14-نوفمبر-2020

ألترا تونس يلتقي مترجمين للحديث عن واقع قطاع الترجمة الفورية في تونس (Getty)

 

واكبت في تونس العديد من الندوات والتظاهرات والمؤتمرات العلمية والثقافية والسياسية والاقتصادية، التي حضرها ضيوف وخبراء ناطقون بلغات غير اللغة العربية وتطلب الأمر أحيانًا ترجمة فورية قام بتأمينها مترجمون فوريون من داخل مقصورات مختصة. وكانت دائمًا ما تثيرني عملية الترجمة الفورية التي تبدو في ظاهرها مهارة وموهبة من السهل تملكها لكنها في جوهرها، إذا ما دققّنا وأمعنّا النظر، نجد أنها لا تتطلب البراعة والموهبة والمعرفة بآداب وثقافات الشعوب فحسب، بل لها أيضًا  وجهها العلمي والتقني.

ورغم قدم "الترجمة الفورية" في تونس  كفعل  ثقافي وعلمي فإن المترجم الفوري الممارس لهذه المهنة التي يلتقي فيها رافدو الموهبة بالمهارة العلمية لم يستطع إلى حد اليوم أن يقف على أرض ثابتة تجعله يشعر بالأمان المهني وأن يشتغل داخل قطاع واضح المعالم والأركان وتنظمه القوانين وترعاه هياكل وجمعيات تساعد على تطوير الترجمة الفورية وتحفها بالرعاية والحماية التصورات المستقبلية.

"الترجمة الفورية" غير متوفرة كاختصاص جامعي إلا بالمعهد العالي للعلوم الإنسانية بالعاصمة تونس وهي تدرس في ظل ظروف صعبة وسط غياب التجهيزات والمخابر وقانون أساسي  ينظمها ويحمي ممتهنيها

 في تونس، ثمّة حوالي 100 مترجم فوري محترف يكسبون قوت يومهم من الترجمة  وهم يتوزعون على مكاتب وشركات مختصة في الترجمة الفورية تشتغل تحت طائلة القانون، وثمة أيضًا ما يناهز  100 مترجم فوري ينشطون بشكل موازٍ دون تراخيص قانونية، وهم  يعتبرون من الدخلاء على هذه المهنة وأغلبهم من الأساتذة الجامعيين المختصين في اللغات واللغات المطبقة، كما يهيمن على مشهد الترجمة لدى عامة الناس أولئك المترجمون التحريريون المحلفون المختصون في ترجمة الوثائق الرسمية والمعتمدون لدى مختلف الإدارات العمومية والسفارات الأجنبية والذين يخول لهم القانون فتح مكاتب ووضع علامات إشهارية.

"الترجمة الفورية" غير متوفرة كاختصاص جامعي إلا بالمعهد العالي للعلوم الإنسانية بالعاصمة تونس وهي تدرس في ظل ظروف صعبة وسط غياب التجهيزات والمخابر، كما يغيب القانون الأساسي الذي ينظمها ويحمي ممتهنيها.

"ألترا تونس" أطلّ على عالم الترجمة الفورية في تونس من خارج مقصورات الترجمة في قاعات المؤتمرات والندوات. واتصل بالمترجمين الفوريين الذين تحدثوا عن  قطاعهم بكل شغف وتطلّع وبسطوا هواجسهم بكل حرية، فكانت هذه آراؤهم:

سليم عبيدلي: "قطاعنا هشّ ومليء بالدخلاء"  

حاول سليم عبيدلي وهو الحاصل على الإجازة في اللغة والآداب الإنقلزية والماجستير في الترجمة الفورية تعريف الترجمة الفورية قائلًا إنها "ترجمة بين متحدثين من لغتين مختلفتين وتسمى أيضًا بالترجمة التزامنية وسميت كذلك لأنها تحدث وقت حديث المتحدثين وهو الشكل الصعب للترجمة الفورية، أما الشكل الآخر للترجمة الفورية فيطلق عليه الترجمة التتابعية وهي أن يسمع المترجم جزءًا من الكلام فيقوم بترجمته بعد أن يتوقف المتحدث وهو الوجه السهل لأن المترجم هنا له الوقت الكافي ليحلل الفكرة ويفهم المعاني المراد إيصالها".

سليم عبيدلي: الترجمة الفورية في تونس بائسة وهشة وتعمّها الفوضى

عبيدلي انشدّ إلى الترجمة الفورية على إثر تطوعه ضمن أشغال منتدى الحقوق الاقتصادية والاجتماعية  بالمنستير سنة 2013، ووفق قوله: "أنا دخلت ولم أخرج، لقد كانت الترجمة الفورية عالمًا ساحرًا، فهي اختصاص من فن الترجمة خال من الروتين ويتجدد في كل لحظة ويغذي الزاد الثقافي ويوسع المعارف". وأضاف أنه قام بدورات تدريبية في الصحافة والإعلام والإلقاء الصوتي والدبلجة وذلك من أجل تنمية مهاراته وقدراته في الترجمة الفورية.

سليم عبيدلي (مترجم فوري): سوق الترجمة في تونس ضيقة ويسيطر عليها قلة قليلة أصبحوا في الآونة الأخيرة يستغلون المترجمين الشباب الذين يجدون أنفسهم مضطرين للتعامل معهم من أجل لقمة العيش

أما عن وضع الترجمة الفورية في تونس، فأكد عبيدلي أنها بائسة وهشة وتعمّها الفوضى وخاصة المزاحمين أو الدخلاء الذين يأتون من أقسام اللغات بكليات الآداب والعلوم الإنسانية، وتحديدًا أولئك اللذين يأتون من وكالات الأسفار التي تسعى لتوفير مترجمين خارج القوانين والأعراف التي تنظم مهنتهم.

اقرأ/ي أيضًا: جداريات الرسام حاتم المكي... كنز تشكيلي لفّه النسيان والإهمال

وأضاف عبيدلي أن المترجم الفوري ليس له قانون أساسي يحميه ويوضح مواصفات، وبيّن أن السوق التونسية ضيقة ويسيطر عليها قلة قليلة أصبحوا في الآونة الأخيرة يستغلون المترجمين الشباب الذين يجدون أنفسهم مضطرين للتعامل معهم من أجل أكل لقمة العيش.

وطالب المترجم الفوري سليم عبيدلي بضرورة التفكير في إنشاء قانون أساسي للمترجمين الفوريين وإحداث لجنة وطنية لإسناد بطاقات مهنية الهدف منها تنظيم القطاع وتطهيره من الدخلاء وفسح المجال لبعث مكاتب خاصة بهم حسب كراس شروط قانوني.

سنية حشيشة: "بيروقراطية الجامعة لم توفر لقسم الترجمة الفورية الوحيد بتونس الإمكانيات والتسهيلات اللازمة"

سنية حشيشة وهي مترجمة فورية تونسية مختصة في اللغة الإنقلزية ولها خبرة تفوق العقدين من الزمن في مجال الترجمة. وقد أكدت في منطلق حديثها أن الترجمة الفورية في تونس تتطلب إعادة هيكلة جذرية تشمل التشريعات والتكوين وذلك من أجل استمرارية هذا القطاع الحيوي بالنسبة لجميع المجالات.

سنية حشيشة: الترجمة الفورية في تونس تتطلب إعادة هيكلة جذرية

وأوضحت أن الجامعة التونسية وفرت هذا الاختصاص بإرادة وبطلب من المترجمين الفوريين يتقدمهم الأستاذ المترجم حمودة الصالحي. وأضافت حشيشة أنها انضمت إلى فريق التدريس بالمعهد العالي للعلوم الإنسانية بتونس وهي المؤسسة الوحيدة في تونس التي توفر قسمًا للترجمة الفورية لكنها اصطدمت ببيروقراطية الجامعة التي لم توفر لقسم الترجمة الفورية لا الميزانية المطلوبة ولا المخابر ولا التجهيزات اللازمة من أجل تكوين سليم وعصري كما تمنع قوانين وزارة التعليم العالي والبحث العلمي والتكنولوجيا استضافة الشركات والمكاتب المختصة وهو ما يجعل التكوين مقتصرًا على الدروس النظرية مما يضطر المتكونين من الطلبة إلى تنمية مهاراتهم وقدراتهم التقنية ضمن دورات تكوينية وتربصات مجانية وذلك قبل الانخراط في سوق الشغل.

وأشارت سنية حشيشة إلى الغياب التام لجمعية أو منظمة مدنية ترعى هذا القطاع كما تغيب مواثيق الشرف وأخلاقيات عمل المترجم الفوري مما جعل العديد من المترجمين الفوريين التونسيين ينخرطون في جمعيات دولية على غرار المنظمة الدولية لمترجمي المؤتمرات.

سنية حشيشة (مترجمة فورية): الترجمة الفورية في تونس تتطلب إعادة هيكلة جذرية تشمل التشريعات والتكوين وذلك من أجل استمرارية هذا القطاع الحيوي بالنسبة لجميع المجالات

وبخصوص سوق الترجمة الفورية في تونس، فقد بينت حشيشة أن هناك حوالي 30 مكتبًا و 12 وكالة مختصة في الترجمة والترجمة الفورية تؤمن متطلبات السوق التونسية التي يمكن تقسيمها إلى قطاعين، العام والخاص، مشيرة إلى أن القطاع العام تهيمن عليه شركات ومكاتب بعينها فنجد مثلًا أن نفس الشركة تتعاقد مع مؤسسة رئاسة الجمهورية على كل طلب عروض وذلك منذ ثلاثين سنة. أما القطاع الخاص فيبقى هو المتنفس الوحيد للمترجمين الفوريين، يزدهر مع الاستقرار السياسي والاقتصادي والاجتماعي.

وختمت المترجمة الفورية سنية حشيشة حديثها لـ"ألترا تونس" بالتأكيد على ضرورة الوحدة بين المترجمين وطرح مشاغلهم للنقاش فيما بينهم بحثًا عن الحلول الممكنة وخاصة في ظل جائحة كورونا التي فرضت على المترجمين وضعًا خاصًا قد يغير وجه هذا القطاع إلى الأبد.

بلال عفّاس: "المترجم التحريري المحلّف هو الأشهر في تونس"

بلال عفاس هو مترجم فوري تونسي حاصل على الإجازة في اللغة والآداب الإنقلزية والماجستير المهني في الإنقلزية المطبقة بجامعة صفاقس وصاحب مكتب ترجمة تحريرية وفورية بصفاقس، أوضح لـ"ألترا تونس" أن بناء التجربة ومراكمة الخبرة ومن ثمة التميز في مجال الترجمة الفورية يتطلب إلى جانب التحصيل العلمي الاكاديمي بناء القدرات عبر التدرّب والاطلاع وإتقان العمل والتعلق به، مشيرًا إلى أنه قام بتربصات عديدة بأوروبا واشتغل لسنوات بمنصات التنقيب عن البترول وكانت تجربة مضيفة ومثرية لمساره في عالم الترجمة الفورية.

بلال عفاس (مترجم فوري): المشرّع  التونسي لم يخص الترجمة الفورية بقوانين خاصة بها وهو ما جعل مهنة الترجمة الفورية تشوبها بعض الفوضى في مستوى إبرام العقود والتأجير الذي لا يرقى إلى ثلث ما يتقاضاه المترجم الفوري في العديد من البلدان الأوروبية

وأشار عفاس إلى أن المواطن التونسي تلتبس في ذهنه العديد من المسائل المتعلقة بالترجمة وخاصة الفروقات بين الترجمة التحريرية أو الورقية والترجمة الفورية في حين أنهما مسألتان مختلفتان وكلاهما اختصاص بعينه. كما أن فهمه لصفة "مترجم محلّف"  تبدو غامضة والحال أن المترجم المحلّف هو الذي التزم أمام القانون بلغة دون غيرها.أما مسألة المكاتب والشركات ولمن أراد فتحها فإن الأمر يتطلب حسب عفاس فتح حسابات جبائية وسجلات تجارية والالتزام بقانون 1996  والمنقح في 2018 والذي ينظم مهنة الترجمة بشكل عام، مشيرًا إلى أن المشرّع  التونسي لم يخص الترجمة الفورية بقوانين خاصة بها وهو ما جعل مهنة الترجمة الفورية تشوبها بعض الفوضى في مستوى إبرام العقود والتأجير الذي لا يرقى إلى ثلث ما يتقاضاه المترجم الفوري في العديد من البلدان الأوروبية.

بلال عفاس:  التكنولوجيا والرقمنة باتت من ضروريات العمل في مجال الترجمة الفورية

وبيّن محدثنا أن التكنولوجيا والرقمنة والتواصل الافتراضي باتت من ضروريات العمل في مجال الترجمة الفورية، موضحًا أن التطبيقات الخاصة بالترجمة الفورية تبقى قاصرة ولا تفي بالحاجة لأن الترجمة يتداخل فيها المشاعري الإنساني بالثقافي والحضاري وهو أمر لا تقدمه هذه التطبيقات  لطالب الخدمة.

وختم بلال عفاس حديثه لـ"ألترا تونس"، قائلًا إن الترجمة الفورية في تونس بصدد التطور وربما يعود ذلك إلى عدة عوامل، من أبرزها تطور المجتمع وتطلعات الأجيال الجديدة من المترجمين الفوريين.

 

اقرأ/ي أيضًا:

 خزفيات بلحسن الكشو "أنوميا".. عندما تتحوّل الكلمات الحرّة إلى أقباس من طين

الخط العربي في تونس.. البحث عن مجد ضائع