29-ديسمبر-2017

ساهم التدهور الاجتماعي في تدعيم التشرد (فتحي بلعيد/أ.ف.ب)

التشرد هو انتقال من فضاء البيت إلى فضاء الشارع، ومن الاستقرار إلى الاضطراب، وغالبًا ما يكون إكراهًا وليس خيارًا بالنسبة للذين أعيتهم مصاعب الحياة حتى ألزمتهم للتظلل بالسماء، ليُطرح في الأثناء دور المجتمع في مواجهة الأمر والواجب المحمول على الدولة.

رغم أن ظاهرة التشرد في تونس تظل محدودة لكنها في نسق تصاعدي خاصة في ظل التدهور الاجتماعي والتفكك الأسري

ورغم أن ظاهرة التشرد في تونس تظل محدودة على الأقل مقارنة بعديد البلدان العربية، يؤكد المتابعون أنها في نسق تصاعدي خاصة في ظل تدهور الوضع الاجتماعي والتفكك الأسري.

اقرا/ي أيضًا: حي هلال في تونس.. لا يزال للأمل مكان

الطفولة المشردة

غالبًا حينما يأتي الحديث عن التشرد، يحل الحديث عن الأطفال المشردين أو ظاهرة أطفال الشوارع والتي تنتشر في مصر خاصة بشكل كثيف. ودائمًا ما يكون الطفل في هذه الحالة ضحية لوضع عائلي متشرذم بما يخلفه من انعدام للرعاية أو فقر مدقع يدفعه للبحث عما يعيله بل ويعيل عائلته. يساهم تدهور الأوضاع الاجتماعية في عديد البلدان العربية في تنامي ظاهرة أطفال الشوارع، وهو ما يفترض بالتوازي مزيد تحمل الدولة لمسؤولياتها لانتشال هؤلاء الأطفال من الشارع بإعادتهم لعائلاتهم أو إلحاقهم بمؤسسات اجتماعية متخصصة تكفل لهم مستلزمات عيش طفولة هادئة دون التعرض للإهمال والتشرد وبعيدًا عن زيغ الانحراف.

لا توجد في تونس ظاهرة أطفال الشوارع بالشكل المنتشر في مصر، وتغيب في الأثناء إحصاءات رسمية لعدد الأطفال المشردين. وحقيقة تتنوع أصناف الأطفال المشردين وقد تختلط بين ظواهر أخرى، حيث يوجد الطفل الفاقد لأي سند أو مأوى، وكذلك يوجد الطفل العامل في الشارع تحت رعاية عائلته أو أحد أفرادها، لتتقاطع بذلك ظاهرة المشردين مع ظاهرة عمالة الأطفال التي باتت بدورها ظاهرة متصاعدة في البلاد العربية، وكذلك ظاهرة الانقطاع عن الدراسة. وفي هذا الإطار، أطلقت وزارة التربية في تونس حملة المدرسة تستعيد أبناءها.

في الأثناء، تكفل مجلة حماية الطفل في تونس حماية للطفل المهدد، حيث يعتبر القانون تعريض الطفل للإهمال والتشرد من الحالات الصعبة التي تهدد الطفل أو سلامته البدنية أو المعنوية. ويفرض بذلك على مندوب حماية الطفولة أن يتّخذ بصفة مؤقتة وفي حالات التشرد، التدابير العاجلة الرامية إلى وضع الطفل بمؤسسة إعادة تأهيل أو بمركز إستقبال أو بمؤسسة إستشفائية أو لدى عائلة أو هيئة أو مؤسسة إجتماعية أو تعليمية ملائمة وذلك طبقًا للقواعد المعمول بها. ورغم هذه الحماية التشريعية، لا تزال أجهزة الدولة غير قادرة على حماية الأطفال وانتشالهم من مخاطر التشرد بشكل كلي.

لا توجد في تونس ظاهرة أطفال الشوارع بالشكل المنتشر في مصر، وتغيب إحصاءات رسمية عنها لكن تعتبر التشريعات لحماية الأطفال متطورة

وإن ما كانت الفتاة مشردة، فغالبًا ما توصم بأنها منحرفة أخلاقيًا بالمعايير المجتمعية في تونس، غير أن هذه الفتاة على الأرجح هي ضحية قسوة العائلة أو المجتمع وقصور الدولة في توفير الحماية لبعض الفئات الهشة. حيث يدفع رفض العائلة للأم العزباء وحشرها في زاوية الإقصاء مثلًا والنبذ إلى تحول الفتاة لفضاء الشارع، لتكون عدم قدرة هذه العائلة على احتواء الفتاة واحتضانها وحمايتها هو الدافع لسقوطها للتشرد ثم في براثن الانحراف الأخلاقي في أحيان كثيرة.

ولعل تقنين المشرع للبغاء في تونس بتنظيمه وضبط أطره تحت أعين الرقابة وذلك بالتوازي مع تجريم البغاء السري يساهم في ردع الفتيات الجانحات وتحديدًا المتشردات خارج أي إطار للرقابة، بحيث يظل سيف التجريم يلاحقهن. ولكن يظل دور أجهزة الدولة في تونس محدودًا في مواجهة ظاهرة تشرد الفتيات من الأمهات العازبات خصوصًا في ظل عدم وجود استراتيجية شاملة وذلك رغم وجود حماية قانونية معتبرة مقارنة ببقية البلاد العربية. حيث يكفل القانون التونسي للإبن، الذي لم يتم إنجابه في إطار الزواج، بعض الحقوق على والده من بينها رعايته ونفقته، وهو ما لا يجعل الفتاة لوحدها تتحمل أعباء الطفل، ولكن هذا المسلك ليس بيسير حيث يستلزم أن تبادر الأم بالتقاضي لإثبات الأبوة.

اقرا/ي أيضًا: عائشة الشنا..عنوان "الأمهات العازبات" في المغرب

تقنين المشرع للبغاء في تونس وتجريمه للبغاء السري ساهم في ردع الفتيات في الشوارع تجنبًا للسجن

دور فاعل للمجتمع المدني

في الأثناء، تساهم الجمعيات، خاصة الناشطة في المجال الإنساني، بشكل فاعل في مساعدة المشردين سواء عبر توفير مآوٍ ومراكز لاحتضانهم أو عبر توفير المستلزمات الأساسية من مأكل وملبس. ويؤكد المجتمع المدني التونسي بذلك دوره الريادي في معاضدة أجهزة الدولة في مواجهة مظاهر التشرد.

وفي هذا السياق، يشير رضا السكرافي وهو ناشط جمعياتي لـ"الترا صوت" أنه "مع دخول فصل الشتاء وانخفاض درجات الحرارة بأغلب المناطق في البلاد، تنطلق أغلب الجمعيات الخيرية في مشاريعها وبرامجها المخصصة لهذا الوقت من السنة"، وذكر من بينها حملة "دفيني" التي تنفذها جمعية مرحمة كل سنة وحملة "شتاء دافئ" لجمعية تونس الخيرية. وكشف أن تمويل الجمعيات الخيرية يعتمد على "على التمويل الذاتي وعلى بعض المساعدات التي تتلقاها من أصحاب الخير".

وأضاف رضا السكرافي أنه "رغم التضييقات التي تتعرض لها الجمعيات الخيرية، فإن نسبة المنتفعين بهذه البرامج في ارتفاع إذ بلغ عدد المنتفعين من حملة دفيني مثلاً ما يفوق 150 منتفع". وقال إن هذه المساعدات تلعب "دورًا هامًا في إعانة ضعاف الحال والمحتاجين إلى جانب العناية بالمشردين وفاقدي السند". وفي خضم ذلك، كما يوجد مشردون دفعتهم مصاعب الحياة للتشرد، يوجد البعض ممن اختار فضاء الشارع مهربًا وجوديًا بعيدًا عن صخب الدنيا وضجيجها.

 

اقرا/ي أيضًا:

أزمة السكن في المغرب.. البحث عن "قبر الحياة"

السكن في بيروت.. طوبى للتشرد!