30-أكتوبر-2018

عائلة الفتاة الانتحارية أكدت عدم ملاحظتها أي ميول لابنتهم نحو التطرف

هزّ شارع "الحبيب بورقيبة" بالعاصمة تونس، ظهر الإثنين 29 أكتوبر/تشرين الأول، هجوم إرهابي تمثل في عملية انتحارية لفتاة ثلاثينية، خلف 15 إصابة في صفوف الأمنيين و5 إصابات في صفوف المدنيين، حالتهم جميعًا مستقرة، غادر بعضهم المستشفى فيما لا يزال البقية تحت المراقبة الطبية، وقد خضع ثلاثة أمنيين لتدخل جراحي صغير، وفق ما أفاد به الناطق الرسمي باسم وزارة الداخلية.

منفذة العملية الانتحارية تدعى منى قبلة من مواليد 1 نوفمبر/تشرين الثاني 1988، أصيلة منطقة زردة من معتمدية سيدي علوان من ولاية المهدية، وخريجة المعهد العالي للغات بالمكنين فهي متحصلة على الإجازة في مادة أنقليزية الأعمال. درست بالمعهد الثانوي بسيدي علوان على بعد 10 كم من منطقة العيايطة، وزاولت دراستها الابتدائية بمدرسة زردة التي تبعد 3 كم من منزلها الكائن بأحد الأرياف بالجهة.

منفذة العملية الانتحارية تدعى منى قبلة من مواليد 1 نوفمبر/تشرين الثاني 1988  أصيلة منطقة زردة من معتمدية سيدي علوان من ولاية المهدية

وقد أكدت المصالح الأمنية هويتها وكونها غير مصنفة سابقًا ضمن المشتبه فيهم بالتطرف أو الإرهاب. فيما لم تكن المعلومات الأولية دقيقة حول ما حملته الإرهابية من مواد متفجرة حتى أكد سفيان السليطي، الناطق الرسمي باسم قطب مكافحة الإرهاب، في تصريح إعلامي ظهر الثلاثاء 30 أكتوبر/تشرين الأول أن الانتحارية استعملت عبوة ناسفة تقليدية الصنع وليس حزامًا ناسفًا.

انتقل مراسل "الترا تونس" لولاية المهدية بحثًا عن منزل الفتاة الانتحارية استجلاءً للبيئة الأسرية والحضرية التي نشأت فيها واستقصاء للمعلومات الواردة في التقارير الأولية.

[[{"fid":"102082","view_mode":"default","fields":{"format":"default","field_file_image_alt_text[und][0][value]":false,"field_file_image_title_text[und][0][value]":false},"type":"media","field_deltas":{"1":{"format":"default","field_file_image_alt_text[und][0][value]":false,"field_file_image_title_text[und][0][value]":false}},"link_text":null,"attributes":{"height":375,"width":500,"class":"media-element file-default","data-delta":"1"}}]]

ساعة من الزمن تفصل بين المهدية ومعتمدية سيدي علوان

اقرأ/ي أيضًا: استياء ونقد واسع لخطاب قائد السبسي إبان التفجير الانتحاري

نحو الساعة من الزمن هي المدة الزمنية الفاصلة بين المهدية ومعتمدية سيدي علوان التابعة لها، ويتمّ الوصول إليها عبر النقل العمومي أو التاكسي الجماعي "لواج"، ومن هناك يتم التحول عبر وسائل النقل الريفي نحو مفترق "العيايطة" وهي منطقة تبعد نحو ثلاثة كلم عن منطقة "زردة". ويلوح على بعد كيلومتر واحد تجمع سكاني يضم بعض المنازل المتباعدة يتوسطها منزل عائلة الانتحارية، وهو منزل يضم أربعة بيوت متلاصقة مسيجة بجدار ذي باب حديدي وتحيط بالمنطقة أشجار الزيتون ومراع هنا وهناك.

من الوهلة الأولى، بدت الصدمة بادية على وجه أفراد العائلة الذين أبدوا استغرابهم من الانتماء الإرهابي لابنتهم، مصرّين في تصريحاتهم على نفيهم العلم المسبق بميولاتها نحو التطرف أو الإرهاب. وأكدت العائلة في حديثها معنا أن منى لازمت المنزل منذ تخرجها اي منذ حوالي الأربع سنوات، وأشاروا أنها غادرت يوم السبت الفارط نحو مدينة سوسة لإتمام إجراءات إدارية، وانقطعت أخبارها قبل أن يتم إبلاغهم أنها فجّرت نفسها يوم الإثنين في شارع الحبيب بورقيبة بتونس العاصمة.

خالة الفتاة الانتحارية لـ"الترا تونس": لم نلاحظ سابقًا أي مظاهر للتشدد لدى ابنة شقيقتي 

أب مقعد، وأم تعمل في الفلاحة، وشقيقان عاطلان عن العمل إضافة لأخت متزوجة، هذا ما تتألف منه العائلة التي تقطن في هذه المنطقة النائية من معتمديات المهدية. يؤكد أفراد هذه العائلة أن الفتاة لم تغادر المنزل منذ سنة ونصف، وكانت تساعد أهلها في الرعي بالأغنام فيما شاهدها آخر مرة أحد الجيران تستقل النقل الريفي نحو مدينة المهدية.

تقول إحدى خالات منى لـ"الترا تونس" إنها لم تلحظ على ابنة شقيقتها أي مظاهر للتشدد مبدية دهشتها من تحولها لإرهابية، وذكرت الخالة أن منى حضرت حفل زواج أختها ولم يظهر عليها أي تغير في طريقة تعاملها أو سلوكها. وقد تطابق تصريح الخالة مع العم الذي تحدث لنا أيضًا عن ذات المعلومات.

ورغم أن المعلومات كانت شحيحة جدًا في خصوص الانتحارية منى، فما شد انتباهنا في هذه المنطقة هي تلك الحالة المزرية لمتساكنيها رغم كونها منطقة ساحلية. في المقابل، تبدو حالة عائلة منى أفضل من الكثير من سكان المنطقة.

وتفيد دراسة نشرتها مصلحة الرصد والتحاليل التابعة للمرصد الوطني للشباب سنة 2014 أن معتمدية سيدي علوان تعد 37767 نسمة، وتبلغ نسبة العاطلين عن العمل 18.97 في المائة من مجموع السكان النشيطين بين 15 و29 سنة. فيما تبلغ نسبة البطالة من أصحاب الشهائد العليا 22.75 في المائة، وهي نسبة تفوق المعدل الوطني الذي يبلغ حوالي 20 في المائة.

دراسة للمرصد الوطني للشباب: تبلغ نسبة البطالة من أصحاب الشهائد العليا في سيدي علوان بالمهدية  22.75 في المائة وهي نسبة تفوق المعدل الوطني

وتبلغ نسبة المساكن التي تبعد أكثر من 2 كم عن أقرب منشأة شبابية 72.12 في المائة، وهي ضعف النسبة الوطنية التي تبلغ 34.26 في المائة، فيما تُقدّر نسبة المساكن التي تبعد أكثر من 2 كم من أقرب منشأة رياضية في معتمدية سيدي علوان 70.36 في المائة، وهي أيضًا ضعف النسبة الوطنية.

تبيّن هذه الإحصائيات مدى هشاشة هذه المنطقة، وتأخرها التنموي وبلوغها نسبًا خطيرة تحط من درجة التمدن خاصة وأن المنطقة ممتدّة جغرافيًا وتعتمد على النمط الفلاحي التقليدي، وهي عوامل تساهم بصفة مباشرة في نزوح الشباب نحو المدن المجاورة بحثًا عن العمل. كما تبين الإحصائيات المذكورة افتقار المنطقة للمنشآت الشبابية والرياضية، وتشتت التجمعات السكانية بما زاد في ضعف البنية التحتية وتكريس العطالة والتهميش.

اقرأ/ي أيضًا: خطط مكافحة الإرهاب في تونس.. الجدل متواصل

كما توضح الإحصائيات الصادرة عن المرصد الوطني للشباب سنة 2014 أن نسبة الأسر المرتبطة بالأنترنت تبلغ 10.34 في المائة، وهي تمثل ثلث النسبة الوطنية التي تناهز 28.75 في المائة. وقد أفادنا أحد شباب المنطقة، الذي خيّر عدم ذكر اسمه، أن شباب المنطقة يدمنون على استعمال الانترنت والإفراط في التوغل على شبكات التواصل الاجتماعي.

وتعرف المنطقة الريفية في ولاية المهدية سنويًا موجات هجرة من طرف شبابها العاطل عن العمل إلى الأراضي الأوروبية عبر الإبحار خلسة، وذلك بالنظر لانعدام فرص العمل في جهتهم.

وقد شهدت منطقة سيدي علوان في شهر مارس/آذار 2018 حالتي انتحار في صفوف تلميذتين يرجح إقدامهما على الانتحار بسبب لعبة الحوت الأزرق. وكانت قد تحدثت تقارير صحفية عن رصد أكثر من 50 تلميذًا منخرطين في هذه اللعبة المميتة، وقد تكونت حينها لجنة تضم قاضية الأسرة ومندوب حماية الطفولة وعددًا من الإخصائيين النفسيين للإحاطة بالتلاميذ، ووجهوا دعوة لأبائهم لمراقبة الهواتف الجوالة الخاصة بأبنائهم.

تعرف المنطقة الريفية في ولاية المهدية سنويًا موجات هجرة من طرف شبابها العاطل عن العمل إلى الأراضي الأوروبية عبر الإبحار خلسة

الإرهاب لا دين له ولا وطن له، وهو يجد في المناطق الفقيرة أرضية خصبة ليترعرع فيها كما قد ينتشر في أوساط أكثر ترفًا. وليس من الأهمية أكثر من العناية بالمناطق الداخلية المهمشة وذلك بإحداث المرافق الشبابية والرياضية والثقافية، وتهيئة البنية التحتية، وتقريب الخدمات، وتجفيف منابع الإرهاب التي باتت تستنزف الطاقات الحية.

ليس أجمل من ريفنا ومدننا مما تحتضنه من قوى حية تريد الحياة، وتكره الموت، وتنشر البسمة، وتقتل النقمة غير أنها قوى يجب على مؤسسات الدولة العناية بها، ولا فرق في تونس بين شمال وجنوب وساحل فكلما رتقت فقرًا تخلصت من بؤرة محتملة لانتشار التطرف والإرهاب.

 

اقرأ/ي أيضًا:

"العصا في المؤخّرة".. لا بأس بالتعذيب مادامت التهمة الإرهاب!

نظرة العرب لـ"داعش".. إجابات "مميّزة" للتونسيين في المؤشر العربي