ثقافة وفنون

الإثارة وتخييب أفق التوقّع في مسلسل الفتنة

12 مارس 2025
الإثارة وتخييب أفق التوقّع في مسلسل الفتنة
ما قامت به سوسن الجمني في بداية "الفتنة" هو لون من ألوان الإغواء الفنّي المتعمّد
أحمد الزوابي
أحمد الزوابيباحث من تونس

تهدف الأعمال الدراميّة شأنها شأن مختلف الفنون إلى تحقيق وظائف جماليّة وإمتاعيّة تُراعي في الغالب ذوق المتلقيّ وأفق انتظاره، ولقد كانت سوسن الجمني كاتبة السيناريو والمخرجة التونسيّة وفيّة لهذه القاعدة، غير أنّها في المقابل بدت حريصة في كلّ أعمالها على العدول والانزياح عن المألوف، فتحوّل ذاك العدول بعد سنوات إلى خصوصيّة تميّز الجمني نلمسُها من خلال الاستعداد الذوقي لدى "جمهورها" لمواجه الكثير من المفاجآت الصادمة والمثيرة وغير المنتظرة. 

بدت الجمني في مسلسل "الفتنة" متمسّكة بهذا الاختيار الفنّي، فما من حلقة تمرّ إلّا وقد تركت المتفرّج فاغرًا فاه يضرب كفًّا بكفّ، معبّرًا عن دهشته بسبب تتابع المشاهد تتابعًا يخضع إلى قاعدة تخييب أفق التوقّع. 

لذّة الألفة ولذعة المباغتة

حضرت أطروحة "أفق التوقّع" في الدراسات النقديّة الأدبيّة الحديثة، وكان أوّل من أوضحها ونظّر لها ووضع حدودها "هانس روبرت ياوس" الباحث الألماني المعاصر في كتابه " من أجل جماليّة التلقيّ"، لكنّ هذا المنهج التأويلي القرائيّ سرعان ما تخطّى مجال الأدب فتحوّل إلى أداة لتحليل الأعمال الفنيّة عامّة بما فيها المسرح والسينما ويمكن اعتماده كذلك منهجًا لقراءة بعض الأعمال الدراميّة وغيرها، فهو أداة تحليليّة تأخذ بعين الاعتبار موقع الجمهور الذي يقرأ له الفنّان ألف حساب حتّى إن ادّعى التفرّد والتمسك بمنتهى الحريّة في الفكر والإبداع هذا إن لم نقل إنّ المتلقّي قد تحوّل إلى شريك غير معلن في صياغة النصوص وتخيّر القضايا.  

يضع "ياوس" ثلاث فرضيّات حول المسافة الجماليّة بين أفق انتظار المتلقيّ ودرجة الانزياح/ تخييب التوقّع في العمل الفنّي، الدرجة الأولى يحدث فيها التوافق أو التطابق بين ما يتوقّعه الجمهور وما يعرضه المبدع، في هذه الحالة يكون العمل الفنيّ عاديًّا ممّلاً خاليًا من الإثارة، الدرجة الثانية يحدث فيها خرق مقبول يتحكم من خلاله صاحب العمل في جرعة العدول عن المُتوقع فيحقّق بذلك التوازن بين لذّة الألفة ولذعة المباغتة، أمّا الدرجة الثالثة فتقوم على الإعراض المطلق عن أفق الانتظار الفكري والذوقي والأخلاقي فتحدث فجوة كبرى قد تفضي إلى الرفض والانصراف والهجر.

بناءً على هذه المعطيات النقديّة التأصيليّة النظرية يمكن أن نتساءل إلى أيّ مدى تمكّنت سوسن الجمني من التوفيق بين تطلّعها إلى الإبداع والخروج عن المألوف من جهة ومراعاة انتظارات الجمهور الثقافيّة والجماليّة من جهة ثانية؟

البدايات الصادمة والمتوتّرة

تقتضي البنية النموذجيّة للأعمال ذات المنحى السرديّ الانطلاق من وضع بداية تكون فيه الأجواء هادئة يعرض من خلالها المبدع الإطار المكانيّ والزماني وبعض ملامح الشخصيّات والعلاقات بينها، ثمّ سرعان ما تتّجه الأحداث نحو التوتّر والصراع، ينطبق هذا على جلّ الأعمال الكلاسيكيّة في الرواية والمسرح والسينما والدراما، وغيرها.

لم تكن سوسن الجمني في مسلسل "الفتنة" وفيّة لهذا البناء التقليديّ، إذ أعرضت مطلقًا عن البداية ذات الإيقاع الهادئ، يتّضح هذا في فاتحة الحلقة الأولى، ففي المشهد الأوّل تغادر "رفقة" (سارة الشريف) الفتاة المراهقة الحسناء المنزل متسلّلة بعد أن اطمأنت إلى هجوع البيت وخلود الأب والجدّ إلى النوم، ورغم تفطّن أمّها إلى حيلتها تنفّذ ما خطّطت له، لأنّها واثقة أنّ والدتها لن تفضح سرّها، فقد دأبت على هذا الأمر، يتأكّد ذلك من خلال قول الأم "مليكة" (ريم الرياحي) "الصنعه هاذي مش باش تنحيها!" (ألا تكفّين عن هذا الصنيع).

ما قامت به سوسن الجمني في بداية "الفتنة" هو لون من ألوان الإغواء الفنّي المتعمّد فهي تستدرج المتلقّي من خلال الالتزام بما يتناغم مع أفق انتظاره وما ألفه في أعمالها السابقة ثمّ تخونه فتمضي إلى الغرض الرئيسي ذي الأبعاد الاجتماعيّة والوطنيّة

في المشهد الثاني أمام المنزل، تجد "رفقة" الشابّ الوسيم "طه" (محمد مراد) في انتظارها، فترافقه في سيّارة إلى ملهى ليلي، تلتحق الفتاة بأترابها من الفتيات في أجواء احتفاليّة، في الأثناء يحتسي "طه" كأس خمرة، لم تمض إلّا بضع ثوان حتّى يتفطّن إلى أنّ رفيقته قد تعرّضت للتحرّش فيعمد إلى تعنيف المذنب، فينتهي الأمر إلى مركز الشرطة، حينها تتمّ دعوة والد الفتاة القاصر، فيحدث خصام حادّ بين "طه" ووالد الفتاة، ويتواصل التوتّر من خلال مشاهد عديدة إلى أن يصل ذروته في نهاية الحلقة من خلال إقدام جدّ الفتاة على الانتحار لأسباب مجهولة، تجري هذه الأحداث الصاخبة في حلقة واحدة، فتترك في ذهن المتلقّي أسئلة عديدة تحثّه حثًا على انتظار الحلقة الثانية، فيقع المتفرّج ضحيّة فضوله ويمارس المبدع لونًا من السلطة سلطة المعرفة بمصير الشخصيّات والتلذّذ بألم الشوق الذي أحدثه في الجمهور. 

البداية المتوتّرة تحوّلت إلى خطّ درامي ثابت عند الجمني فقد دأبت على ذلك منذ أعمالها الأولى، ألم يبدأ مسلسل "أولاد مفيدة" بملفوظ امرأة متزوجة تودع عشيقها العازم على الرحيل إلى أوروبا، تتلوه لقطة سطو وافتكاك سيارة من صاحبتها في مشهد هوليودي مثير، حدث هذا منذ الدقائق الأولى، وفي مسلسل "فوندو" يتكرّر نفس المنحى إذ كشفت الحلقة الأولى عن حادثة قتل ذهبت ضحيّتها فتاة مراهقة أثناء حفل نجاحها في امتحان الباكالوريا، وقس على ذلك فاتحة مسلسل "براءة" وكلّ الأعمال التي أنجزتها الجمني أو شاركت فيها.

لو عالجنا المسألة من زاوية تجاريّة بسيطة لقلنا إن توقيت الحلقة الأولى من كلّ مسلسل يكون في وقت توقيت تنافسي حادّ فيه تقدّم بقيّة القنوات أفضل ما لديها من الأعمال الدراميّة  وحتى تضمن الجمني الاستحواذ على الجمهور لا تراهن على الانتصار بالنقاط إنّما تتوخّى أسلوب الضربة القاضية، فالمتفرّج حينما يجد نفسه منذ الوهلة الأولى من المسلسل إزاء حادثة قتل أو انتحار أو سطو مسلح أو هروب من مطاردة أو أي مشهد فائق الإثارة يرمي من يده آلة التحكّم ويقع فريسة البدايات الصادمة المتوتّرة وينشغل تمامًا عمّا يُعرض في بقيّة القنوات.

هذه القراءة رغم ما توحي به من طرافة وموضوعيّة تظلّ مفتقرة إلى الحجّة الفنيّة التي التي تفسّر اكتساب الجمني فئة من الجمهور تتّصف فضلاً عن حجمها بكونها ذات "خصوصيّة ذوقيّة" تختلف عن "الخصوصيّة الذوقيّة" التي تمّيز جمهور بعض الأعمال الدراميّة الأخرى مثل "رقوج" وهو ما يقتضي المعالجة الدقيقة الجادّة في مقال آخر. 

الرواسب الذوقيّة والاستدراج.. ثم الخيانة

تراهن سوسن الجمني على رواسب ذوقيّة ترسّخت في أذهان "جمهورها" بفضل النجاحات التي حقّقتها أعمالها السابقة، فهي أشبه ما تكون بنجمات الطرب تفتتح حفلها بالأغنية التي حفظها المتابعون حتى تضمن تفاعلهم معها، ثمّ تمضي إلى عرض الأعمال الجديدة، هذا شأن سوسن في الحلقة الأولى من "الفتنة" فقد أوحت إلى جمهورها منذ البداية أنّ العمل مفتوح على كلّ ألوان الإثارة فأوهمت المتفرّج في الدقائق الأولى بوجود علاقة عاطفيّة متحررة بين شابّ متفتح وفتاة متمردة على أهلها، ثمّ أوهمته ثانية بأنّ المسلسل يتجه شأنه شأن مسلسل "فلوجة" إلى التركيز على مشاغل المراهقين "Teen drama" (ملاهي، عاطفة جيّاشة، جنس، تحرش، عنف..) وقد اعترفت الجمني نفسها في بعض الحوارات أنّها مشدودة إلى هذا اللون من القضايا.

يتفطّن المشاهد في ذهول إلى أنّ العلاقة بين الفتاة والشباب هي علاقة عمّ بابنة أخيه تجمع بينهما صلة مودّة واحترام وحماية، ويتّضح لاحقًا أنّ المسألة الجوهريّة في المسلسل هي الصراع بين الإخوة حول الميراث ودور الأطراف المقربة في تأجيج الأوضاع.

وقد تكرّس هذا المنحى القائم على تخييب التوقّع من خلال الإطلالة الأولى لشخصيّة "شامة" (عزة سليمان)، فقد كان أوّل لقاء بينها وبين "طه" (محمد مراد) في حانة، وقد أخذ الحوار والتواصل البصري بينهما وجهة غراميّة جنسيّة، وفي طريقها إلى البيت تٌخيب الجمني مرّة أخرى أفق انتظار الجمهور ليكتشف أنّ هذا الملمح الحسن اللطيف والقدّ الجميل الأخّاذ أبعد ما يكون عن فتيات الليل، إن هو إلا عقل صلب قويّ مغامر ضالع في تجارة الآثار. 

الجمني تعلم جيّدًا أنّ الجمهور ابن عوائده وأنّ فئة كبيرة من المشاهدين قد شدّتهم في أعمالها السابقة جرأتها على عرض مشاهد انحراف المراهقين والمتزوجين رغم ما تتعرّض له من اعتراضات ذات منحى أخلاقيّ تصدر عن جمهور محافظ يزيده السياق الرمضاني سخطًا.

ما قامت به الجمني في بداية "الفتنة" هو لون من ألوان الإغواء الفنّي المتعمّد فهي تستدرج المتلقّي من خلال الالتزام بما يتناغم مع أفق انتظاره وما ألفه في أعمالها السابقة ثمّ تخونه فتمضي إلى الغرض الرئيسي ذي الأبعاد الاجتماعيّة والوطنيّة، إنّ الجمني في هذا المنحى أشبه ما تكون بالشاعر الجاهليّ قديمًا كان يفتتح قصيدته بالنسيب ( مشاعر المحبّ) والتشبيب ( أوصاف الحبيبة) لأنّه موقن أنّ الجمهور شغوف بالجمال والهيام والعشق والصبابة، وما إن يتمكّن من شدّ المتلقّي حتّى يتّجه إلى الغرض الرئيسي فخرًا كان أو مدحًا أو غيره. 

لا شكّ أنّ الجمني لم تكفّ ولا نظنّها ستكفّ عن معالجة قضايا التحرّش والزنا والجنس والحبّ الطاهر والحب العُصابيّ والإنجاب خارج مؤسّسة الزواج والخيانة والعنف، لكنّ هذه المسائل ضلّت عرضيّة محدودة في "الفتنة" قياسًا إلى القضايا الأمّ سواء من حيث جرأة المشاهد أو حجم الأحداث أو تواتر المقاطع الحواريّة وطولها. تلك القضايا تحتاج إلى الإبانة والتفصيل رغم وضوحها.

الحقّ المفقود.. حقّ الأبناء والمرأة والوطن

لو تمعنّا في طبيعة القضايا الاجتماعيّة والوطنيّة المطروحة لاهتدينا إلى ثلاثة هي السمت والمرتكز الذي تقوم عليه الأحداث، الجامع بينها التنبيه إلى الحقّ المفقود حقّ الأبناء والمرأة والوطن.

أّوّل هذه القضايا ما تعلّق بإشكاليّات الميراث، فلئن كانت المسألة محسومة قانونيًّا فهي في مستوى عاطفيّ وذهني وتنفيذي تثير حرجًا كبيرًا، وهو ما جعل الأخ الأصغر "طه" لا يقتنع بقسمة الفيلا الفخمة التي نشأ وتربّى فيها مع جدّته ممّا يورث في نفسه شعورًا بأنّها ملك له، لا بمنطق الوثائق الرسمية إنما بمقتضى العقد الروحي الذي يربطه بها، وهي نفس الوضعية الحرجة التي وقعت فيها أخته "عائشة" (ياسمين بوعبيد) التي أشرفت على تطوير محلّ صناعة الحلويات وبيعها قبل موت أبيها فإذا بها مدفوعة بقوة القانون إلى القسمة أو التفريط في محلّ تجاري أخذ منها طاقة فائقة تفكيرًا وتخطيطًا وإنجازًا.

أحكمت الجمني تجسيد المواقف واختلاف ردود الأفعال حول هذه المسألة، مسألة الميراث، فوزعتها على نحو يبدو واقعيًّا موضوعيًّا، فالجدّة أقرب إلى الخطاب الوعظي والدينيّ داعية إلى التسامح والصفح والقناعة والأبناء تدفعهم الأنانيّة والعناد والمحيطون بهم (زوجة الأخ الأكبر وزوج الأخت) يحرّكم الخبث والدهاء، وقد ترجمت هذه الحالة المأسويّة "عائشة" (ياسمين بوعبيد) بقولها "وين دمّك وين همّك"، وهي عبارة تحاكي أو تكاد المثل التونسي المشهور "لو كان الخو ينفع خوه ما يبكي يتيم على بوه"، أمّا المحامي فهو صوت العقل المنصف والقانون الذي يتّصف بالصرامة والجمود والبرود وقد تجلى هذا البرود في ملامح المحامي الذي جسده الممثل جمال ساسي بامتياز.

القضيّة الثانية ذات المنحى الاجتماعي ارتبطت بالعنف ضدّ المرأة، غير أنّ هذا العنف لم يتشكّل على النحو الذي شاهدنها في أعمال فنيّة أخرى التي يكون فيها الرجل عربيدًا سكّيرًا جاهلاً على النحو الذي جسده (عاطف بن حسين) في مسلسل "ناعورة الهواء" من إخراج مديح بلعيد، فشخصيّة "مهدي" التي قام بها (معز القديري) بأسلوب استثنائيّ في "الفتنة" مارست على الزوجة العنف والتحيّل والابتزاز الصلب والناعم فكانت صورته أقرب ما تكون إلى "المنحرف النرجسي" وفق ما صرّح به الممثّل نفسه في أحد اللقاءات الإذاعيّة، وبصرف النظر عن طرافة هذه الشخصيّة وعمقها فإنّ الجمني قد تعمدت فتح نافذة على ما تتعرّض له المرأة التونسيّة من عنف تؤكّده الأرقام المتزايدة ولم تفلح التشريعات في معالجته أو الحدّ منه.

لا تزال سوسن الجمني متمسّكة في تشكيل الشخصيات بقاعدة لا يكون فيها الفصل واضحًا صارمًا قطعيًا في الحكم على جلّ الشخصيات، الإنسان في دراما الجمني يتجاذبه قطبان، قطب الخير والحقّ والجمال من جهة وقطب الشرّ والباطل والقبح من جهة ثانية

القضيّة الثالثة ذات بعد وطني مرتبطة بالتجارة الممنوعة فقد بدا "طه" (محمد مراد) مدفوعًا إلى الانخراط في فعل إجراميّ يتمثّل في توظيف شركته قنطرة لتسهيل تهريب الآثار -أو هكذا يبدو في انتظار مفاجآت أخرى-، وهي مسألة في غاية الخطورة قلّما تناولتها الدراما التونسيّة في المقابل كانت حاضرة حضورًا لافتًا في الدراما المصريّة، الرسالة في هذه القضيّة مفتوحة على إدانة للمتورطين في هذا الضرب من الإجرام وتنطوي كذلك على إدانة للسلطة من خلال العديد من هياكلها التي بدت عاجزة عن حماية ثروة وطنيّة بسبب الجهل وعدم الاكتراث وهو ما عبّرت عنه "شامة" (عزة سليمان) حينما أرادت أن تصف لزوجها "طه" (محمد مراد) سهولة العبث بهذه الثروة تنقيبًا وتقليبًا وتقييمًا وبيعًا وشراءً وتسويقًا.

وجهُ الحرج هنا خاصّة في الحلقات 9 و10 و11 في تحوّل شخصيّة "طه" (محمد مراد) إلى مرتبة "البطل الآثم"، فقد  كسب قبل ذلك تعاطف الجمهور نظرًا إلى تعرّضه للإهمال من قبل أبيه ومعاناته من فقد الأمّ منذ كان جنينًا في الشهر السادس، وتحوّل في نظر المتلقيّ إلى رجل يستحق التقدير بعد أن أظهر شهامة في علاقة بأخته لمّا فرّط لها في نصيبه من ميراث محل الحلويات وبعد أن أظهر شجاعة ومودّة في التعامل معها حينما تعرضت للعنف من زوجها ونال إعجاب المشاهد لِما تميّز به من ذكاء وفطنة في فهم ما يحيط به وقدرته على المناورة والمساومة وبدا في صورة الإنسان الحكيم المتوازن لمّا أرغم ابنة أخيه على الاعتذار لأبيها رغم ما حصل بين الأخوين قُبيل ذلك من خصام كاد أن يفضي إلى القتل.

صورة "البطل الآثم" (نحبّه رغم خطاياه) ما انفكّت تتكرّر في أعمال سوسن الجمني ففي "أولاد مفيدة" على سبيل المثال كسب "بدر" (ياسين بن قمرة) و"بيرم" (نضال السعدي) و"إبراهيم" (نسيم زيادية) ودّ الجمهور وتعلّق المراهقين رغم أنهم قد أوغلوا في الانحراف والإجرام، وقد فصّلنا القول في هذا سابقًا من خلال مقال عنوانه "أولاد مفيدة وإشكاليّة البطل الآثم في الدراما التونسيّة".

لو استثنينا شخصية "دوجة" (منى نور الدين) المرأة التي اختزلت علامات الإيمان العجائزي والصدق الفطريّ والسماحة العفويّة، يمكن القول إنّ كلّ الشخصيات في "الفتنة" واقعة بدرجات متفاوتة في الإثم أو السذاجة والافتقار إلى التوازن النفسي إن أحسنّا الظنّ بها، ولئن كان المتفرّج قد حسم موقفه العاطفيّ في "إدريس" (محمّد علي بن جمعة) الأخ الأكبر أكثر الشخصيّات التي تركزت فيها صفات الخيانة والجشع والتحيّل والنفاق والعنف والحسد والطمع فإنّه يظلّ في حرج انفعالّي إزاء الشخصيّات التي تجمع بين المتناقضات ومنها "طه" (محمد مراد) "البطل الآثم". 

لا تزال سوسن الجمني متمسّكة في تشكيل الشخصيات بقاعدة لا يكون فيها الفصل واضحًا صارمًا قطعيًا في الحكم على جلّ الشخصيات، الإنسان في دراما الجمني يتجاذبه قطبان، قطب الخير والحقّ والجمال من جهة وقطب الشرّ والباطل والقبح من جهة ثانية، لكنّ مخرجة الفتنة وصاحبة السيناريو استجابت نسبيًّا إلى جاذبيّة الدراما الكلاسيكيّة من خلال الطابع الوعظي في بعض الحوارات وشخصيّتي "دوجة" (منى نورالدين) الخير المحض و"إدريس" (محمد علي بن جمعة) الشرّ المحض. 

الكلمات المفتاحية

دريسينغ روم.. سطور من التجاعيد تروي ذكريات النساء

"دريسينغ روم".. سطور من التجاعيد تروي ذكريات النساء

"دريسينغ روم" أو غرفة تبديل الملابس، هو عمل فني لا يتعلق بتغيير قطعة قماش تغطي جسدًا ما كما يبدو العنوان، بل يغوص نحو الأعمق، عن التغيير الجسدي الذي يحصل للمرأة عند وصولها لما يسمى "سن اليأس"


"كل حاجة حلوة" في دريم سيتي.. أن تصبح الطفلة طوق نجاة أمها

"كل حاجة حلوة" في دريم سيتي.. أن تصبح الطفلة طوق نجاة أمها

مسرحية "كل حاجة حلوة" وإن كانت من فئة الممثل الواحد، فقد شارك فيها الجمهور كله تقريبًا، ففريق العمل يوزع على الداخلين للفرجة، قصاصات كتبت عليها بعض الكلمات والجمل التي لا يفهم المغزى منها في البداية


صوت هند رجب

"صوت هند رجب".. هل يكفي أن يكون الموضوع جيدًا لصنع فيلم جيد؟

"كانت المخرجة التونسية ذكية في التوجه لأعمال لها جمهور متابع لهذه القضايا محليًا أو دوليًا.. وفي المطلق لا يكفي أن يكون لك موضوع جيد لتنجز فيلمًا جيدًا"


"رقوج" مساحة الوجع الجميل والوفاء الصامت

عرض رقوج.. مساحة للوفاء والوجع

‎عرض "رقوج" هو ليس بالإعادة العمياء أو "المونوتونية" للمسلسل، بل إعادة كتابة مطوّعة للمسرح حملت القضايا الرئيسية للمسلسل بجزئيه، فُكّت بها بعض الرموز المخفية لهذا الأخير.

تونس توقّع اتفاق تمويل مع البنك الدولي بـ430 مليون دولار لدعم التحول الطاقي
اقتصاد

تونس توقّع اتفاق تمويل مع البنك الدولي بـ430 مليون دولار لدعم التحول الطاقي

البنك الدولي: يساعد المشروع على خفض تكاليف إمدادات الكهرباء بنسبة 23%، وتحسين نسبة استرداد تكاليف الشركة التونسية للكهرباء والغاز من 60 إلى 80%

أيام قرطاج المسرحية 2025.. عروض متنوعة ويحيى الفخراني في الافتتاح
ثقافة وفنون

أيام قرطاج المسرحية 2025.. يحيى الفخراني والفاضل الجعايبي في الافتتاح

تتضمن برمجة هذه الدورة من أيام قرطاج المسرحية، 12 عرضًا ضمن المسابقة الرسمية، و15 عرضًا في قسم "مسرح العالم"، و16 عرضًا تونسيًا، و6 عروض عربية وإفريقية


تعرف على قيمة الزكاة في الزيتون والتمر
مجتمع

تعرّف على نصاب زكاة الزيتون والتمر في تونس للعام الهجري 1447

أعلن ديوان الإفتاء في تونس، يوم الخميس 13 نوفمبر 2025 عن نصاب زكاة الزيتون والتمر وسائر الثمار للموسم الفلاحي الحالي 1447هـ ـ 2025 م، وذلك مواكبة لانطلاق موسم جني الثمار، وفق بلاغ له

هيئة المحامين: إنشاء مرصد لمتابعة احترام معايير المحاكمة العادلة في تونس
سیاسة

هيئة المحامين: إنشاء مرصد لمتابعة احترام معايير المحاكمة العادلة في تونس

عقدت الهيئة الوطنية للمحامين بتونس جلسة عامة إخبارية في دار المحامي، يوم الأربعاء 12 نوفمبر 2025 بدعوة من العميد بوبكر بالثابت، أكدت خلالها على ضرورة حضور جميع الجلسات والترافع لضمان حضور المتهمين شخصيًا في قاعات المحاكم، مع رفض المحاكمات عن بعد لما تفتقر إليه من شروط قانونية، وتعد انتهاكاً لمبدأ المحاكمة العادلة عبر حرمان المتهم من الدفاع دون مبرر قانوني

الأكثر قراءة

1
میدیا

زياد دبار: تعليق نشاط جمعية "نواة" سابقة خطيرة وهو قرار سياسي مغلف بقرار إداري


2
اقتصاد

حوار| مستشار جبائي: ضغط جبائي مرتفع وتشجيع الاستثمار غائب في مشروع قانون المالية 2026


3
سیاسة

هيئة الدفاع: فتح تحقيق إداري في الاعتداء على جوهر بن مبارك بعد نقله للمستشفى


4
سیاسة

أحزاب تونسية: إدانة للتنكيل الممنهج بالسجناء السياسيين ودعوة لإطلاق سراحهم


5
سیاسة

تأخير النظر مجددًا في القضية الاستعجالية لإيقاف نشاط الوحدات الملوثة بقابس