16-أبريل-2018

اتحاد الشغل متمسك برحيل يوسف الشاهد (صورة أرشيفية)

دخلت علاقة الاتحاد العام التونسي للشغل مع الحكومة منعرجًا جديدًا بعد "استعراض العضلات" الذي قامت به المنظمة الشغيلة يوم الأحد 15 أفريل/ نيسان 2018، من خلال تجمع عمالي "ضخم" نظمه الاتحاد الجهوي للشغل بمدينة صفاقس في مشهد أعاد لذاكرة الكثيرين مسيرة 12 جانفي/ كانون الثاني 2011 التي كان لها دور حاسم في الإطاحة بنظام بن علي.

اتحاد الشغل اقترح تشكيل حكومة مضيقة وإلغاء كتابات الدولة

اقرأ/ي أيضًا: تصاعد التوتر بينهما: هل تفقد حكومة الشاهد دعم اتحاد الشغل؟

الجموع بدأت في التوافد أمام مقرّ الاتحاد الجهوي للشغل بصفاقس منذ الساعة التاسعة صباحًا. لم يكن العدد آنذاك كبيرًا جدًا ولكنه تضاعف بشكل كبير بعد العاشرة صباحًا وشرعت النقابات الأساسية بالجهة، كلّ على حدة، تجول بعض شوارع المدينة وصولًا إلى مقر الاتحاد الجهوي حيث تجمهر الآلاف من العمال ومنخرطي اتحاد الشغل. وفي الجهة الأخرى من مدينة صفاقس، وفي مقابل الآلاف الذين غنوا ورددوا شعارات تدعم الاتحاد، بدت الحياة في "المدينة العربي" من صفاقس شبه طبيعية. المحلات التجارية مفتوحة وأناس يتجولون غير عابئين بجزء من المعارك السياسية، التي دارت في ذلك اليوم على بعد أمتار قليلة منهم.

فالمعركة بين اتحاد الشغل وحكومة يوسف الشاهد لم تعد خافية على أحد ولكنها أصبحت كذلك حامية الوطيس خاصة مع تمسك المنظمة الشغيلة برحيل الشاهد رغم أن قياداته تؤكد في مختلف تصريحاتها الإعلامية أن مصير الأخير مرتبط بقرار الموقعين على وثيقة قرطاج وما ستفرزه اجتماعات اللجنة المنكبة على تحرير وثيقة قرطاج 2.

اقرأ/ي أيضًا: في ظل تباين مواقف الشاهد واتحاد الشغل: أي مصير للمؤسسات العمومية؟

الأمين العام لاتحاد الشغل أطلق في التجمع العمالي بصفاقس رسائل سياسية بالجملة. وتحدث في كلمته عن "حكومات ظلّ ودويلات داخل الدولة". نور الدين الطبوبي لم يكتف بهذا الحدّ. بل جدّد في حوار إذاعي الدعوة إلى ضخ دماء جديدة وإلى تحوير وزاري وكشف أن اتحاد الشغل اقترح تشكيل حكومة مضيّقة وإلغاء كتابات الدولة مبينًا أنه سيتمّ بحث هيكلة الحكومة في اجتماع لجنة وثيقة قرطاج 2 يوم الأربعاء المقبل. الطبوبي ذهب إلى أن التقييمات التي قام بها الاتحاد داخل هياكله وأطره تتضمن مؤشرات سلبية رغم تأكيده أن المنظمة الشغيلة لا يمكن أن تعلن عن موقفها الصريح من رئيس الحكومة كي لا تؤثر على شركائها في وثيقة قرطاج.

خطاب الأمين العام لأكبر مركزية نقابية في تونس يؤكد مرة أخرى أن اتحاد الشغل رفع يده عن يوسف الشاهد بعد أن كان مسانده الأكبر والأقوى، خصوصًا إثر انسحاب عدة أحزاب من وثيقة قرطاج في نسختها الأولى وحالة الصراع التي تعيشها حركة نداء تونس بين مديرها التنفيذي حافظ قائد السبسي ورئيس الحكومة والتي تجلّت بشكل خاص في انتقاد قيادات النداء للمستشارين المحيطين بيوسف الشاهد في القصبة.

خطاب الأمين العام لاتحاد الشغل في صفاقس يؤكد مرة أخرى أن الاتحاد رفع يده عن يوسف الشاهد

علاوة على ذلك، يبدو أن الشاب الذي أراده رئيس الجمهورية مطيعًا له أراد أن يكون "رئيس حكومة فعلي". ونظرًا لافتقاده للخبرة السياسية الضرورية، وجد نفسه وسط جيش من المستشارين قادوه على الأغلب لما أغضب رئاسة الجمهورية وخلق توترًا بين الطرفين. كما أن "رئيس الحكومة أثبت فشله في عديد الملفات التي تولاها"، وفقًا لتصريحات الطبوبي، "بدءًا من ملف الكامور الذي لولا تدخل اتحاد الشغل وأمينه العام لتواصل الاعتصام إلى اليوم، وصولًا إلى الحرب على الفساد التي على الرغم من الزخم التي رافقها في البداية، باتت كفقاعة إعلامية أكثر منها حربًا فعلية خاصة أن شبهات فساد تحيط بوزراء في الحكومة وأعضاء فيها"، وفق أمين عام الاتحاد.

حكومة يوسف الشاهد لم توفق في عديد الملفات كملف الكامور والمفروزين أمنيًا وعمال الحضائر ما بعد الثورة وغيرها من القضايا الحارقة، حسب الاتحاد أيضًا. ولعلّ القطرة التي أفاضت الكأس بالنسبة للمركزية النقابية هي إصرار الحكومة على تنفيذ توصيات صندوق النقد الدولي والتفويت في عدد من المؤسسات العمومية وهو أمر يعتبره اتحاد الشغل خطًا أحمرًا، وطالما نفاه مسؤولون في حكومة الشاهد.

وهذا ما شدد عليه نور الدين الطبوبي، خلال كلمته في صفاقس، عندما قال إن اتحاد الشغل لن يسمح بالتفويت في المؤسسات العمومية وإن هذا الأمر محسوم بالنسبة إليه، مفيدًا أن الحكومة تريد التفويت في مؤسسات تعود بأرباح على الدولة كالوكالة الوطنية للتبغ والوقيد وبنك الإسكان وميناء رادس وشركة الخطوط التونسية، لا مؤسسات تتسبّب في خسائر كما تدعي، وفق تصريحاته.

اقرأ/ي أيضًا: الطبوبي: نحن مع تشكيل حكومة مضيّقة ووسائل الإعلام تتلقى تعليمات لمهاجمتنا

مصادر نقابية لـ"الترا تونس": التحوير الوزاري سيكون بعد الانتخابات البلدية

وعلى الرغم من أن قيادات اتحاد الشغل أعربت في مناسبات سابقة عن تمسكها بالتحوير الوزاري قبل موعد الانتخابات البلدية، كشفت مصادر نقابية لـ"الترا تونس" أن التحوير سيتمّ بعد الاستحقاق البلدي، رافضة الإفصاح عن الوزراء الذين سيشملهم التغيير.

يوسف الشاهد يبدو اليوم وحيدًا ودون سند سياسي. حركتا النهضة ونداء تونس لا يمانعان تغييره ما دام ذلك بعد الاستحقاق البلدي. حتى أن بعض قيادات النداء تعتبر أن الشاهد قد فشل أو على الأقل اختار مستشارين ووزراء يفتقرون للخبرة والكفاءة، وفق ما يتضح من تصرحاتهم الإعلامية. أما اتحاد الأعراف فيطالب بدوره بتحوير وزاري عاجل وتشكيل حكومة تكنوقراط. كما خسر رئيس الحكومة، على ما يبدو، شريكًا كان يعتقد أنه يمكنه الاستناد عليه في ظل التغيرات السياسية التي تشهدها الأحزاب وهو اتحاد الشغل، وكان الاخير أول من أطلق عليه نيرانًا لم تعد صديقة.

مصير يوسف الشاهد بدا بعد التجمع العمالي الأخير لاتحاد الشغل في صفاقس وخطاب أمينه العام محسومًا وأيامه معدودة حتى إنجاز الاستحقاق البلدي. هذا الموعد الذي سيكون حاسمًا ومفصليًا لا بالنسبة لمسار الانتقال الديمقراطي للجمهورية التونسية فقط، بل كذلك لطبيعة الحكومة التي ستتشكّل بعد الاستحقاق البلدي الذي تتطلّع إليه جميع الفعاليات السياسية وتشرأب إليه أعناق القيادات الحزبية وخاصة من حركتي النهضة ونداء تونس.

اقرأ/ي أيضًا: الشاهد: الخوصصة ليست غايتنا وبعض "الإصلاحات" من الضروريات

نتائج الانتخابات البلدية قد تقود إلى حكومة ثنائية بين النهضة والنداء

ففوز هذين الحزبين بأغلبية المجالس البلدية في تونس قد يعني التوجه نحو تشكيل حكومة تضمّ الحليفين "اللدودين". وهو ما تؤكده تصريحات قيادات من النداء لعلّ آخرها تصريح القيادي بالحزب خالد شوكات الذي أكد أن نداء تونس سيقوم بتحوير وزاري عميق إذا فاز في الانتخابات البلدية. شوكات نفسه كان قد دعا إلى ضرورة تكوين حكومة ثنائية لا تضمّ سوى هذين الحزبين.

وفي انتظار ما ستفرز عنه الانتخابات البلدية لا تزال البلاد تعيش ما يمكن وصفه بمعركة كسر العظام خاصة بين الحكومة والطرف النقابي الممثل في اتحاد الشغل خاصة مع تشعّب الملفات والقضايا الشائكة التي لا تزال عالقة، فضلًا عن اجتماعات لجنة إعداد وثيقة قرطاج 2 تحت إشراف رئاسة الجمهورية. وفي ظلّ كلّ هذه التعقيدات، قد تكون الحكومة المقبلة بحاجة إلى "فتوى" من الشيخين – الباجي قائد السبسي وراشد الغنوشي – اللذين أثبتت الأحداث أنه لا يمكن لأحدهما أن "يفتي" في أمر سياسي دون رضا الآخر، على الأقل ما دام التوافق بينهما مستمرًا.

 

اقرأ/ي أيضًا:

اجتماع قرطاج: تمسك بدعم اتحاد الشغل والتحوير الوزاري وارد

يوسف الشاهد..تلميذ منفّذ "ما شفش حاجة"