25-أغسطس-2022
طلاق

يحذر مختصون من ارتفاع حالات الطلاق في تونس ومن خطر انهيار الأسرة كنواة أولى للمجتمع (صورة توضيحية/ Getty)

 

"لم تكن لي به من قبلُ معرفة، أول مرة قابلته فيها، كانت عند زيارته لمقرّ عملي للتعارف، 6 أشهر فقط كانت الفترة الفاصلة بين تعارفنا وزواجنا"، تقول حنان لـ"الترا تونس"، "ظننت أنني أحسنت الاختيار باختياري رجلًا يكبرني بـ9 سنوات، نال نصيبه من تجارب الحياة وتقدّم مباشرة لخطبتي من أهلي".

وتضيف حنان: "تتالت صدماتي منذ الليلة الأولى لزواجنا، واكتشافي أنه يعاني من العجز الجنسي والعقم، كان على علم بذلك ولم يخبرني، حتى ابنه تبين أنه متبنى منذ زواجه الأول، كما أخفى عني إصابته بداء السكري.. كانت تمرّ الأشهر الطويلة قبل أن تحصل بيننا علاقة حميمية مثل أي زوجين، بالإضافة إلى مشاكل كثيرة تسببت فيها عائلته جراء تدخلهم في حياتنا بغير الحسنى، حاولت معه الكثير وطلبت منه عديد المرات أن يتلقى المساعدة الطبية لكنني كنت أجابه بالرفض القاطع من قبله، مما اضطرني لطلب طلاق إنشاء بعد 3 سنوات من الزواج، والتنازل عن كافة حقوقي والضرر الحاصل لي".

ترتفع نسب الطلاق في تونس العام تلو الآخر وبحسب وثيقة صادرة عن وزارة العدل بلغ عدد حالات الطلاق في تونس حسب آخر إحصاء يعود لسنة 2019، 17306 حالات طلاق

كانت هذه أحداث واقعية روتها لنا حنان (اسم مستعار) حول تجربتها التي وصفتها بالمريرة عن الزواج، وهي ليست إلا واحدة من بين كثيرين، رجالًا ونساء، يعانون في صمت من تجارب زواج فاشلة آلت إلى أروقة المحاكم والطلاق بطريقة أو بأخرى.

ليس بمعزل عن قصة حنان، التقى "الترا تونس" خلود (اسم مستعار) هي أيضًا شابة في أوائل الثلاثينات مازالت قضية طلاقها جارية، نظرًا لأن حالات الطلاق للضرر تطول إجراءاتها في تونس. تقول خلود في حديثها لـ"الترا تونس": تعرضت في كثير من المرات للاعتداء بالعنف من قبل زوجي، كان يحرمنا من النفقة ويخفي عنّا كل أمواله، لينفقها فيما بعد على عائلته رغم أنهم في غير حاجة، كان بخيلًا وسيّء المعشر، وعلى الرغم من أنني لم أكن مسؤولة من أبي إلا أنه الوحيد الذي أعالني وابنتي، بعد منع زوجي لي من البحث عن عمل. النقطة التي أفاضت الكأس بالنسبة لي كانت عند إصابتي بفيروس كورونا واعتداء زوجي عليَّ بالعنف الشديد بتعلّة أنني أردت أن أنقل العدوى له ولأمه انتقامًا منهما!".

وإن تعددت الأسباب فالنتيجة دائمًا واحدة، وقوع الطلاق بين الزوجين. وبحسب وثيقة صادرة عن وزارة العدل التونسية بلغ عدد حالات الطلاق في تونس حسب آخر إحصاء يعود لسنة 2019، 17306 حالة طلاق، 10195 بطلب من الزوج و7111 بطلب من الزوجة.

صورة

 

ويحذر الكثير من المختصين من ارتفاع حالات الطلاق في تونس، ومن خطر انهيار الأسرة كنواة أولى للمجتمع، لأن الطلاق على الرغم من أنه يمثل حلًّا ينهي معاناة الكثير من  الأزواج، غير أنه في كثير من الأحيان الأخرى يمثل صدمة للوالدين وللأبناء على حد سواء يصعب التعافي منها. في هذا التقرير سنحاول الوقوف على أسباب الطلاق من جوانب نفسية واجتماعية وقانونية ومعرفة مدى انعكاسه على العائلة والأفراد كحدث فارق في حياتهم.

  • "تغيّر مكانة الرجل بتغيّر المجتمع"

وقال المختص في علم النفس عبد الباسط الفقيه، في تصريح لـ"الترا تونس"، إن تونس تشهد آلاف حالات الطلاق سنويًا والعشرات يوميًا، هذا دون احتساب الصراعات التي تسبق حالات الطلاق، وهو أمر مثير للانتباه يعكس الأزمات التي نعيشها على غرار كل البلدان التي تعيش تحولات كبرى وأزمات اقتصادية وثقافية بالأساس، مضيفًا أن "مكانة الرجل تغيرت ولم يعد صاحب القوامة ماليًا ولم يعد المشرف الأول على مسؤولية تربية الأطفال وتحديد وجهة العائلة".

عبد الباسط الفقيه (مختص في علم النفس): الأزمات التي يعيشها المجتمع من شأنها خلق نوع من التوتر مما يدفع الأزواج الذين لا استعداد مسبق لهم للصبر على الحياة الزوجية إلى الفراق

وتابع عبد الباسط الفقيه: "بالتأكيد صدى الأزمات التي يعيشها المجتمع سيكون لها انعكاس على التوتر الداخلي للبيوت ويدفع الأزواج الذين لا استعداد مسبق لهم للصبر على الحياة الزوجية إلى الفراق"، مشيرًا إلى أن "العديد من القضاة كشفوا منذ سنوات أن الكثير من حالات الطلاق تكون لأسباب تافهة كان من الممكن التحكم فيها وإدارتها لو خضع الزوجان لتكوين قبل الزواج حول صعوبات الحياة الزوجية وإدارة الانفعالات"، معقبًا: "أكاد أجزم في بعض الأحيان أن لا رغبة للطرفين في تعلم كيفية إدارة الانفعالات ولا التربية المالية وإدارة الميزانية العائلية"، حسب تصوّره.

ويستطرد المختص في علم النفس: "الكثير من الأزواج يشتكون من إهمال بعضهم البعض. من غير المعقول أن يحتفي الأزواج بأصدقائهم وزملائهم أكثر من احتفائهم بشركائهم، كما أنه من غير المعقول إهمال الحياة الحميمية (الجنسية) للزوجين، العجز عن القيام بالواجبات الحميمية يكون له انعكاس مباشر على العلاقة، لأن إشباع الحاجة الجسدية من أهم أسباب الارتباط والاعتماد على القنوات الرديئة للتثقيف لا يفيد لصياغة حياة جنسية سوية بين الزوجين"، متابعًا: "الكثير من الأزواج يطلبون المساعدة بالحبات الزرقاء (الفياغرا) منذ الأيام الأولى لزواجهم، كما لا يمكن أن نغفل أنّ عديد الإدمانات وعلى رأسها إدمان المخدرات يتسبب في غياب القدرة الجنسية وإذا ما غابت القدرة يغيب الإشباع وبغيابه إما يتمّ التوجه للبحث عن مصادر أخرى للإشباع أو الطلاق".

وأشار الفقيه إلى أنه "لا يجب إهمال فكرة طلب المساعدة من الخبراء في أي أزمة، فالاعتماد على الأصدقاء أو الوشاة (ناقلي الأحاديث) يجعل الناس ينعزلون بأنفسهم ومشاكلهم أو يعرّض خصوصياتهم للانتهاك، في حين  من الأفضل لهم الاتصال بخبير أو مختص"، حسب رأيه.

وخلال خمس سنوات ارتفع عدد حالات الطلاق بحوالي 2324 حالة، وفق آخر احصائيات وزارة العدل، إذ بلغ العدد الجملي للحالات سنة 2015، 14982 حالة، ليرتفع سنة 2016 إلى 15632 حالة طلاق، فيما بلغ عدد الحالات سنة 2017، 16452 حالة، ثم ارتفع سنة 2018 إلى 16750 حالة، وإلى 17306 حالة طلاق سنة 2019.

  • الطلاق الصامت

للتطرق للجوانب الاجتماعية وأسبابها وانعكاسها على طرفي العلاقة، اتصل "الترا تونس" بالأكاديمي والمختص في علم الاجتماع سامي نصر الذي قال: "ما يجلب الانتباه من الجانب السوسيولوجي ليس الأرقام المرتفعة لحالات الطلاق، إنما الطلاق الصامت وهو تعايش زوجين ظاهريًا في سعادة وهناء لكن عمليًا هناك انفصال كلّي يتطور شيئًا فشيئًا حتى يحدث الطلاق الفعلي بينهما في صورة عدم معالجته"، مستطردًا القول: "ما نحتاجه فعلًا اليوم دراسة جوانب الطلاق الصامت لأن لا طلاق يحدث دون المرور بحالة طلاق صامت"، موضحًا أن "من أهم أسباب الطلاق الصامت غياب الحوار والتواصل بين الأزواج وتعويضه بوسائل التواصل الاجتماعي، كل المشاكل التي نعاني منها لها علاقة بنقص في الاتصال والتواصل وبمفهومنا الخاطئ للحياة الزوجية".

سامي نصر (مختص في علم الاجتماع): من أهم أسباب الطلاق الصامت غياب الحوار والتواصل بين الأزواج وتعويضه بوسائل التواصل الاجتماعي

ويتابع سامي نصر: "في علم اجتماع الصورة لا نتفاعل مع بعضنا كبشر، إنما كصور ولكل منا 3 صور على الأقل، الصورة التي نريد أن نظهر بها، والصورة التي نريد إخفاءها وصورتنا الحقيقية. قبل الزواج يسعى الزوجان لإظهار أحسن صورة لهما ليصطدما بالواقع بعد الزواج.

وعلى عكس ما يعتقده الشارع والمجتمع التونسي والعربي، يؤكد  نصر أنّ مقولة "في العلاقات الزوجية من يحب يجب أن لا يقف عند كل كبيرة وصغيرة (إلي تحبو عديلو) هي في الحقيقة خطأ شائع يقع فيه أغلب الأزواج"، موضّحًا أن السكوت على الخطأ وعدم حله بينهما سيتسبب بالضرورة في تراكمات تصل حتمًا إلى الانفجار فيما بعد، لأنه لم يتم النقاش حول المشكل ولم يُتجاوز".

وواصل المختص في علم الاجتماع: "الهند البلد الأول في العالم الذي يعاني من ارتفاع حالات الطلاق فيه، وهو ما دفع المسؤولين لسن قانون يقضي بإجبارية تكوين الأزواج المستقبليين لمدة ستة أشهر في كل ما له علاقة بكيفية التعامل بينهما حتى في كيفية تسيير العلاقة بين الحماة وزوجة الابن"، معقّبًا: "مع الأسف في تونس لم تعد أسرنا متلاحمة، من يتزوج صار ينفصل كليًا عن عائلته، وفي ظل غياب التجربة يجد الزوجان نفسيهما وجهًا لوجه مع صورهم الحقيقية التي لا يعرفونها وبالتالي يحدث الاصطدام من أول لقاء"، حسب تقديره.

وشدد نصر على أنه "من أجل دراسة ظاهرة  انتشار الطلاق يجب الابتعاد عن الإثارة والأرقام المفزعة، للحد من انعكاسات الطلاق والمشاكل بين الأزواج على العائلة والأبناء والمجتمع والحياة المهنية"، مردفًا: "ليس عيبًا أن نفشل في الزواج لكن العيب أن نفشل في الطلاق، لأن الطلاق يؤثر آليًا على وضعية الأطفال وعلى طرفي العلاقة".

في ذات السياق، أوضح نصر أن "العجز الجنسي أو عدم التوافق الجنسي بين الزوجين يمكن أن يكون السبب الخفي وراء عديد حالات الطلاق على اعتبار أنه موضوع مسكوت عنه في ظل غياب الحوار والتواصل والوضوح"، متابعًا: "هناك سبب آخر لا نتحدث عنه وهو عقلية المقاس، كلّ يريد زوجًا حسب مقاييسه فيكون صراع المقاسات، لو كان لنا عقلية قبول الآخر أو المختلف عنا، لَفهمنا أن على كل منا قبول الآخر كما هو دون أن يبذل الجهد لإرضائه"، حسب تصوّره.

  • العنف اللفظي والجسدي

في سياق آخر ولتناول الموضوع من منطلق قانوني، تحدثنا مع المحامي مالك بن عمر الذي اعتبر، في تصريح لـ"الترا تونس"، أن "معدل نسب الطلاق في تونس ليس مرتفعًا بالمقارنة مع دول على غرار لبنان والكويت ومصر والسعودية، إذ تأتي تونس في المرتبة العاشرة وهي مرتبة ليست منذرة بالخطر، أغلب الزيجات تجد طريقها لعلاقة مستقرة ودائمة، المشكل في تونس في كيفية انطلاق الزواج إذ يكون الزواج هدفًا في حد ذاته للهروب من تأخر سن الزواج بالنسبة للمرأة ولوجود الإمكانيات المادية بالنسبة للرجل وتلبية الرغبات".

أما المشكل الثاني، حسب بن عمر، فيكمن في "إخفاء الطباع الحقيقية للزوجين واكتشافها في اليوم الموالي للزواج،  وهو ما يحدث نوعًا من الصدمة يتمكن البعض من تجاوزها ولا يجد آخرون طريقًا لذلك، إذ يحدث الشرخ من أول يوم ويتوسع شيئا فشيئا ليتحول إلى خلافات وصراعات وتدخل العائلات في خصوصيات الأزواج بغير الحسنى".

مالك بن عمر (محامٍ): القانون في تونس نظريًا يضمن حقوق المرأة لكن عمليًا لا يعاقب على العنف "الخفيف" المستشري بكثرة بين الأزواج، بالتالي تضطر المرأة لرفع قضية طلاق إنشاء وخسارة حقوقها

ويتابع بن عمر: "بطبيعة الحال للجانب الاقتصادي دور مهم أيضًا، إما بامتناع الزوج عن الإنفاق على عائلته أو لعدم قدرته على ذلك"، مستبعدًا أن يكون الجانب الحميمي سببًا رئيسيًا في غالبية حالات الطلاق، معتبرًا أن "ما يحدث بين الزوجين ليس عجزًا جنسيًا إنما برود جنسي يولّد بطول المدة توترًا في العلاقة بين الزوجين، لكنه لا يذكر كسبب حقيقي بل كنتيجة، حسب رأيه.

ونبّه المحامي مالك بن عمر إلى أن "السبب الرابع هو العنف اللفظي والجسدي، فعدد كبير من النساء يتعرضن للعنف، في الغالب هو عنف لا يمكن إثباته، لأنه من قبيل العنف الخفيف ويحدث في مقر الزوجية من قبيل الصفع والدفع، لكنّه يبقى عنفًا يمكن أن يسبب صدمات للزوجة"، مستدركًا: "القانون في تونس نظريًا يضمن حقوق المرأة التونسية لكن عمليًا لا يعاقب على العنف الخفيف المستشري بكثرة بين الأزواج، بالتالي تضطر المرأة لرفع قضية طلاق إنشاء وخسارة حقوقها"، وفقه.

وختم بن عمر حديثه لـ"الترا تونس" قائلًا: "إجراءات الطلاق في تونس صعبة ولها خصوصيتها المختلفة عن باقي البلدان العربية فالقانون عمومًا يحمي العائلة من الطلاق لكن طول هذه الإجراءات يخلق مشاكل بين الأزواج نظرًا لطول فترة التقاضي والفترة الفاصلة بين الانفصال والطلاق، أين تستعمل فيها كل الأسلحة ويرتهن فيها الأطفال".