استضاف امرأة تدعي "استحضار أرواح الأنبياء".. برنامج يثير استياءً في تونس

أثار برنامج إذاعي على موجات إذاعة خاصة في تونس استياءً واسعًا على خلفية استضافة امرأة تزعم أنها داعية "تستحضر أرواح أشخاص متوفين من بينهم أنبياء".

وكانت إذاعة "ديوان" المحلية قد استضافت، السبت 22 مارس/آذار 2025، في أحد برامجها المدعوّة "سنية الخياري" التي أثارت ضجة واسعة خلال الأيام الماضية، على خلفية قيامها ببثّ مباشر على إحدى منصات التواصل الاجتماعي، زعمت فيه أنها تتحدث مع أشخاص متوفّين، من بينهم رؤساء ومسؤولون سابقون وحتّى أنبياء، على حد ادعاءاتها.

وخلقت استضافة مثل هذه الشخصيات في برنامج إعلامي على موجات إذاعة، غضبًا واسعًا في تونس، وانتقد نشطاء ما اعتبروه ترويجًا لـ"الشعوذة والتضليل" عبر الإعلام.

ووصف القاضي والعضو السابق بالهيئة العليا المستقلة الاتصال السمعي والبصري "الهايكا"، عمر الوسلاتي، في تدوينة له على فيسبوك، ذلك بـ"الحادثة الخطيرة"، معتبرًا أنّ الأمر يستوجب إيقاف البرنامج، حسب تقديره.

وأكد القاضي أنّ "هذا المحتوى لا يعد مجرد انحراف عابر، بل يشكل مخالفة جسيمة لكراسة الشروط التي تحكم عمل الإذاعة، وتحديدًا القسم الثالث المتعلق بالمضامين الإعلامية"، مشددًا على أنّ "هذه المخالفة تستدعي تدخلاً عاجلاً يتمثل في سحب البرنامج فورًا، إيقافه نهائيًا، وإحالة الصحفي المسؤول إلى الجهات المختصة بتهمة نشر الشعوذة، وهي ممارسة تتعارض مع القوانين التونسية والمعايير المهنية"، وفقه.

القاضي عمر الوسلاتي: بث محتوى يروّج للشعوذة تحت ستار استحضار الأرواح يشكل تهديدًا للمصداقية الإعلامية وسلامة المجتمع

وأشار عمر الوسلاتي إلى أنّ "الفصل 23 من كراس الشروط يلزم الإذاعة بضمان "نزاهة المعلومة" و"تعددية الأفكار والآراء وتوازنها بكل موضوعية"، مستدركًا أنّ "الادعاء باستحضار أرواح الأنبياء، دون سند علمي أو واقعي، يناقض مبدأ نزاهة المعلومة بشكل صارخ، إذ يقدم معلومات مضللة تفتقر إلى المصداقية" وأنّ "البرنامج لم يظهر أي توازن أو موضوعية، بل انحاز إلى ترويج فكرة غريبة تدعم الخرافات، مما يتناقض مع التزام الإذاعة بتقديم مضامين رصينة تحترم عقل المستمع"، حسب تقديره.

كما لفت إلى أنّ "الفصل 24 يشدد على ضرورة "احترام مختلف الحساسيات السياسية والثقافية والدينية"، مع حظر بث "كل خطاب يحرض على التمييز أو الكراهية أو العنف" على أساس ديني أو غيره. الزعم باستحضار أرواح الأنبياء يمس بشكل خطير الحساسيات الدينية، إذ يستخدم رمزية الأنبياء التي تحظى بمكانة مقدسة لدى الجمهور في سياق يمكن اعتباره استغلالًا أو تشويهًا للمعتقدات"، مؤكدًا أنّ "هذا الفعل قد يثير الانقسام والجدل، وربما الكراهية بين من يرفضون هذه الادعاءات ومن يروجون لها، مما يجعل المحتوى مخالفًا لهذا الفصل بوضوح".

زد على ذلك، يشير القاضي إلى أنّ "الفصل 25 يضيف بُعدًا آخر للمخالفة، حيث يلزم الإذاعة بـ"عدم بث ما يدعو إلى الإقصاء والتهميش والثلب"، و"منع نشر أخبار زائفة أو اتهامات دون مؤيدات"، موضحًا أنّ "الادعاء باستحضار الأرواح ليس فقط خبرًا زائفًا لا دليل عليه، بل يمكن أن يُفسر كدعوة ضمنية إلى التهميش الفكري لمن يرفضون هذه الممارسات، مما يضعها في خانة الشعوذة التي تتناقض مع كرامة الذات البشرية والقوانين النافذة".

وفيما يلي نصوص الفصول 23 و24 و25 من قرار الهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعيّ والبصريّ عدد 1 لسنة 2014 المؤرخ في 5 مارس/آذار 2014 والمتعلق بإصدار كراس الشروط للحصول على إجازة إحداث واستغلال قناة إذاعية خاصة بالجمهورية التونسية:

وشدد القاضي على أنّ "التزام الإذاعة بكراسة الشروط ليس خيارًا بل واجبًا قانونيًا وأخلاقيًا"، مؤكدًا أنّ "بث محتوى يروّج للشعوذة تحت ستار استحضار الأرواح يشكل تهديدًا للمصداقية الإعلامية وسلامة المجتمع، خاصة في ظل توقف الهيئات الرقابية وانتهاء إجازات العديد من الإذاعات دون تجديد". 

وخلص العضو السابق بالهايكا إلى أنّ "هذا الوضع يتطلب ردًا حاسمًا يتمثل في سحب البرنامج، إيقافه، ومحاسبة المسؤولين عن هذا التجاوز الخطير، لضمان عودة الرقابة والالتزام بالمعايير المهنية"، حسب تقديره.

وشاطرت القاضية روضة القرافي رأي القاضي عمر الوسلاتي، في اعتباره أنّ محتوى البرنامج الإذاعي لا يعدو أن يكون "شعوذةً".

القاضية روضة القرافي: عوض إحضار عالم وأخصائي نفساني لتوعية الناس أصبح المصدح يفتح في اتجاه واحد لمُدّعية الوساطة في الوحي واستحضار الأنبياء

ودوّنت، على صفحتها بموقع التواصل فيسبوك: "أصبحت المساحة الإعلامية الواسعة تتاح والمصدح يُفتح في اتجاه واحد إلى مُدّعية الوساطة في الوحي واستحضار الأنبياء"، مضيفةً: "ذلك ما حصل بإحدى الإذاعات عوض إحضار عالم وأخصائي نفساني لشرح هذه الحالات وتوعية عموم الناس بها وبطرق علاجها، أو على الأقل لمواجهة خطاب بخطاب في نفس المساحة الإعلامية حتى لا يبقى الأثر السلبي لخطاب الشعوذة وغياب العقل قائمًا ومصدّقًا أمام ضعف وارتباك مقدم البرنامج محاور "الداعية"، وفق تعبيرها.

في نفس الإطار، انتقد صحفيون مضمون البرنامج الإذاعي، معبّرين عن استيائهم منه ومعتبرين أنّ الوصول إلى هذا الوضع سببه غياب هيئة تعديلية تراقب المحتوى الإعلامي، بعد تعليق نشاط الهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي البصري "الهايكا".

كما اعتبروا أنّ "ما يثير الأسف هو فتح المجال من قبل بعض وسائل الإعلام لمثل هذه الخرافات، بحجة كشفها أو محاورتها"، مؤكدين أنها "في الحقيقة تمنحها منصة لتنتشر بين الناس، إذ لا يمكن مواجهة الدجل بمنحه مساحة إعلامية"، حسب تقديرهم.