مجتمع

"أدوات تحتوي على مواد مسرطنة".. العودة المدرسية بين عبء الأسعار ومخاطر السوق الموازية

29 أغسطس 2025
العودة المدرسية
عضوة في جمعية الصحة والبيئة لـ"الترا تونس": بعض أدوات التلوين تحتوي على مواد مسرطنة، وهو ما يجعل الأولياء مطالبين بالانتباه عند اختيار الأدوات (تصميم الترا تونس)
حكمة مصدق
حكمة مصدقصحفية من تونس

مع اقتراب العودة المدرسية، يظهر على قارعة الطريق وفي الأسواق الشعبية الباعة المتجولون الذين يعرضون مستلزمات الأطفال بألوان وأشكال جذابة وأسعار أقل من تلك الرسمية. هذا الواقع يطرح إشكاليات متعددة، أبرزها الصحة وسلامة الأطفال.

ارتفاع أسعار الأدوات المدرسية يدفع التونسيين نحو السوق الموازية

وحيدة بوشعالة، أم لثلاثة أطفال، أوضحت لـ"الترا تونس" أن تكلفة شراء الأدوات المدرسية لجميع أطفالها تتجاوز بكثير ميزانية الأسرة وقالت: "لشراء أدوات مدرسية لطفل واحد من المكتبة، أضطر لدفع ضعف المبلغ الذي أستطيع به شراء أدوات الثلاثة أطفال من السوق الموازية، لذا أشتري من سوق ليبيا الشعبي في صفاقس الذي يوفر لي الأدوات بسعر يناسب وضعي المادي" وأضافت أن "بعض الأدوات في المكتبات الرسمية تُباع بسعر مرتفع جدًا بالنسبة للقدرة الشرائية للأسرة، ما يجعل البحث عن بدائل أرخص ضرورة لا خيارًا".

أم لثلاثة أطفال لـ"الترا تونس": لشراء أدوات مدرسية لطفل واحد من المكتبة، أضطر لدفع ضعف المبلغ الذي أستطيع به شراء أدوات لأطفالي الثلاثة من السوق الموازية

منى شعبان، أم أخرى، شددت على نفس الفكرة، مؤكدة أنها مضطرة للشراء من السوق الموازية أحيانًا للحفاظ على ميزانية الأسرة وكشفت لـ"الترا تونس": "الوزارات تحذرنا من المواد غير المرخصة، لكنها لا تقدم دعمًا كافيًا لتوفير البدائل الآمنة بأسعار مناسبة" وأوضحت أن "سعر الأدوات الرسمية مرتفع جدًا، خصوصًا عندما يضيع الطفل أقلامه أو أدواته بسرعة، ما يجعل شراء الرخيصة البديل الذي يناسب ميزانية العائلة". وأضافت: "حتى لو كانت الأدوات الرخيصة أقل أمانًا، أحيانًا لا أملك خيارًا آخر، لأن أدوات المكتبات الرسمية آمنة على أطفالنا وخطيرة على جيوبنا".

أم تونسية لـ"الترا تونس": حتى لو كانت الأدوات الرخيصة أقل أمانًا، أحيانًا لا أملك خيارًا آخر، لأن أدوات المكتبات الرسمية آمنة على أطفالنا وخطيرة على جيوبنا

السوق الموازية.. خيارات رخيصة تكلف صحة الأطفال الكثير

من جانبها، أوضحت آمال مبروك، عضوة في جمعية الصحة والبيئة أن "السوق الموازية للمواد المدرسية أصبحت مصدر قلق صحي كبير"، مشيرة إلى أن "العديد من الأدوات المدرسية الرخيصة وغير المرخصة تحتوي على مواد كيميائية ومعادن ثقيلة تشكل خطورة على صحة الأطفال". وقالت إن "الأدوات الرخيصة ومن بينها الممحاة وأقلام التلوين قد تحمل الزئبق أو الرصاص، وهو ما يمكن أن يؤدي إلى اضطرابات في الجهاز العصبي والنمو العقلي عند الاستخدام المتكرر، مؤكدة أن هذه المخاطر لا تظهر مباشرة ولكن آثارها تتراكم مع مرور الوقت".

عضو في جمعية الصحة والبيئة: على الأولياء الشراء بوعي ومسؤولية (حسنة/Getty/AFP)

وأضافت مبروك أن "بعض المواد المدرسية الأخرى قد تكون سببًا مباشرًا للحساسية، بما في ذلك حساسية الجلد أو الجهاز التنفسي، وقد تتطور في بعض الحالات إلى ضيق في التنفس أو مشكلات رئوية حادة التي قد تؤدي إلى الوفاة".

وأكدت أن "بعض أدوات التلوين تحتوي على مواد مسرطنة، وهو ما يجعل أولياء الأمور مطالبين بالانتباه الشديد عند اختيار الأدوات المدرسية، خاصة تلك الموجهة للأطفال الصغار". ولفتت إلى أن "المشتريات الرخيصة من السوق الموازية قد تبدو اقتصادية في البداية، لكنها تتحول إلى عبء صحي ومالي أكبر على المدى الطويل، حيث يتعين التعامل مع المشكلات الطبية التي قد تنتج عن التعرض لهذه المواد".

عضوة في جمعية الصحة والبيئة لـ"الترا تونس": المشتريات الرخيصة من السوق الموازية قد تبدو اقتصادية في البداية، لكنها تتحول إلى عبء صحي ومالي أكبر على المدى الطويل، حيث يتعين التعامل مع المشكلات الصحية التي قد تنتج عنها

كما تطرقت إلى مواد أخرى مثل قارورات الماء وصناديق الطعام الرخيصة، مشيرة إلى أنها "غالبًا مصنوعة من بلاستيك منخفض الجودة قد يحتوي على مواد كيميائية ضارة يمكن أن تنتقل إلى الطعام والمشروبات، ما يرفع من مخاطر التعرض لمشكلات هضمية أو سمية مزمنة للأطفال"، وفقها.

وشددت آمال على أن الوقاية خير من العلاج، داعية الأولياء إلى الشراء بوعي ومسؤولية، والحرص على التحقق من مصادر المواد المدرسية، مع التركيز على المنتجات المراقبة والمرخصة من قبل الجهات الرسمية. وأضافت أن "التوعية حول مخاطر المواد غير المراقبة يجب أن يبدأ مع الأطفال أنفسهم، لتوعيتهم بكيفية التعامل مع أدواتهم وحمايتهم من الاستخدام الخاطئ"، واختتمت بالقول إن "الاستثمار في الأدوات المدرسية الآمنة ليس رفاهية، بل هو استثمار مباشر في صحة الطفل وسلامته".

المنظمة التونسية لإرشاد المستهلك: الأولياء مسؤوليتهم محدودة ويجب تقنين السوق الموازية

على صعيد آخر، أكد رئيس المنظمة التونسية لإرشاد المستهلك، لطفي الرياحي أن "الإقبال على السوق الموازية للمواد المدرسية كبير جدًا، رغم المخاطر الصحية التي قد تنتج عن استخدامها"، مشيرًا إلى أن "هذه الأسواق لا يتم التعامل معها بجدية كافية من قبل الجهات الرسمية". وأشار إلى أن "سوق بومنديل يعد مثالًا حيًا على استمرار نشاط السوق الموازية في تونس، حيث يبقى المعروض أمام الجميع دون أي رقابة حقيقية، وهو ما يجعل أولياء الأمور يستهينون بالمخاطر، رغم أن المنتجات المعروضة، قد تحتوي على مواد ضارة تؤثر على صحة الأطفال"، وفقه.

(حسنة/Getty/AFP)
لطفي الرياحي: يطلب من التلاميذ الأغلفة بلاستيكية التي تحتوي على معادن ثقيلة (حسنة/Getty/AFP)

اقرأ أيضًا: حجز آلاف المستلزمات المدرسية الخطرة ووزارتا الصحة والتجارة تدعوان لاقتناء أدوات آمنة

وأوضح الرياحي أن "التغليف نفسه يمثل خطرًا إضافيًا، خاصة أنه يطلب من التلاميذ عشرات الأغلفة بلاستيكية والتي تحتوي على معادن ثقيلة مثل الزئبق والرصاص، وهو ما يزيد من احتمالية تعرض الأطفال لمشاكل صحية مزمنة".

رئيس المنظمة التونسية لإرشاد المستهلك لـ"الترا تونس": لا يمكن لوم الأولياء ومسؤوليتهم محدودة فيما يخص الإقبال على السوق الموازية، لأن هذه السوق موجودة ومتاحة للجميع

وشدد الرياحي على أهمية تقليل عدد الأدوات المطلوبة في قائمة المستلزمات المدرسية، مشيرًا إلى أن "بعض المواد المدرسية تعتبر غير ضرورية، ويمكن للأولياء الاكتفاء بالأساسيات، ما يقلل الحاجة للشراء من السوق الموازية، ويخفف العبء المالي على العائلات، ويضمن في الوقت ذاته شراء منتجات آمنة ومرخصة من السوق المنظمة".

وقال الرياحي لـ"الترا تونس": "لا يمكن لوم الأولياء ومسؤوليتهم محدودة فيما يخص الإقبال على السوق الموازية، لأن هذه السوق موجودة ومتاحة للجميع، ولا يمكن أن يتحملوا وحدهم عبء المخاطر الصحية الناتجة عن المنتجات غير المراقبة". 

وأكد أن "الحل يكمن في إيجاد حلول تنظيمية للسوق الموازية، عبر تقنينها وإدخالها ضمن التجارة المنظمة، بحيث تكون المنتجات مضمونة ومرخصة، مع توفير رقابة فعالة على الجودة والمواد المستخدمة"، وفقه.

وفي وقت سابق، أصدرت وزارتا الصحة والتجارة وتنمية الصادرات، يوم الأربعاء 27 أوت/أغسطس 2025، بلاغًا مشتركًا حول أهمية الوقاية من المخاطر الصحية المرتبطة باستخدام بعض المستلزمات المدرسية، وضمان عودة مدرسية آمنة للتلاميذ. وأكدت الوزارتان أن بعض الأدوات، خصوصًا تلك الجذابة للأطفال، قد تحتوي على مواد كيميائية خطرة تؤثر على الجلد، العينين، الكلى، الهرمونات، وصحة الطفل عند الاستعمال المتكرر. ودعتا أولياء الأمور إلى اقتناء المستلزمات من المسالك الرسمية والمراقبة، وتوعية الأطفال بمخاطر بعض الأدوات، مع متابعة المراقبة الرسمية لهذه المنتجات لضمان سلامة الأطفال.

الكلمات المفتاحية

العمل الحر في تونس.. واقع يتوسع خارج المنظومة الرسمية وسط تحديات الاعتراف والإدماج

العمل المستقل في تونس.. حرية مهنية تواجه هشاشة قانونية وإدارية

شهدت السنوات الأخيرة في تونس توسعًا ملحوظًا في ظاهرة العمل المستقل أو ما يُعرف بـ"العمل الحر" (Freelance)، حيث اختار العديد من الشباب هذا النمط من الشغل بحثًا عن حرية مهنية واستقلال مادي خارج أطر الوظيفة التقليدية، إلا أن هذا التوجّه المستجد يثير إشكالات متعددة تتعلق بوضعية هؤلاء داخل المنظومة القانونية والإدارية والاجتماعية الوطنية


مقاهي نادل Getty Dominika Zarzycka NurPhoto

سرديات تُضيء مهنة النادل في تونس

في آلاف المقاهي المنتشرة على طول البلاد التونسية، هناك شريحة مهنية لا يُستهان بها تضم آلاف الندل.. ثمة شخصيات وهبتها الحياة ما لم توهبها المدارس، استثنائية وألمعية بحضورها الطاغي أثناء أدائها لعملها


الكفيف في تونس

الكفيف في تونس.. مسيرة مضنية بين عزلة رقمية وفجوة معرفية

"الترا تونس" نقل من خلال التقرير التالي تجارب تلاميذ وطلبة من ذوي الإعاقة البصرية في مسيرة التحصيل الدراسي


طلاق بسبب البنات.. أو حين يُحاسب رحم الأم على جنس المولود

طلاق بسبب البنات.. أو حين يُحاسب رحم الأم على جنس المولود

ثريا التيجاني (محامية) لـ"الترا تونس": هذه الظاهرة غير مرئية إحصائيًا لكنّها حاضرة في الواقع القضائي والمجتمعي خاصة في المناطق الداخلية والجنوب التونسي أين لا يزال يُعتبر الذكر حارسًا للإرث واسم العائلة

تونس توقّع اتفاق تمويل مع البنك الدولي بـ430 مليون دولار لدعم التحول الطاقي
اقتصاد

تونس توقّع اتفاق تمويل مع البنك الدولي بـ430 مليون دولار لدعم التحول الطاقي

البنك الدولي: يساعد المشروع على خفض تكاليف إمدادات الكهرباء بنسبة 23%، وتحسين نسبة استرداد تكاليف الشركة التونسية للكهرباء والغاز من 60 إلى 80%

أيام قرطاج المسرحية 2025.. عروض متنوعة ويحيى الفخراني في الافتتاح
ثقافة وفنون

أيام قرطاج المسرحية 2025.. يحيى الفخراني والفاضل الجعايبي في الافتتاح

تتضمن برمجة هذه الدورة من أيام قرطاج المسرحية، 12 عرضًا ضمن المسابقة الرسمية، و15 عرضًا في قسم "مسرح العالم"، و16 عرضًا تونسيًا، و6 عروض عربية وإفريقية


تعرف على قيمة الزكاة في الزيتون والتمر
مجتمع

تعرّف على نصاب زكاة الزيتون والتمر في تونس للعام الهجري 1447

أعلن ديوان الإفتاء في تونس، يوم الخميس 13 نوفمبر 2025 عن نصاب زكاة الزيتون والتمر وسائر الثمار للموسم الفلاحي الحالي 1447هـ ـ 2025 م، وذلك مواكبة لانطلاق موسم جني الثمار، وفق بلاغ له

هيئة المحامين: إنشاء مرصد لمتابعة احترام معايير المحاكمة العادلة في تونس
سیاسة

هيئة المحامين: إنشاء مرصد لمتابعة احترام معايير المحاكمة العادلة في تونس

عقدت الهيئة الوطنية للمحامين بتونس جلسة عامة إخبارية في دار المحامي، يوم الأربعاء 12 نوفمبر 2025 بدعوة من العميد بوبكر بالثابت، أكدت خلالها على ضرورة حضور جميع الجلسات والترافع لضمان حضور المتهمين شخصيًا في قاعات المحاكم، مع رفض المحاكمات عن بعد لما تفتقر إليه من شروط قانونية، وتعد انتهاكاً لمبدأ المحاكمة العادلة عبر حرمان المتهم من الدفاع دون مبرر قانوني

الأكثر قراءة

1
میدیا

زياد دبار: تعليق نشاط جمعية "نواة" سابقة خطيرة وهو قرار سياسي مغلف بقرار إداري


2
اقتصاد

حوار| مستشار جبائي: ضغط جبائي مرتفع وتشجيع الاستثمار غائب في مشروع قانون المالية 2026


3
سیاسة

هيئة الدفاع: فتح تحقيق إداري في الاعتداء على جوهر بن مبارك بعد نقله للمستشفى


4
سیاسة

أحزاب تونسية: إدانة للتنكيل الممنهج بالسجناء السياسيين ودعوة لإطلاق سراحهم


5
سیاسة

تأخير النظر مجددًا في القضية الاستعجالية لإيقاف نشاط الوحدات الملوثة بقابس