مجتمع

إيقاف تمديد عقود الإعداد للحياة المهنية.. تكريس لهشاشة التشغيل أم وضع حد للاستغلال؟

23 سبتمبر 2025
جدل حول إيقاف تمديد عقد الإعداد للحياة المهنية
شدد مختص في الضمان الاجتماعي على ضرورة توضيح المسألة من الناحية الإجرائية بشأن مصير الأشخاص المعنيين بعقود الإعداد للحياة المهنية (صورة توضيحية/Getty)
حكمة مصدق
حكمة مصدقصحفية من تونس

أثار قرار الوكالة الوطنية للتشغيل والعمل المستقل، القاضي بإيقاف تمديد عقود الإعداد للحياة المهنية (CIVP) ابتداءً من 1 أكتوبر/تشرين الأول 2025، جدلاً واسعًا بين المختصين والشباب والخريجين. ويأتي هذا القرار مع تحديد المدة القصوى للانتفاع بالبرنامج من قبل المؤسسة بـ12 شهرًا لكل منتفع، واستثناء الأشخاص ذوي الإعاقة من حاملي شهادات التعليم العالي أو مؤهل التقني السامي، الذين يمكنهم الاستمرار في الانتفاع بالتمديد.

وأوضحت الوكالة أن أي مطلب للتمديد بعد 30 سبتمبر/أيلول 2025 لن يتم قبوله، مع السماح بتمديد العقود الحالية التي لم تتجاوز مدتها 9 أشهر لاستكمال 12 شهرًا بصفة استثنائية، بينما يبقى تجديد العقود مع مؤسسات أخرى ممكنًا شريطة ألا تتجاوز المدة الإجمالية 24 شهرًا.

وفي هذا الإطار، قال الهادي دحمان، المختص في الضمان الاجتماعي في تصريح لـ"الترا تونس"، إن "الهدف الأسمى لعقود الإعداد للحياة المهنية هو تيسير إدماج الشباب في الحياة المهنية"، مؤكّدًا أن "هذه الآلية يجب أن تُنظر إليها على أنها فرصة للشباب لاكتساب تجربة عملية تُسهل عليهم الدخول إلى سوق العمل، بدلًا من الاكتفاء بالبطالة أو التربصات غير المنظمة".

الهادي دحمان، المختص في الضمان الاجتماعي لـ"الترا تونس": أرى أن إيقاف التمديد في عقود الإعداد للحياة المهنية يقلل من فرص الإدماج في الحياة المهنية ويزيد من هشاشة التشغيل

وأضاف دحمان أن "إصدار الوكالة بيانًا مقتضبًا في آخر لحظة، يوم 12 سبتمبر/أيلول 2025، يثير التباسًا كبيرًا، خصوصًا مع تحديد موعد توقف التمديد بتاريخ 1 أكتوبر/تشرين الأول"، مشددًا على أن مثل هذا البيان "حمال أوجه" من حيث التأويلات وقراءته. وأوضح أن "البيان كان يجب أن يكون أكثر وضوحًا، مع شرح الأسباب والبدائل المحتملة لإدماج الشباب في الحياة المهنية".

وأشار دحمان إلى أنه يمكن "قراءة القرار في إطار مراجعة التشريع الاجتماعي لمجلة الشغل تعكس أنه يهدف إلى الحد من أشكال العمل الهش"، ولكنه أضاف: "أنا لا أرى هذا القرار في هذا الإطار، بل أراه يقلل من فرص الإدماج في الحياة المهنية ويزيد من هشاشة التشغيل"، وفقه.

وشدّد على أن "الشباب الذي يمضي عقدًا للإعداد للحياة المهنية أفضل ممن لا يتمتع بأي عمل"، لافتًا إلى أن "الجامعات اليوم لا تنتج خريجين جاهزين للعمل بشكل فوري، بل يحتاجون غالبًا إلى تكوين إضافي أو تربصات مهنية". وأوضح أن "هذا العقد يمثل فرصة للاطلاع على الحياة العملية وفهم ماكينة الإنتاج في المجتمع"، مؤكدًا أن "تقليل مدة العقد لن يكون في صالح الشباب".

الهادي دحمان، المختص في الضمان الاجتماعي لـ"الترا تونس": الشباب الذي يمضي عقدًا للإعداد للحياة المهنية أفضل ممن لا يتمتع بأي عمل

وأضاف دحمان أن "عمر عقد الإعداد للحياة المهنية يمتد منذ 30 سنة، وأن أي تغيير فيه، مهما كانت الأسباب، يجب أن يكون مصحوبًا بتوضيح مفصل للمنتفعين حول الأسباب وآفاق إعادة تشغيل الشباب وفق الآلية المذكورة". 

وأكّد دحمان لـ"الترا تونس" أن آلية عقود الإعداد للحياة المهنية ليست إيجابية بنسبة 100%، لكنها مكّنت عددًا كبيرًا من الشباب من الاندماج داخل المؤسسات وساعدتهم على تحسين سيرهم الذاتية، مشيرًا إلى أنها "تظل أفضل من البطالة الكلية". وأضاف: "التخلّي عن هذه الآلية يعني التخلّي عن هامش للتوظيف النسبي وتأجيل البطالة الكاملة".

وأوضح دحمان أن "الوكالة الوطنية للتشغيل والعمل المستقل ليست مؤهلة للتشغيل الفوري، ولا يمكنها إجبار المؤسسات الخاصة على استيعاب عدد كبير من العاملين"، مشددًا على أن "الدعم الحكومي في الضمان الاجتماعي والأجور ضروري لضمان استمرارية هذه العقود".

الهادي دحمان: عقود الإعداد للحياة المهنية مكّنت من الشباب من الاندماج داخل المؤسسات (Getty)

وشدد دحمان على "ضرورة توضيح المسألة من الناحية الإجرائية بشأن مصير الأشخاص المعنيين بعقود الإعداد للحياة المهنية"، مشيرًا إلى أن "العقد، الذي تم إقراره أصلاً لتيسير عملية الاندماج، تحوّل بعد ذلك إلى أداة للتشغيل الوقتي، وهو ما لا يتماشى مع روح مراجعة مجلة الشغل التي تهدف إلى الاستقرار الوظيفي".

واختتم دحمان حديثه بالتأكيد على "ضرورة إعلام الشباب بشكل واضح حول هذا القرار لتفادي التأويلات المختلفة"، مشددًا على "أهمية طرح بدائل فعّالة لإدماج الشباب في سوق العمل الذي شهد تغيرات كبرى، مع ضمان الحقوق الاجتماعية التي توفرها هذه العقود".

اقرأ أيضًا: قراءة في تداعيات تنقيح مجلة الشغل في تونس.. هل تحققت الأهداف؟

وفي ذات السياق، عبرت شابة تونسية تخرجت مؤخرًا من معهد الصحافة وعلوم الأخبار، عن قلقها من القرار الجديد إذ قالت إن "سوق الشغل صعب والفرص محدودة، والحصول على وظيفة جيدة مع راتب محترم لا يمكن إلا بعد اكتساب سنوات من الخبرة". وأضافت: "لقد كنت سعيدة بحصولي على هذه الوظيفة وعقد CIVP منحني فرصة الحصول على راتب مقبول وتجربة عملية، وأنا أشعر بالقلق منذ سماع القرار الجديد، لأنني كنت أعتقد أنني سأتمتع بسنتين من الاستقرار والأجر المحترم". وشددت على ضرورة مراجعة القرار في أقرب وقت.

شابة تونسية لـ"الترا تونس": أشعر بالقلق منذ سماع القرار الجديد، لأنني كنت أعتقد أنني سأتمتع بسنتين من الاستقرار والأجر المحترم وأدعو لمراجعته في أقرب وقت

وعلى صعيد آخر كان لياسين الطريقي، عضو المكتب الجهوي لاتحاد الشغل في صفاقس، رأي مخالف إذ قال لـ"الترا تونس": إن القرار الجديد ممتاز إذ أن الهدف الأساسي للعقود هو إدماج الشباب في الحياة المهنية والاقتصادية". وأضاف أن "الدولة ستواصل دعم المنتفعين بمبلغ 200 دينار إلى جانب التغطية الاجتماعية والضمان الاجتماعي لمدة سنة"، مشددًا على أن "هذه الآلية توفر للشباب فرصة للتجربة العملية".

شابة لـ"الترا تونس": كنت أداة لتشغيل مؤقت دون ضمان الاستقرار وتم التخلي عني بعد انتهاء العقد (Getty)

وأوضح الطريقي أن "التقليص في مدة العقد من سنتين إلى سنة واحدة يقلل من فترة استغلال الشباب"، قائلاً: "سنة واحدة كافية لتعليم الشباب وتدريبهم على سوق الشغل، لأن الشركات في السابق تستغل الشباب لمدة سنتين دون منحهم أي امتيازات حقيقية". وأضاف: "بعد انتهاء السنة يمكن للشركة الانتقال إلى عقد عمل حقيقي إذا رغبت في استمرار الاستفادة من خدمات المتخرج، وإلا يمكن للشاب البحث عن فرصة أخرى"، وفقه.

النقابي ياسين الطريقي لـ"الترا تونس": سنة واحدة كافية لتعليم الشباب وتدريبهم على سوق الشغل، لأن الشركات في السابق تستغل الشباب لمدة سنتين دون منحهم أي امتيازات حقيقية

في نفس الإطار، أعربت الشابة التونسية، رحمة شعبان عن وجهة نظر مشابهة، وقالت لـ"الترا تونس": "تجربتي في العمل بعقد الإعداد للحياة المهنية سرقت مني سنتين من حياتي العملية، العقد لم يمنحني أي أمان وظيفي أو امتيازات، بل أصبحت أداة لتشغيل مؤقت دون ضمان الاستقرار المهني وتم التخلي عني تمامًا بعد انتهاء العقد". وأضافت أن "تقليص مدة العقد أو تحسين شروطه أصبح ضرورة لتفادي استغلال الشباب".

الكلمات المفتاحية

العمل الحر في تونس.. واقع يتوسع خارج المنظومة الرسمية وسط تحديات الاعتراف والإدماج

العمل المستقل في تونس.. حرية مهنية تواجه هشاشة قانونية وإدارية

شهدت السنوات الأخيرة في تونس توسعًا ملحوظًا في ظاهرة العمل المستقل أو ما يُعرف بـ"العمل الحر" (Freelance)، حيث اختار العديد من الشباب هذا النمط من الشغل بحثًا عن حرية مهنية واستقلال مادي خارج أطر الوظيفة التقليدية، إلا أن هذا التوجّه المستجد يثير إشكالات متعددة تتعلق بوضعية هؤلاء داخل المنظومة القانونية والإدارية والاجتماعية الوطنية


مقاهي نادل Getty Dominika Zarzycka NurPhoto

سرديات تُضيء مهنة النادل في تونس

في آلاف المقاهي المنتشرة على طول البلاد التونسية، هناك شريحة مهنية لا يُستهان بها تضم آلاف الندل.. ثمة شخصيات وهبتها الحياة ما لم توهبها المدارس، استثنائية وألمعية بحضورها الطاغي أثناء أدائها لعملها


الكفيف في تونس

الكفيف في تونس.. مسيرة مضنية بين عزلة رقمية وفجوة معرفية

"الترا تونس" نقل من خلال التقرير التالي تجارب تلاميذ وطلبة من ذوي الإعاقة البصرية في مسيرة التحصيل الدراسي


طلاق بسبب البنات.. أو حين يُحاسب رحم الأم على جنس المولود

طلاق بسبب البنات.. أو حين يُحاسب رحم الأم على جنس المولود

ثريا التيجاني (محامية) لـ"الترا تونس": هذه الظاهرة غير مرئية إحصائيًا لكنّها حاضرة في الواقع القضائي والمجتمعي خاصة في المناطق الداخلية والجنوب التونسي أين لا يزال يُعتبر الذكر حارسًا للإرث واسم العائلة

تونس توقّع اتفاق تمويل مع البنك الدولي بـ430 مليون دولار لدعم التحول الطاقي
اقتصاد

تونس توقّع اتفاق تمويل مع البنك الدولي بـ430 مليون دولار لدعم التحول الطاقي

البنك الدولي: يساعد المشروع على خفض تكاليف إمدادات الكهرباء بنسبة 23%، وتحسين نسبة استرداد تكاليف الشركة التونسية للكهرباء والغاز من 60 إلى 80%

أيام قرطاج المسرحية 2025.. عروض متنوعة ويحيى الفخراني في الافتتاح
ثقافة وفنون

أيام قرطاج المسرحية 2025.. يحيى الفخراني والفاضل الجعايبي في الافتتاح

تتضمن برمجة هذه الدورة من أيام قرطاج المسرحية، 12 عرضًا ضمن المسابقة الرسمية، و15 عرضًا في قسم "مسرح العالم"، و16 عرضًا تونسيًا، و6 عروض عربية وإفريقية


تعرف على قيمة الزكاة في الزيتون والتمر
مجتمع

تعرّف على نصاب زكاة الزيتون والتمر في تونس للعام الهجري 1447

أعلن ديوان الإفتاء في تونس، يوم الخميس 13 نوفمبر 2025 عن نصاب زكاة الزيتون والتمر وسائر الثمار للموسم الفلاحي الحالي 1447هـ ـ 2025 م، وذلك مواكبة لانطلاق موسم جني الثمار، وفق بلاغ له

هيئة المحامين: إنشاء مرصد لمتابعة احترام معايير المحاكمة العادلة في تونس
سیاسة

هيئة المحامين: إنشاء مرصد لمتابعة احترام معايير المحاكمة العادلة في تونس

عقدت الهيئة الوطنية للمحامين بتونس جلسة عامة إخبارية في دار المحامي، يوم الأربعاء 12 نوفمبر 2025 بدعوة من العميد بوبكر بالثابت، أكدت خلالها على ضرورة حضور جميع الجلسات والترافع لضمان حضور المتهمين شخصيًا في قاعات المحاكم، مع رفض المحاكمات عن بعد لما تفتقر إليه من شروط قانونية، وتعد انتهاكاً لمبدأ المحاكمة العادلة عبر حرمان المتهم من الدفاع دون مبرر قانوني

الأكثر قراءة

1
میدیا

زياد دبار: تعليق نشاط جمعية "نواة" سابقة خطيرة وهو قرار سياسي مغلف بقرار إداري


2
اقتصاد

حوار| مستشار جبائي: ضغط جبائي مرتفع وتشجيع الاستثمار غائب في مشروع قانون المالية 2026


3
سیاسة

هيئة الدفاع: فتح تحقيق إداري في الاعتداء على جوهر بن مبارك بعد نقله للمستشفى


4
سیاسة

أحزاب تونسية: إدانة للتنكيل الممنهج بالسجناء السياسيين ودعوة لإطلاق سراحهم


5
سیاسة

تأخير النظر مجددًا في القضية الاستعجالية لإيقاف نشاط الوحدات الملوثة بقابس