21-ديسمبر-2020

4 قوانين يمكن اعتبارها حصيلة عمل المجلس سنة 2020 (صورة أرشيفية/ياسين القايدي/ الأناضول)

 

صادق البرلمان التونسي عام 2020 على عدد قليل من القوانين مقارنة بسنوات سابقة. لا نكشف سرًا إن قلنا إن الدورة النيابية الأولى لمجلس النواب في تركيبته الجديدة المنبثقة من الانتخابات التشريعية 2019 تميزت بخلافات حادة بين الكتل البرلمانية والنواب وتتالي الاعتصامات والاحتجاجات، وختم البرلمان سنة 2020 على وقع العنف المعنوي والمادي. 

لا نكشف سرًا إن قلنا إن الدورة النيابية الأولى لمجلس النواب في تركيبته الجديدة المنبثقة من الانتخابات التشريعية 2019 تميزت بخلافات حادة بين الكتل البرلمانية

أثر كل  ذلك على الدور التشريعي للمجلس وهو دوره الأساسي بالتوازي مع دوره الرقابي على الحكومة. وبالعودة إلى تفاصيل القوانين، على قلتها، التي تمت المصادقة عليها سنة 2020 نجد أن معظمها خُصصت للحصول على عدد من القروض ومعظمها لا يتجاوز الفصل الواحد إضافة إلى قانون المالية التعديلي لسنة 2020 وقانون المالية لسنة 2021. لكن يلفت انتباهنا 4 قوانين أساسًا، ربما يمكن اعتبارها حصيلة عمل المجلس سنة 2020. فيما يلي لمحة عن هذه القوانين: 


1 ـ قانون الاقتصاد الاجتماعي والتضامني 

في 17 جوان/يونيو 2020، صادق البرلمان التونسي على قانون الاقتصاد الاجتماعي والتضامني بأغلبية 131 نائبًا ودون معارضة ومع احتفاظ نائب وحيد وذلك بعد توافق الكتل في إطار لجنة التوافقات على تعديل بعض الفصول وإضافة أخرى على النسخة المقدمة في البداية من الحكومة.

ويتضمن القانون تعريفًا للاقتصاد الاجتماعي والتضامني، وتحديدًا لمؤسساته ومجالات نشاطه. كما يتطرق إلى حوكمة الاقتصاد الاجتماعي والتضامني، وآليات التسجيل وقاعدة البيانات والحساب القمري، إلى جانب تمويل مؤسسات هذا الاقتصاد وحوافزها.

وقد تم إعداد مشروع القانون، وفق وثيقة شرح الأسباب، باعتماد مقاربة تشاركية جمعت الوزارات المعنية بالقطاع والاتحاد العام التونسي للشغل والاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية والاتحاد التونسي للفلاحة والصيد البحري وبعض مكونات المجتمع المدني، وبدعم من منظمة العمل الدولية.

وقد أشارت وثيقة شرح الأسباب إلى أن التجارب المقارنة أثبتت حيوية هذا القطاع ومساهمته، إلى جانب القطاع العمومي والقطاع الخاص، في دفع التنمية الاقتصادية والاجتماعية خاصة في المناطق الداخلية. كما برهن هذا القطاع عن قدرته على خلق ديناميكية اقتصادية واجتماعية تمكن من الاستغلال الأمثل للموارد المادية والبشرية، وتساهم في تقريب الخدمات وتلبية حاجيات مختلف الفئات وتحسين ظروف العيش ودعم التماسك الاجتماعي والتنمية المحلية المستدامة. كما بيّنت هذه التجارب مساهمة هذا الاقتصاد في الحد من تفاقم القطاع غير المنظم من خلال إدراج العاملين به ضمن الدورة الاقتصادية المنظمة ودوره في التقليص من البطالة، وفق ذات الوثيقة.

تكشف التجارب المقارنة أن الاقتصاد الاجتماعي والتضامني يساهم في الحد من تفاقم القطاع غير المنظم من خلال إدراج العاملين به ضمن الدورة الاقتصادية المنظمة إضافة إلى دوره في التقليص من البطالة

ويساهم الاقتصاد التضامني والاجتماعي في العالم، وفق الوثيقة ذاتها، في تشغيل ما يقارب 100 مليون عامل. ويساهم في بلدان الاتحاد الأوروبي بـ12.9 في المائة في التشغيل، أي ما يعادل 28 مليون موطن شغل قار. ويساهم في فرنسا بنسبة 10 في المائة من الناتج القومي الخام و10.5 في المائة في التشغيل و100 ألف موطن شغل محدث سنويًا.

ويُعتبر موضوع الاقتصاد الاجتماعي والتضامني من المواضيع التي فرضتها التحولات الاقتصادية والاجتماعية في تونس، حيث بلغ عدد العاطلين عن العمل حوالي 639 ألفًا في أواخر سنة 2017 من بينهم 264 ألفاً من أصحاب الشهادات العليا أي ما يعادل 42  في المائة من مجمل العاطلين عن العمل.

ويمكّن هذا القطاع من دفع روح المبادرة التضامنية من خلال بعث مشاريع جماعية على غرار مهن الجوار، وهي عبارة عن خدمات اجتماعية يتم تقديمها في إطار محلي استجابة لحاجيات فردية أو جماعية، وذلك دائمًا وفق ما ورد في وثيقة شرح الأسباب للقانون المذكور.

اقرأ/ي أيضًا: 

"عولة الفرش" بغمراسن.. نسوة ينتجن ويحفظن التراث الغذائي البربري

قانون الاقتصاد الاجتماعي التضامني يفتح ملف واحات جمنة من جديد

2 ـ قانون التمويل التشاركي 

صادق مجلس نواب الشعب، يوم 21 جويلية/ يوليو 2020، على مشروع قانون يتعلّق بالتمويل التشاركي برمته بـ127 نعم، دون احتفاظ ودون رفض.

ويهدف قانون التمويل التشاركي، وفق فصله الأول، إلى "تنظيم نشاط التمويل التشاركي لتوفير التمويل اللازم للمشاريع والشركات بغاية دفع الاستثمار"، كما تضمن نص القانون تعريفات للمصطلحات الأساسية في التمويل التشاركي مثل "التمويل التشاركي، شركة إسداء خدمات التمويل التشاركي، منصة التمويل التشاركي، المشارك، صاحب المشروع، المشروع، سلط الرقابة، الخ". وفي فصله الثالث يصنف نشاط التمويل التشاركي إلى التمويل التشاركي عبر الاستثمار في أوراق مالية والتمويل التشاركي عبر إسناد قروض. 

وفي توضيح هذا القانون، جاء في وثيقة شرح الأسباب الخاصة به "يتكون أغلب النسيج الاقتصادي التونسي من مؤسسات صغرى ومتوسطة وهي تساهم بشكل كبير في خلق الثورة وتعد مصدرًا مهمًا لخلق مواطن الشغل غير أن هذه المشاريع عادة ما تجد صعوبة بالغة في الحصول على التمويل الذي يعوق قدرتها على التطور ويجعلها معرضة للهشاشة المالية والاقتصادية الدائمة. وبالرغم مما يتوفر للشركات الصغيرة والمتوسطة من تسهيلات مالية لتغطية الاحتياجات الأساسية من حيث الائتمان ورأس المال، لا يزال هناك العديد من الثغرات والطلبات المهمة غير المستوفية في هذا المجال. كما تجدر الإشارة إلى أن الشركات الصغرى والمتوسطة وخاصة الناشئة منها تتطلب نظامًا ماليًا يتطابق مع خصوصيات مخطط أعمالها نظرًا لأنشطتها المتجددة والمبتكرة".

يساهم التمويل التشاركي في توفير مصادر جديدة للتمويل مصممة أساسًا لتلبية احتياجات الشركات الصغيرة والمتوسطة والشركات الناشئة

وبناء على هذا الوضع، تتضح أهمية التمويل التشاركي من حيث "توفيره مصادر جديدة للتمويل مصممة أساسًا لتلبية احتياجات الشركات الصغيرة والمتوسطة والشركات الناشئة إضافة إلى محدودية فرص التمويل عن طريق القطاع المالي التقليدي ونقص التمويل الذاتي وعدم تمويل القطاع البنكي لرأس المال المتداول، وبالتالي تعد منصات التمويل التشاركي عبر القروض وعبر الاستثمار حلاً فعالاً لما تقدمه من سهولة وسرعة في التنفيذ والتصرف المتبادل في المخاطر"، وفق وثيقة شرح الأسباب.

كما يوفر التمويل التشاركي عبر الاستثمار في أوراق مالية Equity Crowdfunding حلاً لتمويل رأس مال المؤسسات التونسية الناشئة والمشاريع المتجددة التي تفتقر إلى الموارد المالية ونظرًا للطبيعة الخطرة لهذه المشاريع، وأيضًا يوفر التمويل التشاركي موارد مالية للمؤسسات الناشئة والصغرى والمتوسطة في المراحل المبكرة من تطورها، كما ورد في ذات الوثيقة.

3 ـ قانون الإجراءات الاستثنائية للانتداب في القطاع العمومي 

صادق مجلس نواب الشعب، يوم 29 جويلية/يوليو 2020، على مشروع القانون المتعلق بسن إجراءات استثنائية للانتداب في القطاع العمومي بموافقة 159 نائبًا واحتفاظ 18 نائبًا ودون معارضة.

وينص القانون على الانتداب المباشر دون اللجوء إلى صيغة المناظرة الخارجية بالملفات والاختبارات وذلك على دفعات سنوية لكل من: الذين قضوا فترة بطالة تجاوزت 10 سنوات وأكثر والمسجلين بمكاتب التشغيل ولأصحاب الشهائد العليا الذين بلغوا 35 سنة ولم تبلغ مدة بطالتهم 10 سنوات والمسجلين بمكاتب التشغيل ولفرد من كل عائلة جميع أفرادها عاطلون عن العمل والمسجلين بمكاتب التشغيل.

وينص القانون على استكمال تطبيقه في مدة لا تتجاوز 4 سنوات. وكان قد تقدّم بمقترح القانون 35 نائبًا يتوزعون على الكتل التالية: حركة النهضة (16 نائبًا)، والكتلة الديمقراطية (5 نواب)، وكتلة قلب تونس (4 نواب)، وكتلة ائتلاف الكرامة (6 نواب)، ونائب وحيد عن كل من كتل الإصلاح الوطني، والمستقبل، وتحيا تونس إضافة لنائب مستقل. 

يرى البعض أن قانون الإجراءات الاستثنائية للانتداب في القطاع العمومي يعدّ شعبويًا بتحميل الدولة مسؤولية تشغيل العاطلين عن العمل بغض النظر عن كفاءاتهم مع التأكيد أنه لا يمكن معالجة مشكل البطالة بهذه الطريقة

واعتبر النواب أن مقترحهم يأتي في إطار تجسيم الفصل 40 من الدستور، مع مراعاته للتمييز الإيجابي لفائدة الجهات الأقل حظًا. لكن يرى فريق آخر أن هذا القانون يعدّ شعبويًا بتحميل الدولة مسؤولية تشغيل العاطلين عن العمل بغض النظر عن كفاءاتهم، وتحميلها أعباء مالية ضخمة، عدا التأكيد أنه لا يمكن معالجة مشكل البطالة بهذه الطريقة.

وكان وزير الوظيفة العمومية والحوكمة ومكافحة الفساد السابق محمد عبو قد عبر، خلال جلسة استماع أمام لجنة الشباب والشؤون الثقافية والتربية والبحث العلمي، عن تحفظه على مقترح القانون، داعيًا إلى التركيز على الكفاءة في الانتدابات مع الأخذ بعين الاعتبار لمبدأ الإنصاف. وعبر عن موافقته بإدراج البعد الاجتماعي في الانتدابات لا سيما تشغيل فرد من كل عائلة جميع أفرادها عاطلون عن العمل.

كما أن حكومة الفخفاخ، عندما كانت في فترة تصريف الأعمال، وجهت مراسلة لمجلس نواب الشعب مذكرة بمضمون الفصل 63 من الدستور وبأن مشاريع القوانين ذات الانعكاسات المالية على الميزانية غير مقبولة. وأوضح الفخفاخ أن مقترح القانون المذكور "يتطلب تنسيقًا مسبقًا لتوفير وبرمجة موارد مالية إضافية واعتمادات لتغطية الكلفة المالية الباهضة لهذه الانتدابات". لكن لم تتم الاستجابة لطلب الحكومة وتم النظر في القانون في الجلسة العامة. وتجد حكومة هشام المشيشي الحالية صعوبات عدة للانطلاق في تطبيق هذا القانون.

اقرأ/ي أيضًا: مقترح قانون لتشغيل "من طالت بطالتهم": تكريس للحق في العمل أم شعبوية؟

4 ـ قانون التفويض إلى رئيس الحكومة في إصدار مراسيم

صادق مجلس نواب الشعب يوم 4 أفريل/ نيسان 2020 على مشروع القانون المتعلق بالتفويض إلى رئيس الحكومة في إصدار مراسيم طبقًا للفصل 70 من الدستور بـ 178صوتًا مع احتفاظ نائبين اثنين ورفض 17آخرين.

فوض البرلمان لرئيس الحكومة (حينها إلياس الفخفاخ) لإصدار مراسيم بغرض مجابهة الجائحة وانتشار فيروس كورونا، طبقًا للفصل 70 من الدستور، وهو ما أثار جدلاً واسعًا

يتعلق الأمر بتفويض البرلمان لرئيس الحكومة حينها إلياس الفخفاخ لإصدار مراسيم بغرض مجابهة الجائحة وانتشار فيروس كورونا، طبقًا للفصل 70 من الدستور، والذي تحددت مدته بشهرين انطلاقًا من يوم ختمه ونشره بالرائد الرسمي يوم 12 أفريل/نيسان 2020.

وأصدر الفخفاخ 34 مرسومًا من أبرزها المرسوم المتعلّق بضبط إجراءات اجتماعية استثنائية وظرفية لمرافقة بعض الأصناف من العاملين لحسابهم الخاص المتضررين من أزمة كورونا، ومرسوم يتعلق بأحكام استثنائية وظرفية بخصوص تعليق العمل ببعض أحكام مجلة الشغل، وآخر يتعلق بإتمام مجلة الإجراءات الجزائية ويهدف إلى إقرار إمكانية حضور المتهم لجلسة المحاكمة والتصريح بالحكم عن بعد، ومرسوم يتعلق بالمعرّف الوحيد للمواطن إضافة إلى مرسوم يتعلّق بضبط أحكام استثنائية تتعلق بإنجاز الصفقات العمومية.

وقد لاقى هذا القانون جدلًا واسعًا قبل تطبيقه وبعده ويعتبر سابقة بالنظر إلى ارتباطه بجائحة صحية لم تشهد تونس مثيلًا لها منذ عقود.

 

هي 4 قوانين يمكن اعتبارها حصيلة عمل المجلس سنة 2020، كما سبق وذكرت، ولا يبدو واضحًا بعد إن كان البرلمان التونسي سيتدارك خلال دورته النيابية الثانية على المستوى التشريعي، وهي الدورة التي انطلقت مستهل أكتوبر/ تشرين الأول 2020. وكان حدد المجلس في بدايتها أن من أولوياته النظر في مشاريع قوانين تتعلق بتنقيح وإتمام القانون الخاص بالمحكمة الدستورية، ومشاريع قوانين أخرى متعلقة بإصدار مجلة مؤسسات الاستثمار الجماعي وزجر الاعتداء على القوات المسلحة وإصدار مجلة مؤسسات الاستثمار، لكن لم يتم المصادقة على أي منها، بل وجد البرلمان صعوبات حتى في تمرير قانوني المالية التعديلي لسنة 2020 وقانون المالية للعام 2021.

وينتظر التونسيون، خلال هذه الدورة النيابية الثانية، أن يتم استكمال انتخاب أعضاء المحكمة الدستورية وأن يتم إتمام انتخاب تركيبة والمصادقة على قوانين مختلف الهيئات الدستورية إضافة إلى النظر في عديد القوانين العالقة والمرتبطة بشكل مباشر أو غير مباشر بالحياة الاقتصادية والسياسية في البلاد.

 

اقرأ/ي أيضًا:

2020 في تونس.. سنة الجوائح المناخية والصحية والسياسية

وجوه ومشاهير فقدتهم تونس سنة 2020.. وداعًا!