إسهال المقترحات التشريعية.. وجه آخر للشعبوية السياسية في تونس؟
18 يوليو 2025
إن كان يبدو تعدّد مقترحات القوانين المقدّمة من أعضاء مجلس نواب الشعب يؤشر ظاهريًا لحالة من الحيوية داخل قبة البرلمان التونسي، فإنه، في المقابل، يعكس مشهدًا سلبيًا في ظل تقديمها غالبًا دون دراسة كافية، أو مع ضعف الصياغة القانونية دون عن حدود الانسجام سواء بين المقترحات نفسها أو مع القوانين النافذة.
وكلّ ذلك إضافة لمحدودية النجاعة في ظل عدم ضمان الأغلبية اللازمة للمصادقة عليها باعتبار أن جلّ النواب من المستقلّين بما يصعّب توافقهم على مقترحات قوانينهم خاصة وأن جلّ الكتل توصف بأنها تقنية أي أنها اُحدثت لغاية تيسير العمل النيابي دون انعكاس لأرضية جامعة. ويزيد من إضعاف النجاعة هو تحفّظ الجهة الحكومية على عديد المقترحات بما يضعف قدرة المقترح على التحوّل إلى قانون نافذ.
يرجّح أنّ تسابق النواب لتقديم مقترحات قوانين يعكس سعيهم لإثبات فاعليتهم في الوظيفة التشريعية عبر إظهار القدرة على المبادرة الإيجابية دون الاكتفاء فقط بالتصويت على مشاريع الحكومة
هذا ويرجّح أنّ تسابق النواب لتقديم مقترحات قوانين يعكس سعيهم لإثبات فاعليتهم في الوظيفة التشريعية عبر إظهار القدرة على المبادرة الإيجابية دون الاكتفاء فقط بالتصويت على مشاريع الحكومة خاصة مشاريع القروض، خاصة بعد أن بات البرلمان يوصم بأنه "مجلس القروض".
حمّى مقترحات إحداث بلديات.. وسيلة ضغط على الحكومة؟
يكشف الاطلاع على قائمة مقترحات القوانين في الموقع الإلكتروني للبرلمان عن موجة مقترحات قدمها نواب لإحداث بلديات جديدة في كلّ من حي النصر، وتونس الجنوبية، والكساسبة، وهيبون، والمنصورة، ودوز الجنوبية ومقرن وغيرها وذلك على كامل خريطة البلاد. وهذه المقترحات التي تحوّلت أشبه بتنافس بين النواب وبما قد حوّلها لمعيار لمدى وفاء النائب لمنطقته المحليّة، سعى أصحابها لتأسيسها على أساس مؤشرات تجعل، بالنسبة إليهم، المنطقة المعنيّة تستحق ارتقاءها إلى مصاف جماعة محلية عبر إفرادها ببلدية خاصّة.
بيد أن هذه المقترحات، في المقابل، تعلّقت بمجال طالما استفردت الحكومة بتنظيمها بحكم أن إحداث البلديات يندرج ضمن رؤية شاملة للجماعات المحلية لجهة توزيعها الجغرافي وبما يفترض القيام بدراسات تشمل دراسة الجدوى خاصة لجهة الخدمات. ومن البيّن أن هذه المبادرات تقدّمت جاءت استجابة لمطالب جهات محلية، بوجه عامّ، بعد عدم استجابة الحكومة لمطالبهم بإفرادهم ببلديات مستقلة.
من جهتها، ولمواجهة حمّى مقترحات البلديات الجديدة، اقترحت لجنة الإدارة تنظيم يوم دراسي بالتنسيق مع الأكاديمية البرلـمانية حول النظام القانوني لإحداث البلديات لتناول المسألة بمختلف جوانبها الدستورية والقانونية والواقعية أيضًا. ويظلّ السؤال حول موقف الحكومة من إحداث البلديات الجديدة إن كانت ستدعمها أو تتحفّظ عليها أو ستقدّم مشروع حكومي شامل للغرض.
مقترحات لتنظيم مهن.. مقترحات قطاعوية ومتضاربة فيما بينها
شملت مبادرات النواب صنفًا من المقترحات تعلّقت بتنظيم مهن مختلفة من بينها القانونية على غرار ثلاث مبادرات لتنظيم مهن المحاماة، وعدول الإشهاد والمستشارين الجبائيين. والملاحظ أنّ هذه المبادرات هي نفسها مقترحات الهيئات المهنية التي طالما عملت على تمريرها عبر وزارة العدل كمشاريع حكومية. بيد أنه أمام سياسة الأبواب الموصدة للوزارة التي يظهر أنها مستقيلة عن فتح ورشة تنظيم المهن القانونية، اضطرّت الهيئات للتوجه مباشرة للبرلمان عبر التشبيك مع نوابها لإقناعهم بتقديم مبادرات متطابقة مع مقترحاتها. ويُطرح السؤال، في هذا الجانب، حول تحوّل النائب إلى أشبه بساعي بريد باعتبار أن المعلوم أن مصدر نصّ المبادرة هو هيئة قطاعية.
شملت مبادرات النواب مقترحات تعلّقت بتنظيم مهن مختلفة تتضمّن طغيانًا للصبغة المصلحية القطاعية خاصة في علاقة بتوسيع مجال الاختصاصات الحصرية، وهو ما أدّى بالتبعية لتضارب مع المقترحات الأخرى وأيضًا مع القوانين النافذة
وقد أدّى هذا المشهد لتقديم مقترحات تتضمّن طغيانًا للصبغة المصلحية القطاعية خاصة في علاقة بتوسيع مجال الاختصاصات الحصرية، بما أدّى بالتبعية لتضارب مع المقترحات الأخرى وأيضًا مع القوانين النافذة، دونًا عن رفض حادّ من الهيئات المهنية المتضررة من هذا المقترح أو ذاك. ويتبيّن ذلك بالخصوص برفض هيئة المحامين وغرفة عدول التنفيذ لمقترح قانون عدول الإشهاد، وأيضًا الرفض المزدوج والقاطع لهيئة الخبراء المحاسبين وهيئة المحاسبين لمقترح قانون مهنة المستشار الجبائي.
هذا وشملت مقترحات النواب في علاقة بتنظيم مهن أيضًا مبادرات لتنظيم مهنة الدليل السياحي ومهنة الخبير في المساحة، فيما يظهر دائمًا تفاعلًا مع مطالب مهنيي القطاعات بعد عدم القدرة على تمرير المطلوب عبر القنوات الحكومية.
مبادرات حول مجالات مركّبة وذات كلفة مالية
تعلّقت مقترحات قوانين، في الأثناء، بمجالات مركّبة طالما اختصت الحكومة بتنظيمها لتعلّقها بسياسات عمومية أو تضمّنت كلفة مادية على نحو يصعب تمريرها دون الأخذ بعين الاعتبار تقديرات الحكومة خاصة لجهة العبء المالي. فمثلًا، قدّم نواب في شهر ماي/أيار 2025 مقترح قانون لتنظيم الضمانات البنكية لإلزام البنوك بعدم اشتراط ضمانات تتجاوز نسبة 100% من أصل القرض، وذلك بعنوان التناسب وحفظ حقوق الطرف الأضعف في المعاملات البنكية. وهو مقترح يصعب استيعابه في المنظومة التشريعية والاقتصادية والبنكية إن لم يكن في إطار سياسة حكومية بالشراكة مع القطاع البنكي. الصورة ذاتها تتعلّق بمقترح إحداث بنك البريد المُحال على لجنة المالية للنقاش.
كما أودع نواب مبادرة لتسوية الوضعية العقارية للأحياء الشعبية العشوائية تتضمّن إحداث لجان فنية لغرض التسوية وضبط معاليم ذلك مع إحداث منصة إلكترونية تابعة لوزارة الداخلية لتقديم مطالب الرخص. ويصعب تقدير معالجة ملف بحجم الأحياء الشعبية العشوائية التي تضمّ نحو مليون ساكن أي نحو عشر سكان البلاد بمقترح لبعض النواب بدل سياسة عمومية شاملة لا تقتصر على الجانب القانوني بل تشمل الجوانب الاجتماعية والاقتصادية وغيرها.
كذلك، يقترح نواب إرساء الحق في الحضانة العمومية لعمر 4 سنوات بما يقتضي إحداث حضانة بكل معتمدية توفر خدماتها للعموم بصفة مجانية أو تفاضلية. وهو مقترح دون أنه يتضمّن عبئًا ماليًا، فإنه يصعب إرساء هكذا حق بالصيغة المقترحة في غياب سياسة عمومية قطاعية بأهداف محددة ووفق وسائل مضبوطة. وفي الإطار نفسه، يوجد مقترح لإحداث صندوق خاصّ لرعاية كبار السنّ. كما لم يتردّد نواب بدورهم في تقديم مقترح لتنظيم أداء الواجب الوطني في إطار التعيينات الفردية وهي مسألة لا يمكن تنظيمها بخارج عن برامج وزارة الدفاع لتنظيم هذه المسألة خاصة لجهة تعلّقها بالأمن القومي.
تظلّ استقالة الحكومة عن تقديم الإصلاحات التشريعية المطلوبة، أحد عوامل إسهال مقترحات النواب، وذلك إضافة لسعي العديد منهم لإثبات فاعليتهم في الوظيفة التشريعية، أمام الرأي العام
ولعلّ، في الأثناء، نموذج مقترحات النواب التي تضمنت منح امتيازات لفئات مع تضمّنها لأعباء مالية مكلفة هو مقترح يتعلّق بامتيازات جبائية لفائدة التونسيين المقيمين لتوريد أو اقتناء سيارة من السوق المحلية سيارة. ومجددًا، يصعب إرساء امتيازات جبائية بمبادرة نيابية خارج سياسة جبائية عادة ما تتفرّد الحكومة بتقديمها في إطار قانون المالية كل عام. مع الإشارة لوجود مبادرة نيابية لتنظيم قانون أساسي للميزانية يرمي بحسب أصحابه لسدّ الفراغ التشريعي الناجم عن إحداث برلمان بغرفتين وأيضًا لتجويد أحكام القانون الحالي وتنظيمه.
مقترحات متهافتة
بعض المقترحات النيابية، في جانب متصل، يظهر عليها عنصر التهافت كمقترح قانون يتعلق بحماية المصطافين وضمان سلامة السباحة في الشواطئ، والواضح أن أصحاب المبادرة قدموه تفاعلًا مع تسجيل حوادث غرق لمصطافين بداية فصل الصيف الحالي. وقد تضمن هذا المقترح إلزامًا بمنع ترك طفل عمره دون سنة 15 عامًا يسبح أو يلعب في البحر دون مرافقة شخص راشد، والوليّ أو المرافق الذي يخلّ بالمرافقة يواجه خطية مالية قدرها 500 دينار. وتتبيّن ضعف الصياغة القانونية بالتنصيص أن القانون يدخل حيز النفاذ "بداية من الموسم الصيفي الموالي" وهي عبارة تعكس عدم إلمام بقواعد كتابة النص التشريعي.
كما أودع نوّاب مقترحًا يتضمن تعديلًا للنصوص التجريمية للسرقة في المجلة الجزائية بغاية "مكافحة البراكاج" بما يوحي بوجود فراغ تشريعي تجاه الرأي العامّ. كما تقدّم أكثر من مقترح قانون لتعديل الفصل 96 من المجلة الذي أدت عديد تطبيقاته، بحسب متابعين، لمساءلة الموظف العمومي على اجتهاداته ووضعها تحت سيف التتبع الجزائي. وتأتي مقترحات تعديل المجلة الجزائية واقعًا في ظلّ تعمّد وزارة العدل تجميد ورشة تنقيحها برمتها التي سبق وأطلقتها قبل سنوات عبر لجان متخصصة.
تظلّ إذن، بالنهاية، استقالة الحكومة عن تقديم الإصلاحات التشريعية المطلوبة أحد عوامل إسهال مقترحات النواب، وذلك إضافة لسعي العديد منهم لإثبات فاعليتهم في الوظيفة التشريعية، أمام الرأي العام، في برلمان يُنظر إليه، في ظل النظام السياسي والممارسة، بأنه محدود الفاعلية وأشبه بذراع تشريعي لحساب السلطة التنفيذية.
الكلمات المفتاحية

قضايا جديدة ضد 3 محامين في قضية "التآمر".. هرسلة مستمرة للسان الدفاع
قضايا جديدة ضد 3 محامين في قضية "التآمر".. ليست الأولى ضد محامين في هيئة الدفاع في هذه القضية على وجه الخصوص، وليست الأولى أيضًا إثر شكايات من الهيئة العامة للسجون على وجه التحديد

أحزاب تونسية: إدانة للتنكيل الممنهج بالسجناء السياسيين ودعوة لإطلاق سراحهم
تفاعلت عديد الأحزاب السياسية، مع مستجدات "إضراب الجوع الذي يخوضه عدد من السجناء السياسيين في تونس"، خاصة بعد تأكيد شقيقة جوهر بن مبارك "تعرّضه للضرب الشديد في السجن لإجباره على تناول الطعام"

"اعتداء على جوهر بن مبارك داخل السجن".. تنديد سياسي وحقوقي ودعوة للمحاسبة
الناشط السياسي وسام الصغير: الاعتداء الأخير على جوهر بن مبارك ليس معزولاً عن ما تشهد البلاد من التصفية السياسية لكل صوت حر، حتى داخل الزنزانات

"مصدر انبعاث غازات مسرطنة".. وقفة احتجاجية في قليبية للمطالبة بغلق مصب
انتظمت يوم الاثنين 17 نوفمبر 2025، أمام مقر معتمدية قليبية من ولاية نابل وقفة احتجاجية للمطالبة بالإسراع في غلق المصب العشوائي بوادي ليمام، وذلك بمبادرة من فرع قربة–قليبية للرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان والاتحاد المحلي للشغل قليبية–حمام الغزاز، وبمشاركة عدد من المواطنات والمواطنين المتضررين من الوضع البيئي المتدهور بالمنطقة

كاتب عام اتحاد الشغل بصفاقس لـ"الترا تونس": متمسكون بالإضراب وبحق العمال في الزيادات
أكد الكاتب العام للاتحاد الجهوي للشغل بصفاقس، يوسف العوادني، لـ"الترا تونس"، يوم الاثنين 17 نوفمبر 2025 تمسّك الاتحاد بتنفيذ الإضراب العام يوم الثلاثاء 18 نوفمبر 2025 في القطاع الخاص، احتجاجًا على تعطّل المفاوضات الاجتماعية الخاصة بالزيادة في أجور سنة 2025

تونس تتسلم 47 سيارة إسعاف من الاتحاد الأوروبي
أعلن الاتحاد الأوروبي، يوم الاثنين 17 نوفمبر/تشرين الثاني 2025، عن تسليم 47 سيارة إسعاف كاملة التجهير إلى تونس في إطار برنامج "الصحة عزيزة"، الذي يهدف إلى دعم القطاع الصحي وتعزيز الوصول إلى الخدمات الصحية في الخطوط الأمامية وجودتها

بكالوريا 2026.. إجراءات لفائدة المترشحين من ذوي الإعاقة والاضطرابات الخصوصية
أعلنت وزارة التربية، يوم الاثنين 17 نوفمبر 2025، عن جملة من التدابير الاستثنائية التي سيتم اعتمادها خلال الاختبارات الكتابية والتطبيقية لامتحان البكالوريا 2026 لفائدة المترشحين من ذوي الإعاقة والاضطرابات الخصوصية في التعلم. وتأتي هذه الإجراءات بعد دراسة الملفات الطبية المعروضة على الإدارة العامة للامتحانات

