09-أبريل-2021

تعتبر بعض الأشجار في عدد من الجهات مقدّسة لارتباطها بمختلف الأساطير والخرافات (صورة توضيحية/ Getty)

 

في منطقة تطاوين بالجنوب التونسي، يفوق عمر شجرة "العكاريت" 900 سنة تقريبًا. يصفها سكّان الجهة بالزيتونة المعجزة نظرًا لوفرة إنتاجها منذ تلك الفترة الطويلة.

يقول متساكنو المنطقة إنّ تسميتها تُنسب إلى "عروسي العكروت" الذي قام بغرسها. وتعتبر أكبر شجرة زيتون في تونس من حيث العمر والحجم وتفرّعها على مساحة كبيرة، ومن حيث إنتاجها الذي يفوق سنويًا الألف لتر من الزيت.

ولتلك الشجرة مكانة كبيرة لدى سكّان تطاوين. ربما لم ترتبط بأيّ روايات شعبية ولم تُحك حولها أيّ أساطير غريبة، ولكنّ لها مكانة ترفعها لدرجة القدسية هناك. وكُتبت عنها عديد التقارير وأُنتجت حولها عشرات القصص لمكانتها المرموقة لدى أبناء الجهة.

تعتبر بعض الأشجار في تونس "مقدّسة" لارتباطها بعدّة أساطير ومعتقدات متوارثة في مختلف الجهات من قبيل أنها تشفي من الأمراض أو تحقّق بعض الأمنيات حسب اعتقاد متساكنيها

ربما حُكي عن تلك الشجرة عدّة حكايات وروايات لكنها في أغلبها روايات عادية عن مكانة شجرة الزيتون وعن سِنّ تلك الشجرة بالذات. غير أنّ عشرات الأشجار في تونس التي فاق عمر بعضها آلاف السنوات تُروى عنها قصص غريبة مُخزّنة في ذاكرة أهالي كلّ جهة. ربما تلك القصص مختلفة عن قصة شجرة "ثيماما ماريمانو" التي تسمّى بشجرة الخلود في الهند، وهي شجرة تين بنغالي، وشكّلت أغصانها ظلًا جعلها تكون أضخم شجرة في العالم. ودخلت الشجرة موسوعة غينيس للأرقام القياسية في عام 1989.

اقرأ/ي أيضا: شجرة الزيتونة.. عن عادات تونسية أصيلة من الجني إلى "بيت العولة"

وقد تكون القصص عن أشجار تونس، مختلفة عن قصة شجرة "تبلدي" في السنغال، التي يبلغ عمرها نحو 18 قرنًا، والتي تُثير اهتمام السياح الأجانب، فيما يعتبرها السكان المحليون "شجرة مُقدّسة" تمنح الرزق وتشفي من الأمراض. لكنّها قصص تتشابه في المخيال والخرافة لارتباطها بعدّة أساطير ومعتقدات متوارثة جعلت تلك الأشجار مقدّسةً عند المتساكنين كونها تشفي من الأمراض أو تحقّق بعض الأمنيات حسب اعتقادهم.

شجرة العكاريت من منطقة الدويرات (من صفحة جمعية موروثنا على "فيسبوك")
  • زيتونة "أزواغر".. من يقطع جذعًا منها تُكسر أضلعه؟

زيتونة "أزواغر" في منطقة فريانة بالقصرين إحدى تلك الأشجار التي تروى حولها عديد الأساطير الشعبية. ويُقال إنّ من يقطع جذعًا منها تُكسر أضلعه أو يحصل له مكروه ما. وعن دراسة للدكتور "محمد الناصر صديقي" الباحث والجامعي التونسي تحت عنوان معتقدات الروح الأخضر بتونس في التراث الشفوي المحلي، فإنّ "زيتونة فريانة المعمرة سجلت في سجلات الجمعية التونسية للمدن المنتجة لزيت الزيتون، وتعد من الزياتين ذات الخصوصيات المميزة، وتعرف بأنها من أشجار الزيتون الكبيرة المعمرة بـ"حومة البلد" وهو من أقدم الأحياء بفريانة، وهي زيتونة موغلة في القدم قيل إن عمرها يربو عن خمسمائة عام، وربما عن الألف عام.

ولا شك أنّ عمرها الحقيقيّ أبعد من هذا التاريخ التقريبي نظرًا لجذعها المفرط في الضخامة وفروعها القوية" .وأمّا قصة تعميرها إلى زمننا هذا فإن "المخيال الشعبي قد صاغ عددًا من القصص والروايات فيها التاريخيّ الذي صُبغ بالأسطورة ويتمثل في حملات العرب المسلمين المتكرّرة للسيطرة على شمال إفريقيا ومراكزها الحضرية حين قرّر الخليفة عبد الملك بن مروان في الفترة الممتدة بين 73 و74 هجري استئصال حركات المقاومة البربرية وتصدّي الكاهنة له التي عملت على تخريب المدن والزراعات للحيلولة دون استفادة الغازي العربي القادم من الشرق منها، وكانت زيتونة "أزواغر" بفريانة من جملة الأشجار التي شملها القطع حسب ما نسجه خيال السكان الجماعي، إلا أنّ ما تمّ قطعه منه عاد كما كان، وبذلك استعصت على القلع، وهذا ما دفع الأهالي منذ تلك الفترة إلى تعظيم هذه الزيتونة حتى بات من المحرمات إلحاق أي نوع من الضرر بها".

يُروى عن زيتونة "أزواغر" بفريانة أنّ من يقطع جذعًا منها تُكسر أضلعه أو يحصل له مكروه ما

ويروي أفراد من عرش أزواغر حسب الكاتب أنّه  كلّما "أرادوا قلعها أتتهم في المنام طالبة منهم عدم القيام بذلك. ومن عادات سكان فريانة في المناسبات الدينية زيارة هذه الزيتونة المباركة للتّعطر بأنواع البخور وإيقاد الشموع على قاعدتها، وعندما ينحبس المطر في السماء تُخضّب بالحنّاء. والمعروف عن زيتونة أزواغر بفريانة أنّ زيتونها لا يُجنى ولا يُعصر بل يُقرقب (يُعصر بالطريقة التقليدية أي باليد) وثمرتها حلوة الطعم وزيتها أبيض يستعمل للتطبّب".

اقرأ/ي أيضا: قصص الزيتون في تونس.. قدم التاريخ وبركة الجغرافيا

سبق وأشار سهيل العرفاوي وهو كاتب ومختص في علم الاجتماع لـ"ألترا تونس"، حول موضوع تناقل الخرافات كحقيقة مسلّمة، إلى أنّ "المعتقدات يتم استقبالها وقبولها من قبل جميع أعضاء المجتمع مع كونها أعمال مجهولة المصدر، ليس لها أصل محدّد. من ناحية أخرى، فإن السياق الذي تتم فيه صياغة المعتقد يمثل أهمية خاصة لعلم الأعراق البشرية.

وتابع القول: "في الواقع، هي معتقدات يتم نقلها بشكل منهجيّ أثناء طقوس معيَنة في أعياد ومناسبات، كما أنّ إعادة المعتقدات وتكرارها يجعلها تكتسب شرعية في المجتمع، وربما تجعل المجتمع يخاف كائنات حية غير موجودة ثم يتمّ تقديم الأساطير والمعتقدات  كتفسير، هذا في الأصل ما يعبر عن حاجة التونسي لملجأ نفسيّ وتعطيه المجموعة أو المجتمع شرعية بحكم تكرار المعتقد".

سهيل العرفاوي(مختص في علم الاجتماع) لـ"الترا تونس": تناقل الخرافات كحقيقة مسلّمة مردّه أن إعادة المعتقدات وتكرارها يجعلها تكتسب شرعية في المجتمع

وقد تُشكل الشجرة محورًا أساسيًا في عقائد الإنسان منذ القديم. فحتى الحفريات والرسومات على الجدران عبر التاريخ احتوت على صور لبعض الأشجار على غرار الزيتون والصنوبر والأرز والنخيل وغيرها. وكما تزخر أشجار عديد الدول بقصص خرافية عن عدّة أنواع من الأشجار، فإنّ بعض المناطق التونسية تزخر بالمواريث الشعبية المختلفة التي ابتدع فيها مخيالها المجتمعي عديد الأساطير، لتحليل عوالم غيبية أو أمور غريبة كانت تحصل دون وجود أيّ تفسير منطقي لها، ما جعل البعض يلجأ إلى تفسير تلك الظواهر على مدى عصور عبر الخرافات المختلفة، والحكايات العجيبة.

قصة زيتونة "ازواغر" شجرة فريانة المقدسة قصة زيتونة "ازواغر" شجرة فريانة المقدسة بين الاسطورة والمخيال الشعبي ( عن...

Publiée par ‎actualités news أخبار فريانة FERIANA‎ sur Lundi 23 juin 2014

  • شجرة "الولية مقيال".. يُمنع منعًا باتًا الاعتداء عليها

شجرة صنوبر في منطقة حيدرة تُسمى بشجرة "الولية مقيال". عرفت باسم ولية لأنّها تقع في فضاء أحد صلحاء المنطقة وكان يُستظلّ بظلّها فسميت عدّة تسميات من بينها "مقيال الصلاح" أو "الولية". وأصبحت شجرة مقدسة في المنطقة. ويُقال أيضًا إنّه من يقطع منها جزءًا أو أيّ غصن صغير يصاب بمرض أو يسلط عليه عقاب كبير.

تقول فاطمة (64 سنة) إحدى سكان المنطقة لـ"ألترا تونس" إنّ "الشجرة مُقدسة لدى سكان تلك الجهة، ويُمنع منعًا باتًا الاعتداء عليها أو قطع ولو جزء صغير منها. وقيل سابقًا إنّ بعض الأشخاص ممن قطعوا أغصانها قد أصيبوا بالشلل أو بالعمى أو أيّ عاهة دائمة. لذا لا أحد يتجرأ اليوم على أخذ أيّ غصن صغير منها مخافة الإصابة بأيّ أذى.  في نهاية الأمر هي شجرة صنوبر ويوجد المئات منها في المنطقة، فما الضرر في استعمال غيرها وتركها هي إذا كان الاعتداء عليها قد يُسبب السوء لأيّ كان؟".

فاطمة (من سكان حيدرة) لـ"الترا تونس": شجرة "الولية مقيال" مقدّسة بمنطقة حيدرة ويُمنع منعًا باتًا قطع ولو جزء صغير منها وقيل سابقًا إنّ بعض الأشخاص ممن قطعوا أغصانها قد أصيبوا بالشلل أو بالعمى أو بأيّ عاهة دائمة

  • "العرعارة سالمة".. شجرة أخرى مباركة يُطلب منها تحقيق الأمنيات

غير بعيد عن تلك المنطقة يقول أيضًا الكاتب محمد الناصر صديقي في كتابه عن الروح الأخضر إنّ "العرعارة سالمة" أيضًا هي شجرة مباركة لدى أهالي قرقارة في ريف حيدرة. ويحكي سكان المنطقة أنّ امرأة قطعت من تلك الشجرة غصنًا صغيرًا فرأت في منامها امرأة طلبت منها إرجاع ما أخذت أو سيحصل لها مكروه. وتناقل سكان الجهة القصة ولم يعد يجرأ أحد على أخذ أيّ غصن منها مخافة الأذى. وبقيت قصّتها تتناقل إلى اليوم. وباتوا يزورون الشجرة كلّ خميس للتبرّك ولطلب تحقيق الأمنيات كالزواج والنجاح والشفاء من بعض الأمراض".

عديدة هي القصص الأخرى في عدّة جهات، خاصة في المناطق الريفية، اختلفت فيها أنواع الأشجار ولكن تشابهت في خرافة كون قطع جزء منها قد يصيب الشخص بمكروه أو عاهة دائمة.

أسامة بويحي (مختص في علم الاجتماع) لـ"الترا تونس": قصص غريبة رُويت حول الأشجار لا يُصدّقها العقل ولا نجد لها أيّ تفسير علميّ ومع ذلك تترسّب في أذهان المجتمعات

يقول المختص في علم الاجتماع أسامة بويحي لـ"ألترا تونس" إنّ أغلب المجتمعات العربية منها أو حتى الغربية ارتبطت بمواريث شعبية صيغت فيها عدّة أساطير ترتبط بظواهر غريبة قد تكون حصلت في زمن ما وصعب تفسيرها. وغالبًا ما ترتبط تلك الحكايات أساسًا بما يرويه وينقله كبار السنّ للصغار، كالأحاديث التي ترويها الجدّات مثلًا. وترسبت في الأذهان جيلًا بعد جيل وباتت كحقائق مسلّمة".

وأضاف بويحي أن "تونس تزخر بعدّة أساطير شعبية غريبة ارتبطت ببعض الأماكن أو بعض الحيوانات على غرار القطّ الأسود وما يروى حوله من أحاديث غريبة، تمامًا كبعض الأشجار التي رويت حولها قصص غريبة لا يُصدّقها العقل ولا نجد لها أيّ تفسير علميّ ومع ذلك تترسّب في أذهان المجتمعات جيلاً بعد جيل"، مرجحًا أن "يكون الخوف من حدوث أيّ مكروه هو ما يجنّب البعض حتّى التفكير في تجربة الأمر أو اكتشاف ما قد يحصل إذا تم الاعتداء فعلًا على أيٍّ من تلك الأشجار".

وخلص المختص في علم الاجتماع إلى أن "الخرافات تبقى جزءًا من ثقافة المجتمعات وتراثها على الرغم من كونها أساطير من نسج خيال بعض الناس يقع توارثها جيلًا بعد جيل دون  التسليم بصحتها ودون تكذيبها في الوقت ذاته"، حسب تقديره.

 

اقرأ/ي أيضًا:

"النعوشة" أو "أم الذراري".. طائر الموت في الموروث الشعبي التونسي

حينما كان "الجنّ" يسلّينا!