرةً إلى أن ما يتم ترديده في وسائل الإعلام من أن التعليم مجاني غير صحيح، فالتعليم مكلف جدًا ومصاريفه كثيرة ولا ترتبط فقط بالعودة المدرسية، بل بكامل السنة الدراسية، وفق تعبيرها.

ورغم عمله كموظف حكومي هو وزوجته، إلا أن عبد العزيز، أب لخمسة أطفال، يواجه صعوبات مادية مع كل عودة مدرسية، ويقول لـ"الترا تونس": "الراتب لا يكفي، خاصة مع ارتفاع الأسعار. كل سنة أشعر بالعجز، وكل سنة أمني نفسي بأن الظروف ستتحسن، لكن وللأسف تزداد سوءًا"، يقول محدثنا مضيفًا: "أخجل من أن أعبر عن هذا العجز لأن الجميع يعتبرونني محظوظًا، فنحن زوجان نعمل في القطاع الحكومي".

العودة المدرسية ياسين القايدي/نور/غيتي
موظف: الراتب لا يكفي وكل عودة مدرسية أشعر بالعجز (ياسين/Getty/Nur photo)

ويرى محدثنا  أن الموظف سحقه ارتفاع أسعار الكراء ومتطلبات الحياة اليومية المعيشية إلى جانب قرض السيارة، كما أن الزوجين الموظفين مجبران على تسجيل الأطفال في مؤسسات خاصة بعد التوقيت المدرسي، لأنه لا يمكن أن يتركوا أطفالهم في الشارع أو في البيت لوحدهم وهذه فاتورة، يقول محدثنا، أن "كل الموظفين يدفعونها ثمناً لعمل الزوجين".

وكشف لـ"الترا تونس": هذا العام، اتفقت مع زوجتي على تقليص مصاريف الصيف، فلم نذهب لقضاء الصيف على شاطئ البحر، ولم نتنقل للترفيه، وحاولنا قدر الإمكان أن نقتصد من أجل توفير بعض المال، وإن كنا نجحنا في ذلك، إلا أنني في حاجة لأن أتدين من أختي المقيمة بالخارج حتى أوفر كل المستلزمات وأقوم بخلاص كل معاليم التسجيل".

اقرأ أيضًا: العودة المدرسية في تونس.. هل تحولت إلى موعد للتفاخر وتكريس الطبقية؟

المنظمة التونسية لإرشاد المستهلك: تراجع متوقع لكلفة العودة المدرسية

من جانبه، توقع لطفي الرياحي، رئيس المنظمة التونسية لإرشاد المستهلك، أن تشهد مصاريف العودة المدرسية هذا العام انخفاضًا بنسبة 30% مقارنة بالعام الماضي، حيث كانت تتراوح بين 700 و800 دينار للتلميذ. ويعود الفضل في هذا التوفير إلى قرار وزارة التربية بتوحيد قوائم الكتب والكراسات، وهو مطلب طالما دعت إليه المنظمة.

رئيس المنظمة التونسية لإرشاد المستهلك لـ"الترا تونس": سجلت مصاريف العودة المدرسية هذا العام انخفاضًا بنسبة 30% مقارنة بالعام الماضي، حيث كانت تتراوح بين 700 و800 دينار للتلميذ

الرياحي أشاد في تصريح لــ"الترا تونس" بهذا الإجراء لأنه سيخفف العبء المادي على الأسر، ولكنه شدد على أهمية التزام وزارة التربية بتطبيق هذه القرارات ومراقبتها. كما دعا وزارة التجارة إلى "مراقبة التنفيذ وإلزامية تطبيق هذا القرار على كل البائعين"، مشيرًا إلى أن "الشركة الوطنية لعجين الحلفاء والورق قد أكدت ارتفاع إنتاجها بـ10 أطنان يوميًا، مما يضمن عدم وجود أزمة في الكراسات المدعمة".

لم تقتصر دعوات الرياحي على الكتب والكراسات، بل طالب أيضًا "بتوحيد الزي المدرسي والمحافظ ومنع استيراد الماركات العالمية باهظة الثمن التي ترفع أسعار المنتجات المحلية". وأوضح أن سعر المحفظة لا يتجاوز 35 دينارًا، مستغربًا وجود محافظ بأسعار تصل إلى 400 دينار. واعتبر أن "توحيد الزي والمحافظ لا يساهم فقط في تخفيف العبء المالي على الأسر، بل له أثر إيجابي على نفسية التلاميذ، حيث يضع الجميع، الأغنياء والفقراء، على قدم المساواة داخل المدرسة".

ياسين القايدي الأناضول غيتي العودة المدرسية
لطفي الرياحي: سعر المحفظة يحب ألا لا يتجاوز 35 دينارًا (ياسين القايدي/الأناضول/Getty)

بالإضافة إلى ذلك، دعا الرياحي إلى "ضرورة الحد من الدروس الخصوصية غير القانونية التي ترهق ميزانية الأسر"، مشيرًا إلى أن "تكلفة المادة الواحدة تتراوح بين 80 و100 دينار، مما يعني أن ثلاث مواد فقط قد تكلف الأسرة 240 دينارًا شهريًا كحد أدنى".

"بعض العائلات تضحي بتعليم أحد الأبناء لتخفيف المصاريف"

من جانبه، يؤكد رئيس الجمعية التونسية لجودة التعليم، سليم قاسم، في تصريح لــ"الترا تونس" أن "مجانية التمدرس لا تعني مجانية التعليم بشكل كامل، حيث تتزايد الأعباء المالية على أولياء الأمور لتغطية مصاريف اللوازم المدرسية، والنقل، والإقامة، وصولًا إلى الدروس الخصوصية التي أصبحت ضرورة في الأقسام النهائية".

رئيس الجمعية التونسية لجودة التعليم لـ"الترا تونس": مجانية التمدرس لا تعني مجانية التعليم بشكل كامل، حيث تتزايد الأعباء المالية على أولياء الأمور لتغطية مصاريف اللوازم المدرسية، والنقل، والإقامة

وأشار إلى أن "هذا العبء المالي المرتفع، والذي يزداد عامًا بعد عام، يدفع بعض العائلات، وخاصة في المناطق الريفية، إلى التضحية بتعليم أحد الأبناء، وغالبًا ما تكون الفتاة، من أجل تخفيف المصاريف والمساهمة في دخل الأسرة".

وتابع:" هذه الظاهرة، المتمثلة في عودة الأمية، خاصة بين الفتيات، تفتح الباب أمام دخولهن سوق العمل في سن مبكرة، وتحديدًا في القطاع الفلاحي".

ومع ذلك، يشدد قاسم على أن الجانب المادي ليس السبب الوحيد للانقطاع المبكر عن الدراسة، بل هو جزء من منظومة معقدة من العوامل الأخرى. ومن أبرز هذه العوامل تراجع مكانة المدرسة في المجتمع، إذ لم تعد تُعتبر "المصعد الاجتماعي" الذي يضمن تحسين وضع الأسرة، مما يضعف الأمل لدى التلاميذ ويقلل من حافزهم لمواصلة التعليم. ورغم كل هذه التحديات، يظل التونسيون متمسكين بالأمل في مواجهة هذه الصعوبات، باحثين عن حلول لتعليم أطفالهم.

الكلمات المفتاحية

العمل الحر في تونس.. واقع يتوسع خارج المنظومة الرسمية وسط تحديات الاعتراف والإدماج

العمل المستقل في تونس.. حرية مهنية تواجه هشاشة قانونية وإدارية

شهدت السنوات الأخيرة في تونس توسعًا ملحوظًا في ظاهرة العمل المستقل أو ما يُعرف بـ"العمل الحر" (Freelance)، حيث اختار العديد من الشباب هذا النمط من الشغل بحثًا عن حرية مهنية واستقلال مادي خارج أطر الوظيفة التقليدية، إلا أن هذا التوجّه المستجد يثير إشكالات متعددة تتعلق بوضعية هؤلاء داخل المنظومة القانونية والإدارية والاجتماعية الوطنية


مقاهي نادل Getty Dominika Zarzycka NurPhoto

سرديات تُضيء مهنة النادل في تونس

في آلاف المقاهي المنتشرة على طول البلاد التونسية، هناك شريحة مهنية لا يُستهان بها تضم آلاف الندل.. ثمة شخصيات وهبتها الحياة ما لم توهبها المدارس، استثنائية وألمعية بحضورها الطاغي أثناء أدائها لعملها


الكفيف في تونس

الكفيف في تونس.. مسيرة مضنية بين عزلة رقمية وفجوة معرفية

"الترا تونس" نقل من خلال التقرير التالي تجارب تلاميذ وطلبة من ذوي الإعاقة البصرية في مسيرة التحصيل الدراسي


طلاق بسبب البنات.. أو حين يُحاسب رحم الأم على جنس المولود

طلاق بسبب البنات.. أو حين يُحاسب رحم الأم على جنس المولود

ثريا التيجاني (محامية) لـ"الترا تونس": هذه الظاهرة غير مرئية إحصائيًا لكنّها حاضرة في الواقع القضائي والمجتمعي خاصة في المناطق الداخلية والجنوب التونسي أين لا يزال يُعتبر الذكر حارسًا للإرث واسم العائلة

محتجون في قليبية يطالبون بغلق مصب وادي ليمام وفتح مركز تحويل النفايات
مجتمع

"مصدر انبعاث غازات مسرطنة".. وقفة احتجاجية في قليبية للمطالبة بغلق مصب

انتظمت يوم الاثنين 17 نوفمبر 2025، أمام مقر معتمدية قليبية من ولاية نابل وقفة احتجاجية للمطالبة بالإسراع في غلق المصب العشوائي بوادي ليمام، وذلك بمبادرة من فرع قربة–قليبية للرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان والاتحاد المحلي للشغل قليبية–حمام الغزاز، وبمشاركة عدد من المواطنات والمواطنين المتضررين من الوضع البيئي المتدهور بالمنطقة

إقرار مبدأ الإضراب في القطاع الخاص
مجتمع

كاتب عام اتحاد الشغل بصفاقس لـ"الترا تونس": متمسكون بالإضراب وبحق العمال في الزيادات

أكد الكاتب العام للاتحاد الجهوي للشغل بصفاقس، يوسف العوادني، لـ"الترا تونس"، يوم الاثنين 17 نوفمبر 2025 تمسّك الاتحاد بتنفيذ الإضراب العام يوم الثلاثاء 18 نوفمبر 2025 في القطاع الخاص، احتجاجًا على تعطّل المفاوضات الاجتماعية الخاصة بالزيادة في أجور سنة 2025


الاتحاد الأوروبي يسلم تونس 47 سيارة إسعاف ضمن برنامج "الصحة عزيزة"
مجتمع

تونس تتسلم 47 سيارة إسعاف من الاتحاد الأوروبي

أعلن الاتحاد الأوروبي، يوم الاثنين 17 نوفمبر/تشرين الثاني 2025، عن تسليم 47 سيارة إسعاف كاملة التجهير إلى تونس في إطار برنامج "الصحة عزيزة"، الذي يهدف إلى دعم القطاع الصحي وتعزيز الوصول إلى الخدمات الصحية في الخطوط الأمامية وجودتها

بكالوريا تونس 2022 القايدي.jpg
مجتمع

بكالوريا 2026.. إجراءات لفائدة المترشحين من ذوي الإعاقة والاضطرابات الخصوصية

أعلنت وزارة التربية، يوم الاثنين 17 نوفمبر 2025، عن جملة من التدابير الاستثنائية التي سيتم اعتمادها خلال الاختبارات الكتابية والتطبيقية لامتحان البكالوريا 2026 لفائدة المترشحين من ذوي الإعاقة والاضطرابات الخصوصية في التعلم. وتأتي هذه الإجراءات بعد دراسة الملفات الطبية المعروضة على الإدارة العامة للامتحانات

الأكثر قراءة

1
اقتصاد

حوار| مستشار جبائي: ضغط جبائي مرتفع وتشجيع الاستثمار غائب في مشروع قانون المالية 2026


2
سیاسة

تأجيل النظر في قضية "التآمر 1" إلى جلسة 27 نوفمبر 2025


3
سیاسة

تأجيل النظر في قضيتين ضدّ سهام بن سدرين إلى جلسة 5 جانفي 2026


4
مجتمع

نقابة متفقدي التعليم الثانوي: الوضع التربوي يتسم بالفوضى والوزارة عاجزة


5
مجتمع

تجدد الاحتجاجات جرّاء التلوث في قابس وأولياء يرفضون التحاق أبنائهم بالدراسة