12-ديسمبر-2018

وقف " الكلون الثائر" صامتًا في حزن لا يبالي بالموسيقى الصاخبة (يسرى الشيخاوي/ الترا تونس)

في افتتاح الدورة العشرين لأيام قرطاج المسرحية، وقف "كلون ثائر"، مهرج مارق عن السائد والمألوف، صامت في حزن لا يبالي بالموسيقى الصاخبة من حوله، ولا برقص المهرجين الآخرين واستعراض الألوان والبسمات.

المهرجون يقفزون ويوزعون الفرح بين المقبلين على العروض التي انتظمت بمحيط مدينة الثقافة، إلا "الكلون الثائر" أبى إلا أن يقف وسط الحشود، لا يعبأ بالعابرين ولا ابتساماتهم ولا ضجيج الحياة من حوله، يحمل بين يديه أملًا في حياة يحبها ولكنها تدبر عنه أحيانًا.

بكاء المهرج ليس إلا صرخة في وجه واقع جعله أسير مرض عصبي دماغي يصدر المصاب به حركات وأصوات وكلمات لا إرادية

عينان باكيتان، تؤويان وجعًا وألمًا، وفمًا اتخذ الصمت دينًا بعد أن أعياه الكلام في عالم يقول عنه "الكلون الثائر" محمد رمزي حمزة إنه لا يحترم الاختلاف. "لست فخورًا ببلدي تونس.. أنا أعاني من مرض متلازمة توريت.. وأنتم لا تفقهون التعامل مع الاختلاف.. أين حقوقي بصفتي مواطنًا"، هذا ما دوّنه "الكلون الثائر على لافتة حملها على أمل أن يحظى بحقه في الحياة وينجو من براثن متلازمة توريت، وفق حديثه لـ"الترا تونس".

وبكاء المهرج ليس إلا صرخة في وجه واقع جعله أسير مرض عصبي دماغي يصدر المصاب به حركات وأصوات وكلمات لا إرادية، هو عاجز عن السيطرة عليها وعلى التشنجات التي تنتابه دون إنذار ليقصف به الألم، على حدّ تعبيره.

وقف "الكلون الثائر" وسط الحشود لا يعبأ بالعابرين ولا ابتساماتهم ولا ضجيج الحياة من حوله (يسرى الشيخاوي/ الترا تونس)

محمد رمزي حمزة يعيش حالة من التوتر والاضطراب تجعله غير قادر على النوم ولا الأكل ولا العمل بطريقة طبيعية، هي حالة لا علاج لها سوى المسكنات الكيميائية التي تجعل من الانسان عبدًا لها وتؤثر فيه سلبًا، وفق ما رواه حمزة لـ"الترا تونس". وفي حديثه حول حالته، يقول حمزة إنّ البديل الوحيد الأدوية الكيميائية هي الماريخوانا الطبية باعتبارها المادة الطبيعية الوحيدة القادرة على تخفيف حدة التشنج.

و"الكلون الثائر" إنسان لم يطلب من الدولة سوى حقه في الصحة وفي حياة كريمة، دق أبواب وسائل إعلام كثيرة وزاده طلب وحيد سن قانون يمكنه من العلاج بالماريخوانا الطبية، ولكن طلبه لم يجد سبيله إلى عرابي التشريع في تونس.

اقرأ/ي أيضًا: حينما ننتصر إرادة التحدي.. قصة شاب يعاني "الديسلكسيا" يجتاز الباكالوريا بنجاح

"الكلون الثائر" لجأ إلى المسرح ملاذًا ومتنفسًا ولم ينقطع عن الاحتجاج بصفة دورية منذ سنة 2013

وبين تجاهل الدولة لحالته الصحية ووضعه الاجتماعي والاقتصادي وتطبيع المجتمع مع الميز على أساس الوضعية الصحية، يراوح "الكلون الثائر" مكانه من احتجاج إلى احتجاج دون أن يكون لصرخاته المتتالية دون انقطاع صدى، وفق روايته.

ونفس اللافتة التي رفعها في افتتاح أيام قرطاج المسرحية، رفعها منذ خمس سنوات في شارع الحبيب بورقيبة مطالبًا بحقه في الشغل والكرامة الوطنية، تلك الشعارات التي ردّدها مواطنون ذات ثورة، لكن الوضع لم يتغير.

سنة بعد سنة ومحمد رمزي حمزة لا يتوقف عن المطالبة بحقه في العلاج بالماريخوانا الطبية رغم هالة الصمت والتجاهل التي تحدق بهذا الموضوع، وهو اليوم قرّر أن يثور في صمت وأن لا يتكلّم مجدّدًا في وسائل الإعلام. هو لا يرغب إلا في التفاتة من السلطات بسن قانون يمكنه من حقه في الحياة والكرامة والعلاج بالماريخوانا الطبية دون تتبعات قضائية، هو يتوق إلى لحظات يعيشها دون تشنجات وتوتر، هو يرنو إلى السيطرة على حركاته وكلماته وصوته.

اقرأ/ي أيضًا: بحثًا عن لعب لابنه: تونسي يخترع ألعابًا تساعد أطفال التوحد

" الدواء حق مش مزية"، "كرامتي في خدمة نص وقت".. مطالب رفعها "الكلون الثائر" في صمت

"الكلون الثائر" لجأ إلى المسرح ملاذًا ومتنفسًا، ولم ينقطع عن الاحتجاج بصفة دورية منذ سنة 2013، ولم يفرط في أمل إيجاد حل له ولكل من يشكو من ملازمة توريت، هم مواطنون حقهم في الحياة معلق وحقهم في العمل معلق، حسب ما جاء على لسان محمد رمزي حمزة. " الدواء حق مش مزية"، "كرامتي في خدمة نص وقت"، مطالب رفعها "الكلون الثائر" في صمت، هو أراد بصمته وبدموعه التي حجبت وجوه المهرجين المبتسمين من حوله أن يكسر حاجز صمت الدولة عن معاناة المصابين بملازمة توريت.

"خذيتو الدنيا الكل ما نحب كان حياة غير درجين"، جملة عبّر بها محمد رمزي حمزة عن رغبته في حياة أخرى مغايرة للحياة التي يحياها اليوم تحت وطأة تشنجات لا ولي لها ولا سيّد، تسيطر على حركاته وصوته دون سابق إنذار وتعرّضه أحيانًا للسخرية من قبل أشخاص لا يؤمنون بالاختلاف ولا يهتمون لمشاعر الآخر.

"الكلون الثائر" اختار أن يصمت وأن يعلّق أمله في الحياة وفي الشغل وفي الكرامة الوطنية في انتظار لفتة من الدولة للمصابين بمتلازمة توريت، لفتة تمكنهم من حقهم في العلاج بالماريخوانا الطبية.

 

اقرأ/ي أيضًا:

انتصرن على السرطان.. حديث عائدات من المرض "الخبيث"

بطولة شاب قهر مرضه النّادر بـ"كمال الأجسام"